البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

عظم الله أجر الأمريكيين وغمق لفقيدهم

كاتب المقال د. مصطفى يوسف اللداوي - بيروت    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3845


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


نحن قومٌ لا نشمت في الموت، بل نحترمه كقدرٍ محتومٍ وخاتمةٍ لا بد منها ولا محيص عنها، ونقدر الميت كإنسانٍ، أياً كانت جنسيته وديانته، ولونه ولسانه، في غربةٍ كان أو بين أهله مات، فقيراً فارق أو غنياً رحل، فهو مآل كل حي، ومصير كل مخلوقٍ، فلا شئ غير الله عز وجل تبقى في الحياة بشاشته، وما عداه يبلى ويودي المالُ والولد، فمن ظن نفسه خالداً لا يموت فلا حاجة له بتقدير الموت واحترام الميت، ما دام أنه على الآلة الحدباء أبداً لن يحمل، وفي الأرض لن يقبر، وعن الناس والمحبين لن يعزل، ولكننا قومٌ نؤمن بالموت ونسلم به، ولهذا فنحن نقدم العزاء لذوي موتانا، وذوي الموتى عموماً، ونسري عنهم ونخفف من مصابهم، إذ نشعر بحزنهم، ونتألم لمصابهم، ونعرف وجع الفقد ووحشة الموت.

لكننا قومٌ لا نعزي بقاتلنا، ولا بالمتآمر علينا والمتحالف مع عدونا إن مات أو قتل، ولا ندعو له بالرحمة، ولا نسأل الله له المغفرة، ولا نتمنى أن يعفو الله عنه ويسامحه، وأن يغفر له زلته وخطيئته، وأن يتجاوز له عن جريمته وكبيرته، ولا نتوجه إلى أهله بالدعاء، وأن يلهمهم الله الصبر والسلوان، وأن يكون معهم في مصيبتهم ويخفف عنهم في محنتهم، وأن يجعل مصابهم آخر الأحزان وخاتم الأتراح، فهذا ما لا نتمناه لهم، وما لا نريده لأجلهم، ولا نحاول تسريتهم ولا مشاركتهم أيام العزاء ولا طقوسه، إذ كيف نعزي قاتلنا أو من ساهم في قتلنا، وكان يتعجل الفتك بنا ويسعى إليه، ويشعر بالحزن إذا لم يطلنا، وبالألم إن لم يصبنا أو يقتل منا.

ونرفض أن يقوم منا نحن العرب والمسلمين، ولا من بني جلدتنا نحن الفلسطينيين، من يقدم العزاء لعدونا بمن قتله رجالنا، ونال منه أبطالنا، وسقط منهم وهو يعتدي علينا ويحاول المساس بنا، إذ كيف يطيب له أن يعزي من كان ينوي قتلنا، ولو كان المقتول الإسرائيلي أمريكياً أو فرنسياً، أو روسياً أو أوروبياً، أياً كانت جنسيته الأصلية التي يحملها إلى جانب الجنسية الإسرائيلية، طالما أنه وفد إلى بلادنا واحتلها، واستوطن في أرضنا واغتصبها، وقاتل شعبنا وسفك دمه، ومارس الإرهاب في حق مواطنينا، فاعتقل أبناءهم وشبابهم، وعذبهم واضطهدهم، وحاربهم ونكل بهم، ثم يريد أهله منا إن قتل أن نتقدم لهم بالعزاء فيه، أو أن نعتذر لهم عن قتله، وندين من تحداه وواجهه، وقتله طعناً أو دهساً أو قنصاً.

لا غرابة في الأمر ولا استهجان في المسألة إن طلب العدو منا تقديم العزاء له، أو الاعتذار إليه، فهو بجحٌ ووقحٌ، وصفيقٌ وسمجٌ، ونحن العرب نقول أن العيب من أهل العيب ليس عيباً، وهذه هي شيمته التي نعرفها عنه من قديم، وهي طبيعته العوجاء الشوهاء المريضة، فهو يعتدي ثم يدعي المظلومية، ويقتل ويتظاهر بالبراءة، ويسيئ ثم يطلب من دول العالم نصرته ومساندته، ومساعدته والوقوف معه.

وهو يريد من ضحاياه ومن ذوي من قتلهم واعتدى عليهم أن يعتذروا له، وأن يستسمحوا خاطره، وأن يطلبوا العفو منه، كما يطمح أن يبرؤوا ساحته، وأن ينفوا التهمة عنه، ويلصقوها بالضحية، ويحملوه المسؤولية عن فقدان حياته، فهو الذي عرض نفسه للخطر، أو أنه الذي دفع بجنود العدو ومستوطنيه أن يدافعوا عن أنفسهم، وأن يردوا الخطر عنهم، الأمر الذي أدى إلى مقتله.

وربما تطلب بعض الدول الغربية التي يقتل بعض مواطنيها من الجنود الذين يخدمون في جيش الاحتلال الإسرائيلي، من السلطة الفلسطينية ومن رئيسها التقدم بالعزاء أو المبادرة بالاعتذار، رسمياً إلى حكوماتهم أو اعتبارياً إلى عائلاتهم، وقد تطلب منهم أحياناً تعويضاً للعائلات، أو تسديداً لنفقاتٍ ترتبت عليهم، وقد تقوم أحياناً بفرض عقوباتٍ على السلطة الفلسطينية إن تأخرت، أو على المؤسسات والهيئات إن امتنعت، وهي تعلم أن رعاياها كانوا جنوداً مقاتلين في جيش العدو، وكانوا يطلقون النار على الفلسطينيين ويقتلونهم، وكانوا يعتدون عليهم ويطردونهم، وكانوا يبطشون بهم ويغتصبون حقوقهم.

لكن الغريب المستنكر في هذه المسألة هو مبادرة البعض أياً كانت صفاتهم وألقابهم، وبغض النظر عن مناصبهم ومسؤولياتهم، بتقديم العزاء للعدو طوعاً أو طلباً، أو تقديم الاعتذار رغبةً أو كرهاً، والتسبب للأمة والشعب بإساءةٍ بالغةٍ لمشاعرهم وقيمهم، وخرقٍ لعاداتهم وتقاليدهم، وكأن هؤلاء المسؤولين الذين يعظمون قتلى العدو ومجرميه، يحتقرون شهداء شعبهم، ويستهترون بتضحياتهم، ويستخفون بمشاعر وعواطف شعبهم، ولا يبالون بأحزانهم وآلامهم، بل إنهم يخونون شعبهم وأمتهم، ويفرطون بأماناتهم وعهودهم، وقد يكون عزاؤهم في قاتل أحد أبنائهم، فيقدمون للعدو العزاء، بينما يديرون ظهورهم لأهل الشهيد وجيرانه، ولا يقومون تجاههم بواجب العزاء والمساندة، ولا يقدمون لهم التسهيلات والمساعدة.

لا دية في عرفنا الإسلامي والعربي لمعتدي، ولا مصالحة مع قاتل، ولا اعتذار لظالم، ولا ندم على الانتقام من مغتصبٍ أو الثأر من باغي، ولا قبول أو صمت عمن ينتدب نفسه باسمنا معتذراً أو متأسفاً، أو يبدي على ما حدث حزناً وألماً، أو يتعهد لذوي المقتول ولو كانوا أعظم دولة وأقوى أمة، بملاحقة من قتلوا مواطنهم، أو تسببوا في إصابته وإلحاق الضرر به، بل إننا في الوقت الذي نفخر فيه بشهدائنا، فإننا نرفع رؤوسنا عاليةً بما فعلوا، ونفاخر بما حققوا، فقد نالوا لنا من قاتلنا، وانتقموا لنا من عدونا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فلسطين، أمريكا، القتل، الإغتيالات، أمريكا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 13-03-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  يومٌ في الناقورة على تخوم الوطن
  فرنسا تضيق الخناق على الكيان الصهيوني
  ليبرمان يعرج في مشيته ويتعثر في سياسته
  يهودا غيليك في الأقصى والكنيست من جديد
  عيد ميلاد هدار جولدن وأعياد الميلاد الفلسطينية
  ليبرمان يقيد المقيد ويكبل المكبل
  سبعون عاماً مدعاةٌ لليأس أم أملٌ بالنصر
  ويلٌ لأمةٍ تقتلُ أطفالها وتفرط في مستقبل أجيالها
  سلاح الأنفاق سيفٌ بتارٌ بحدين قاتلين
  دلائل إدانة الأطفال ومبررات محاكمتهم
  طبول حربٍ إسرائيلية جديدة أم رسائلٌ خاصة وتلميحاتٌ ذكية
  سياسة الأجهزة الأمنية الفلسطينية حكيمةٌ أم عميلةٌ
  العلم الإسرئيلي يرتفع ونجمة داوود تحلق
  نصرةً للجبهة الشعبية في وجه سلطانٍ جائر
  طوبى لآل مهند الحلبي في الدنيا والآخرة
  تفانين إسرائيلية مجنونة لوأد الانتفاضة
  عبد الفتاح الشريف الشهيد الشاهد
  عرب يهاجرون ويهودٌ يفدون
  إيلي كوهين قبرٌ خالي وقلبٌ باكي ورفاتٌ مفقودٌ
  إرهاب بروكسل والمقاومة الفلسطينية
  المساخر اليهودية معاناة فلسطينية
  الدوابشة من جديد
  المهام السرية لوحدة الكوماندوز الإسرائيلية
  المنطقة "أ" إعادة انتشار أم فرض انسحاب
  إعلان الحرب على "فلسطين اليوم" و"الأقصى"
  عظم الله أجر الأمريكيين وغمق لفقيدهم
  الثلاثاء الأبيض وثلاثية القدس ويافا وتل أبيب
  الهِبةُ الإيرانية والحاجةُ الفلسطينية
  هل انتهت الانتفاضة الفلسطينية ؟
  سبعة أيامٍ فلسطينيةٍ في تونس

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مصطفي زهران، إيمى الأشقر، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد شمام ، محمد العيادي، محمد أحمد عزوز، سفيان عبد الكافي، محمود سلطان، د. عادل محمد عايش الأسطل، حسن الطرابلسي، د - محمد بن موسى الشريف ، أشرف إبراهيم حجاج، خالد الجاف ، د - عادل رضا، الهادي المثلوثي، رافد العزاوي، رمضان حينوني، محمد الطرابلسي، أنس الشابي، د - المنجي الكعبي، سامح لطف الله، عبد الرزاق قيراط ، صلاح الحريري، كريم فارق، علي الكاش، العادل السمعلي، عبد الله زيدان، محمد يحي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حاتم الصولي، مجدى داود، د. أحمد محمد سليمان، عمر غازي، بيلسان قيصر، فوزي مسعود ، طارق خفاجي، سليمان أحمد أبو ستة، د - محمد بنيعيش، تونسي، د. طارق عبد الحليم، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رافع القارصي، يحيي البوليني، أحمد الحباسي، عبد العزيز كحيل، رحاب اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، حميدة الطيلوش، د - الضاوي خوالدية، الهيثم زعفان، حسن عثمان، صلاح المختار، محمد اسعد بيوض التميمي، سامر أبو رمان ، أبو سمية، نادية سعد، محمود فاروق سيد شعبان، د - مصطفى فهمي، د- هاني ابوالفتوح، د. خالد الطراولي ، د - صالح المازقي، صفاء العربي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، المولدي الفرجاني، إياد محمود حسين ، عمار غيلوفي، عبد الغني مزوز، سيد السباعي، د. أحمد بشير، محرر "بوابتي"، د- محمود علي عريقات، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ضحى عبد الرحمن، رشيد السيد أحمد، أحمد بوادي، محمد عمر غرس الله، حسني إبراهيم عبد العظيم، ماهر عدنان قنديل، محمد الياسين، يزيد بن الحسين، مصطفى منيغ، فتحـي قاره بيبـان، سعود السبعاني، عزيز العرباوي، الناصر الرقيق، د- محمد رحال، صفاء العراقي، موسى عزوق، منجي باكير، سلوى المغربي، فتحي الزغل، محمد علي العقربي، د. صلاح عودة الله ، أحمد النعيمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. عبد الآله المالكي، عواطف منصور، أحمد ملحم، د.محمد فتحي عبد العال، مراد قميزة، كريم السليتي، وائل بنجدو، صباح الموسوي ، طلال قسومي، عبد الله الفقير، المولدي اليوسفي، علي عبد العال، محمود طرشوبي، إسراء أبو رمان، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - شاكر الحوكي ، فهمي شراب، صالح النعامي ، جاسم الرصيف، ياسين أحمد، أ.د. مصطفى رجب، سلام الشماع، فتحي العابد، عراق المطيري، د- جابر قميحة،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز