د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5279
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في قراءة سريعة لنبأ طلب الولايات المتحدة الأمريكية من الحكومة العراقية التوقيع على اتفاقية بعدم تحريك دعاوي جنائية ضد منتسبي القوات المسلحة الأمريكية لما ارتكبوه، ولما قد يرتكبوه في المستقبل من جرائم تعد من جرائم الحرب، ندرك أن الولايات المتحدة تخطط وتتحسب لمراحل قادمة، هي لا تخشى الحكومات التي أفرزها الاحتلال، ولا حكومات من أمثالها، بل هي تدرك أن الموقف آخذ بالتبلور ليس في العراق فحسب، بل في عموم المنطقة العربية والشرق الأوسط برمته، وهو موقف آخذ بالتطور لغير مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، فهاهي أنظمة الاحتلال تتهاوى في أفغانستان تلفظ أنفاسها الأخيرة، وفي العراق لا يلوح أفق مريح أو مستقبل لنظام المحاصصة الطائفي في بلد يواجهه المتاعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية العاتية من كل حدب وصوب، وأخرى صديقة لها تواجه ثورات شعبية كاسحة، وفي مثل هذه الأجواء فالحكمة تستدعي التحوط وهو جوهر مطلبهم الآن.
لنقرأ المعطيات بالتسلسل.......
أولاً: بادئ ذي بدء لابد من التذكير أن جرائم الحرب غير قابلة للسقوط بفعل التقادم.
ثانياً: الولايات المتحدة لا تقر باتفاقية جرائم الحرب ولم توقع عليها، ولذلك هي لا تسلم منتسبي القوات المسلحة الأمريكية، أو موظفي إدارات الاحتلال للمحاكم الدولية، بل تقوم بمحاكمة من تعتقد أنه قام بمخالفة القوانين الأمريكية أمام محاكم أمريكية وعلى أراضيها، وتقوم بتنفيذ العقوبات بنفسها، وغالباً ما تكون أمثال هذه المحاكمات لواجهة ضغط الرأي العام، ولطمس كافة آثار الجريمة وغلق الملفات، ومن ذلك مثلاً، المحاكمة الشكلية للملازم الأمريكي ويليام كالي، منفذ مجزرة ماي لاي في فيثنام (مارس / 1968)، أو المحاكمة الشكلية لليندي أنغلاند المجندة الأمريكية المشتركة ضمن غيرها من الضباط والجنود في فضائح أبو غريب، التي قدمت ككبش فداء من أجل غلق القضية الآن وللمستقبل.
ثالثاً: أكدت محاكمات نورمبيرغ لمجري الحرب النازيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أن لا تملص لمجرم حرب تحت ذريعة أمرني رؤسائي، كما أن القادة المسؤولين يخضعون للمسائلة القانونية، عن إصدارهم للأوامر.
رابعاً: إن عدم توقيع الولايات المتحدة على معاهدات جرائم الحرب لا تعني عدم إمكانية إقامة دعاوي جنائية بحق مرتكبي جرائم الحرب على الأفراد أو القيادات وجماعات الآن أو في المستقبل، في العراق أو أفغانستان أو باكستان، أو في أي من البلدان التي حدثت فيها الجرائم.
خامساً: تأسيساً على هذه المعطيات، الولايات المتحدة في طلبها هذا من السلطات العراقية الحالية، تأمل بسد ولو كوة صغيرة قد ينفذ منها اتهام قانوني لعناصرها التي ارتكبت الجرائم في العراق، وهي جرائم ستمثل يوماً أمام المحاكم طال الزمن أو قصر، ربما الولايات المتحدة الأمريكية بوضعها الحالي كقوة عظمى يحول دون أن يمثل مجرمي الحرب الكبار منهم والصغار أمام المحاكم الجنائية، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال نهاية للدعاوي القانونية الصحيحة، والإدانة في نتائجها القانونية ولا الأخلاقية.
المظلوم لا ييأس من المطالبة بحقه ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المقالة جزء من مقابلة مع أحدى الفضائيات العربية بتاريخ 13/ آب / 2011
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: