د.الضاوى خوالدية – تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7464 dr_khoualdia@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن اكتفاء ثورة شباب تونس بإسقاط رأس النظام و تحركات تلت ذلك الحدث الهام جابهها النظام بعنفه المعهود ومحاولات إصلاح اصطدمت بصعوبات و تحديات من النظام الساقط رأسه و حواشيه، لكادت تقنعني أن ثورة تونس انتفاضة زعزعت النظام و لم تسقطه بل قد تقويه إذا عرف كيف يستفيد مما جرى ... لولا فرض شباب القصبة فكرة انتخاب مجلس تأسيسي، تلك الفكرة التي حاربها أعداء الشعب ثم أقرت بعد لأي، تلك الفكرة التي لا يعني نجاحها التام غير إكمال الثورة ذات السمة الإبداعية التونسية الصميمة، و أنجزت الانتخابات التأسيسية و كان نجاحها باهرا: إقبالا غير مسبوق و شفافية مبهرة و نزاهة بارزة و حرية ساطعة.
كما كان المترشحون لها أحزابا و مستقلين كثرا، أما مشاريع هؤلاء المترشحين فيمكن اختزالها في مشروعين : مشروع "بورقيبي" فاشل مرت عليه أكثر من 50 سنة يراه المدافعون عنه سرا غالبا و جهرا أحيانا أنه لا ينقصه غير شيء من الديمقراطية ...هذا المشروع اقتنع به و اجتمع عليه يساريون و بورقيبيون و بن علويين و رجال أعمال و كبار فلاحين و عقاريين و كل من يرى أن لا مستقبل خارج العباءة الفرنسية.
و مشروع "جديد" يستمد روحه من زعماء إصلاح تونسيين زيتونيين و علمانيين رأوا أن تونس عربية إسلامية و أن مصيرها مرتبط بالشرق الأوسط و إفريقيا و الشرق الأقصى و آسيا عامة أكثر من ارتباطه بأوربا و أن مجالها الحضاري ثلاث حلقات أساسية: المغرب العربي و الأمة العربية و الشعوب الإسلامية و أن التعامل مع أوربا ضرورة بشرط أن لا يكون على حساب استقلال البلاد و ثرواتها و كرامتها و تطورها .
و أفعم الشعب التونسي صناديق الاقتراع بعصارة عبقرية جمعية رأت ، وهي صائبة لان الشعب لا يخطئ ، أن المشروع النهضوي التاصيلي التحديثي الاجتماعي المقؤى بمشروع قومي تحديثي ديمقراطي مدني المسند بمشروع يمكن وصفه بذي التوجه الغربي الواضح هو الحل لقضاياه المزمنة و الباب للولوج إلى التاريخ و المستقبل.
غير أن اليسار بأصنافه و الفرانكفونيين و عامة العلمانيين و بقايا نظام المخلوع سفهوا الشعب ، كعادة أستاذهم الأكبر، لأنه رمى مشروعهم في سلة المهملات إذ قام منذ 1955 على العسف و التغريب و الترهيب و سلب الهوية و الأقلية والشماتة و التشفي و إرضاء الحامي الفرنسي، دون أن يعي أن ما اختاره الشعب هو الصواب لأن عقله ليس عقل فرد إنما هو عقل ملايين و أن ما أراده واقع لا محالة... و أن على العاقل الملفوظ من الشعب أن يدرس الأسباب التي جعلت هذا الشعب يلفظه لا أن يتهمه بعدم التكليف و السفه و الأمية و "السرحة" كما قال احد اليساريين مخاطبا عبر فضائية تونسية أستاذا يساريا سقط في الانتخابات : كيف تسقط أنت و ينجح راع أو بائع قمح ؟ !
إن البلاد في حاجة إلى يسار يراجع أطروحاته و مطلقاته الفكرية باستمرار على ضوء حركة الفكر السياسي والاقتصادي و الاجتماعي العالمي و حراك المجتمع الأم المتعدد الوجوه و يحرق معجمه المحشو بألفاظ السب و الشتم التهم و يقطع مع أسلوب الأصوات الحادة و الدوى المزعج و يؤمن قاطع الإيمان أن دكتاتورية البروليتاريا أو بالأحرى دكتاتورية زعماء الماركسية انتفت من العالم و حل محلها الديمقراطية أو حكم الشعب نفسه .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: