أوليغ يغوروف (Oleg Jegorow) / ترجمة : ضرغام الدباغ
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1844
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
فيرنر فون دير شولنبورغ (Werner von der Schulenburg) عمل سفيرا لبلاده (ألمانيا / الرايخ الثالث ــ النظام النازي) (1934 ــ 1941) وكان مقتنعاً بحسن نوايا السوفيت، وأن الحرب إذا قامت ستكون كارثية.
في أيلول ــ سبتمبر / 1939 كان الدبلوماسي الألماني فون شولنبورغ البالغ من العمر 63 عاماً، الذي يشغل منصب سفير ألمانيا في موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتي كان سعيداً لأن بلاده توصلت إلى عقد اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي عرفت بأسم معاهدة " عدم الاعتداء " أو سميت أحياناً بأسم ووزيرا خارجية البلدين :" معاهدة مولوتوف (وزير الخارجية السوفيتي) وروبنتروب (وزير الخارجية الألماني). وكان السفير شولنبورغ مقتنعاً بصورة تامة، أن السلم بين بلده والاتحاد السوفيتي، هو أمر بالغ الأهمية لضمان الأمن لبلاده.
وقد عبر السفير شولنبورغ عن مشاعره هذه في رسالة لأحد أصدقاءه " أن هذا الأمر هو حقا معجزة دبلوماسية، وأني لآمل أن لا تتعرض لأي سبب من الأسباب، المنجزات التي حققتها المعاهدة للتخريب. الموقف لحد الآن هو جيد، وقد قمنا حتى الآن نحن الدبلوماسيين بواجباتنا بصفة تامة، وآمل أن يؤدي ذلك إلى أفضل النتائج الممكنة " .
ولسوء الحظ، فإن الآمال المخلصة للسفير أصيبت بضربة قوية بعد وقت قصير، ففي 22 / حزيران / 1941، اخترقت ألمانيا الهتلرية المعاهدة المعقودة بين البلدين، وقامت بمهاجمة الاتحاد السوفيتي بكل قواها. وضاعت سدى جهود ونشاطات السفير شولنبورغ من أجل أن يتواصل السلام ومضت هباء، وداسها الألمان بأقدامهم. ترى لماذا كان هذا الرجل يخدم هتلر ..؟
دبلوماسي من المدرسة القديمة
ربما كانت للسفير شولنبورغ وجهة نظر ماثلة للزعيم السوفيتي ستالين الذي عبر عنها خلال الحرب بقوله " الهتلريون يأتون ويمضون، ولكن الأمة الألمانية باقية ".
فيرنرفون شولنبورغ
ابتدأ شولنيورغ (المولود في برلين عام 1875) الخدمة الدبلوماسية عام 1901، وذلك قبل وصول النازيين للسلطة بوقت طويل، وهو سلسل عائلة نبيلة لها تاريخها، وكأي من أبناء العائلات النبيلة عمل طيلة حياته في السلك الدبلوماسي، باستثناء فترة انقطاع للمشاركة في القتال في الحرب العالمية الأولى. ومن خلالها حصل على وسام الصليب الحديدي لإبدائه الشجاعة خلال الحرب. وخلال فترة عمله كدبلوماسي، تغيرت الحكومات لعدة مرات، وأحياناً بشكل جذري، ولكن شولنبورع كان كدبلوماسي محترف، يعمل لصالح البلاد بشكل مهني مع جميع الحكومات.
شغل شولنبورغ منصب سفير بلاده ألمانيا في طهران / إيران،، ثم نقل إلى بخارست / رومانيا حيث مكث حتى عام 1934، وخدمته تحولت إلى عمل دبلوماسي كبير حين نقل عام 1934 إلى موسكو. وعلى الرغم من أنه لم يكن ليكن الود العميق للاتحاد السوفيتي، إلا أنه كان يشاطر السياسي الألماني المحنك أوتو فون بسمارك قوله " من أجل الحفاظ على ازدهار ألمانيا ومن أجل أن تنعم بالسلام ينبغي عليها (ألمانيا) أن تحافظ على السلام مع روسيا ".
أزمات وتسويات
ويكتب روديغر فون فريتش، يكتب السفير الألماني في موسكو في مقاله بصحيفة "نوفايا غازيتا " عام 2014 : " كان السفير شولنبورغ يولي اهتماماً كبيراً للعلاقات الألمانية ــ الروسية والألمانية ــ السوفيتية، فبالنسبة له لم يكن هناك بديل لسياسة التعايش السلمي بين هاتين الدولتين العظيمتين ". ولكن بما أن النازيين تولوا الحكم في ألمانيا منذ عام 1933، أصبح أمر الحفاظ على علاقات جيدة بين برلين وموسكو صعباً للغاية
وقال غوستاف هيلغر الدبلوماسي الألماني الذي عمل في أعوام الثلاثينات في السفارة الألمانية في موسكو كتب " لا يستطيع أحد أن يمثل ألمانيا في الااحاد السوفيتي في ظل مثل هذه الظروف الصعبة الحساسة من الأزمات، وشروط الانتباه والحذر الدائم كما خدم السفير شولنبورغ ". وقد عمل هذا السفير كل ما في وسعه لتخفيف حدة التوتر عامي 1938 /1939 .
أتفق السفير شولنبورغ مع وزير الخارجية السوفيتية مكسيم ليتفينوف (وزير الخارجية من 1930 ــ 1939)، على أن تتوقف الصحافة في كلا البلدين من الهجوم والحط من قيمة البلد الآخر. وكان هذا العقد يتضمن أمكانية تمديده. ولكن دوره كدبلوماسي له حدوده، وتلك الحدود تقررها حكومة بلاده، وتلك الحدود تنص على تنفيذه الدقيق لأوامر وتعليمات رؤساؤه في وزارة الخارجية الألمانية. لذلك كان يؤيد بقوة اتفاقية عدم الاعتداء بين الدولتين.
أكاذيب هتلر
ولكن موسم وطقس ذوبان الجليد بين ألمانيا الهتلرية والاتحاد السوفيتي، لم يتواصل إلا لفترة قصيرة. فقد أعربت موسكو عام 1941 دعمها ليوغسلافيا بوجه الاجتياح الألماني لها. وحلت العديد من التوترات والشائعات في العلاقات بين الدولتين. وهنا قام السفير شولنبورغ بنتيه هتلر إلى مخاطر تدهور العلاقات، وخطورة انزلاقها إلى حالة الحرب بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي.
ويكتب هيلغر في مذكراته أيضاً، " في 28 / نيسان ــ ابريل / 1941 وخلال رحلة عمل إلى برلين، التقى شولنبيورغ شخصياً بهتلر، وشاهد مذاكراته ملقاة فوق مكتب هتلر، ولكنه لم يستطع التقدم بسؤال لهتلر فيما إذا كان قد قرأها، ولكنه حين كان يودعه، قال هتلر وكأنه يتحدث عفوياً " ثمة مسألة أخرى شولنبورغ ... أنا سوف لن أمضي للحرب مع روسيا ...".
على الرغم من أن شولنبورغ كان عضواً في الحزب النازي، إلا أنه لم يكن نازياً حقيقياً، لذلك فإنه لم يكن موضع ثقة هتلر، وفي وقت لاحق سجل جوزف غوبلز (وزير الدعاية والقيادي في الحزب ومن المقربين لهتلر) سجل :" لم تكن لدى سفيرنا في موسكو (يقصد شولنبورغ) أي فكرة من أن ألمانيا ستهاجم .. فقد كان (السفير) يصر على وجهة نظره أن افضل سياسية هي أن نجعل من ستالين صديقاً وحليفاً لنا ... والسياسي الأفضل هي عدم إخبار الدبلوماسيين بنوايانا الحقيقية ".
ضاع كل شيئ
في 22 / حزيران ــ يونية / 1941، حضر السفير شولنبورغ إلى الكرملين (القيادة السوفيتية) لأبلاغ وزير الخارجية السوفيتية فياتشسيلاف مولوتوف الذي حل بهذا المنصب بدلاً من ليتفينوف، بأن الحرب قد نشبت، وفي هذا الوقت كانت القوات الألمانية قد دخلت الأراضي السوفيتية بدون إعلان حرب.وكان السفير نفسه لم يتلق هذا الخبر إلا قبل وقت قصير. ويذكر الدبلوماسي الألماني في السفارة الألمانية بموسكو أن السفير شولنبورغ بينما كان يتحدث مع مولوتوف وزير الخارجية السوفيتية رفع يديه إلى السماء مع إشارة بيديه تشير إلى العجز.
تعين على شولنبرغ أن يغادر موسكو عندما اندلعت الحرب، وعمل من عام 1941 إلى عام 1944 كان يعمل في وزارة الخارجية الألمانية، وترأس لجنة الاتحاد السوفيتي، وهو منصب رسمي لكن دون تأثير سياسي، وبالتالي لم يكن من المستغرب ألا لا يكون راضياً عن سياسات هتلر.
الموت والميراث
هذه القناعات دفع بالسفير شولنبورغ بالتقرب من المعارضة والمقاومة الألمانية ضد للنظام النازي. وفي عام 1944، وكان الموقف يشير بكل وضوح إلى أن ألمانيا ستخسر الحرب، شكل العديد من الضباط والمسؤولين مؤامرة لأغتيال هتلر وقلب نظام الحكم. وكانت درجة مساهمة السفير شولنبورغ فيها ليست بمرتبة عالية، ولكن كان سيكون له دور فيما لو نجحت المحاولة. بل وتردد أنه كان سيكون وزير خارجية ألمانيا المقبل. وحكمت عليه المحكمة بالإعدام شنقا.
وعلى الرغم من أن السيرة المهنية للسفير شولنبورغ قد انتهت، لكن مواقفه الحكيمة ومبادئه قد قدرت عالياً في ألمانيا في مراحل ما بعد النازية. ويكتب السفير فريتش " عندما تزور السفارة الألمانية في موسكو، ستجد السفير شولنبورغ شاخصاً في تمثال له ، وفي دار المستشارية ببرلين (مجلس الوزراء) تجد له صورة (بورتريه زيتي)محاطة بطوق من أوراق الغار، إلى جانب السياسي الكبير أوتو فون بسمارك. شخصية السفير شولنبورغ ومبادئه تستحق هذا التكريم ".
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: