د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5077
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عندما لا يكون اليمن السعيد سعيداً، فهذه مسألة مهمة، وعندما يكون مريضاً فهذه مشكلة، أما عندما يكون اليمن السعيد تعيساً، فهذه محنة كبيرة.
وإشكالية اليمن وإن تميزت بخصوصية واضحة، وتلك الخصوصية تفصح عن نفسها من خلال النسيج الاجتماعي القبلي، التخلف الاقتصادي الاجتماعي وهو موروث ثقيل لم تنتهي آثاره حتى بعد مرور خمسون عاماً على الثورة، وتلك قضية تستحق لوحدها مناقشة مستفيضة، كما هناك خصوصية التقاليد الاجتماعية وبعضها ينطوي على سلبية، ولكن أين يكمن العامل المشترك بين تلك المشاكل..؟
بتقديري، أن العامل المشترك الأعظم بين تلك النقاط السلبية، وبصرف النظر في هذا اليوم عن الأسماء ومن هو المذنب الأكبر ومن هو المذنب الأصغر، ففي ذلك يضيع التركيز على العامل الجوهري. ثورة 1962 حققت الكثير من المنجزات، إذ حققت نقلة مهمة، من نظام الإمامة المتخلف الذي لا ينتمي لهذا العصر، نعم، ولكن العمود الارتكازي الذي يستند إليه هيكل البيت لم ينجز، وتأجل النظر فيه، والوحدة اليمنية التي تمت كان ينبغي لها أن تدوم، شكلاً وشعوراً، وأن لا يكون المطالبة بالانفصال شعاراً يطرح اليوم ليرفع غداً، فاليمن هي واحدة في التاريخ والجغرافيا، وإذا كان اليمن يجب أن يستكمل، فليستكمل بشماله وجنوبه، وإن كان بحاجة لإصلاح، فليصلح بشماله وجنوبه، وتلك واحدة من الثغرات التي توجع اليمن ومن يحب اليمن.
وعدا تلك الخصوصيات، فاليمن يعاني من أزمة، هي في الواقع أزمة عربية شاملة، وتلك الأزمة تبرز مرتسماتها في لإشكالية النظام العربي الذي، يجد أن الديمقراطية بشكلها وأنماطها الغربية، كنظام سياسي / اقتصادي ثوب ليس على مقاس أقطارنا، وليست المسألة هنا أوسع أو أضيق، كما أن البعض يرى أن نظام الحكم الإسلامي يعني قيام دولة إسلامية واحدة، هل هي عربية ..؟ أم هي إسلامية بصرف النظر عن القومية، وهل يجوز قيام نظامان وفق نظرية الحكم الإسلامية متجاوران، أو غير متجاوران ..؟ وتلك قضية أخرى، والفكر السياسي العربي يتأرجح بين هذه الخيارات، فلا هو هذا ولا هو ذاك.
ولكن، حتى يحين وقت مناقشة النظام السياسي العربي الإسلامي، دعونا نتوصل كما تفعل سائر أمم الأرض ومخاليقها، بوضع دساتير تحدد الثوابت المطلقة، توافق عليها الأغلبية الساحقة من المواطنين، وترضي الأقلية، وتيسر وسيلة لانتقال السلطة، بصفة تعاقدية توافقية، إن انتقال بطريقة سلمية يقطع دابر فتن ومؤامرات وتدخلات بنوايا حسنة أو سيئة، وهو شأن يمكن التوصل إليه بين عقلاء اليمن وحسبنا أن في اليمن جمهرة من أصحاب الرأي السديد والرشيد، ولن تكون هذه بمعضلة عليهم.
المكوث في السلطة وممارسة السلطان لأجل لا يعرفه إلا الله، أمر يبعث على التململ، ويؤشر إلى انفراد، والتفرد وغياب من يملك سلطة المحاسبة يقود لاحتمال نشوب فساد، وشهوة الحكم، تلمح إلى التوريث، وهنا يتم نصاب الأزمة فتنبثق عقدة هنا، وحساسية هناك، فتندلع شرارة، والقوة هي آخر ما يفيد في إطفاء حرائق من هذا النوع، وإن نجح فهو يؤدي إلى كسر إرادة، وهذا شأن مؤقت ونار تحت رماد، تتأجج في أول مناسبة مقبلة، وكما يقول المثل العراقي الجميل: كل يوم هزي رطب يا نخلة ....!