د - صالح المازقي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6911
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
توطئـــة
دفعتني زيارة رئيس الوزراء التركي السيد "رجب طيب أردوغان" إلى كل من مصر وتونس وليبيا من الثالث عشر من الشهر الجاري إلى السابع عشر منه 2011، إلى التفكير في الدلالات والرسالات المشفرة التي تحملها هذه الزيارة إلى بلدان ما سمي "بالربيع العربي"، وذلك بعيدا عن أبعادها الدبلوماسية والبروتوكولية الظاهرة. من أجل البحث المعمق، أراني مجبرا على البحث في زوايا التاريخ وخبايا الوشائج السياسية والدينية والثقافية التي ربطت البلدين والشعبين، التونسي والتركي، التزاما مني بالمنهج السوسيو-سياسي-تاريخي لفك هذه الرسالة التركية المشفّرة.
تاريخ مشترك
تربط البلاد التونسية بتركيا وشائج تاريخية عميقة، تعود إلى سنة 1574م. منذ ذلك التاريخ الذي أصبحت فيه تونس إقليما تابعا لتركيا بعد أن انتزعها أمير البحر "خير الدين بربروس" من يد الأسبان, بقيت البلاد التونسية تابعة للباب العالي إلى حين تولي "محمد بن المملوك الكرسيكي جاك سانتي" الذي كسب ثقة السلطان العثماني وخلع عليه لقب "باشا" لتمكنه من إخماد العديد من حركات التّمرد التي عرفتها البلاد آنذاك.
بقي ولاء تونس للدولة العثمانية رغم استقلالها الظاهري عنها إلى عام 1881 تاريخ دخول الفرنسيين إلى تونس واحتلالها مع الإبقاء على سلطة الباي حتى استقلال البلاد سنة 1956 وبناء الدولة الوطنية على يد الزعيم الراحل "الحبيب بورقيبة". لم يؤثر الاستقلال السياسي للجمهورية التونسية عن فرنسا، في التواصل الفكري بين تونس وتركيا. من الحقائق التاريخية التي لا يرتقى إليها الشكّ فيها، هي انبهار الفكر البورقيبي بالمنهج "الأتاتوركي"(*) في تحديث المجتمع وإخراجه من (التخلف) بتجفيف منابعه الثقافية وقطع ما يمكن قطعه من جذوره الدينية؛ إضافة إلى تأثر "بورقيبة" بشكل واضح بالشخصية "الميغلومانية" لــ "كمال أتاتورك"، التي استهوت "بورقيبة" في خطوطها العريضة والدقيقة.
مختصر أعمال "أتاتورك" السياسية
لقد عمد "أتاتورك" إلى اجتثاث أركان دولة الخلافة وسعى إلى فسخها من التصورات الاجتماعية للأتراك، فبادر بحلّ أهم مؤسساتها ذات الدلالة الدينية والمرجعية الإسلامية وفي مقدمتها وزارة الأوقاف والمحاكم الشرعية والكتاتيب والمدارس الدينية و معلنا بذلك عن نهاية دولة الخلافة العثمانية وقيام الدولة العلمانية. لم يجد "مصطفى كمال" حرجا في تحميل الخلافة مسؤولية تخلف تركيا، ومن هنا جاءت ضرورة إلغائها [الخلافة عائق أمام أي تحديث للبلاد سواء التعليم أو المشروعات القومية](1).
ونذّكر في هذه الصفحات الموجزة ببعض أبرز أعمال "أتاتورك" التي أنجزها عند توليه رئاسة الجمهورية التركية والتي أراد من خلالها عزل الدولة عن الدين حتى تكون دولة علمانية على كل المستويات المعيشي والإيديولوجي والوجداني.
1/ بادر إلى تقييد الطلاق وجعله من أنظار المحاكم المدنية.
2/ ألغى لبس الطربوش والطرطور والعمامة إلا على علماء الدين، بالنسبة للرجال ومنع المرأة من لبس الخمار والبرقع.
3/ اعتمد التقويم الغربي "الغريغوري" بدلا عن التقويم الهجري.
4/ استبدل الأبجدية العربية باللاتينية وجعل الآذان باللغة التركية.
5/ عام 1962 اقتبس الدستور "السويسري" وطوّعه لخصوصيات المجتمع التركي، ليكون أكثر تلاؤما مع متطلبات وحاجيات المجتمع التركي.
6/ أقر قانون العقوبات والقانون التجاري على النمط الغربي، عوضا عن الشريعة الإسلامية في المجالين.
7/ أدخل المرأة إلى الحياة السياسية (حق الانتخاب)، أما في الحياة المدنية، فمنحها الحق في التعليم والعمل... وقبل توليه رئاسة الدولة التركية، تمكن "أتاتورك" من خلال (جمعية الاتحاد والتّرقي) من إجبار السلطان "عبد الحميد الثاني" على إصدار دستور للبلاد وكان ذلك في عام 1908م.
لم يكن "مصطفى كمال أتاتورك" ديمقراطيا رغم شغفه اللامتناهي بالغرب، بل كان بعاب عليه تفرده بالرأي وممارسة البطش في تطبيق قراراته وأرائه [... فرض أتاتورك آرائه بالإرهاب رغم المعارضة العلنية له، فنشر أجواء من الرعب والاضطهاد لمعارضيه واستغل أزمة وزارية أسندت خلالها الجمعية الوطنية له تشكيل حكومة، فاستغل ذلك وجعل نفسه أول رئيس للجمهورية التركية في أكتوبر 1923م وأصبح سيد الموقف في البلاد](2).
خلع البرلمان التركي سنة 1934 على الجنرال "مصطفى كمال" لقب أتاتورك البطل الوطني، المنتصر في الحرب وأهمها [الحرب التركية الأرمينية والحرب التركية الفرنسية والحرب التركية اليونانية](3) والزعيم السياسي والقائد الحداثي، الذي خلع العثمانيين وأسقط دولتهم، ليرسي قواعد دولة تركية حديثة، مجتثة من جذورها الإسلامية. تمّ ذلك رغم المعارضة الشعبية المنادية ببقاء الرباط الروحي بين المجتمع ودينه.
يعاب على "أتاتورك" بوصفه أول رئيس لتركيا الحديثة، استبداده ودكتاتوريته ومنافاته الكلية للأبسط مبادئ الحكم الديمقراطي. عداؤه الشديد للدين وعلى وجه الخصوص كراهيته المرضية للإسلام وتكريس كل جهده في طمس أثره في العقل الباطني للأتراك، بقطع كل جسور الوصل بين المجتمع ودينه [ ولقد طالما أوضح لأصدقائه أنه يرى وجوب اقتلاع الدين من تركيا](4). تعدّيه على حرمات المسلمين فعمد إلى تحديد عدد المساجد و[ أغلق أشهر جامعين في إسطنبول، فحوَّل أولهما وهو مسجد آيا صوفيا إلى متحف، وحوَّل ثانيهما وهو مسجد الفاتح إلى مستودع](5).
على المنوال الأتاتوركي، نسج "الحبيب بورقيبة" خيوط فكره السياسي الذي جعل منه مطية لإخراج المجتمع التونسي من عصر الظلمات والتخلف وإدخاله في عصر التّنوير والتّقدم.
فكر سياسي تحديثي موّحد
لقد سبق "الحبيب بورقيبة" زمن الكمبيوتر وابتكر آلية (انقل وألصق copier/coller)، باقتفائه نفس خطوات "أتاتورك" التحديثة. انفتحت الطريق أمام "بورقيبة" ليكون أول رئيس لأول جمهورية وطنية عرفتها تونس.
رغم الاختلاف الجوهري بين الرجلين، فالأول عسكري التّكوين، تدرج في سلّم الجندية واقتلع رتبه في حروب ميدانية، حالفه النّصر في أغلبها، فارتقى إلى قمتها، حين حاز على رتبة "جنرال" ولم يتجاوز 35 ربيعا. فكان يتميز بشخصية عسكرية، صلبة، وشكيمة قتالية لا تلين. تقابلها عند "بورقيبة" شخصية مدنية، ذات كاريزما قوية، متمرسة في ساحات السجال السياسي في مقاومة الاستعمار الفرنسي. ساعده تكوينه الفرنكوفوني من دراسة الحقوق في الجامعات الفرنسية، حيث تشبع بمبادئ الثورة الفرنسية وفلسفة التنوير وانبهر بمنجزات الحضارة الغربية التي انتزعت راية التّقدم من بين أيدي العرب وأخرجتهم من دوائر التاريخ.
لقد التقى الفكر البورقيبي مع الأتاتوركي في ردّ تخلف المسلمين إلى عامل الدين أولا وإلى طبيعة حكمهم الاستبدادي الذي مارسه خلفاؤهم من أمراء مؤمنين وملوك ودايات وبايات الذين قال فيهم:[... أنهم يستمدون شرعية حكمهم من الدين، أما بقاؤهم في السلطة فهو مدى الحياة ولا ينتهي إلا بمتهم](6) . سارع "بورقيبة" إلى فصل الدين عن دولته فصلا تاما وقد فعّل فكره السياسي باتخاذ الخطوات التالية على إثر إعلان الجمهورية وتعيينه رئيسا لها في 25 جويلية 1957 وخلع "محمد الأمين باي" آخر حكام الدولة الحسينية:
1/ حلّ جامع الزيتونة، باعتباره حجر زاوية التعليم الديني.
2/ استبدال التعليم القرآني بالتعليم المدني في عام 1958.
3/ إلغاء المحاكم الشرعية وإقامة قوانين وضعية، مستنسخة من القوانين المدنية الفرنسية.
4/ تقيّيد الطلاق ونقله إلى المحاكم المدنية.
4/ منع تعدّد الزوجات ومعاقبة المخالفين.
5/ إصدار مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت 1956 كرافعة مدنية للإصلاح الاجتماعي.
6/ فرض السفور على المرأة وجعل تعليمها إجباريا.
7/ أصدر الدستور في عام 1959.
8/ أبقى "بورقيبة" على العلم التونسي كما كان عليه في عهد الدولة الحسينية، ولعله كان يريد من وراء ذلك اقتناعه التام بالمنهج "الكمالي"، خاصة وأن شخصية "بورقيبة" كانت شديد الميل للتميّز والتفرد والتّعالي وفي ذات الوقت، كانت شديدة الرفض للمقارنة والمساواة، وهو المنتصر على الفرنسيين والقائل:[ أنا جوغرطة الذي انتصر]
9/ حلّ الأوقاف (الأحباس) وصادر أموالها وممتلكاتها.
تبدو نسخة إصلاحات "بورقيبة" مطابقة للأصل، كما أقرّها "كمال أتاتورك" في تركيا، فكان براغماتيا، مستبدا بالرأي والسلطة [...يبدو أن المجاهد الأكبر قد تأثر بالفكرة الخلدوني القائل بأن السياسة تقتضي حكم رجل وحيد](7).
حطم "بورقيبة" الصورة النمطية للإسلام (المتخلف)، كما فعل ذلك "أتاتورك" من قبله، تلك الصورة المتغلغلة في التصورات الاجتماعية لكل المسلمين؛ والتي يرى فيها كلا الرجلين السبّب الرئيسي في شدّ المسلمين إلى الوراء. كما استغل "بورقيبة" الدين في سياسة البلاد، كلما دعته الحاجة إلى ذلك، مستلهما إستراتيجية "أتاتورك" في استغلال المسلمين وأموالهم [ كسب عواطف المسلمين وأموالهم بعدما كسا ثورته لباسًا إسلاميًا سواءً في أحاديثه أو في معاملته للزعماء المسلمين مثل الزعيم الليبي أحمد السنوسي](8)
تلك إذا أبرز الروابط التاريخية والفكرية التي تجمع بين تونس وتركيا التي ستمكننا من فهم زيارة رئيس الوزراء التركي إلى بلدان عربية لم تكن تربطها بتركيا قبل الثورات الشعبية سوى بعض المعاملات التجارية وسياحة أحادية الاتجاه للتسوق والتّبضع.
السيد "أردوغان" في تونس
حلّ السيد رئيس وزراء تركيا ضيفا على تونس في يوم 15 سبتمبر 2011، مرفقا بوفد مؤلف من ثلّة من الوزراء ومجموعة كبيرة من رجال الأعمال والصحفيين. زيارة أتت في توقيت يثير التساؤل ومثيرا للحيرة، خاصة وأننا لم نسمع من قبل الثورة، عن أهمية خاصة ولا مكانة متميّزة لتونس في السياسة التركية. فما الذي تغيّر؟
التغيير جاء من تونس، لتفرض هذه الدولة الصغيرة في حجمها، العظيمة بتاريخها وبشعبها، لا على تركيا وحدها بل على العالم بأسره. صادف هذا التغيير الثوري غاية في نفس "أم يعقوب"، تركيا التي تبحث عن طريقة، تردّ بها الصاع صاعين لأوروبا التي لا تزال تمانع انضمامها إلى السوق الأوروبية المشتركة.
تركيا تسعى بكل قوتها لتفرض وجودها في العالم عموما والعالم العربي الإسلامي خصوصا، كقاطرة لدول كانت بالمس أقاليم تابعة لها، بعد أن انتزعها منها الاستعمار الغربي، المتوسّع عسكريا ورأسماليا وإيديولوجيا. الرجل المريض استعاد عافيته وأنس في نفسه قوة ناعمة، اقتصادية بالدّرجة الأولى وثقافية وسياسية، تأمل أن تؤهلها (في اندثار الدور المصري) من تزّعم العالم العربي، وهو يخوض ثوراته على الظلم والتخلف والتبعية.
لن يتوقع عاقل عودة تركيا في ثوب دولة الخلافة التي ولّى زمانها وفقدت كل مقوّماتها، السياسية والاقتصادية والثقافية. تدرك تركيا بقيادة "حزب العدالة والتّنمية" أن زمن الزعامات قد انتهى وأن زمن مدّ جسور التعاون قد بدأ. في هذا المجال بالتحديد، يمكن قراءة أهم الرسائل التي أراد توجيهها السيد "أردوغان" إلى البلدان العربية التي تخطت مرحلة المقاومة الثورية وفي مقدمتها تونس، التي هي الآن في أمس الحاجة إلى:
أ/ دعم فكري ومساندة معنوية، من ذوي القربى، تشيد (حقيقة لا زيفا) بما أنجزته هذه المجتمعات الثائرة على زمن الخنوع والخوف والانبطاح للداخل والخارج.
أبدت تركيا استعدادها التّام كي تكون القريب الدّاعم والأخ المساند، المبارك لعودة الروح في بعض أجزاء جسد الأمة الإسلامية، التي لا تزال تعاني شللا كليا، بعد أن نهضت دول جنوب شرقي آسيا المسلمة وخرجت من دائرة التخلف، لتلحق بركب التّقدّم، فاكتسبت بذلك حق تسميتها بالدول الصاعدة.
ب/ أموال ضخمة تتطلبها مرحلة التّطهير والبناء. في هذا المجال، أعتقد أن تركيا، أرادت تلقين هذه الشعوب وحكوماتها الوقتية، أهم دروس الاعتماد على الذّات قبل التفكير في الاقتراض من المؤسسات المالية الغربية والأمريكية.
لم يأت السيد "أردوغان" إلى تونس محملا بحقائب ملآ بالدولارات أو غيرها من العملات العالمية. كما أني لا أظن أنه قدم شيكا على بياض لدول متأزمة، بل قدّم إليها حزمة من المشاريع الاقتصادية والتجارية والثقافية.
تؤسس هذه الزيارة (برأينا) إلى شراكة تصحيحية، دعامتها الندّية، المفقودة، في كل معاملات بلدان التّخوم مع دول المركز التي بنت كل شبكة التعاون الدولي على الدونية والتحقير والاستعمار الحديث وابتزاز الشعوب ونهب ثرواتها. أعتقد أن جوهر الرسالة التركية في هذا الصدّد تتمثل في أن لا تبعية ولا استعمار اقتصادي ولا ثقافي بعد الثورات العربية، التي خلقت إنسانا عربيا جديدا، يمهد الأجيال القادمة، متحررة، مستقلة، لا تركع ولا تسجد لغير الله، رضت عنّا اليهود والنّصارى أو لم ترضى، [وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ...](9).
ج/ قدوة سياسية ناجحة. كم هي حاجة البلدان العربية عموما والثائرة خصوصا لقدوة تتبعها، في زمن التّصحر الفكري والعقدي وافتقار مجتمعاتنا إلى مُثِلٍ عُلْيَا، تبني لاوعيا جماهيريا وضميرا جماعيا تؤلف بين القلوب بإذن ربهم [ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ](10). لقد تمكنت تركيا إلى حدّ بعيد، أن تؤلف بين قلوب متنافرة، على أرضية الديمقراطية والمساواة الاجتماعية والتّعددية الحزبية والتقريب بين أطياف نسيج اجتماعي متعدّد الإثنيات والأعراق(*) والإيديولوجيات.
الخاتمـــة
لقد أظهر الأتراك قدرا كبيرا من المرونة في التعامل مع الأحداث العالمية، سواء كان ذلك على المستوى الثنائي أو على المستوى متعدد الأطراف، لعلها براغماتية السيد "أردوغان" شكلت الجانب الإجرائي لسياسة قامت على التقدّم والنّدية والمساواة والشراكة. كلها شروط أساسية أقام عليها الأتراك دولة تحتل المرتبة السادسة عشر من بين الدول الأكثر تقدما في العالم، وهم يصبون إلى بلوغ المرتبة العاشرة بحلول سنة 2020.
لقد فنّدت زيارة رئيس الحكومة التركية إلى بلدان الربيع العربي مزاعم المغرضين الغربيين ممن وصفوه بــ"صلاح الدين القرن الحادي والعشرين" وهي إشارة تعبر عن تخوّفات الغرب من اليقظة العربية وفيما صادفت زعامة روحية وكاريزما سياسية، استشعرتها في قوة شخصية السيد "رجب طيب أردوغان".
تخويف لا مبرر له سوى إحياء عقد دفينة في عقل باطني غربي لا زال يجتر هزائم أوروبا في حملاتها الصليبية التي قاد ملوك وأباطرتها من أواخر القرن الحادي عشر ميلادي إلى نهايات القرن الثالث عشر (1096م- 1291م) وأحياها الرئيس "جورج بوش الابن" في غزوه لبلدين مسلمين، [أفغانستان 7 أكتوبر2001 والعراق 20 مارس2003] إثر أحداث 11 سبتمبر 2001. باسم الحرب على الإرهاب أو الحرب الصليبية (الجديدة).
رغبة تركيا ملحة في إحياء عمق إستراتيجي عربي، يحميها من غدر إسرائيل، بعد أن تأزمت العلاقة بين البلدين. عمق اقتصادي عربي، يضمن للرأسمال التركي مجالا حيويا، يتقاسم فيه الأرباح مع من يعتبرهم شركاء "أخوة في الدين" يمكن تفعيلهم واستنهاض هممهم ودفع خبراتهم العالية التي لا تنتظر إلا فرصة تاريخية لتعبّر عن قدراتها الإبداعية.
تدرك القيادة التركية تمام الإدراك طبيعة العلاقات الدولية الرّاهنة، القائمة على الإذلال وانتزاع سيادة الدول النامية وإخضاع حكوماتها لشروط المؤسسات المالية الدولية المانحة. أتاحت الثورات العربية (من حيث لا تشعر) للدولة التركية، فرصة الإفلات من عنصرية أوروبا، رغم ما قدمته من تنازلات، اعتبرها البعض إستراتيجية واعتبرها البعض الآخر أخطاء تكتيكية، أضعفت الموقف التركي من كل القضايا العربية والإسلامية وفي طليعتها القضية الفلسطينية، إلى يوم 29 جانفي 2009 غادر الجلسة غاضبا على حرمانه من التحدث بنفس المساحة الزمنية (25 دقيقة) التي خصصها منشط الجلسة لرئيس الكيان الصهيوني. كانت نصف تلك المساحة الزمنية (12 دقيقة) كافية ليوجه فيها السيد "أردوغان" اتهاماته لإسرائيل ولأول مرة على الهواء، [ بأنّ جيشها قاتل الأطفال في شواطئ غزّة...].
يجب على حكومات بلدان الثورات العربية استغلال الفرصة التي تقدّمها تركيا لهذه المجتمعات، بزعامة رجل يبحث عن مصلحة بلاده ويستشرف مستقبلها ويربطه بالربيع العربي.
الإحالات
*) نسبة إلى كمال أتاتورك و"أت" في اللغة التركية تعني "الأب" لتصبح الكلمة أبو الأتراك، وهو لقب خلعه
1) Mango Andrew. Atatürk: The biography of the founder of modern Turkey. Overlook Pres (2002)
2) forum.stop55.com
3) wikipedia.org
4) المسألة الشرقية، محمود ثابت الشاذلي، نقلًا عن كتاب "الذئب الأغبر .. مصطفى كمال"، أرمسترونج
5) مصطفى كريم، مقال بعنوان: "مصطفى كمال أتاتورك .. والجريمة الكبرى". عن موقع: لواء الشريعة www.shareah.com
6) « Quand M. Bourguiba voyait juste », Le Monde, 8 novembre 1987
7) Tahar Belkhodja, Les trois décennies Bourguiba. Témoignage, éd. Publisud, Paris, 1998
8) مصطفى كريم، المصدر السابق.
9) سورة البقرة الآية 120
10) سورة الأنفال الآية 63
*) فيما عدى القضية الكردية التي ستحل في يوم من الأيام حين تتوّفر لها كل الأسباب الموضوعية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: