د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4374
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قبل أيام كان رئيس الأركان الأمريكي كان في بغداد، وقلنا أن رؤساء الأركان لا يجرون مفاوضات سياسية، بل يضعون الخطط الموضوعة موضع التطبيق والتنفيذ، ومن هنا، فمهمة رئيس الأركان أن يقيم ما بين يديه من قوى، ويزجها في مهمة/ واجب/عملية، وهي في الغالب ليست سياسية، فهناك شخصيات سياسية، كأن يكون وزير الخارجية، أو وكيل الوزارة، أو السفير من أجل المحادثات والأهداف السياسية .
هناك وراء الاكمة ما ورائها، والمنطقة بأسرها في لجة تحولات، تحيط بها العواصف والأعاصير. هناك ازمة حكم في العراق رغم الاتفاق والتوافق بين أطراف الاحتلال، والأزمة ليست بسيطة، وبمجرد أن أنسحب الامريكان أختلف رفاق العملية السياسية، لأن لا رابط موضوعي يربطهم، الأمر الذي تسبب تدخل الأمريكان مباشرة وعلى أعلى المستويات، وتوافقاً إيرانيا / أمريكاً أوقف التدهور ولكن إلى حين، فما زال فتيل الأزمة مشتعلاً، وسيبقى مشتعلاً وينذر بشر مستطير طالما أن البلاد محتلة، والاحتلال لا يحسب بعدد الجنود، بل غياب الارادة الوطنية وارتهان القرار السياسي.
الأمريكان لم ينسحبوا من العراق، فالاتفاقية الامريكية ــ العراقية تتيح لهم استخدام الأراضي والأجزاء والمياه العراقية ساعة ما يريدون ذلك، ودون إبداء الأسباب الوجيهة، وليس من المهم أن يقبل الطرف العراقي أو يقتنع أو لا، وهي اتفاقية صيغت بدقة، والمؤشرات تشير إلى أن هناك حفلة أمريكية، جانب منها ينطوي على محور جهد ثانوي للتمويه والتضليل، ولكن هناك محور جهد رئيسي وإليه ستتجه المؤامرة، بفؤوسها وحرابها.
في الجارة الغربية سوريا حريق، والنظام أربعة عقود ونيف من المتاجرة بشعارات العروبة، والممانعة، يرفع شعار : علي وعلى أعدائي يا رب. وموقف العراق والضامنين لمواقف العراق لهم رأي وموقف، وربما يد فيما يجري، وبعضهم يتدخل والآخر ينصح بالتريث.
على المسرح الإيراني وحواليه وكواليسه تدور عمليات خفية، ولكنها على درجة كبيرة من الخطورة. فبالأمس فقط أقرت إسرائيل أنها قصفت المشروع النووي السوري في بداياته، ربما لكي توحي أنها لا تسمح لقوى نووية أخرى في المنطقة، وتلك إشارة مهمة. والتحالف الإيراني ــ الامريكي لا يزال قائماً، رغم خروج الإيرانيين عن النص أحياناً، ولكنه إلى الآن يبدو محتملاً ومفيداً.
جوهر الأزمة أن نفهم ماذا يريد الأمريكان من العراق. ... بل ماذا يريد الإيرانيون ...؟ في هذه المرحلة تحديداً أو في المستقبل القريب ؟
صرح أحد الضالعين بالأمور في بغداد، أن سقوط النظام السوري (ويرجح سقوطه قريباً) يعني أن المعركة ستكون على أبواب بغداد، مصادر إيرانية صرحت أن نظام الملالي اقترح على الحكومة العراقية أن يتولى أمر العراق بشكل كامل إذا ما سقط نظام بشار في سوريا.
وأخيراً وليس آخراً/ جاءت تصريحات علي لاريجاني، المدهشة بصراحتها ووقاحتها تعني الكثير وتحتمل الأكثر. فهو ليس بملا جاهل ما يقول، ولا هو شاب استهوته السياسة، بل هو عارف لما يقول، فقد أشتغل مفاوضاً للأوربيين في الملف النووي، فهو يعلم الكلام المسؤول وقيمته، والفرق بين تصريحات للخداع وصرف الأنظار في إعلام السياسة، ولا شك أن هذا التصريح يعبر عن نظرة إيران للثورة السورية من جهة، ولكنه يعكس رؤية قيادة إيران للحلفاء ودورهم، كشريك للألعاب الدائرة، وتلك التي تحاك في الخفاء. ثم أن احتلال الكويت مسألة لم تكن واردة في الحسابات، ولكن هذا الطرح يعني أن إيران تحلم بإمبراطورية، يلعب فيها السذج دور الحطب للفرن الإيراني، كعناصر الارتكاز في سورية ولبنان، وفي مناطق أخرى كاليمن والبحرين، أوراق في خدمة النظام الفارسي لا أكثر ولا أقل.
لا علاقة للأمر بالدين ولا قيد انملة واحدة بالمشروع الإيراني، فالمسألة بقضها وقضيضها لعبة مصالح، وإيران بهذه الدرجة المعينة فقرة أو أداة مفيدة للغاية للأمريكان والإسرائيليين، هذا نظام يحارب مثلهم في الساحة العربية والإسلامية . وهذا جيد ومفيد بقدر معين ومحدد، ولكن لا أكثر وبدون تمادي، بيد أن إيران الملالي تريد أن تلعب دور الدول العظمى، ربما لم يستوعبوا درس الشاه جيداً حين توهم وطالب بدور أكثر من عنصر مساعد، وأراد أن يرتقي لدور الشريك، وإيران لا تملك من مستلزمات اللعبة سوى ما لديها من برامج نووية تريد أن تبتز بها وتكسب سياسياً، ولا تملك في ذلك سوى التمويه والتآمر والاغتيالات، وبناء خلايا سرية، وتسلل بوسائل الغش وما إلى ذلك من ألعاب المخابرات، وهو خيار متعب.
والعراق العظيم الطويل العريض، صار ملعباً بأيدي هؤلاء .... ولعبة يتجاذبها اللاعبون، وحلاوة وجائزة الفائز هي تعطيل العراق، الأمريكان يريدون ذلك، والإيرانيون يتوقون إليه، والإسرائيليون يتمنوه، أما لمن ساهم بهذا الدور من أبناء جلدتنا على هذا المسرح، ماذا نقول لهم .. سوى أن نستعين بأبيات أبو الطيب المتنبي.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين العظيم صغارها وتصغر في العظيم العظائم