تأثير الحكاية الشعبية الخرافية على الأدب الحديث (خصائص و مميزات)
نبهان رمضان - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4626
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحكاية الخرافية الشعبية تحوي كنوز ثمينة ليس من الناحية الأدبية فقط بل أيضا من الناحية التراثية للشعوب و تصوراته و معتقداته.
اهتم الألماني فريدريش بالحكاية الخرافية ،سطر كتاب باسم الحكاية الخرافية و ترجم بواسطة الدكتورة نبيلة إبراهيم جمع فيه باهتمام بالغ الحكايات الخرافية ليس في المانيا فقط بل في آداب العالم .
أصدر جيوفاني فرنسكو سترابولار مجموعة قصصية عام 1550 م اعتمد فيها لحد كبير عن الحكايات الخرافية الشعبية انصب اهتمامه على إبراز الشخوص أكثر من إبراز الحدث كما في الحكاية الخرافية الشعبية مثل (القط المنتعل حذاء) ،(الحيوان الحافظ للصنيع) أو (شيخ اللصوص).
تتوالى الأعمال بعد ذلك و كل منها يهتم بجانب من جوانب الحكاية الخرافية الشعبية مثل التعبيرات و العادات الشعبية.
أصدر فيلاند مجموعة قصصية كتب في مقدمتها خصائص الحكاية الشعبية الخرافية .
عرفها قائلا : الحكاية الخرافية الشعبية شكل أدبى تلتقى فيه ظاهرتان من ظواهر الطبيعة الإنسانية ،ظاهرة الميل إلى كل ما هو غرائبي أو عجيب و ظاهرة الميل إلى شكل الصادق و الطبيعي فحيث تلتقى الظاهرتان، توجد الحكاية الخرافية على أن هاتين الظاهرتين يتحتم أن تجمع بينهما علاقة صحيحة. الأدب الصادق هو الذى يخرج من الروح الشاعرة في صور كلمات.
الحكاية الخرافية تتألف من مجموعة من الحوادث الجزئية إلى عالمنا الواقعي فإننا نشعر على التو أن هذا مستحيل لأن هذه الحوادث الجزئية ذات طابع سحري عجيب فحسب لكن لا يمكن أن تحدث إلا في الحكاية الخرافية الشعبية.
لا يعنى هذا إنها منفصلة تماما عن الواقع و أناسها واقعيين فهي تهدف أولا و أخيرا إلى تصوير نماذج بشرية ، تصور علاقة الإنسان بالإنسان و الإنسان بالحيوان و الأنسان بالعالم المحيط به المعلوم منه و المجهول و يصعب أن ترد مصادفات الحكاية الخرافية و حوادثها إلى عالمنا الذى نعيشه.
العالم المجهول ينفصل عن العالم الواقعي لكنه يؤثر في الواقعي و في سلوكنا النفسي كما أنه ليس بعيدا عنا.
البطل في الحكاية الخرافية ينقصه تجربة البعد عن العالم المجهول ، لا يتعجب عندما يقابله المساوم في سبيل الوصول إلى مآربه. إنسان حياتنا الواقعية يعيش الواقع مدركا أنه ينتمى إلى عالم معلوم و عالم مجهول له سيطرة كبيرة عليه.
عالم الحكاية الخرافية ذو بعد واحد أما العالم الواقعي ذو بعدين، شخوص عالم الحكاية الخرافية يميل إلى التسطح ، شخوص العالم الواقعي تنتزع إلى العمق الواقعي.
أشكال الحكاية الخرافية ، أشكال بلا أجساد كأنهم يعيشون بلا واقع داخلي. إذا حكينا في الحكاية الخرافية أن البطل يبكى فهو لا يفعل ذلك لكى ينقل لنا الحالة النفسية للبطل لكن يفعل ذلك لتظهر له كائنات مساعدة تأخذ بيده لكى يصل إلى هدفه.
يتلاشى عامل الزمن يمكن أن يشيخ البطل في لحظة و يعود شبابا مرة أخرى ، الأميرة النائمة نامت مائة عام و صحت شابة لم يجرى عليها أي تغيير بفعل الزمن. الحكاية الخرافية عالم تجريدي عكس عالمنا الحسى.
الحكاية الخرافية الشعبية تسمو بشخوصها فوق الواقع الداخلي و الخارجي و تفرغهم من عواطف الغضب و الثورة و الحقد و الحسد لكن تدخلهم في غماد الحوادث التي تنتفى عنها صفات الكآبة و الغلمة و الإحساس بالتعب.
الحكاية الخرافية تحقق للإنسان الشعبي حياة العدالة و الحب التي يحلم بها و إنها تمتلك الحياة و تتعلق بها ،إن لها عالم جميل حلى بالسحر و الأمل.
الحكاية الشعبية الخرافية تميل إلى الأسلوب الانعزالي التجريدي ، مليئة بالرموز التي تشير إلى تجاذب إنسانية عميقة يمكن شرحها أدبيا و نفسيا مثلا المرأة الجميلة الطيبة في وسعها أن تحول الرجل الممسوخ في صورة حيوان إلى رجل جميل تتزوج به عن طريق الكلمة الطيبة و المعاملة الحسنة. الإنسان إذا انتصر على نفسه فإنه يتغلب في الوقت نفسه على الوجود.
نسوق نموذج للحكاية الخرافية الشعبية تظهر فيها كل الرموز و الخصائص المميزة لها في حكاية الصياد و زوجته.
نستخلص من هذه الحكاية الخرافية الشعبية أن السعي وراء الأمل يصنع الإنسان.
نجد امرأة الصياد أكثر أهمية من الصياد نفسه و أبعد يقظة منه لكن الخطأ الأكبر الذى وقعت فيه المرأة و حطم حياتها هو أنها لم تكن تدرك من الطبيعة الإلهية سوى القوة و لم تسعى وراء القوة كوسيلة و إنما سعت إليها في حد ذاتها و القوة في حد ذاتها ليست شيء شرير فكلما كان الإنسان قويا يكون تأثيره أكبر في الحياة لو أن زوجة الصياد عاشت التجربة منذ بدايتها بقلب مفتوح و إدراك واضح و عزيمة صادقة و خبرة في كل الأمور لامتلكت زمام القوة الإيجابية و صعدت درجات النجاح لكنها كانت تتخبط في الفراغ من درجة إلى درجة حتى ارتدت إلى نقطة البداية التي بدأت منها. الزوجة تعيش في المجال الإنساني في وعي و يقظة فسيطرت على زوجها الذى يعيش بلا بصيرة و لا وعى. كان العيب الوحيد للزوجة أن رغباتها تجاوزت الجزئي إلى المطلق.
تأثير الحكاية الخرافية الشعبية على الأدب
ليس من المحتم أن تنتهى الحكايات الخرافية بنهاية سعيدة كما هو معروف فحكاية الصياد التي سبق ذكرها، قد انتهت نهاية تراجيدية و مثل هذه الحكايات ليست قليلة . بالتالي يمكن أن نقول هناك حكاية خرافية شعبية تنقسم إلى نوعين متلازمان و متساويان معا التراجيدية و الحكاية ذات النهايات السعيدة .كلاهما يحمل نفس الوظيفة ،السعي إلى إلغاء العالم الواقعي و إحلال عالم آخر ملئ بالسحر و الخفة و التفاؤل محله. إذا كان الأدباء قد اهتموا بالحكاية الخرافية منذ القرون الوسطى فإن الحكاية الخرافية ما يزال لها من المكان و التأثير على الأدباء المعاصرين بخاصة الحكاية الخرافية التراجيدية.
قد أثرت الحكاية الخرافية الشعبية في الأدب عن طريقين، طريق مباشر الذى يتمثل في الحكايات الخرافية التي مازال الكتاب الأفراد يكتبونها مستوحيين فيها جو الحكاية الخرافية الشعبية و الأمثلة كثيرة ،أما الطريق غير المباشر فيتمثل في هذا الاتفاق بين الحكاية الخرافية التراجيدية و أدب اللامعقول.
الذى انتشر في عالم الأدب المعاصر الذى يحمل بعض أوجه الاتفاق مع خصائص الحكاية الخرافية الشعبية التراجيدية.
يتحتم علينا أن نشرح الخصائص المشتركة بين النوعين و نبين أولا الأسس النفسية التي فجرت أدب اللامعقول الذى انسجم الأدب الخرافي مع هذا الأدب.
إذا كنا اتفقنا سلفا أن الحكاية الخرافية لا تستمد أحداثها من الواقع الذى نعيشه، فالإنسان الشعبي لم يكن مقتنعا بهذا الواقع و لذلك صور لنفسه عالم آخر يحبه و يرتاح إليه و الأهم أن يوفر هذا العالم الآخر تحقيق ذات هذا الإنسان الكاملة.
و ربطها بما حوله و من حوله و بمن حوله بخيوط متينة و لا تنقطع إذا انتقلنا إلى ما يقدمه المسرح و القصة و الرواية من أدب الفانتازيا أو اللامعقول فإننا نجد أن الميل قد بدأ يقوى و يبرز الفكرة من خلال الأسلوب الانعزالي اللامنطقي التجريدي هانحن نرى أن عدوى هذا الأسلوب قد تسرب إلينا من الغرب فيما ظهر في أواخر إنتاجات توفيق الحكيم في مسرحية ياطالع الشجرة و (رحلة صيد).
نجد البطل يعيش في دوامة يختلط فيها الزمان و المكان اختلاطا كبيرا فهو قد يظهر في مكانين مختلفين في وقت واحد و قد يرى اليوم أمس و الغد هو اليوم و قد ينقلب الشخص الذى يراه أمامه إلى أشكال مختلفة من الشخوص و غير ذلك فالحديث النظري عن هذه المقارنة قد يطول سنتركه للحديث التطبيقي بين أدب الحكاية الشعبية الخرافية و التراجيدية و أدب اللامعقول بالتناول عمل من كل نوع منهم بالتحليل و إيضاح الخصائص المشتركة بينهما من خلال حكاية (كتاب الإله توت السحري)
ربما كانت هذه الحكاية متطورة نوعا ما عن الحكاية الأصلية نجد فيها التراجيديا و الحزن بارزا فيها .
إنها حكاية تحمل في طيتها الرمز لا مفر من فهم ما ورائه لقد سعى نفركاه بتاح ، هو يمثل الإنسان القديم الحائر في هذا الوجود، وراء كتاب السحر لعلمه أن ما يحتويه هذا الكتاب كفيل بإزالة ما في نفسه من إحساس بالغموض إزاء وجوده في هذا الكون و يكشف له سر هذا اللغز. لغز وجوده في الحياة. فالإنسان القديم و المعاصر كلاهما يريد أن يخرج من دائرة وجوده المحدودة التي يشعر بأنه أسير فيها و هدفهما من وراء ذلك إخضاع نظام الحياة لهما لا أن يخضعا لنظام الحياة. من هنا اتفقت هذه الحكاية، بوصفها نموذجا لما شابهها من الأعمال الأدبية الشائعة القديمة ،مع الأعمال الحديثة التي تصور البطل كائنا غريبا في مجتمعه و هو من شدة حيرته و شكه في حقيقة وجوده يترك الواقع سعيا وراءه سعيا وراء مجالات جديدة هي مزيج من الوهم و الخيال و لكنه يلجأ إليها هربا من شكه و حيرته.
أما فيما يختص بالأعمال الأدبية الحديثة فنحن نستشهد بمسرحية (يا طالع الشجرة) دون غيرها من الأعمال الغربية الحديثة التي تصور الإنسان كائنا قد وقف عن الحركة تماما و لا سبيل له إلا اللغو بتفاهة الحياة.
فالشجرة في مسرحية (يا طالع الشجرة) رمز الحياة بهادر أو حياة الإنسان و بهادر مستغرق في شجرته هذه أي الحياة إلى درجة أنه يكاد يعيش في غفلة تامة عن ما حوله فهو يقضى نهاره بجانبها و هو يسعى للحصول لها على سماد غريب يغذيها حتى تستطيع أن تثمر ثمارا مختلفة في فصول السنة المختلفة. أي أن بهادر هو صورة الإنسان الحديث الذى يريد لكى يهرب من حياة الواقع أن يجرى وراء تجارب جديدة لعلها تكون اكثر إثمارا و خصبا.
لكن هذه الرغبة في الانطلاق من القيود و البحث في إلحاح و إصرار و راء حياة جديدة أخرى يتوهم الإنسان أنها تسلى نفسه الحزينة المتعبة هذه الرغبة لابد أن يكون وراءها تضحية بل تضحيات و قد رأيناه مع نفركاه بتاح قد ضحى بولده و زوجته كما ضحى ستون بولديه في سبيل الانطلاق من حدود الواقع.
في مسرحية ( يا طالع الشجرة) اتهم بهادر بقتل بهانة زوجته و لم يكن متهمة سوى ضميره أو الأنا الأعلى ثم تدخل الدرويش اللاشعور و صارح بهادر بما يحاول ان يختزنه في هذا اللاشعور و أقر تهمته حاضرا و مستقبلا و سبب ذلك أن شجرة بهادر هي كل شيء عنده و يهمه تغذيتها بأثمن الغذاء لو كان هذا الغذاء جسد إنسان كامل(جسد زوجته)
على هذا الإنسان الحائر رغم قناعته بفشل التجربة أو بفشل تجربة غيره لا مفر له من الاستسلام لهذا الفشل، إذ لم يعد في استطاعته أن ينتمى في عالم الواقع.
لعلنا نستطيع بعد ذلك أن ندرك أهمية الحكايات الخرافية الفنية و أنها ليست حكايات العجائز و إنما هي أدب شعبي يعبر عن مشكلات الإنسان الشعبي .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: