د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4855
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
" أذاعت وكالة بارس الإيرانية للأنباء قيام كل من إيران وروسيا والصين وسوريا بمناورة عسكرية مشتركة قوامها 90 ألف جندي، على أن تتم على الأراضي السورية بعد شهر من الآن. ووصفت الوكالة لمناورة بالأكبر في الشرق الأوسط، مؤكدة أن المناورة ستتم بعد تصفية الأراضي السورية من المحتجين.
وأضافت وكالة فارس أن وحدات صاروخية سورية أرض بحر وأرض جو في ستشارك هذه المناورة، التي من المقرر أن يشارك فيها 90 ألف جندي و400 طائرة و1000 دبابة ومئات الصواريخ من الوحدات العسكرية المختلفة للبلدان الأربعة. وشددت "فارس" الإيرانية نقلاً عن مصدرها على أن المناورة ستنفذ بعد القضاء على الاحتجاجات المستمرة ضد الرئيس السوري بشار الأسد منذ 15 شهرا.
وتقول الوكالة الإيرانية إن الصين قد على موافقة مصر لعبور قطعها البحرية وعددها 12، لقناة السويس للمشاركة في المناورة وستصل هذه القطع التي تشمل وحدات بحرية وجوية بعد أسبوعين ميناءي اللاذقية وطرطوس ".
من جانبي لم أقم سوى بتحوير بسيط للمثل المشهور " آخر الدواء الكي " وأني أجد هذا المثل ينطبق على الشأن السوري المحزن، وحليفه المحبط نظام ملالي طهران. ولكن العالم بأسره أختبر سعار الكذب الإيراني (وهنا أبدلت حرف اللام بحرف الذال)، وقدرة المعدة الإيرانية على ابتلاع الأكاذيب.
أني أعتقد أن الخبر بأرجحية عالية قد صيغ في إحدى الدوائر العسكرية الإيرانية (الاستخبارات العسكرية) باعتبار أن الخبر بتعلق بالمؤسسة العسكرية، وهنا يدرك حتى القارئ البسيط أي حجم للمبالغة ينطوي عليه الخبر من تهويل ومبالغة ولا سيما فيما يتعلق بأعداد الجنود والأسلحة المشاركة.
وقد أدركت منذ الوهلة الأولى أن النبأ الذي أذاعته الوكالة هو من خيال شخص يستحق أن يرسل لمصحات عقلية، وقد أساء لنفسه وبلده كثيراً بصناعة هذا النبأ، رغم أن الكذب والمبالغات التي تقترب من الخيال والفنتازيا المطلقة هي واحدة من سمات العقلية السياسية الإيرانية والحياة السياسية، وهو أمر معروف لكل من يتابع الشؤون السياسية الإيرانية، إلا أن هذا النبأ فاق في خياله كل تاريخ الإعلام الإيراني الذي لا يصدقه حتى عباقرة مفبركوا الأنباء.
ولكن لنتفحص العلة سياسياً بعيداً عن علم النفس، لماذا تحتاج إدارة سياسية ما للكذب. ؟
وفي السياسة كما في علم النفس، فالكذب هو محاولة يائسة أخيرة لتجسير الهوة بين الواقع والخيال، ومن يلجأ للكذب هو فاقد للإرادة المادية يلجأ لتعويضها بالكذب. ولكن في الحياة الاجتماعية يكون جزاء من يكذب هو بسيط حيال ما قد يلحق بدولة ما تمارس الكذب مهما كانت التبريرات، آنذاك ستسقط مصداقية الدولة أولاً، ثم يبدأ المحللون السياسيون (وهنا المهم) في البحث عن أسباب لجوء تلك الدولة للكذب. ومن المؤكد أن المحللون يضعون في البدء احتمالات ثم تضيق دائرة الاحتمالات بالتحليل حتى يصل التحليل إلى اليقين أو شبه اليقين.
النظام الإيراني أفتتح تعامله مع الثورة السورية، بأن أعترف بحقوق الشعب، ولكنه لا يقبل بالثورة على النظام ..! بل زاد على ذلك باستعداده للتوسط بين النظام والثورة(هو يطلق عليها معارضة) ولكن دائماً بنتيجة واحدة: أن سلموا أنفسكم للنظام الرحيم الشفيق العادل، وكأنهم يحدثون أنفسهم أمام المرآة. النظام الإيراني يرى في الحفاظ على تابعه السوري صيانة لمصالحه الهشة في المنطقة، ولا يعتقد مطلقاً أن من صلب مصالحه، مصالحة شعوب المنطقة بدل من أن يقيم معها علاقات إما غالب أو مغلوب.
النظام الإيراني يعتقد أن الشعب السوري وبمجرد أن يسمع النبأ سيرتعد فرقاً، وينسحب إلى جزر الواق واق ..! الإعلام الإيراني أعتقد واهماً(وأي وهم !) أنه يخيف الغرب بهذه الاكاذيب، التي لم يهتموا بها ولم يكتبوا عنها حرفاً واحداً في كافة صحفهم ودولهم، والسبب بسيط، أن الغرب يعلم أن الروس والصينيين دول عظمى يشتغلون بعقولهم ولا يلعبون ألعاب الأطفال، كما أن هناك اتصالات هاتفية بينهم على مدار الدقيقة بما يسمونه الهاتف الأحمر، ويحمل رؤساء هذه الدول هذا الهاتف معهم أينما حلوا وحيثما ارتحلوا من أجل البقاء على اتصال ليحيطوا بعضهم بقراراتهم وتحركاتهم كي لا تأتي كمفاجأة على طرف منهم.
من صنع هذه الكذبة وأطلقها، قد يعلم بدقائق هذه المعلومات كما نعرفها، ولكن الإيرانيون يعلمون أيضاً من كتب علم السياسة والتاريخ، ولكنهم مصابون بآفة : وتلك هي أنهم لا يصدقون ما أمام أعينهم وما يوصله لهم التحليل العلمي عندما لا تحلو لهم الحقائق المرة، ويتناسون أن على السياسي الذكي أن لا يضع نفسه في دروب الحقائق المرة كي لا يتعين عليه تجرعها.
القدرات الإيرانية أقل بكثير من امكانية التأثير على القرارات الروسية أو الصينية أو الأمريكية، فهذه دول تتعامل مع بعضها البعض على أسس واضحة متينة، لأن الخلاف إذا نجم عنه صدام، فالأمر سيكون كارثياً بكافة المقاييس سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، حتى إذا لم يصل الخلاف درجة الصدام المسلح، فالاتفاقات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة حول كوبا ما زالت سارية المفعول منذ أكثر من نصف قرن (أزمة الصواريخ 1962)، فرغم أن صداماً مسلحاً لم يقع، فقد أزيلت قواعد الصواريخ السوفيتية من كوبا مقابل إزالة صواريخ جوبتير الأمريكية من قواعد امريكية في تركيا وإيطاليا، فالإضافة إلى تعهد أمريكي بالحفاظ على الوضع في كوبا.
ربما يدرك صناع القرار في إيران مفبركوا الأنباء أن هناك مقولة شهيرة لقائد سوفيتي قالها بصراحة في سنوات الحرب الباردة : الاتحاد السوفيتي ليس على استعداد لإطلاق رصاصة واحدة لأجل الشرق الأوسط، ولكن الغرب مستعد لإشعال حرب عالمية ثالثة في سبيل الحفاظ على مصالحه في المنطقة .
لنلاحظ بعضاً من خارطة المصالح، ولنركز على الاقتصادية منها.
اقتصادياً بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا نحو 9ر42 مليار دولار عام 2011 حسب تقارير اعلنتها وزارة التجارة الأمريكية، ومع الصين أظهرت الاحصاءات الصينية أنه منذ تبني سياسة الإصلاح والانفتاح منذ أكثر من 30 عاما، زاد حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة تصاعد منذ 30 عاماً بمعدل أكثر من 120 ضعفا ما كان عليه ليحققووفقا للارقام الصادرة عن وزارة التجارة الصينية، فقد حقق حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة قفزات كبيرة للامام فى السنوات الماضية. فارتفع حجم التبادل التجارى بين الصين والولايات المتحدة، ثانى اكبر شريك تجارى للبلاد، إلى 446.7 مليار دولار أمريكى فى عام 2011، بزيادة نسبتها 16 % مقارنة بعام 2010 وبزيادة حادة عن حجمه منذ عشر سنوات عندما بلغ 80.5 مليار دولار، فيما الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة بنسبة 78% سنويا في المتوسط خلال الثلاثة أعوام الماضية. وهذه الارقام تمثل لوحدها أضعاف القدرات الإيرانية، وحكام هذه الدول لا يضحون بمصالحهم الاقتصادية تأسيساً على تقديرات إيرانية أو غيرها.
لذلك سارع المسؤولون الروس والصينيون إلى تكذيب هذا الخبر، ومن المؤكد أنهم دهشوا أيما دهشة له، وحتى النظام السوري خشي من عواقب المزاح الثقيل فسارع لتكذيب الخبر.
ماذا بقي من الفقاعة الإيرانية ..؟
لا شيئ البتة، الفقاعة انتهت ولم تنفع مطلقوها مثقال ذرة واحدة، بل أساءت لهم وأظهرت على الملاْ أمراً مهماً، هو المأزق الذي يعيشه مطلقوا الكذبة وحليفهم النظام السوري، حتى باتوا يعللون أنفسهم بفوائد الكذب، على أمل أن يكسبوا من المثل الشائع: العيار الذي لا يصيب يخيف.
ولكن هذا العيار لم يخيف أحداً ولم يهتم به أحد ولا هم يحزنون، لعل مطلقوها يعتبرون ..!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: