د. ضرغام الدباغ - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1842
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تناقلت أجهزة الإعلام أنباء وصور مثيرة ... لغزلان وهي حيوانات معروف عنها الوجل والحذر، تسير في شوارع مدن وقرى، وصور لماعز جبلي يتجول في المدن، والأغرب أن دلافين دخلت قناة القرن الذهبي بأسطنبول، بسبب انقطاع الحركة المواصلات البحرية وراحت تلعب على بعد أمتار من الرصيف الذي لم بعد يشهد تلك الحركة اليومية الكثيفة للوسائط البحرية.
وتشير صحف ألمانيا إلى تزايد أعداد الثعالب في الحدائق داخل العاصمة برلين، والخنازير على أطراف المدينة، ومن نافذة شقتي في برلين، صرت أنصت بأستمتاع لهديل الحمام والقماري، والسبب هو انقطاع حركة السيارات والمشاة في الشارع، الذي خف بنسبة تزيد عن 95% خلال أيام الحظر. ولا تزال حركة السير ضعيفة وكذلك الحركة الجوية والبحرية. وهذا يعني ببساطة توقف ملايين المحركات : الطائرات والسفن والسيارات، عن نفث عوادمها لكميات لا تصدق مما يلوث الأجواء.
لو أجرينا عملية حسابية لمعرفة ما يسببه التلوث لأصابنا العجب على مصير الكوكب الذي سيلاقي فناؤه حتماً ... نؤكد حتماً، إذا تواصل البشر بالإساءة بل بتدمير الطبيعة. فالطائرات تصرف الواحدة منها في الرحلة الواحدة بين 5 إلى 7 أطنان من الوقود، ولو علمت أن عدد الرحلات الجوية اليومية في العالم هو 107 ألف رحلة ، وهناك يومياً ما يقارب 10 مليون راكب يومياً، وهناك في كل لحظة نحو 12 ألأف طائرة في الأجواء (أعتقد عدا الطائرات العسكرية). ومن ذلك نعلم حجم التلوث الخطير الذي يسببه الإنسان للبيئة، ونتائجها وآثارها بالغة السوء على حياة البشر الذين أدمنوا تناول الأدوية والعقاقير للتقليل من آثارها القاتلة. وباستخدم سريع للحاسبة (Calculator) يتضح أن البشر يحرقون يومياً في الجو فقط 1,728.000 طن من الوقود. عدا ملايين السيارات على الأرض، والبواخر في البحر. وقبل تفشي كورونا كان إنتاج النفط اليومي 100 مليون برميل يومياً، عدا الغاز.
في خلال شهرين أثنين فقط من التقليص في التلوث (تقليص) تحسن مناخ العالم، فقد قرأت مرة أن نهر التايمز في لندن / بريطانيا كان يجمد شتاء بحيث بوسع الناس السير عليه، وإقامة سوق الأحد عليه .... وهذه اليوم تشبه الخرافة ولكي لا نذهب بعيداً فأنا أعرف ألمانيا منذ 45 عاماً، الطقس كان مختلفا تماماً عن اليوم، فقد شهدت بنفسي أن السماء تندف الثلج في الأول من أيلول، ويستمر الثلج في الشوارع حتى نهاية آذار / مارس، وقد عشنا مراراً انخفاض درجة الحرارة إلى 37 تحت الصفر ..
عند بدأ دراستي للدكتوراه (1980) كان مجموع سكان العالم 3 مليار نسمة واليوم (أيار / 2020)7 مليار ونصف، بكل ما يعنيه ذلك من طعام وشراب ومواصلات وحرارة تشع من أجساد مليارات البشر ..! ويقدر العلماء أن عدد سكان الكوكب الأرضي سيبلغ نحو 10 مليار عام 2050. ولكل من هذه المعطيات معناها الاقتصادي والسياسي، وبالطبع البيئي.
ولكن ليس هذه فقط التي تمثل إساءة للبيئة، بل وهناك ما هو أسوء بكثير وله آثاره المميتة، وهي التجارب النووية والهيدروجينية، والتجارب على الأسلحة الكيميائية والبايولوجية (الجرثومية). وقد شهد العالم منذ 1945 ولحد الآن (بحسب إحصاءات الأمم المتحدة) 2053 الفان وثلاثة وخمسون تفجيراً نووياً 1032 منها قامت بها الولايات المتحدة، و 715 الاتحاد السوفيتي، بريطانيا 45، فرنسا 210، الصين 45، الهند 3، باكستان 2، كوريا الشمالية تجربة واحدة.
وهذه التفجيرات تشمل ما تم فوق سطح الأرض وتحت الأرض، وفي الفضاء الخارجي، وتحت الماء (على عمق مئات الأمتار). وإذا كانت قنبلة هيروشيما البدائية، قد أنتجت درجة حرارة تفوق 6000 درجة، فيمكن تخيل كمية الحرارة التي تحملها الكوكب الأرضي من انفجار 2053 قنبلة ...!!!
والآثار التي تخلفها التجارب الجرثومية والكيمياوية كارثية لا تقل خطراً، وتحاول أجهزة الدعاية أن تغطي على التسريبات، فهناك تقديرات قوية عن تدخل البشر في فايروس كورونا، والآيدز، وإيبولا . ثم التلوث الخطير الذي تسببه الصناعة، بكافة صنوفها ولا سيما الكيمياوية منها،
بالأمس فقط قرأت في صحيفة ألمانية، أن القطب الشمالي انتهى، ولم يعد بالإمكان إنقاذه، ربما هناك بقايا ولكنها آيلة إلى النهاية، ومن الآثار المتوقع ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، ويقدر تقرير هيئة الأمم المتحدة لتقييم العلوم المتعلقة بتغير المناخ (IPCC) أن ارتفاع مستوى ماء البحر سيبلغ 30 ــ 60 سم، وحتى عام 2100 بما سيؤدي لزوال مدن عديدة، وتهجير مئات الملايين من البشر من المناطق الساحلية.
وبين يدي كتاب بعنوان "بعد أربعة عشر ألف حرب" صادر في موسكو من تأليف العالم الروسي كاشليف (Yu. Kaschlew) والمؤلف قد أشترك في الوفود الروسية لنزع السلاح، ويعلم خفايا هذا الموضوع حق المعرفة، ومن معلوماته ندرك أن العالم كان لأكثر من مرة على فاصلة دقائق معدودة بين حروب نووية لا تبقي ولا تذر بسبب أخطاء بشرية، هي نادرة، ولكنها ممكنة. كما حدث أكثر من مرة سقوط طائرات تحمل على متنها قنابل نووية بعض الطائرات رقدت في أعماق البحر، وأمكن بصعوبة بالغة وتحت الخطر إنقاذ الأسلحة النووية، ومن المرجح أن هناك ما تزال عدد من القنابل ما تزال ضائعة ..!
نستفيد من معطيات تقرير من وكالة الأنباء الألمانية (DW) نشر عام 2014 ، أن هناك ما تزال ملايين الأطنان من الغازات السامة والقنابل الحارقة المتبقية من الحروب، تتعفن وتتآكل وتنفث سمومها، وهي خطر مؤكد على البيئة والبشر. وكثيراً ما ألحق الفسفور المتسرب من القنابل الحارقة بإلحاق أذى شديد بالسواح والسابحين في البحار. ويقدر خبراء أن الذخيرة الكيمياوية من غاز الخردل، والتابون، والفوسجين، منها فقط : 220 ألف طن في بحر الشمال، و60 ألف طن في بحر البلطيق.
العالم ربما استفاد من شيئ واحد، القوى التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل (أسلحة نووية، هيدروجينية، نيوترونية، كيمياوية، بايولوجية ) فلتفكر ملياً ماذا يحدث لو أنها أشعلت فتيل حرب شاملة، فالنتائج سوف تعم الجميع، وحتى الجهة التي شنت الحرب لن تسلم من كوارثها، فإذا كان سكان الكوكب الأرضي اليوم 7,5 مليار نسمة، فتقديري أنه سوف لن يبقى أحياء إلا أقل من 100 مليون نسمة، وربما هؤلاء سيكونون معوقين، وسط بيئة من الحطام الشامل الملوث. من يفكر بالحرب لا شك مجنون يرتدي ثياب السادة المحترمين، و أفكار الحروب العالمية في الواقع هي مشروع لإبادة الجنس البشري، وطالما أن الأسلحة مخزنة، فإن أمر استخدامها محتمل، حتى عن طريق الخطأ ..!
منظمة الصحة العالمية والحركات الإنسانية تناشد، العالم وهيئات البحث العلمي، أن أبحثوا عن العلاج للأوبئة القاتلة، شيدوا البنى التحية من القدرات الإسعاف والمتشفيات، والأطباء والعاملين في الجسم الطبي، بدل حرق المبالغ الخيالية في حروب ونزاعات لا تكسب منها البشرية شيئاً بل هي تدمرها، والآن تمحو آمالها بمستقبل للأجيال المقبلة.
نعم البشرية تواجه مشاكل عظيمة، ولكن يمكن التصدي لهذه المشاكل ووضع الحلول لها، باستخدام رشيد للموارد، والتخلي نهائياً عن فكرة الحروب، وتأسيس علاقات دولية جديدة بعيدة عن مصالح القوى الاقتصادية العظمى الجاهزة للمصارعة على كيلو من سمك السردين أو على برميل نفط ..! وهذا ما تأمله البشرية بعد وباء كوفيد 19 كورونا (Covid 19 )، ضرورة سريان وانتشار ثقافة السلم العالمي وجعلها هدف الإنسانية الأول، ، ونبذ الحروب والصراعات الدولية، وكبح لجماح القوى الرأسمالية العظمى التي تفعل كل شيئ من أجل المزيد من الأرباح،. ومثل هذا التحرك قد بدأ في الدول الصناعية تحت خطر ماثل أمام الأعين .. خطر داهم غير مؤجل .. يبيد الجميع ولا يبقى سوى ارستقراطية السياسة من هم قابعون في أعماق ملاجئ ذرية، ولكن العالم سيكون عبارة عن حطام موبوء بالفايروسات والإشعاعات القاتلة. أما الكوكب الجميل الأخضر بغاباته، والأزرق بمياهه، والإنساني في علاقاته، فأخشى القول أنه على وشك أن ينقرض ....!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: