البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

في ذكرى ناجي العلي

كاتب المقال د. ضرغام الدباغ - ألمانيا    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3647


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


سيداتي، سادتي، المستمعين والمشاهدين والقراء الأعزاء !

في 22 تموز 1987 أطلق مجهول النار على رسام الكاريكاتور العربي الفلسطيني ناجي العلي بهدف قتله. وقد نجح القاتل في ذلك. ولكن بديهي القول أن ناجي العلي، لم يكن بذاته هو الهدف، بل كان فنه وريشته ونحن بحضورنا هنا وعرضنا لأعماله التي لا تنسى، نثبت أن تلك الرصاصات لم تصب الهدف.

لقد قتل ناجي العلي باستخدام سلاح ناري وفر القاتل. بينما كان ناجي العلي يرسم علانية، مستخدماَ فكره وريشة بسيطة، ولكن ريشته كانت تفضح القتلة وأساليب القتل والتدمير، لذلك قرر القتلة أن هذه العبقرية لا يمكن مقابلتها إلا بالرصاص وهذه الريشة المتواضعة لا يمكن مبارزتها إلا بالسلاح، وهنا أصبح الصراع غير متكافئ : ريشة مقابل أسلحة فتاكة، شعب أعزل في مخيمات مقابل أحدث الأسلحة من الطائرات والدبابات. لقد أعلن القتلة بأنفسهم أن ليس بوسعهم الرد على الفن بالفن، وعلى الرأي بالرأي، والحجة بالحجة، فقد اكتشفنا أن أسم ناجي العلي قد وضع على قائمة الإرهاب.

لذلك قتل ناجي ألعلي. أما نحن محبي الفن والحوار والتفاعل الإنساني، فسوف نواصل حمل القلم والريشة، أما فن ناجي العلي فسيبقى معلقاَ إفادة شاهد عيان. ناجي العلي لم يمت، بل تحول إلى دين ثقيل على الذين اغتالوه وعلى محبي الحرية والكلمة والفن, وقد أكتسب أسمه ميزة خاصة، فهو من الرسامين النادرين الذين تعرضوا للاغتيال بسبب رسومهم. نعم لقد قتل مفكرون وطورد محررون، فقد أعدم جوردانو برونو Giordano Brono ، وكاد أن يلاقي غاليلو غاليلي نفس المصير. وطورد مارتن لوثر، ثم أعدم يوليوس فوجيك Julius Fucik ، وأغتيل مارتن لوثر كينج ، أما ناجي العلي فقد أغتالوه لأنه يتألم ساخراً ..!

على الصعيد الفلسطيني، فقد أستشهد قبله الروائي غسان كنفاني والشاعر كمال ناصر والناقد وائل زعيتر والأديب محمود الهمشري وآخرون غيرهم، ولكن أن يطال الاغتيال رساماَ فهذه سابقة لا مثيل لها، أفتتحها ناجي العلي ورسم آخر لوحة له بدمائه .

كان ناجي العلي، وهنا تبرز عبقريته، فنان كاريكاتور، ذلك الفن الذي تلتحم فيه قوة الخطوط مع الفكرة العميقة التي تهز المشاهد بقوة، أنه لا يعتمد على سحر الألوان والضلال، أنه فن إعطاء الأحداث والشخصيات، بما في ذلك المؤلم منها، طابع السخرية . والفنان ربما يريد بذلك منح القوة والقدرة على احتمال ما لا يمكن احتماله عبر السخرية والابتسامة، وفي الوقت نفسه، ينطوي هذا الفن على إمكانية توجيه النقد إلى الشخصيات والأحداث ( سياسية على الأغلب) عبر فن الرسم. وتعبر انطلاقة هذا الفن في عصر النهضة Renaissance تعبيراَ عن القيمة الفنية والإنسانية التحررية لهذا الضرب من الفنون، حيث ابتدأت بتوجيه النقد إلى الكنيسة وأمراء الإقطاع، وأزدهر في القرن السادس عشر والسابع عشر، في عصر التنوير والليبرالية ثم أنتشر الكاريكاتور بصفة فعالة مع ازدهار عصر الصحافة حيث أحتل الكاريكاتور مكاناَ بارزا في ممارسة تأثيراَ واسعاَ على الجماهير في القرن التاسع عشر.

أقتحم ناجي العلي هذا العالم الرحب، عالم الكاريكاتور، وهو المهندس الميكانيكي فبالإضافة إلى الرؤية الشاملة العميقة والتصميم الذي امتازت به أعماله. وإلى جانب قوة العمل التكنيكي وارتفاع مستوى وعي الموضوع Motivation ، تميز برؤية بانورامية عريضة. وبموجب هذا التقييم العالي، أعتبر ليس في وطنه العربي أو الفلسطيني فحسب، بل على الصعيد العالمي فناًناً مبدعاَ. وأني لأعتقد أن أعماله وذكرى ناجي العلي ستبقى حية زمناَ طويلاَ، وهو وإن سقط، لكن الضوء الذي أطلق سراحه سيبقى مشعاَ لن يقوى الرصاص على إخماده.

هكذا عمل ناجي العلي ممسكاَ بالريشة يحاول وضع الابتسامة على أفواه المعذبين، وأن يفتح نوافذاَ للضوء والريح. وكان مدركاَ أنه يزعج الطغاة، ولكنه كان يقبل الخطورة والمجازفة من أجل الحرية، ولم يكن ليقبل الأمان مع الخضوع. ولكن الذين اغتالوه ما يزالون حتى اليوم يخشون ضلال ريشته. فقد قال الأديب الفرنسي البير كامو : " أن الخير هو حلم مشروع، مؤجل بلا انقطاع وملاحق بجهد مضن، أنه حد لا يمكن الوصول إليه قط وامتلاكه مستحيل. والشر وحده يستطيع أن يمضي حتى حدوده " .

لقد قذف ناجي العلي بريشته وسط بستان وطنه وأمته، فأنبتت آلاف الريشات، فقد حاولوا عبثاَ أن يمنعوا فنانين عرباَ من إنتاج فلم سينمائي، عنوانه يتألف من كلمتين فقط :

ناجي العلي .

يرقد ناجي العلي اليوم في مقبرة بلندن حيث اغتيل، ينتظر أن يعود يوماَ إلى وطنه في قرية الشجرة شمال فلسطين. فمن يدري، لعل موت ناجي العلي الجسدي خطوة على الطريق ؟

ألم يقل بول أيلوار في أحد شهداء المقاومة الفرنسة :

لقد هوى ..... ثم أشرق النهار .

أشكر لكم حسن إصغاءكم .


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

ناجي العلي، فلسطين، الكاريكاتور، المقاومة، الفن،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 4-08-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  أقفاص الأسر على مر التاريخ
  مأزق هنية
  ماذا يحدث في بلاد العم سام
  الوضع الثقافي في شبه الجزيرة قبل الاسلام
  سوف تكسبون ... ولكنكم لن تنتصروا Sie werden gewinnen aber nicht siegen
  صبحي عبد الحميد
  الخطوط الدفاعية
  غيرترود بيل ... آثارية أم جاسوسة ..؟
  أمن البعثات الخارجية
  الحركة الوهابية
  ماذا يدور في البيت الشيعي
  الواقعية ... سيدة المواقف
  زنبقة ستالينغراد البيضاء هكذا أخرجت فتاة صغيرة 17 طائرة نازية من السماء
  اللورد بايرون : شاعر أم ثائر، أم بوهيمي لامنتمي
  حصان طروادة أسطورة أم حقيقة تاريخية
  دروس سياسية / استراتيجية في الهجرة النبوية الشريفة
  بؤر التوتر : أجنة الحروب : بلوشستان
  وليم شكسبير
  البحرية المصرية تغرق إيلات
  كولن ولسن
  الإرهاب ظاهرة محلية أم دولية
  بيير أوغستين رينوار
  المقاومة الألمانية ضد النظام النازي Widerstand gegen den Nationalsozialismus
  فلاديمير ماياكوفسكي
  العناصر المؤثرة على القرار السياسي
  سبل تحقيق الأمن القومي
  حركة الخوارج (الجماعة المؤمنة) رومانسية ثورية، أم رؤية مبكرة
  رسائل من ملوك المسلمين إلى أعدائهم
  وليم مكرم عبيد باشا
  ساعة غيفارا الاخيرة الذكرى السادسة والستون لمصرع البطل القائد غيفارا

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مصطفي زهران، ياسين أحمد، العادل السمعلي، جاسم الرصيف، طلال قسومي، منجي باكير، الهيثم زعفان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد الحباسي، د- هاني ابوالفتوح، مصطفى منيغ، محمد عمر غرس الله، سامر أبو رمان ، محمد شمام ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صفاء العراقي، محمد علي العقربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، المولدي الفرجاني، صباح الموسوي ، حميدة الطيلوش، د- محمد رحال، محمد يحي، د - محمد بنيعيش، أشرف إبراهيم حجاج، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد بشير، عبد الله الفقير، عمار غيلوفي، سلوى المغربي، كريم فارق، رافد العزاوي، سعود السبعاني، د.محمد فتحي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، محمد العيادي، علي الكاش، د. عبد الآله المالكي، د - مصطفى فهمي، فتحي الزغل، الناصر الرقيق، صلاح المختار، د- محمود علي عريقات، حسن عثمان، كريم السليتي، محمد الطرابلسي، فتحـي قاره بيبـان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سفيان عبد الكافي، رشيد السيد أحمد، يزيد بن الحسين، أبو سمية، د. طارق عبد الحليم، د - الضاوي خوالدية، عبد الرزاق قيراط ، أحمد ملحم، عبد العزيز كحيل، د - عادل رضا، علي عبد العال، أنس الشابي، د- جابر قميحة، صالح النعامي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، نادية سعد، يحيي البوليني، محمد أحمد عزوز، فهمي شراب، عزيز العرباوي، عمر غازي، رضا الدبّابي، د. خالد الطراولي ، د. مصطفى يوسف اللداوي، طارق خفاجي، رمضان حينوني، صلاح الحريري، سامح لطف الله، إسراء أبو رمان، د - المنجي الكعبي، أ.د. مصطفى رجب، محمود طرشوبي، مجدى داود، خبَّاب بن مروان الحمد، بيلسان قيصر، أحمد بن عبد المحسن العساف ، إياد محمود حسين ، فوزي مسعود ، عواطف منصور، ضحى عبد الرحمن، د. صلاح عودة الله ، الهادي المثلوثي، د. أحمد محمد سليمان، عبد الله زيدان، د - صالح المازقي، رحاب اسعد بيوض التميمي، تونسي، محمود سلطان، سيد السباعي، أحمد النعيمي، صفاء العربي، حاتم الصولي، د - شاكر الحوكي ، وائل بنجدو، د - محمد بن موسى الشريف ، إيمى الأشقر، محرر "بوابتي"، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الغني مزوز، فتحي العابد، سلام الشماع، أحمد بوادي، محمود فاروق سيد شعبان، خالد الجاف ، محمد الياسين، مراد قميزة، حسن الطرابلسي، المولدي اليوسفي، عراق المطيري، رافع القارصي، ماهر عدنان قنديل،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة