د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5719
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تجري الدول التي تمتلك أجهزة سياسية ودبلوماسية كفوءة أحياناً اختبارات تطلق عليها (Lie detection test) اختبار الكذب لمعرفة ما إذا كانت حكومة معينة قد لجأت للكذب من أجل تغطية موقف معين. ومن المعلوم أن الدول، ودبلوماسيتها، تفقد مصداقيتها(Credibility)، وتلك مسألة بالغة الأهمية والحساسية في العملية السياسية والدبلوماسية. فإذا ثبت أن زعيماً أو حكومة دولة ما أو أحد دبلوماسييها قد مارس الكذب، فذلك كفيل بتعريض لجزء ربما هو الأهم في قضية المفاوضات والمحادثات، للانهيار، بيد أن رجل السياسة والدبلوماسي الذكي بوسعه التخلص من الأسئلة أو المواقف المحرجة بوسائل عديدة، ولكن الكذب ليس من بينها قطعاً.
ومن خلال متابعتي الدقيقة للشؤون السورية، لم أشاهد ولم أسمع أو قرأت، أن جهة ما تثق بما تصرح به الحكومة السورية ومسئوليها، لا في الأزمة الحالية ولا حتى قبلها، بشكل غير مسبوق في العلاقات الدولية.
• الرئيس التركي يصرح أن الرئيس الأسد وعده بإيقاف قتل المحتجين ولكنه أخلف وعده.
• الأمين العام للأمم المتحدة بصرح أن النظام السوري فقد مصداقيته لأنه خالف وعوداً قطعها الرئيس السوري شخصياً له.
• الأمين العام للجامعة العربية أكد أن الرئيس السوري وعده بإيقاف آلة القتل.
• الحكومة الروسية تقول أنها ما تزال تأمل بوعود قطعها لهم الرئيس السوري، بإيقاف القتل.
• الحكومة الفرنسية تقول أنها لم تعد تثق بأقوال الحكومة السورية.
• السفير البريطاني في دمشق يقول أن النظام السوري يفعل كل شيئ من أجل المكوث في السلطة.
• الزعيم اللبناني جنبلاط يقول: أنه تحدث طويلاً مع الرئيس السوري عن مخاطر السياسة الدموية، وأنه أستمع إليه جيداً، ولكن حمام الدم يتواصل.
• رئيس وزراء لبنان الأسبق د. الحص يقول(28/ أيلول): أن الرئيس السوري أخبره أن الأزمة انتهت، ولكنه عندما قصد للجوامع وجدها قد أوصدت أبوابها.
• أما السيدة بثينة شعبان فقد صرحت في الأسبوع الأول للثورة: الأزمة أصبحت ورائنا ...!
ومن المفارقات المدهشة، أن أراء من أدلى بدلوه في الشأن السوري تتقارب أرائهم رغم تباعدهم السياسي والآيديوجي، وصاروا على دراية بالمواقف السورية، بل بالشخصية السياسية السورية، ومفادها أن لا مصداقية في الموقف السياسي الحكومي، وهذه تفسد حقاً أية عملية سياسية، التي تجري كتغطية على القمع الدموي، كما تنسف أية محاولات مستقبلية، وتلك برأينا المشكلة كبرى، تطرق لها بعض الوسطاء الدوليون ممن حاولوا التدخل بين بعض وجوه المعارضة والنظام، بيد أنهم اصطدموا بجدار شاهق من انهيار الثقة، وهو ما توصل إليه حتى أصحاب أطيب القلوب.
وتشير معظم الاستطلاعات التي تقوم بها جهات إعلامية، أن الغالبية العظمى من الذين جرى استطلاع آرائهم، أنهم لا يؤمنون بأسطورة الإصلاحات السورية، لسبب بسيط هو أن النظام نفسه لا يؤمن بها، بل لا يريدها أصلاً وكل التشريعات الإصلاحية المزمع صدروها أو تلك التي صدرت، هي إصلاحية وصالحة بقدر غموضها وتناقض فقراتها وبالتالي عدم صلاحيتها، إلا بقدر ما تساعد النظام على المكوث في السلطة، وأفضل مثال هل ذلك استبدال قانون الطوارئ بقانون مكافحة الإرهاب.
النظام وبعد أن تخلى عن الحزب، أو ما تبقى من الحزب، استراح وأراح من عناء ثقل شعارات الثورة العربية الاشتراكية، ولم يعد لديه ما يطرحه منها، سوى كلمات هلامية لا معنى واقعي لها، تحاول أن تفلسف مافيا الدولة العائلية، نظام لا هوية سياسية ولا آيديولوجيه له، في خلاصة مفادها: دعونا نحكم، رضيتم أم أبيتم بإصلاحات أو بدونها.... وإلا فنحن قد قمنا بتفخيخ سوريا ولن نتركها سوى حطاماً... في ضرب من ابتزاز دموي...
• الرئيس السوري وصف المحتجين مرة بالميكروبات.
• مستشارته وصفتها بالمؤامرة.
• وزير خارجيته وصفها بالتدخل الخارجي.
• أما الحزب الحاكم فيلوذ للساعة بصمت القبور ......
إعلامي ألماني سألني منذ أيام، أيعتقد النظام السوري بصلاحية بقاؤه بعد كرنفال الدم هذا ..؟ فالكل يدرك أن النظام يعيش وباق على قيد الحياة، رغم شهادة الوفاة السريرية، فقط بفضل إتقانه لعبة أن يعيش طفيلياً، يعتاش على لعبة التوازنات في المنطقة ويمنح لنفسه بامتياز صفة: المكروه المقبول ... وهذا ما غدا مفهوماً بدقة في الصحافة الأوربية.
النظام غير محترم بالإجماع، فاقد المصداقية بالإجماع، غير موثوق بالإجماع، مدان بالإجماع بجرائم مخلة بالشرف، ولسان حاله يقول: لا يوجد عيب، العيب هو أن نسقط ونتفرق أيدي سبأ في الدول والعواصم التي سوف تتنصل منا وتنبذنا بعد أن تستولي على المليارات التي جمعناها بعد أن تخلينا من أجلها عن آخر قطرة حياء، هذا ما لم نقف أمام المحاكم الوطنية أو الدولية برؤوس مطأطأة لنحاكم بتهم لا ترفع الرأس في مقدمتها السرقة، واستخدام تكنولوجيا الاغتيالات.
• الأمريكان يرون فيه أفضل البدائل المكروهة، ولذلك لا يتحمسون لإبداله، رغم قناعتهم التامة بأهترائه، وفقد موضوعياً شروط البقاء، وأنه لا يساوي سنتاً واحداً، بل هم يدافعون عنه بتحريضهم على قبول نظرية الإصلاحات، فليبق هكذا هزيلاً ضعيفاً، محاصراً ومداناً، حراب وأسلحة جيشه وعيون أمنه موجهة للداخل، وفي ذلك أمان أكيد للجبهة الشمالية وللحليف العزيز إسرائيل.
• الإيرانيون يرون في النظام مخلب قط وذراعهم في المنطقة حتى يكونون لهم وجودهم السياسي والثقافي، هم يعلمون أنه نظام فاسد، ولكن لن يجدوا غيره، ولكن لا بأس من أن ننظر فيما قد يكون في الغد، وحتى ذلك الوقت فهو المقبول المفضل.
• الإسرائيليون يرون فيه نظاماً، بشعاره الغامض " الممانعة " يركب موجة لا تنطوي على تكاليف، ينفخون في الكير، ولكن لا نار ولا من يحزنون وجبهتهم مع إسرائيل هي أكثر الجبهات أماناً وسلاماً، وآخر ما تخشاه إسرائيل هي الكلمات.
• الروس يعتقدون أن النظام حليفهم الوحيد، ومن خلال عقود التسليح والتسهيلات في الموانئ السورية، يمثلون البقية النادرة الباقية من نفوذ غابر، لذلك لا يرغبون بتبديله، ليس لذلك فحسب، بل الأهم أن الروس يفكرون بمشكلات ما بعد الغد، ولندع ذلك لمبحث خاص به.
كشف استطلاع أجرته جامعة (جامعة بيبردين الأمريكية)، أن ثقة السوريين تتراجع حيال قدرة نظام الأسد، على حل الأزمة الراهنة، مع أن الاستبيان أظهر كذلك الكثير من التفاؤل إزاء المستقبل. وقد جرى تنفيذ الاستطلاع بصورة غير علنية، ودون تصريح من الحكومة، ومثل تحديا لوجيستيا للفريق الميداني الذي قام بجمع البيانات.
ونتائج الاستطلاع الذي شمل551 سورياً تجاوزت أعمارهم سن 18 عاماً، نفذ خلال الفترة ما بين 24 أغسطس/آب إلى الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري، ولوحظ تردد وخوف المستفتين لا سيما النساء من الإدلاء بآرائهم، ولكن مع تسجيل ظاهرة تراجع الخوف في مجتمع يحكم بقبضة حديدية منذ ما يزيد على الأربعين عاما، وأن النسوة يتحفظن في إبداء آرائهن، كأي مجتمع شرقي.
ومن أبرز مؤشرات الاستبيان:
• أن ثمانية من بين كل عشرة سوريين أبدوا رغبة في زوال نظام الأسد.
• أعرب أكثر من سبعة من كل عشرة، عن تفاؤلهم بأن الإصلاح آت.
• أبدى تسعة من عشرة عن توقعاتهم بمستقبل أفضل عن الراهن.
• قيم أكثر من 86 % من المستطلعين، أداء الأسد بالسلبي.
• رأت شريحة، بلغت 88.2 %، أن الحكومة الراهنة لا تملك القدرة على حل أزمة البلاد.
• أن 71.1 % من المستطلعين كانت لهم آراء إيجابية بشأن المحتجين، مقابل 5.5 %.
• أعرب 88 % عن اعتقادهم بأن أغلبية الشعب تحمل نفس مخاوف المحتجين.
• أبدى 11.5 % من المستطلعين فقط رغبتهم في بقاء النظام الحالي وإجراء إصلاحات.
• أعرب 87.9 % عن اعتقادهم بأن الإصلاحات لن ترضي المتظاهرين.
• أعرب 81.7 % عن رغبتهم في زوال النظام.
هذه هي حقائق مجردة لا لبس فيها ولا كلمات إنشاء.
الحدث الأعظم الذي قلب كل الاستبيانات وتوقعات مركز الأبحاث، هي الثورة المذهلة للشعب السوري، الثورة لم تتأخر كما يعتقد بعض الخبراء بالشؤون والشجون السورية، ولكنها كانت تمور وتتفاعل حتى حلول اللحظة التاريخية، التي سوف لن يلوي إرادتها لا حديد ولا نار. لا شيئ بمقدوره مواجهة الاستحقاق التاريخي، ومن يفعل ذلك يعاند مصيره المحتوم بغباء، ويزيد من ثقل كفة العدالة لغير صالحه.
كان معلوماً أن النظام قد تفنن خلال ما يزيد على أربعة عقود، بخلق لوحة موزائيكية بالغة التعقيد من أجهزة أمن ومخابرات واستخبارات، هدفها الأوحد هو التصدي للشعب وليومه العظيم. وكنا نسمع أن النظام قد شكل منظمة سرية تدعى الشبيحة، وهي ضرب من اختراع قذر لميليشيا طائفية، والنظام يتهم المعارضة بالطائفية..!
يزعم النظام في أهم شطحاته، خلافاً لما يراه كل العالم، أن الثورة مؤامرة، ثم يعود ليعترف مرة ويتراجع مرة أن هناك مطالب مشروعة، والإصلاحات ضرورية، فإذا كانت المطالب مشروعة فلماذا تستكثرون عليه الثورة، إذا رفض جوركم وظلمكم بعد ما يزيد على الأربعين عام ... أليس لهذا الشعب صبر سيدنا أيوب ... ؟
كيف تندلع (مؤامرة) بهذا الحجم والاتساع ولديكم هذا الجيش العرمرم من الجواسيس على الشعب، وهذه الشبكة العنكبوتية من منظمات أمنية وأستخبارية بالغة الدقة، وعناصر قمع رائعة التدريب والإعداد ..؟
• مكتب الأمن القومي.
• الاستخبارات العسكرية.
• مخابرات الطيران.
• الأمن السياسي.
• الشبيحة.
• عناصر حزب الله كاحتياطي تكتيكي.
• عناصر البسيج وفيلق قدس والمخابرات الإيرانية كاحتياطي استراتيجي.
كما تفنن النظام بخبث ولؤم وبأتباع الأساليب الوضيعة، فإن نفايات كهذه لا تقتلعها إلا ثورة من طراز الثورة السورية العظمى.
التضحيات الكبرى تزيد من قيمة الهدف، وتدخله في ميثولوجيا الشعب، أليس مخجلاً أن لا يكون لشعب ما ميثولوجيا عظيمة يعتز بها يتناقلها جيلاً بعد جيل، بفخر.
ألا تتضاعف قيمة الأرض والحرية والكرامة بعد أن تدفع الشعوب ما يعادلها من ثمن.
الإنسان لا يدافع عن شيئ لا يشعر بقيمته.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: