د. صلاح عودة الله - القدس المحتلة
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4884
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أبدأ رسالتي هذه بتوجيه تحياتي إلى كافة قوى المقاومة الفلسطينية الوطنية والإسلامية التي استبسلت في الدفاع عن غزة هاشم وأربكت العدو الصهيوني إرباكا لم يكن يتوقعه، فها هو الجيش الذي لا يقهر يطالب بوقف لإطلاق النار.."دولة" معززة بجيش من أكبر الجيوش في المنطقة تعجز عن صد المقاومة الفلسطينية، هذه المقاومة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.
أبا الوليد:قبل أيام قلائل صادفت الذكرى السابعة والسبعون لاستشهاد الشيخ المناضل عز الدين القسام، ابن جبلة السورية، الذي قدم لفلسطين ليدافع عنها وعن عروبتها، فروت دماؤه الزكية أرض فلسطين..سورية الصمود والتصدي وآخر معقل للقومية العربية.
أخي أبا الوليد، نذكر تلك الأيام التي قام فيها عاهل الأردن الراحل الحسين بن طلال بطردك من بلاده رغم أنك تحمل الجنسية الأردنية، وحلقت طائرتك في الجو ساعات ورفضت عدة دول عربية استقبالك، إلا سورية الأبية، فحطت طائرتك في مطارها، مطار دمشق الدولي..دمشق الذي قال فيها أمير الشعراء أحمد شوقي"وعز الشرق أوله دمشق".وتذكر يا أبا الوليد أنه في ذلك الوقت كانت مصر غارقة في تراجعها العروبي ودول الخليج غارقة في عهرها وذلها واستقبالها لقادة العدو وخاصة أثناء المجزرة الصهيونية على غزة في أواخر عام 2008 وبداية عام 2009 م، حيث نذكر مقولة وزير خارجية مصر آنذاك أبو الغيط:"سنكسر عظام كل من يحاول اقتحام المعابر".لا تزال صورة "كلاب" السعودية وهم يرقصون مع المجرم بوش حاملا سيف الفتوحات الإسلامية مرسومة في ذهني وقلبي، في الوقت التي كانت غزة فيه تنزف وتودع الشهيد تلو الشهيد.
لقد قمت يا أبا الوليد بعض اليد الوحيدة التي مدت إليك، إنها سورية الأبية وقد قمت باتهامها بأنها تتاجر بالدم الفلسطيني..سورية دعمت ولا تزال تدعم القضية الفلسطينية ومقاومتها وأرسلت للمقاومة الفلسطينية في غزة الصواريخ التي ضربت القدس المحتلة وتل الربيع وجن جنون الكيان الصهيوني برمته، فإلى هذا الحد هانت عليك سورية؟.
"أيها المجاهد":عقدان من الزمن مرت على توقيع اتفاقية أوسلو المشئومةً وتبين أن منظمة التحرير الفلسطينية تطارد سراباً في صحراء الوهم..وبدأت تفاوض عدوا لا يعرف إلا نهج المماطلة والخداع، وكم كان تألمنا شديدا عندما رأينا فلسطين تبكي وهي ترى الآباء في الثورة، أبو فلان وأبو علان وغيرهم يلقون البنادق جانبا..إنها بنادق غسان كنفاني هذا المناضل العنيد الذي قال:لا تمت قبل أن تكون ندا، وقد شاهدنا كيف تحولت الثورة من متاريس وخنادق إلى مكاتب وسيارات فخمة وفنادق، وأقول لك لقد يا أبا الوليد بأن حزننا كان شديدا عندما رأينا منظمة التحرير الفلسطينية تلهث وراء سراب خادع سموه زورا وبهتانا"سلام الشجعان"، وأستحلفك بالله، هل رأيت في حياتك سلاماً يقوم بين ذئب وحمل؟.
وكم كان فرحنا كبيرا عندما رفضت حركتك خيار التفاوض والاستسلام واختارت نهج المقاومة خياراً لكي تصون الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وقلنا وقتها بأن حماس لم تقع في فخ سلطة أوسلو.
في كل هذه الظروف الحالكة يا أبا الوليد، كانت دمشق تقف معك ومع" حركة المقاومة الإسلامية" حماس التي تقف على رأسها ومع فلسطين كلها.. دمشق التي احتضنتك بكل جوارحها واختارت الوقوف مع القوى الحية المقاومة على امتداد ساحات الأمة في فلسطين والعراق ولبنان وبسبب خيارها هذا، هي اليوم تحترق ويدفع جيشها دماً ثمناً لهذا الخيار، وإذا اليوم دمشق سئلت بأي ذنب قتلت، وبأي ذنب تُحرق وتُدمر؟، وأنت تعلم علم اليقين بأن الجواب على سؤال دمشق موجود في أدراج المخابرات الأميركية القطرية والتركية والفرنسية والبريطانية والصهيونية، وحتى رئيس الإخوان المتأسلمين في مصر محمد مرسي الذي وصل إلى دفة الحكم على دماء شهداء ميدان التحرير في قاهرة المعتز، لا يزال ينفذ أوامر أسياده باستمرارية حصار غزة وإغلاق المعابر، هذا الاخونجي الذي شدد على مواصلة احترام اتفاقية كامب ديفيد التي كرست وشرعنت الاحتلال الصهيوني لأرضنا الفلسطينية، وبذلك لم يخرج من نهج سلفه المخلوع حسني مبارك.
أبا الوليد: لقد خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من تاريخ طويل سطره آلاف الشهداء والجرحى، وخرجت أيضا من جغرافية المقاومة إلى مكاتب سلطة رام الله..سلطة أوسلو، وهنا اسمح لي بمصارحتك والقول لك:ألا تعتقد بأن خروجك من دمشق هو أقبح وأفظع من خروج منظمة التحرير وذهابها إلى أوسلو وسلطتها؟، نعم لقد قررت الخروج من عاصمة المقاومة العربية وقلعتها"دمشق" وذهبت إلى قصور من تآمروا عليها وصافحوا اليد الصهيونية التي دمرت وذبحت أبناء شعبنا.
أبا الوليد: دعني أصارحك بأن عظام شهداء قضيتنا الذين قضوا من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين ترتجف وهم يشاهدونك تسير في ركب أوسلو وسلطة رام الله، فها أنت تخرج من التاريخ الذي خطوه بدمائهم، ومن جغرافية المقاومة إلى عواصم التطبيع والمساومة، وأتمنى أن تفكر قليلا وتعود إلى دمشق التي احتضنتك، فدمشق لا تغدرك ولا تطعنك في ظهرك، فأنت تعلم تمام العلم بأن الغدر ليس شيمة من شيم شعبنا الفلسطيني البطل المناضل والمكافح.
إن مكانك الطبيعي يا خالد مشعل ليس في قصور إمارة قطر التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، فمكانك يا مشعل بين أبناء شعبك الكادحين في المخيمات الفلسطينية، اليرموك وعين الحلوة..مكانك الطبيعي مع الرجال الذين يعانقون الشمس ويحملون البنادق، وعيونهم وبوصلتهم دائماً صوب فلسطين، ولا قيمة لبنادق تفقد بوصلتها وصوابها..أن مكانك يا مشعل ليس مع الذين استهوتهم المكاتب والسيارات الفخمة والفنادق وبيوت الدعارة الغربية، ولن يرحمك التاريخ إذا أضعت البوصلة ووقعت في الفخ الذي نصبه لنا أعداء الأمة وأعداء فلسطين، ولن يظل اسمك يا أبا الوليد خالد مشعل، بل سيصبح"شايلوك"..الشخصية اليهودية في مسرحية "تاجر البندقية" الشهيرة للكاتب الانجليزي وليم شكسبير وما أقذرها من شخصية..شخصية لا يهمها إلا مصلحتها حتى ولو امتصت دماء الآخرين.
لا أخفي عليك يا أبا الوليد أن بين سوريا وإيران وحزب الله من جهة ومصر الإخوان وقطر وتركيا، لم استطع أن أراك قائد مقاومة بل عضوا في تنظيم "ماسوني" للدفاع عن عصبيته أو شيخ قبيلة بعيش في العصور الحجرية، يقوم بالدفاع عن عرقه والعرق دساس، فقد غلبتك العصبية وضاع الإنصاف والعقل، وليست العصبية يا مشعل أن يحب المرء بني قومه، بل أن يرى أرذل أرذال قومه أخيارا وأخيار الآخرين أرذالا.
ورغم كل ما فعلته يا أبا الوليد وما ارتكبته من أخطاء، أعدك بأن سورية لن تتخلى عن غزة وفلسطين وان طلبت غدا صواريخا لن تجد إلا سوريا وإيران وحزب الله، لكنني أخشى أن تكون الخطة هي إفراغ غزة من الصواريخ لصفقة" دويلة" بلا صواريخ تحت عهدة إخوان مصر ثمنا ينتظر المقاومة مقابل دعم غربي مفتوح للاستيلاء على سوريا والأردن والسير بمشروع الوطن البديل، وأخشى أيضا أن أوسلو"حماس" تطبخ ألان لتكمل أوسلو"فتح" وعندها على قضيتنا السلام.
المعذرة يا أبا الوليد إن قسوت عليك، لكن جروحنا لا تزال تنزف، وما أكثرها، وبنزف جرحي العميق أكتب إليك، وأنت تعلم أنه ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب.
وفي الختام، أناشدك بدم شهداء شعبنا البطل وجرحاه أن تعود إلى رشدك وأن تترك عصابة المنهزمين الانبطاحيين، فهم خونة وهم من تاجروا بدماء شعبنا الفلسطيني، وان فعلت غير ذلك، فعندها لا ينفع الندم، ولك تحياتي من القدس المحتلة، واذكر دائما ما قاله الراحل نزار قباني:"يا ابن الوليد ألا سيفا تؤجره**فكل أسيافنا أصبحت خشبا"..ولا أريد لك أن تكون "شايلوك" فلسطين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: