د.محمد فتحي عبد العال - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2936
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
انه المرض الذي حل كضيف ثقيل علي الاذان مؤخرا علي الرغم من شهرته في التاريخ الانساني القديم والمعاصر بوصفه مرض عارض ومسالم.
حمي الضنك هي عدوي فيروسيه تسببها اربعة انماط فيروسية مصلية تنقلها اناث البعوض خاصة جنس الزاعجة المصرية والتي تصل فترات لسعها الي ذروتها في مطلع الصباح وفي المساء قبل الغروب وعادة ما تعيش هذه البعوضة علي الاطراف الحدودية في مناطق المياه الراكدة والبرك والمستنقعات في المقابل وبدرجة اقل الزاعجة المرقطة وهي ناقل ثانوي في دول اوروبا وامريكا الشمالية واسيا لقدرتها علي تحمل المناخ البارد ودرجات الحرارة ما دون الصفر.أما أصل كلمة ضنك فهي من اللغة السواحلية (Dinga ) ناسبة المرض الي الارواح الشريرة فيما يري البعض ان هذه الكلمة الساحلية مشتقة هي الاخري من الكلمة الاسبانية ( Dengue ) وتعني حساسا او متحفظا يصعب ارضاؤه..وقد ظل السبب وراء هذا المرض خفيا حتي القرن العشرين ولعل من أطرف الفرضيات حول سبب هذه الحمي هو الربط بينها وبين ارتشاح فيضان نهر النيل وذلك عقب تفشي هذه الحمي عام 1888 في ربوع مصر مما دفع طبيب القصر العيني حسن محمود باشا الي ان يسطر رسالة بعنوان (في حمي الدنج ) مستبعدا صحة هذه الفرضية تماما .
يبدأ المرض بشكل مفاجيء بارتفاع الحمي السريع دون قشعريرة واضحة وقد تصل درجة الحرارة الي 40 درجة مئوية مما يتسبب عنه التشجنات في الاطفال كما تشمل الاعراض الصداع والارهاق الشديدين والتهاب البلعوم وتضخم في الكبد والطحال فضلا عن التواءات في العظام بسبب الالام في العضلات والمفاصل مما ينتج عنه يبوسة ومشية متصنعة (مشية الغندور) وتورم الغدد اللمفاوية والطفح الجلدي أو احمرار في الوجه والعنق والصدر وهي من السمات المميزة ..وفي بعض المرضي المصابين بتليف الكبد يعمل فيروس حمي الضنك علي تفاقم الحالة ونشوء سرطان الكبد مما يشير الي علاقة بين هذا الفيروس وبين فيروس الالتهاب الكبدي سي.
تتشابه اعراض المرض مع الانفلونزا مما قد يؤدي الي صعوبة في التشخيص يصاحبه التأخير في العلاج لذلك فمن المتعين الاشتباه بحمي الضنك عندما تترافق الحمي الشديدة (40 درجة مئوية )واثنين من الاعراض التالية (الصداع الحاد والم خلف العيون والام العضلات والمفاصل والقيء والغثيان وانتفاخ الغدد والطفح). تؤثر حمي الضنك علي اي شخص ولكنها تميل ان تكون اكثر شدة لدي الاشخاص ذوي النظام المناعي الضعيف كما انها السبب في تشوه العظام لدي الاطفال ولا ينتقل المرض من انسان لاخر وانما عن طريق البعوضة وحسب...وينتشر المرض في المناطق المدارية وشبة المدارية .
يوجد ثلاثة انواع من حمي الضنك اسوءها حمي الضنك النزيفية وهو نوع نادر الحدوث يعاني فيه المريض من نزيف علي هيئة نقط تحت الجلد ومن اللثة والانف وظهور للدم في القيء والبراز وهنا يتصرف الفيروس المسالم في احواله العادية وكأنه فيروس ايبولا القاتل.
تعتبر اول حالة مسجلة لحمي الضنك في الموسوعة الطبية الصينية ابان حكم أسرة جين واطلق عليه انذاك (سم الماء) كما تتخذ هذه الحمي مسميات شتي فهي حمي تكسير العظام كما وصفها الطبيب الامريكي الشهير ( بنيامين رش ) عام 1789وهي مرض أبو الركب وقد اوردها الجبرتي تحت هذا المسمي مشفوعا بوصف دقيق في يومياته عجائب الاثار في التراجم والاخبار( في منتصف شهر رجب ظهر بمصر وضواحيها مرض سموه بأبي الركب وفشا في الناس قاطبة حتي الاطفال وهو عبارة عن حمي ومقدار شدته ثلاثة ايام وقد يزيد عن ذلك وينقص بحسب اختلاف الامزجة ويحدث وجعا في المفاصل والركب والاطراف ويوقف حركة الاصابع..ويأتي الشخص علي عقله فيسخن البدن ويضرب علي الانسان دماغه وركبه وهو من الحوادث الغريبه) كما يطلق عليها حمي داندي أو المتألق الغندور لوجه الشبه بين حال المرضي ومشية العبيد المصابين غرب الهند ابان انتشار تجارة الرقيق.
لا يوجد علاج لهذا المرض وهنا يتجاوز دور الطب الوقائي الدور الذي يمكن ان يلعبه الطب العلاجي حيث يمكن الوقاية من المرض عبر تقليل مواطن واعداد البعوض عبر ازالة أماكن التوالد ومن خلال تغطية خزانات المياه وكذلك عن طريق تقليل التعرض للدغات عبر وضع شبك ضيق المسام علي الابواب والنوافذ واستخدام الناموسيات وارتداء الثياب ذات الاكمام الطويلة.
تستمر المرحلة الحادة من المرض مع الحمي لمدة اسبوع ويتركز العلاج في حالات الحمي العاديةعلي تخفيف الاعراض كوصف مسكن الباراسيتامول كما ينصح بأستخدام الكمادات المبللة بالماء للتخفيف من الحمي امتثالا للهدي النبوي الشريف قال المصطفي صلي الله عليه وسلم (الحمي من فيح جهنم فأطفئوها بالماء) كما يجب تجنب استخدام الاسبرين لانه يزيد من مخاطر النزف والتزام الراحة وشرب السوائل وينصح بأستخدام محاليل معالجة الجفاف للحيلولة دون حدوثه أما في حالة الحمي النزفية فيتطلب الامر دخول المريض للمستشفي حيث توضع له كانيولا وتنقل له السوائل المناسبة بالكمية المناسبة حسب وزنه أو تنقل له البلازما أو الصفائح الدموية عند الحاجة وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية فقد تم تطوير أول لقاح لحمي الضنك (Dengvaxia) من فيروسات حيه مضعفه هي فيروسات الحمي الصفراء (اذ ينتمي كلا من فيروس حمي الضنك والحمي الصفراء الي الجنس ذاته ) ولكن تم تعديل الفيروسات وراثيا لكي تحتوي علي مورثات قادرة علي ترميز بروتينات حمي الضنك ويستخدم للفئات العمرية من 9-45 سنة وللاعشاب جانب مهم أيضا في العلاج في البلدان المختلفة ففي البرازيل تستخدم عشبة مخلب القط والتي تفيد في علاج الالتهاب اما الفلبين فتستخدم اعشاب طاوا طاوا وعصير البطاطا الحلوة لزيادة اعداد الصفائح الدموية.
-------------
د.محمد فتحي عبد العال
صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية
كاتب وباحث مصري
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: