د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6168
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بادئ ذي بدء لابد أن ندرك أن حرب العراق واحتلاله قد كلفت وما تزال يكلف الولايات المتحدة الأمريكية الكثير جداً من النفقات المالية والسياسية وبالمعنويات، بل ربما فاقت حتى حرب فيثنام، ومن غير المعقول أن تترك الولايات المتحدة المكتسبات والغنيمة دون أن تتأكد تماماً أن الغنيمة والمكتسبات قد أصبحت في جيبها وفي حرز حريز، وهي في ذلك لا تعتمد على مفاوضاتها وحساباته للأمور، وليس على ما سيقرره حكومة المنطقة الخضراء في بغداد، وإذا كانت هناك خطورة، فهي إعصار عراقي عربي سيقتلعهم ذات يوم، حيث سيكتشفون للمرة المائة أن للشعوب قوة تفوق قوتهم العسكرية الغاشمة، وذكاء مخططي سياساتهم، وأن حسابات الورق لا تطابق حسابات الأرض.
قرار الانسحاب وبأي حجم سيكون، أو إعادة انتشار وكيف .. سيتخذ ولكن ليس لجماعة المنطقة الخضراء فيها يد، أو ليس دوائر حكم عراقية، فالأوزان هناك محسوبة بدقة، وليست هناك أسرار، فالكل بدون استثناء تعمل لجهات أجنبية، ولنكن دقيقين في التشخيص: أمريكية وإيرانية وإسرائيلية. وهذه الجهات الثلاث تلتقي وتتحادث وتتفاوض وتتقاسم ولكن دون حضور عناصر محسوبة على العراق، بل هم لديهم ممثليهم من دبلوماسيين وضباط مخابرات، ووفود سياسية وفنية تلتقي في بغداد وغير بغداد، وما حاجتهم للعناصر العراقية ؟ التي سوف تبلغ نتائج لعبة الكراسي وتقاسم الأدوار، لتصاغ القرارات على ضوءها، من أجل إضفاء شرعية على ما هو غير شرعي.
بتقديري علينا أن نتفحص الأمر من وجهة أخرى، لا تبعدنا عن الموضوع، بل تدخلنا في صلبه وصميمه. الولايات المتحدة إن قررت سحب من جزء قواتها من العراق، فإنها قد تفعل ذلك، ولكن وفق معطيات وحسابات أخرى، في إطار إجراء حسابات علمية وتقييم الاستراتيجية الأمريكية الشاملة لنتائج المرحلة المنصرمة، ووضع ملامح استراتيجية شاملة جديدة ربما يبدو فيها العراق وحتى أفغانستان ثانوية حيالها، وفي مقدمة تلك العناصر الهامة: الموقف المالي للولايات المتحدة البالغ الخطورة والذي يهدد بانهيار الدولار ومن ثم فللأمر عواقبه السياسية والاقتصادية والعسكرية معاً، ونشوء صفحات ستستأثر بأهتمام الولايات المتحدة في أماكن أخرى من العالم، وإدخال أجيال جديدة من أنظمة تسليح بالغة التطور التكنولوجي في القوات المسلحة ستغني عن استخدام قدر مهم من الأفراد في الجيوش.
ففي تقرير حديث (حزيران / 2011) لصندوق النقد الدولي يقول إن العام 2016 هو عام الصفر بالنسبة للصين لتتحول فيه إلى القوة الاقتصادية العالمية المهيمنة، وهو العام الذي يتوقع أن تتقاطع فيه معدلات النمو الصينية مع انحدار المساهمة الأمريكية بالناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث القوة الشرائية. وبحسب الأرقام الواردة في التقرير، فإن الاقتصاد الصيني سينمو من 11.2 تريليون دولار عام 2011 إلى 19 تريليون دولار عام 2016، أما الاقتصاد الأمريكي فإنه سينمو من 15.2 تريليون دولار إلى 18.8 تريليون دولار خلال الفترة نفسها.
وما يقال عن الاقتصاد يقال عن الموقف العسكري الذي آخذ بالتدهور لصالح الصين، وتحقيقها بالتالي نفوذاً كبيراً في ذلك الجزء من العالم، بل وليس ببعيد أن تمتلك الصين قدرات التدخل العسكري ليتسع تأثيرها في كافة أرجاء العالم .
الأمريكان لا يرغبون أنشاء قواعد عسكرية تضم عناصر بأعداد كبيرة، فهذه تنطوي على تكاليف سياسية ومالية كبيرة، والعبرة (سابقاُ، وأكثر لاحقاً) ليست بالأعداد الكبيرة بل بالقدرات التي تمتلكها القواعد وهي مضمونة من خلال الاتفاقيات المعقودة بين البلدين، وبالأنظمة الموجودة على أرض القواعد، والقدرات اللوجستية الممتازة التي تتمتع بها، وفي حالات الطوارئ فالولايات المتحدة قادرة على التدخل خلال ساعات وإنقاذ أي موقف، كما ستغطي الاتفاقات السياسية بين الأطراف الثلاثة الأساسية ومع العراق فيما يخص الحالة العراقية، وبالتعاون مع حليفتيها إيران وإسرائيل، وهكذا فإن المواقف المحتملة مغطاة سياسياً وعسكرياً.
عدا ذلك فسائر ما نسمعه ما هو إلا طقطقة مناقير لعصافير صغيرة، لها دور تافه في مسرحية قذرة أسمها احتلال العراق، الأمريكان سيبقون في العراق ما لم تصبح خسائرهم أكثر من مرابحهم، وهذا لن يتحقق إلا بتشديد المطارق، في العراق وفي سائر بلاد العرب والمسلمين، ولابد من أن يفشل المشروع الأمريكي برمته، من أجل إلحاق هزيمة شاملة بهم، وهي آتية لا ريب فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى الفضائيات العربية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: