د. مصطفى يوسف اللداوي - بيروت
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5009 moustafa.leddawi@gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يتساءل الفلسطينيون والمحبون لحركة حماس والمؤيدون لها من العرب والمسلمين في كل مكان، في زحمة الأحداث المتوالية التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وفي خضم الحوارات الثنائية والمتعددة التي شهدتها القاهرة بين حركتي فتح وحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، حيث كانت قلوب الجميع معلقة بأملٍ كبير قد طال انتظاره على نتائج الحوار، إذ أن كل محبٍ لفلسطين يتمنى أن تتم المصالحة بين أبناء الشعب الفلسطيني كله، وأن تنتهي الخصومة وحالة الانقسام القائمة بين شطري الوطن، وأن تعود اللحمة والمحبة والألفة بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني، ولكنهم يتساءلون بحبٍ وصدقٍ ونصحٍ كريم لا شك فيه، إذ أنهم يحبون الخير للشعب الفلسطيني كله، ويولون حركة حماس محبةً كبيرة، لما قدمت وأعطت وضحت، ولكنهم يتساءلون بقلقٍ وخوفٍ مشروع إلى أين تمضي حركة حماس في مشوارها السياسي، وهل تدرك أنها قد تزل بها القدم في هذا الطريق الوعر، وأنها قد تجر إلى مواقف سياسية غير مدروسة، مجاملةً للبعض، وحرصاً على صداقة آخرين.
الفلسطينيون الذين علقوا آمالهم على المقاومة يخشون أن تسقط رايتها، وأن يتراجع دعاتها، وأن يتوقف المنظرون لها، وأن يتخلى عنها رجالها، وقد علموا ألا سبيل يعيدهم إلى وطنهم، ويحافظ لهم على حقوقهم، ويرسخ وجودهم، ويجبر العالم على الاعتراف بهم، ويرغم عدوهم على احترامهم والتسليم لهم غير المقاومة، إذ هي عزٌ ورفعةٌ ونصرٌ وكبرياء، وهي فخرٌ وشرفٌ واستعلاء، ومن هنا ينطلق خوفهم ويتعاظم قلقهم، إذ يخشون من الثمن الذي قد تضطر لدفعه قوى المقاومة الفلسطينية إن هي تخلت عن المقاومة المسلحة، وسلمت بخيار المقاومة الشعبية السلمية.
لا أحد يقلل من المقاومة الشعبية الفلسطينية، ولا أحد يقوى على التطاول على انتفاضة الشعب الفلسطيني العظيمة، التي كان سلاحها الحجر، وأبطالها الصبية والأطفال كما الرجال والشيوخ والنساء، وساحتها كل فلسطين، فهابها العدو، وخاف من بطشها جيشه، وبحث عن حلٍ لها قادته، وقد آتت أكلها إذ أثمرت إرادةً وعزماً ويقيناً وثباتاً، وعزةً وقوةً واعتداداً بالنفس وإيماناً بالقدرات الخلاقة التي لا تنتهي، ولكن البندقية كانت مشرعة، والقنبلة منزوعة الزناد، والعبوة جاهزة للزرع في كل مكان، فلم يتخلَ عن المقاومة أحد، ولم يعلن قائدٌ أو مسؤول أننا اكتفينا بالمقاومة الشعبية واستعضنا بها عن المقاومة المسلحة، فما ارتاح العدو وما اطمأن، بل بقي مهموماً بالمقاومة وخائفاً منها، ولم يأمن جيشه ولم يركن إلى أنها ألقت البندقية، واكتفت بالحجر والتظاهر والهتاف.
المؤيدون والمحبون لحركة حماس والمنتمون إليها فكراً وعملاً، والمنتسبون إليها عضويةً وانتماءاً، والداعمون لها مالاً وتجهيزاً، ونصحاً ودعاءً، والمدافعون عنها لساناً وقلماً، والعاملون لأجلها في الليل والنهار، في السر والعلن، في فلسطين وفي بلاد العرب وفي شتات الأرض، يؤيدونها ما تمسكت بالحقوق وحافظت على الثوابت، ويعطونها ما عبرت عن إرادتهم ونادت بمبادئهم، ويضحون من أجلها ما ضحت في سبيل الله دفاعاً عن الأرض والوطن والمقدسات، ويعطونها من حر أموالهم جهاداً في سبيل الله، وسهماً يشاركون فيه الرباط على أرض فلسطين، ويتبرعون بالقليل ولو كان زيتاً يسرجون به قناديل المسجد الأقصى، ولا يتأخرون عن نصرتها مهما كانت العاقبة والنتيجة، إذ لا يبالون بتهديدٍ أو وعيد إن هم ناصروها وأيدوها، ووزعوا شعاراتها، ورفعوا راياتها، ولبسوا قبعتها، وكسوا الأرض أخضراً بأعلامها.
وتدرك حركة حماس أنها قويةً بالله عز وجل الذي حباها اسماً ومكانة، وأكرمها برجالٍ صادقين، وقادة مقاومين، وانتقى منهم خيرتهم شهداء في عليين، بعد أن أثمرت بذرتهم، ونبتت فسيلتهم، واشتد عود زرعهم، وأصبح لها سوقٌ قوية لا تنحني ولا تنهار، ولا تسقط ولا تنكسر، ولا تهزها رياح ولا تأتي عليها نيران، ومَنَّ عليها بنصره، وتفضل عليها بالثبات أمام التحديات والصمود في وجه الاعتداءات، حتى أصبحت حركةً ملء سمع الدنيا وبصرها، يحسب حسابها، ولا يقوى أحدٌ على تجاوز دورها أو تغافل وجودها، ولكنها تدرك أنها قوية بعد الله عز وجل بهذه القلوب التي تحمل لها كل هذا الحب، وتؤمن وتصدق بها، وتدعم جهادها وتعزز مقاومتها، وأنها هي التي توفر لها كل ما تحتاج إليه من مالٍ طاهرٍ شريف لمواصلة المقاومة، والثبات على الحق، وعدم الخضوع لأي ضغط، وعدم الاستجابة لأي تهديد، فهي بجهود المؤمنين بها والمؤيدين لها في كل مكانٍ، أصبحت عصية على التأثير، فلا يقوى أحدٌ على التأثير في قرارها، أو تغيير مفاهيمها، أو التلاعب في أولوياتها، أو استخدامها كورقة لخدمة مصالحه، وتنفيذ مآربه، وهي تدرك أنها بدونهم ضعيفة، لا تقوى على الصمود والثبات، ولا تملك حرية قراراتها واستقلالية مواقفها، وستصبح من أجل حاجتها، وحرصاً على بقائها ورقةً في ظل الأنظمة، وأداة بأيدي الحكومات، وهي تدرك أن الحفاظ على هذه القلوب النابضة بالحب والمسكونة بالوفاء والعامرة بالعطاء والخيرات، وهم الكنز الذي يفنى، والعطاء الذي لا ينضب، والخير الذي لا ينتهي، لا يكون بغير الحفاظ على الثوابت، والتمسك بالحقوق، وعدم الإنجرار وراء السياسات والمصالح الخاصة.
إن من يعرف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" يدرك يقيناً أنها لا ولن تعترف بإسرائيل، وأنها لن تفاوض الكيان الصهيوني يوماً مهما تغيرت الظروف وتبدلت السياسات، ومهما تعاور عليها القادة والمسؤولون، فسيبقى شعارها الخالد دوماً فلسطين أرضنا، هي كلٌ لنا، لا نقبل فيها القسمة ولا التجزئة، ولا نفرط في شبرٍ منها، ولا نساوم على حقٍ فيها، وأن رايتها بهذه الأهداف ستبقى مرفوعة وإن استشهد قادتها وغاب رجالها في السجون والمعتقلات، وأنها ستبقى تحمل البندقية لأن فيها العزة، تقاتل بها الكيان الصهيوني، وتدافع عن الشعب والأرض والوطن، مهما تكبدت من خسائر، ولحقت بها الأضرار، فحماس لن تكون إلا حماس المقاتلة، التي سما نجمها بالجهاد، وسطع نورها بالمقاومة، ووثق بها الشعب لصدقها، وآمنت بها الأمة لجهادها، فحماسٌ تعرف بجهادها، وتتميز بمقاومتها، وتفترق عن الآخرين بثوابتها.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: