حكومة الثورة التونسية بين معارضة غير ثورية
و محاربي أزمات و فقراء فقدوا الصبر
د.الضاوي خوالدية - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8038 dr_khoualdia@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن اقل ما يقال في فعل الثورة الوطنية إنها تفجير لنظام نخره فساد سياسي و اقتصادي و قضائي و أخلاقي و قيمي نخرا جعل المواطن غير آمن على عرضه و نفسه و ماله و عيشه و تشييد, بدلا عنه, نظام صالح رشيد ديمقراطي يؤمن للمواطن في ظله الحرية و المشاركة والعمل و التعلم و الأمل و السعادة, إن فعل انجاز الثورة و فعل إعادة بناء ما خربه الفسدة و ما نسفته الثورة من عفنٍِ يقتضيان زمنا ليس قصيرا حسب ما لاحظنا لدى الشعوب الثائرة قبلنا و كل تسرعٍ في فتح كل أبواب الحرية على مصاريعها أمام الجميع و الثورة لم تنتهِ بعدُ ومأسستها مازالت ملامح عامة في العقول أو في بطون الكتبِ لأن السنتين الأوليين للثورة لا تحسم فيها نتيجة الثورة لصالح الثوار إذ أن النظام الفاسد السابق مازال, وتونس في مطلع العام الثاني, للثورة يعشش في :
• الإدارة ذات الأصول المخزنية و التمييز في التعامل مع المواطنين حسب علاقتهم بالاستعمار ثم بنظام بورقيبة ثم بنظام المخلوع, هذه الإدارة هي سوس الثورة تطهيرها مصيري .
• المعارضة غير الثورية و شركائها أمس-اليوم: حاولت جاهدة و رأس النظام يكسر تحت ضربات الشعب الثائر أن تركب الثورة لتسود هي مكان المخلوع رئيس شبكة المفسدين مبقية بذلك النظام حليفها على حاله و التبعية للغرب محفوظة فإذا بالشعب الذكي يتفطن فيقيمها "بصفر فاصل" في أول انتخابات شفافة نزيهة في تونس فتهسترت لأن نجاتها من الكنس ضمن النظام الذي كانت مقوما بنيويا منه و إشراكها في وضع قوانين مؤسسات الثورة طمعاها ( حتى سال لعابها) في فوزٍ كاسح على أحزاب منافسة لها (لم تنخرط قبل في جوقة المخلوع) مقرة العزم على إقامة نظامٍ جديدٍ رشيدٍ ديمقراطي عادل في حال نيلها رضاء الشعب, بدت هذه الأحزاب الثورية للمعارضة غير الثورية هشة ضعيفة لا قدرة لها على دخول حلبة المنافسة لأنها في نظرها ترفع شعار الشعب التونسي عربيُ مسلم هوية و حضارة و قيما و جغرافيا و تاريخا و هو شعار أجهز بورقيبة على مضمونه و شكله منذ ستين سنة بعد ضربات تلقاها منذ فترة خير الدين العثماني ثم أحفاد المماليك في بداية القرن العشرين ... و لهذا هسترت هذه المعارضة كما قلت هسترةً لم أر مثيلا لها في معارضات العالم :من رأى معارضة تعلن أن منافسيها المنتصرين عليها في الانتخابات النزيهة الشفافة كارثة على البلاد و العباد ؟ أيعقل أن توجد معارضة تشجع الاعتصامات و الإضرابات و حرق المؤسسات الاقتصادية ...؟ متى كانت المعارضة تنعى حكومة لم يمر على تشكيلها أكثر من عشرين يوماً ؟ من رأى أو سمع أو تخيل أو توقع أن معارضةً تقص آثار الحكومة الشرعية الثورية فإذا لم تجد لها هنةً صنعتها, قالت : خطاب النهضة مزدوج حب من حب و كره من كره ! – رجال النهضة غير المعينين في الإدارة يتدخلون في شؤون الحكومة – زعماء النهضة يسمون أبناءهم و أصهارهم وزراء و وزير صهر أحد أقطاب النهضة يلقب بـ"شلاكة" و معرفته بلغة أمنا الحنون فرنسا غير مرضية !
• الإعلام غير الثوري : لعل من غير المنطقي أن نطلب من الإعلام ما لا يستطيع توفيره لأن إعلاميي تونس باستثناء عدد قليلٍ وطنيٍ شجاع شهم منهم قد انتدبتهم آلة الدعاية البورقيبية و البنعلية ليسبحوا باسمها و يشكروا نعمها و يتغنوا ببطولاتها و فذاذتها و عبقريتها و علمانيتها و حداثتها فتكيفوا للمطلوب منهم و تشكلوا على قالبه حتى آمنوا أن الرجلين فلتتان و أن الواجب على التونسيين أن يشكر الله على إنعامه عليهم بهذين العبقريتين و أن ما عداهما بإطلاق و خاصة كل ذي هوية عربية إسلامية خطرُ ماحقُ على الحداثة و البلاد و العباد , و لعل قارئ جرائدنا و سامع إذاعتنا و الناظر في شاشات فضائياتنا لواجد هذه الأيام هجومات قذرة على حكومة الثورة لأنها ذات خلفية عربية إسلامية و من كان موسوما بهذه الهوية فاستئصاله ضرورة مصيرية حداثية لا تُمنع أيُ وسيلة, و إن كانت وسخة, من محاربته بها لذلك نسمع و نرى هذه الحملة على الثالوث الحاكم لإرباكه وتجييش الشعب عليه و تدمير اقتصاده و القدح في رجاله و تسفيه رأيه و إبراكه ...
أؤكد, قبل ختم هذا المقال, أني لست نهضويا غير أن سني و ثقافتي و تجاربي و فهمي المعمق للأنظمة السياسية الفاشلة التي حكمت العرب قومية كانت أو يسارية أو إصلاحية أو ذات مظاهر إسلامية ... أقنعتني اقتناعا أن حزبا كالنهضة ذي الخلفية الإسلامية والمشروع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي المدني الحداثي و الإيمان بحرية الإنسان و كرامته ... قادرُ على إنقاذ البلاد من أدران ستين سنة من الفساد و الإفساد و الخراب و إيصالها إلى بر الأمان و التاريخ و الحداثة, لكن سلوك المعارضة و الإعلام وبعض المثقفين و العلمانيين و بقايا نظامي المخلوعين الصبياني المعادي للنهضة أخافني من النهضة ذاتها إذ أن الشعب سينتصر لها و ينتخبها كل مرة احتجاجا على مناوئيها و تثميننا لسياستها و انجازاتها حتى تألف الحكم و تستطيب السلطة و يتحكم رجالها في كل مفاصل الدولة و رجال أعمالها في رقبة الاقتصاد فتستعيد تونس عهدي المخلوعين. فالمطلوب من حكومة الثورة الحزم في نشر الأمن و تطبيق القانون بصرامة على كل من يثبت قيامه بفعل إجرامي في حق الاقتصاد و مرافق المجتمع و سمعة الثورة و المطلوب من المعارضة أن تصبح معارصة أي ليست معاندة و لا متاهمة ولا معاسفة ولا مشاققة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: