د - صالح المازقي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6432
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يفترض بي أن أسأل نفسي ما يمكن أن يطرحه أي قارئ، لماذا كل هذا الاهتمام بما يجري في مصر بعد الثورة؟ جوابي على هذا السؤال يتلخص في خوفي على الأمة العربية الإسلامية التي في اعتقادي المتواضع، أنّ وجودها في اللحظة التاريخية الرّاهنة، رهين وجود مصر دولة وشعبا وجيشا، قوية، متعافية كي تكون دائما وأبدا، درعا لهذه الأمة المتهرئة، المتداعية والمتخلفة.
لهذا السبب كنت أتابع باهتمام بالغ تطور مسار الثورة المصرية في مقاربة نقدية ومقارنة لم مسار الثورة التونسية. الثورة هنا وهناك تسيران خطوة بخطوة وللأسف الشديد، نحو مستقبل قريب أسوء/أسود...
وفي كلمات مختصرة، لا يسعني إلا التّدخل وإبداء رأيي المتواضع كي تتجاوز مصر حالة الانفجار الشعبي الذي نشاهده على القنوات المصرية والعربية والأجنبية بكل أسى ولوعة. مضت سنتان كلمح البصر على خلع الرئيس محمد حسني مبارك، فهللت الجماهير وانبرى مثقفون ومحلّلون وكل من هبّ ودبّ، بعد أن كان صمتهم من صمت القبور... ويستثى من هؤلاء ثلّة من المناضلين بالفكر والقلم (وهذا ليس موضوع المقال)...
أعود إلى جوهر الموضوع الذي يحزّ في نفسي، ألا وهو تأزم الأوضاع المصرية في كليتها التي أثبتت بما لا يدعو إلى الشّك، أنّ الدولة بقيادة الإخوان المسلمين، سواء في السّر أو في العلن، قد فشلت بتقدير (مشرف جدّا)؛ كما سقطت المعرضة بزعامة جبهة الإنقاذ في إدارة فشلها الانتخابي في الرئاسية والبرلمانية، إضافة إلى فشلها بامتياز في التّحكم والسيطرة غضب الشارع.
المؤسف أنّ الطرفين لم يقّر بعد بفشله، وراح يكابر ويعاند كل من موقعه في الساحة السياسية، يكيل الاتهامات للطرف الآخر ليخفي نواياه الحقيقة، المكشوفة ممثلة إما في التمسك السلطة واحتكارها والعمل على إقصاء المنهزم الذي لم يقبل بهزيمته السياسية (حتى لو كانت هزيمة مشكوك فيها) وسعى لتغيير الأوضاع من خلال (شرعية الشارع) دون أن ينتبه أن هذه الشرعية لن تتكرر مرّة أخرى إن لم يعمل الفكر ويستنبط طريقة جديدة لتغيير الحكم.
مصر تعيش حالة من تناطح الكباش و/أو مصارعة الثيران في إصرار محموم وبعقول أعمتها الأنانية. كشّر الطرفان المتصارعان على أنيابهما ليمزق أحدهما الآخر... لكن... غرست أنياب "المستأذبين" في جسد البلد، لتمزقه (لا قدّر الله) شرّ ممزق.
الآن والحال على ما عليه من سوء وصراع سيأتي على الأخضر واليابس، ماذا يجب فعله للخروج من المأزق؟ لن أقول تحاوروا ولن أقول كوّنوا لجان للحكماء. في هذا السياق يقول مثل فرنسي ما معناه: "إذا أردت أن تغرق السمكة، كوّن لجنة"؛ ولكنني أقول بكل صراحة وجرأة: لم يبق أمام مصر مجال للتفكير ولا للحوار ولا للتشالى الجيش المصري أن يعيد تاريخ أمجاده، ويتصرف تصرف الضباط الأحرار الذين أنقذوا البلاد من الفساد وخلعوا الملك "فاروق" وانطلقوا في الإصلاح والتنمية، فأثبتوا وجودهم وأعادوا لمصر هيبتها ومكانتها وأدوارها بين الدول. لم يكن انقلابهم على الفساد في مصر بل انعكس فعلهم التاريخي على الأمة العربية بأسرها...
هذا رأيي أقوله بصراحة وبكل إخلاص وجدّية (رغم أنّي لست عسكريا ولست من مناصري الانقلابات العسكرية). لكن على رأي العرب "آخر الطّب الكّي"، فكلما تأخر الجيش المصري عن التّحرك، كلما ارتفع منسوب الخطر الخارجي على مصر وعلى الشرق الأوسط والمغرب العربي، خاصة وأن الجناح الأيمن للأمة العربية (سوريا) في حالة احتضار؛ كل هذه الأزمات تهدف بدون مواربة لتعطيل الاستفاقة العربية وإعاقة ثوراتها.
لم يمض وقت طويل حتى حصلت على إجابة فعلية على سؤال كنت طرحته في كتابي: نظرية التّبعية بين القرآن الكريم وعلم الاجتماع، 2012 عن الدار المتوسطية للنشر، لماذا وافقت أمريكا على صعود التيارات الإسلامية للحكم في بلدان الربيع العربي؟ الجواب ماثل أمام أعيننا جميعا، تنفيذ نظرية الفوضى الخلاّقة/الهدّامة للسيدة "كوندليزا رايس" وزيرة خارجية أمريكا السابقة في عهد "ورج بوش الإبن"، لتأمين إسرائيل ضمن خريطة جديدة لدوليات عربية بملوك طوائف جدد، ومن يعتقد أن التاريخ لا يعيد نفسه، أقول علينا الانتباه ونحن نخرب بيوتنا بأيدينا...
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: