عراق المطيري
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8627
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قد يظن البعض إن هذا الكلام ضرب من المبالغة أو الخيال في ظل التفوق العسكري الكمي والنوعي الأمريكي المنظم يضاف إليه القوات التي اندفعت في المشاركة بالعدوان على العراق بغض النظر عن الأسباب والدوافع والإيمان بصواب أو خطأ مبررات العدوان إضافة إلى ضخامة القوات الإيرانية الهائلة التي دخلت القطر على شكل مليشيات أو قيادات لمليشيات محلية استحدث لاحقا بعد دخول قوات الغزو وما تحمل من أسلحة كطرف مساند فاعل أضف إليهم أعداد العملاء والمتعاونين مع قوات الغزو ومن غرر بهم وأصبحوا يدافعون عن الوجود الأجنبي ومن انتمى إلى الأحزاب الطائفية لأي سبب , فتلك الأعداد الهائلة من قوات قتالية منظمة وغير منظمة مدربة بحرفية عالية كيف تستطيع المقاومة العراقية الانتصار عليها وتطهير ارض القطر من دنسها ؟
للوهلة الأولى يجد المرء انه سيحار في إيجاد الجواب لهول الهجمة التي تستهدف العراق بكل المقاييس والتي أدت إلى استشهاد أكثر من مليون ونصف مليون بريء عراقي وتهجير الملايين داخل وخارج القطر حيث تولدت فوضى عارمة هزت بعنف كل مكونات الشعب العراقي أدت إلى زعزعت النظام وانفراط عقد التماسك أضف إليها الإجراءات التي نفذتها عنوة قوات الاحتلال كالدستور الذي اعد لهذا الغرض وحكومة مليشيات وما نتج عن ممارساته وأهداف المنتمين إليها أدت إلى ما يمكن أن نقسم به المجتمع العراقي كأي شعب يتعرض لنفس الظروف إلى ثلاثة شرائح وفق حديثنا يمكن من خلالها أن نجد ونحدد المقياس المعياري لهذه المحصلة أو النتيجة وتراجع شريحة منهم لصالح الأخرى حيث انقسم المجتمع إلى معادي رافض ومعارض للاحتلال وهذه العينة بطبيعة الحال لكي تكون بهذا المستوى فهي من الوطنيين والمثقفين والعسكريين والنخب الاجتماعية وحتما يضاف إليهم من تعرضت مصالحهم للضرر لسبب أو لآخر يقع ضمنهم أصحاب المصالح الخاصة والتي كانت نواة للمقاومة العراقية وهدفا لقوات الاحتلال , والشريحة الثانية هي التي تقع في النقيض منها من المؤيدين للغزو وبالتأكيد فإنها تظم العملاء والجواسيس والذين كانت مصالحهم متضررة قبل الغزو من غير الوطنيين وغير ذوي الفكر المخالف لان المفكر والمثقف لا يمكن بحال من الأحوال أن يرتضي لبلده الاحتلال الأجنبي يضاف إلى هؤلاء من غرر أو يغرر به فيمتلئ طريقه ضبابية فلا يحدد الاتجاه الصحيح وهؤلاء من أصبحوا رموز ما يسمى بالعملية السياسية وهم ينتقصون إلى الكثير من الخبرة والقيادة والاهم من هذا وذلك الإخلاص للوطن وما ينتج عنه , أما الشريحة الثالثة فهي التي تقف على الحياد تنتظر النتائج من دون أن يكون لها دورا سلبيا أو ايجابيا فيها وفي غالب الأحيان تتعرض هذه الشريحة إلى الخسارة لأنها تستضعف نفسها فيستضعفها المحتل وأعوانه وتكون ضحية وفريسة سهلة وبالنسبة للحالة العراقية فان هذه الشريحة قد تعرضت للتهجير الطائفي والعرقي داخل وخارج القطر وأصبحت تعاني الكثير بسبب ذلك .
إن الإمكانيات العسكرية الهائلة التي تمتلكها القوات الغازية وقدرتها الرهيبة في البطش والقتل والأسلحة التي استخدمتها في القتل الجماعي كانت لابد أن تدفع بالقوات العراقية إلى الانسحاب من خطوط المواجهة وبطبيعة الحال إن الحرب سجال كر وفر ولا يعيبها أن تتراجع وتغيير طريقة القتال من المواجهة النظامية بالصيغ التقليدية إلى حرب العصابات وحرب الشوارع وما تقدم من تضحيات كبيرة أو صغيرة وما رافقها من انقسام الجيش الذي هو جزء من الشعب وفق الشرائح الثلاث التي اشرنا إليها .
في هذه اللحظة أي في اليوم التالي للاحتلال تحول القتال النظامي إلى مقاومة استمرت إلى يومنا هذا وستستمر إلى أن يشاء الله بتطهير ارض الرافدين من دنس الغزاة ، إذن لماذا نؤكد على انتصار المقاومة واندحار الاحتلال ؟
إن جوهر فكرة انتصار المقاومة العراقية الشعبية ينطلق من اختلاف ميزان القوى بين القوة العراقية رغم أنها اضعف عسكريا إلا إنها أقوى معنويا لأننا شعب يدافع عن كرامته ووطنه فكانت فترة ما قبل الغزو والتي امتدت منذ ما قبل العدوان الإيراني على العراق وما تلاها من حصار شامل وتجويع لشعبنا كانت قد سمحت بتدريب مقاتلين يستطيعون أن يوفروا انتشارا وتغطية عسكرية على امتداد ارض الوطن مسلحين بما يكفيهم للمناورة وقتال العدو , وبين قوات الغزو التي تمتلك التفوق العسكري ولكنها اضعف معنويا لان جيشها لا يمتلك تبريرا كافيا للعدوان إلا الحجج الواهية التي سوقتها له إدارة بلاده وقيادتها السياسية وسرعان ما انكشف زيفها فانهارت قوته الهجومية وبالكاد أصبحت تدافع عن نفسها .
إن صمود المقاومة العراقية بهذا الشكل الأسطوري وقدرتها على الصبر والمطاولة وتحولها حسب ما مخطط لها مسبقا من حالة الدفاع إلى الهجوم وتحكمها في مكان وزمان القتال وخلق الفرصة المناسبة التي تساعدها على إيقاع اكبر الخسائر في صفوف العدو مقابل تضحيات بسيطة طيلة ما يقارب الخمس سنوات ونصف من عمر الاحتلال كشفت للمواطن العراقي الهدف الحقيقي من الغزو فكانت عامل إضافيا في تغيير ميزان القوى لصالح المقاومة واضعف من قدرات المعتدي القتالية وذلك من خلال الخسائر البشرية العالية التي لا تتناسب واستعداداته القتالية للمعركة كمعتدي هيأ نفسه واختار زمان العدوان بمحض إرادته والكلفة المادية التي أرهقت الميزانية الأمريكية وشلت قدرة اقتصادها في مواجهة الأزمات الحادة التي أصبحت تهددها بالانهيار وما نتج عنها من تأثير على المجتمع الأمريكي نفسه انسحبت آثارها على الجيوش الغازية المتواجدة على مسرح المعارك وعلى الإدارة الأمريكية نفسها حيث فقدت التأييد الذي سعت للحصول عليه محليا وعالميا إضافة إلى أنها كانت عامل مهم في تحويل أبناء شعبنا الذين غرر بهم مع بداية العدوان إلى صف المقاومة والانخراط في تشكيلاتها بل والاندفاع في دعمها والتضحية من اجلها غير معانات الشريحة المحايدة وظروفها سواء من كان منها خارج القطر أو داخله التي دفعتها إلى تغيير موقفها أيضا لصالح المقاومة بعد أن انجلت الضبابية التي كانت تحيط بها من خلال مجرى الأحداث .
إن التجربة الجهادية الرائدة التي تصنعها المقاومة العراقية ترتبط بالأهداف النضالية للأمة العربية فاندحار القوى الامبريالية العالمية منها أو الإقليمية التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق إنما هي خطوة كبيرة باتجاه تحرير كل الأجزاء العربية المحتلة مباشرة سواء في فلسطين أو الصومال أو أي جزء آخر أو غير مباشرة عن طريق أنظمة الحكم التي تسيطر فيها وتديرها أمريكا وهي بمثابة رد حاسم وفعال لممارسات العنف التي تمارسها قوى الطائفية بمختلف اتجاهاتها التي ترعاها وتدعمها أمريكا والتي تعمل على ترسيخ واقع التجزئة والتفتيت في المجتمع العربي وانتصار المقاومة العراقية إنما هو إدراك للواقع المر المتخلف الذي تعاني منه امتنا وانتفاض عليه .
لقد راهنت المقاومة على الشعب بعد الله القوي القدير فهو حاضنتها الطبيعية وهي منه واليه وهو مصدر انتصارها وهو رافدها ومعينها الذي لا ينضب وهو سر انتصارها الأكيد الأكبر .