د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4554
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
رغم أننا سمعنا نكات كثيرة أطلقت حول ميثاق الشرف، ولكن لا ضير بتقديري في أي عنوان يوصل الشعب العراقي لبر الأمان، ولكن لماذا أختار مطلقوا هذا العنوان وهذا الوقت والظرف بالذات لمشرعهم ؟
مطلقوا العنوان يدركون أن بعد ما يقارب الأحد عشر عاماً، فإن الناس فقدت الثقة بالقيادات السياسية، وربما تعيد كلمة ميثاق وشرف شيئ من تلك الثقة المفقودة، وإذا وجدوا ذلك لا يكفي فسيلجئون إلى القسم بأغلظ الأيمان، وإذا كان ذلك لا يوصلك لما تريد فمالعمل ؟
من المؤكد أن الأمر لا يتوقف عند صياغة المشروع، ولا عند عنوانه. وبتقديري أن السياسي، أي سياسي عليه أن يطمئن الناس، ومن ذلك : أن يرسخ في وعيهم الداخلي أنه يمثل المواطنين جميعاً، وحتى تتعزز تلك القناعة، عليه أن بثبت ذلك عملياً وعلى أرض الواقع. فأنت إن أردت تطمئن كافة المكونات، فينبغي أن يرسخ ذلك دستور وليس مواثيق ولا معاهدات، فالأمر لا يدور بين شعبين، أو دولتين، بل بين شعب واحد، أو شخصيتين معنويتين، وخلال الأحد عشر شهراً جرى الكثير في العراق، من الدماء والدموع والمآسي.
أني أعتقد جازماً أن من الظلم أن يتهم المكون س، المكون ص، الجميع يعلم أن هذه المصطلحات لم تكن معروفة في العراق إلا بعد الاحتلال الأجنبي الذي ما يزال يرخي سدوله على العراق بهذه الصورة أو تلك، فهي إذن ثقافة أجنبية لمطلب أجنبي. ترى هل نتفق جميعاً على إزالة التأثيرات الأجنبية ؟ هذا الأمر الأساسي ينبغي أن يكون فاتحة كل عمل وطني عراقي لإرساء أوضاع عراقية ثابتة ومستقرة وسليمة.
ثم هناك أن القبول بدستور يتضمن بوضوح تام لا لبس فيه، أن لا يتقدم مكون على مكون آخر، نصاً أو ضمناً، وأن يكون المواطنون سواسية في الحقوق والواجبات، فليس سوى هذا يشكل المقدمات الضرورية لعراق ديمقراطي جديد، نريد أن نزيل معوقات العيش المشترك، والمجتمع الحر الديمقراطي، فليس من سمات وشروط العيش المشترك، شعورك أن ثمة أحد يتربص بك، يرد تهميشك، أو إقصائك، أو ربما ألتهامك.
العراق اليوم على أعتاب انتخابات، وهناك من يقول أن هذا مشروع ميثاق الشرف إنما هو بيان انتخابي للقائمة الفلانية. حسناً لا مانع، لا أحد يعمل في السياسة بناء على الذكريات والعواطف، ولكن ما يجري اليوم في العراق من تهجير واقتلاع لمواطنين من مناطق عيشهم، وأعمال قتل واغتيال لا يتناسب ولا يتفق كمقدمات ونوايا للمشاريع الطيبة.
مطلقوا العنوان والمشروع هم في أعلى المستويات الحكومية، ترى أليست هناك وسيلة أخرى لتطمين من لا يشعر بالأمان والأطمئنان. ما هي الخطوات المادية الملموسة لمثل هذه المشاريع. الموقف في البلاد يتراجع كل يوم إلى الوراء، والمطلوب أن تكون الحكومة مظلة لجميع المواطنين، وليس ذراعاً لهذه الحركة أو تلك، وهذه الميليشيا أو تلك.
التصعيد الطائفي .... من المسؤول
برغم أن التهييج الطائفي يتواصل دون انقطاع منذ 2003 منذ احتلال تحالف القوى الأجنبية للعراق ولحد الآن، إلا أن المراقب السياسي يلاحظ أن التصعيد الحالي الذي يتجاوز المألوف، يترافق مع أحداث داخلية وخارجية مما يشير دون أدنى ريب حتى لأقل الناس ذكاء، أن الأمر بقضه وقضيضه هو من صنع أيادي أجنبية، لا تريد الخير للشعب العراقي.
وبادئ ذي بدء نؤكد على بديهية : أن التقسيم الطائفي هو دوماً وأبداً سلاح المستعمر أو المتدخل الأجنبي، سواء كان من الشرق أو من الغرب.ليس في العراق فقط، بل وفي كل بلد يقع في المخططات الاستعمارية، يهدف المستعمرون إلى طرح التقسيمات الطائفية أو الدينية أو العرقية أو المناطقية لكي لا يضطر أن يواجه الشعب بأسره، وهذه فقرة وقاعدة بديهية في خطط المؤامرات الساعية إلى الهيمنة.
التحريض الطائفي لم يكن يوماً مصلحة عراقية حتى لأشد المنظمات الطائفية تطرفاً. فالعراقيون متلاحمون وقد اعتادوا وألفوا وتداخلوا في نسيج سياسي / ثقافي / اجتماعي/ عشائري / عائلي، يصعب لدرجة الاستحالة فصمه. وهذا ما يعرفه حتى من يخطط للتقسيم الطائفي ومن يعمل على التحريض، وبالضبط لهذا السبب لا غيره، تنهال مطارق التحريض والتهييج تحاول أن تنال من وحدة الشعب، وسلاحها في ذلك : دعاة فاسدون تدربوا في الخارج، ليس في إيران لوحدها، بل في الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً، ووسائل إعلام إذاعية وتلفازية تعزف ليل نهار على أوتار الطائفية وتبث سموم التفرقة. وفي إلقاء نظرة بسيطة على أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، تجد الجواب الشافي .
وعدا هذه الأدلة التاريخية، المادية منها والعقلية، دليلنا أن الأيادي الأجنبية في التهييج الطائفي له علامات لا تخطأها عين الخبير أو حتى المتتبع. فبرغم ذكاء وخبرة الأجهزة الاستخبارية للجهات المخططة والمنظمة للهجمات، إلا أنها تقع في أخطاء فادحة نتيجة تسيدها المطلق على ساحة العمل الاستخباري. ومن تلك الأدلة :
1. أن معظم الهجمات الكبيرة تتم بقدرات رفيعة المستوى تقنياً، وذات تكلفة مالية عالية، وهو غالباً ما يشير إلى قدرات غير عادية للجهة المخططة والمنظمة لهذه الهجمات، تفوق قدرات عصابات وأرهابيين، بل هي قدرات أجهزة أستخبارية تابعة لدولة.
2. أن الوحدات والعناصر المنفذة لهذه الهجمات تعمل بحرية وسهولة حركة تامة، ومن ذلك وقوع 8 أو 9 عمليات تفجيرية في خلال زمن متقارب، في أماكن / محافظات بعيدة عن بعضها البعض، في الشمال والوسط والجنوب.
3. تحاول العمليات أن تمنح انطباعاً كأن فريقاً يرد على فريق، ليبدو الأمر بصيغة أقتتال طائفي، وهو الهدف الرئيسي للجهات المخططة للهجمات.
4. بوجود قوات أمن عراقية (شرطة وجيش) يفوق العلني منها المليون رجل، وأجهزة أستخبارية عراقية طائفية الهيكلية، بالإضافة إلى وجود أستخباري أجنبي (أمريكي ــ إيراني)، تجري عمليات متكاثفة في حجمها وعددها ونتائجها، ومن المدهش أن لا تستطيع هذه الأجهزة مجتمعة ومنفردة أن تكشفها أو تمنع حدوثها، أمر بالطبع لا يعزى إلى الصدفة، أو تباطؤ أو إهمال في العمل، بل يؤكد دون أدنى ريب إلى أن العمل برمته هو من تخطيط وتنفيذ هذه الأيادي الأجنبية ومن يعمل في ركابها من العراقيين المأجورين .
وبوسع كل متتبع أن يلاحظ بقليل من التركيز وسهولة في التحليل، أن التسويق والتحريض الطائفي مرهون بعناصر خارجية وداخلية، ومن أهم تلك العناصر الداخلية :
1. تعثر العملية السياسية للتناقضات المصلحية التي تهيمن على الموقف.
2. تفاقم عزلة الشخصيات المحسوبة على الاحتلال وقواه.
3. تصاعد الوعي الشعبي العراقي ورفضه للأحتلال ونتائجه.
4. تصاعد الحركة المطلبية / الاجتماعية بعد تراجع حاد في مستوى الخدمات الاجتماعية الأساسية.
أما العوامل الخارجية فأهمها :
1. عندما تواجه قوى الاحتلال الرئيسية مصاعب في مخططها الشامل.
2. عندما توشك فصائل تحررية على إحراز مكاسب سياسية مهمة.
3. عندما تشعر إحدى القوى الوالجة في احتلال العراق أن اختلالاً على وشك الحصول.
ومصدري التصعيد الطائفي يسعون منذ يوم الاحتلال الأول إلى أهداف لا يعلنون عنها دفعة واحدة، بل يطرحونها بالأقساط ليهضمها الشعب العراقي، ومن تلك الأهداف إقناع العراقيين أنهم لا يستطيعون العيش معاً، عجباً ... لقد عشنا ألآف السنين وخضنا معارك ثقافية واقتصادية وسياسية معاً كعراقيين، وعملنا في الأحزاب الوطنية والقومية دون أن يعرف أحدنا ليس طائفة زميله، بل وحتى دينه، فلطالما اكتشفنا أن زميلنا هذا هو مسيحي، أو صابئي، ولطالما ناضل يزيديون وصابئة ناهيك عن المسيحيين في الأحزاب الوطنية، وفي قيادات الأحزاب والحركات، معاً يداً بيد في طريق أهدافنا الوطنية العظمى، هذا يوم كان العراقي يركز في تفكيره على العدو الخارجي، أما الأجنبي فيريد أن يصرف أذهاننا بصراعات داخلية تفرق البيت الواحد، وتمزقه ليسهل له اللعب. ولست مغرقاً بالتفاؤل إن قلت أن عدد مسوقي الشعارات الطائفية قليل، ولكن فرقعة الشر لها دائماً صوت مدو، ولكنها عندما تخف، سينسى الناس كل شيئ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى القنوات العربية بتاريخ 19 / أيلول ـ سبتمبر / 2013
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: