د. ضرغام الدباغ
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9041
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عندما أقيمت الألعاب الأولمية الصيفية في موسكو مطلع الثمانينات، سارعت عدد من الدول الرأسمالية إلى مقاطعتها، أحتجاجاً على التدخل السوفيتي في أفغانستان، وقد أعتقد الكثيرون، أنه كان الدافع الرئيس فعلاً لمقاطعة الألعاب الأولمبية.
وأثيرت يومها مناقشات على شتى الصعد، فيما إذا كان من المقبول إقحام السياسة في مهرجانات رياضية وشبابية عالمية، وتنشئة الأجيال الجديدة على الكراهية والحقد. وعندما بادلت البلدان الاشتراكية الموقف بالمثل في دورة الألعاب الأولمبية التي تلتها في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية، هبت أجهزة الإعلام الراسمالية بالإدانة وصيحات الغضب والأتهام بالتعصب، وهي أجهزة نشهد لها بالحرفية الممتازة وبالسيطرة والهيمنة على وسائل الإعلام في العالم، ولكن مع القراءة الأحادية الجانب للأحداث بصورة مرضية لا يستطيعون عنها فكاكاً، بل وفقدت مؤسسات إعلامية (رزينة) شهيرة رزانتها المزعومة تلك وأنحدرت إلى مستويات مخجلة في تلفيق الأخبار والكذب الأسود المفضوح، وهنا عادوا إلى سياسة الكيل بمكيالين، ففي الدورة السابقة فحسب، قاطعت الدول الرأسمالية الكبرى دورة موسكو بداعي التدخل في أفغانستان، مع ملاحظة أن البلدان الاشتراكية كانت تشارك في الدورات الأولمبية جميعها في وقت كانت (ولا تزال) معسكرات وقواعد الجيوش الأمريكية كالبثور على سطح الكرة الأرضية، وتلهب سياط جيوش المستعمرين القدامى والجدد شعوب العالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ولا تستطيع حتى أجهزة الإعلام الغربية أدعاء أنها كانت في مهمات أنسانية ..!
دورة طوكيو أقيمت وكانت الحرب في فيثنام على مرمى حجر منها .. وكذلك دورة ألعاب ميونيخ، حتى ليمكن القول بثقة أن العالم ما شهد يوماً سكوت السلاح في الجيوش الأستعمارية والإمبريالية، ولكن الدورات الأولمبية كانت تتواصل ..
ليس بصعوبة إثبات أن العواصف التي أثيرت بوجه دورة بكين لا علاقة لها بحقوق الإنسان ولا الحيوان لا من بعيد ولا من قريب، والسيد ديلاي لاما الذي أغلب الظن يفقه نظرية الأستخدام بالأستعاضة، أي دعنا نستخدمك كواجهه، وكمادة للمقياضة ... وهو راض بهذا الأستخدام لأسباب القليل منها من أجل شعب التبت.
كانت أحدى الصحف الأوربية قد نشرت قبل اشهر مطمئنة الأوربيين... أن الولايات المتحدة الأمريكية واعية لخطورة التنين الصيني الصاعد والذي بدأ ينفث ألعاب نارية بسيطة، هي المقدمات الأكيدة لبراكين سوف تهب مع ريح الشرق، وأنها(الولايات المتحدة) ستتخذ كل ما يلزم لتحديد خطره ولجمه في الوقت المناسب .. ولكن الولايات المتحدة وغيرها تعلم أن العاصفة الصينية ليست زوبعة في فنجان، بل أن المارد أنطلق من قمقمه وهو يتعملق على مدار الأيام بل الساعات، والأرقام تقشر وقار الحقائق العارية ..
لسان حال الغرب الراسمالي يقول: الأمر وما فيه إذن هو كيف نتصدى للتنين الأحمر .. نحن ما صدقنا أن أنتهينا من الدب القطبي الأحمر حتى جاءنا التنين الأحمر ..
ما العمل ..
الغرب يدعي الأمتعاض من قمع لمنشقين في أقليم التبت (وإن كان الأمر كله لا يستحق هذه المعمعة فأقليم التبت لا يتجاوز عدد سكانه 2,2 مليون نسمة) وجدت المخابرات الأمريكية من بينهم من يرقص الروك أند رول ومعظمهم من المهاجرين الباحثين عن فرص حياة، يعملون على التحريض والتهيج وإثارة الناس في مظاهرات، ولما تصدت السلطات الصينية لهذه التظاهرات، أشتعل الغرب غضباً لهول الكارثة متناسين القمع البوليسي للمتظاهرين ضد العولمة في مدن الغرب بالملايين، ويتعرضون للقمع بتفنن تكنولوجي يستخدم حتى الطائرات المروحية.
الصين لا توقع على أتفاقية الحد من التلوث، ولكن لا كلام عن أمتناع الولايات المتحدة لا عن التوقيع بل وحتى عن التعاون في هذا المجال وهي التي تبعث لوحدها 26% من الغازات المسيئة للبيئة، الصين ليس لديها جنود لقمع الشعوب، وهذه مثلبة خطيرة لا يجوز السكوت عنها .. تستحق أن تشتم بأنها تخرق حقوق الإنسان، ولكن ماذا عن مئات ألوف الجنود من التحالف الإمبريالي الرأسمالي المنتشرين في آسيا وأفريقيا ...
ولا كلمة واحدة ..
دورة بكين يجب أن تفشل ...
وإذا لا نستطيع إفشالها .. فلنضعفها على الأقل .. وإذا كان ذلك غير ممكن موضوعياً .. فلنقلص من حجم الأضواء عنها .. وذلك أضعف الإيمان ..
محطات التلفزة العالمية لا تنشر إلا القليل القليل .. وكذلك الصحف وسائر وسائل الإعلام في محاولة فاشلة لسلب الصين إنجازاً ثقافياً باهراً .. مالعمل ..
كما يقول المثل ... اليهودي عندما يفلس يبحث في دفاتره القديمة ..
وكالات الأنباء الغربية الرئيسية، تنشر منذ بدأ الدورة، وحصاد الرياضيين الصينيين للميداليات الذهبية والفضية والنحاسية، بدأ الحديث عن: الرياضيون من الدول الاشتراكية يتناولون المنشطات وهذا سر أنتصاراتهم الكثيرة .. ويتلقى الإعلام الغربي صفعة: أول رياضي أبعد عن الدورة لتناوله المنشطات كانت رياضية من اسبانيا.
تناولت أبرز المواقع الإعلامية على مدى يومين، سيرة رياضيات نسوة أجرين عمليات تغير جنس واصبحن ذكور بسبب تناول المنشطات، وقد قمنا بالبحث في صفحات الأنترنين ووجدنا العشرات بل المئات من الرياضيات وغير الرياضيات من الممثلات والمغنيات وغيرهن أجرين عمليات تحويل جنس .. إذن فالأمر لا ينحصر بالرياضيات فقط، ولا من الدول الاشتراكية ..
لماذا هذه الحملة ..
الصين تكتسح الرياضة، ولكن كما تكتسح الاقتصاد، وكما تكتسح في الطب والفضاء و..و.. و..و.. و ..
الأمر ليس منشطات .. لم تكن الرياضة في البلدان الاشتراكية أحترافية .. بل تنافس إنساني شريف وهو سر نجاحها وتفوقها ليس في الرياضة فحسب بل في جميع النواحي الثقافية: مسرح، أوبرا، موسيقى، رسم، نحت، فنون تشكيلية عامة .. الفن والأدب والثقافة كان للشعب .. وليس لنخبة تزعم الأهتمام بالثقافة من قبيل التبجح ..
الرياضة في الغرب اصبح صناعة لها محتكروها، ولها اسواقها وعائدات بالمليارت ..! وإلا فمن أين لنادي يدفع قرابة 100 مليون دور للاعب كرة قدم واحد فقط .. الملاعب العملاقة وأسعار البطاقات الخيالية، اسعار نقل المباريات، الشركات الصانعة للملابس والمعدات الرياضية وهي أحتكارات أرباحها بمليارات الدولارات كأحتكار أديداس، وبوما، ونايك وغيرهم ..
يتفننون في تغطية عيوبهم، وكالات الأنباء العالمية والرئيسية مهتمة لماذا لا ينجح الرياضيون العرب بتحقيق مداليات ذهبية وفضية وبرونزية، كأن الإنسان عندما يلعب الرياضة عليه أن يفوز بالمداليات حتماً ...!
لنسايرهم .. لماذا لا تسأل الصحف الغربية نفسها لماذا يتفوق الرياضيون من البلدان الاشتراكية دائماً ...؟
لماذا التفوق الرياضي لازمة للمجتمعات الاشتراكية ؟
والمسرح .. والأوبرا، والموسيقى، والفنون التشكيلية عامة ..؟
هذه اسئلة محظور طرحها .. لماذا ..؟
دعونا نركز على الصين الآن .. تقدم عام يجب إيقافه، وإن لم يكن .. فعرقلته، وإن لم يكن فأزعاجه ..
الغرب الرأسمالي لا يفهم الرياضة على أنها ميدان تنافسي بين الشبيبة، لا يفهمها أنها نشاط أجتماعي إنساني، هي صناعة تدر الأرباح، وكل ما لا يدر الربح هو عبث لا داعي له.