البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

فشل مشروعات النهضة العلمانية

كاتب المقال د. محمد مورو   
 المشاهدات: 9341



يعبر الدكتور برهان غليون في كتابه "اغتيال العقل" عن فشل مشروع النهضة العلماني ووصوله بالواقع العربي إلى حالة مزرية من الاستبداد والتخلف والتبعية، يعبر عن هذا بقوله: إنه انحباس، أو مأزق تاريخي، ويعترف الدكتور غليون بأن هذه الأزمة، أو الانحباس، أو المأزق التاريخي لا يزال مستمرًا لغياب المشروع الاجتماعي والثقافي والسياسي لحركة النهضة، والصحيح أن هذا المأزق، أو الانحباس كان بسبب هذا المشروع أساسًا؛ لأنه مشروع افتقد منذ اللحظة الأولى الجذور القادرة على النمو في التربة والاخضرار والإثمار فيها.

الموقف من مشروع النهضة العلماني الذي ساد الواقع العربي في القرنين الأخيرين، والذي استند أساسًا على الصدام مع التراث وتجاوز الهوية، وأغفل مفهوم الصراع الحضاري مع الغرب، وجعله مجرد صراع جزئي سياسي، أو اقتصادي، الموقف من هذا المشروع بالتحديد هو الذي يجعل المنحاز إلى هذا المشروع يرى هذا الأمر أو ذاك محاولة للنهضة، ويجعل الرافض لهذا المشروع يرى نفس تلك الأمور عمليات إجهاض للنهضة.

ففي حين يرى الدكتور غليون أن محاولة محمد علي للتصنيع، وبناء الدولة كانت محاولة للنهضة، ثم يحلل أسباب سقوط هذه المحاولة، ويجعلها في كونها حركة عسكرية بيروقراطية وقومية عاجزة عن تعبئة الطاقات العربية الفاعلة في تلك الحقبة, أو أنها سقطت تحت ضربات التدخل الأجنبي الغربي, أو أنها حرمت نفسها من منابع فكرية شكلت لأوروبا الناهضة مرتكزات قوتها الأساسية، وهي المنابع الفكرية والسياسية، التي لا يمكن لنهضة أن تتحقق بمعزل عنها, ويعود الدكتور غليون فيقول: إن حركة اليقظة، التي أعقبت إجهاض تجربة محمد علي قامت بسد الفجوات الفكرية في مشروع محمد علي، وأسهمت في عملية إصلاح فكري وأيديولوجي وأدبي، وقدمت مساهمات تتعلق بتجديد أسس العقائد الدينية، أو تجديد الآداب واللغة العربية.

ويصل الدكتور غليون إلى أن هذه اليقظة العربية انتهت بتحقيق نظام إقليمي عربي عبر عنه تأسيس الجامعة العربية في القاهرة عام 1945 ونشوء الدول العربية والهوية العربية، ثم يعود الدكتور غليون متابعًا ما يراه محاولات النهضة في حركة 1952 في مصر من خلال البعد القومي والاشتراكي, ويرجع الدكتور غليون فشل هذه المحاولة إلى تمحورها حول شخص الزعيم، وعدم قبولها إلا ما يدعم مركز هذا الزعيم السياسي، وبنائها نظامها الفكري على الدعاية الأيديولوجية الضيقة ونظامها الاقتصادي على تنمية براجماتية فاقدة للهدف البعيد وللاتساق الذاتي، وبدلاً من أن يعترف الدكتور غليون بالفساد في بنية مشروع النهضة العلماني، وأنه كان السبب في ضياع النهضة وإجهاضها وليس مجرد محاولة فشلت لأسباب تكتيكية، فإن الدكتور غليون راح ينتقد هذه المحاولات في إطار التماس العذر للمشروع وقصر فساده على الجانب التكتيكي منه وليس الإستراتيجي، وكان من المتوقع أن تتناقض أسباب الفشل التي اقترحها الدكتور غليون مع بعضها, أو أن تكون أسباب هي بذاتها دليلاً على فساد المشروع برمته، فإذا كانت محاولة محمد علي وعبد الناصر قد فشلت لاعتمادها على شخص وممارستها الاستبداد، فهذا بذاته دليل على فساد المشروع برمته، فإذا كانت محاولتا محمد علي وعبد الناصر قد فشلتا لاعتمادهما على شخص وممارستهما الاستبداد فهذا بذاته دليل على أنهما ليستا من مشروعات النهضة، فمشروع النهضة لا يمكن أن يحمل اسم مشروع إذا اعتمد على شخص، أو غيب الجماهير عمدًا عن المشاركة الفعالة في المشروع.

والدكتور غليون يرى أن من أسباب فشل مشروع محمد علي غياب المرتكزات الفكرية, ثم يقول: إن حركة اليقظة العربية التي ظهرت عقب فشل مشروع محمد علي قد سدت هذه الفجوة، ولكن نسي الدكتور غليون، أو تناسى أن حصاد هذه اليقظة التي سدت الفجوات الفكرية في مشروع محمد علي كان حصادًا أكثر مرارة, بل أدت إلى كارثة الاحتلال العسكري لبلادنا.

الصحيح والمنطقي والعلمي أن ما يسميه الدكتور غليون حركة نهضة، ولو كانت محاولات فاشلة ما هي إلا حركات لإجهاض النهضة, وأن كل ما فعلته هو أنها جمعت عن عمد تراكمات القوة والإيجابية في الواقع العربي وأهدرتها إهدارًا, فأضاعت المسار الصحيح للنهضة وأضاعت الموارد على حد سواء.

والواقع أن ملامح وعوامل النهضة كانت قد بدأت تتشكل في مصر مثلاً قبيل محمد علي، فالشعب المصري تحت قيادة علماء الدين المجاهدين كان قد استطاع أن يمارس جهادًا مسلحًا ناجحًا ضد الحملة الفرنسية 1798 – 1801 وضد حملة فريزر الإنجليزية 1807، أي إنه حسم التحدي الخارجي لصالحه، وكان أيضًا قد نجح في فرض إرادته السياسية على الوالي والخليفة حين فرض زعماء الشعب في انتفاضة 1805 شروطهم السياسية والاجتماعية في أن يكون فرض الضرائب والممارسات السياسية عمومًا واختبار الوالي من خلال علماء الدين وأعيان الشعب ورؤساء الطوائف؛ ما يمكن أن تطلق عليه الاتجاه إلى حكم برلماني ونيابي، أي إنهم حسموا قضية الحرية والحكم لصالحهم، وفي مجال التصنيع كان ثوار القاهرة قد نجحوا في ثورة القاهرة الثانية ضد الفرنسيين في تصنيع البارود والمدافع.

وشارك في هذه الثورة كبار التجار من أمثال السيد أحمد المحروتي, أي إن التمويل الصناعي كان جاهزًا والقدرة العلمية أيضًا مع الطاقة النهضوية الهائلة التي تفجرت من خلال مشاركة الشعب ونجاحه في حسم التحدي الخارجي والتحدي الداخلي في إطار الشريعة الإسلامية وتحت قيادة علماء الدين، أي من خلال القيادة الطبيعية للأمة ومن خلال أيديولوجيتها ووجدانها, وكان من الطبيعي أن هذا التراكم في الوعي وهذه المشاركة الواسعة وتلك التركيبة الاجتماعية قادرة على البدء في مشروع كبير للنهضة قادر على حسم كل التحديات، ولكن محمد علي جاء ليفرغ هذه النهضة من محتواها، ويدمر بنيانها الاجتماعي فيفسد الأزهر ويحبس العلماء ويحول كل الموارد لصالح مشروع مرتبط بشخصه، ثم يستخدم هذا كله في الصراع مع الخلافة العثمانية فيضعفها لصالح أوروبا ويضعف مصر أيضًا, وتكون النتيجة الحتمية ضياع وإجهاض مشروع النهضة الحقيقي وإفساح الطريق أمام أوروبا للسيطرة على العالم العربي والقضاء على الخلافة العثمانية.

ثم تظهر ما يسميها الدكتور غليون حركة اليقظة العربية، فإذا بها تضرب في ثوابت الأمة وتقطع جذورها وتحدث عملية مسخ ثقافي للذات العربية فتصيبها بالانفصام وبالتالي السلبية فتفسح بدورها الطريق أمام الاحتلال العسكري للبلاد العربية.

والأمر ذاته وبصورة أسوأ في تجربة عبد الناصر، فالأوضاع في مصر والعالم العربي في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات كانت أوضاع ثورة شاملة ضد الاستعمار، المشاركة الشعبية في الكفاح على أشدها وملامح النهضة الصناعية تتشكل من خلال عمليات المقاطعة للبضائع الأجنبية ومحاولات التصنيع التي قطعت شوطًا كبيرًا على يد أمثال طلعت حرب, وكذا من وجود ظرف الحرب العالمية الثانية التي فرضت حماية جمركية إجبارية من خلال النشاط البحري للمتحاربين لمدة ست سنوات، واحتياج الحلفاء لاستيراد البضائع المحلية للمستعمرات؛ ما دعم الصناعة المحلية دعمًا كبيرًا.

ومن الطبيعي أن جنين الثورة والنهضة الذي تشكل في لمّ الأمة من خلال وجدانها وأيديولوجيتها الطبيعية كان قادرًا على النمو لولا الإجهاض الذي قام به ضباط يوليو في مصر الذين قطعوا النهضة عن جذورها الفكرية الإسلامية الطبيعية واستخدموا الفكر لتبرير الاستبداد, وجمعوا الموارد في مشروع مرتبط بشخص الزعيم, فأهدروها إهدارًا, وكانت النتيجة أنهم فصلوا السودان عن مصر مثلاً, وسلموا لإسرائيل جيش مصر وسوريا والأردن لتمزقه تمزيقًا، وتحتل كل سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان.

وهكذا فالصحيح أن مشروع النهضة العلماني، لم يكن مشروعًا بقدر ما كان إجهاضًا للنهضة، وأن الأوضاع المأساوية التي وصل إليها الواقع العربي ليست مجرد انحباس، أو أزمة، أو حتى مأزقًا تاريخيًا لمشروع النهضة العلماني، بل هو في جوهره كشف لحقيقة مشروع لقيط لا يمتلك مقومات لا صحيحة ولا خاطئة للنهضة.


 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-06-2008   shareah.com

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد النعيمي، خبَّاب بن مروان الحمد، سيد السباعي، عبد الله الفقير، د - عادل رضا، د - شاكر الحوكي ، د - مصطفى فهمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عراق المطيري، ياسين أحمد، فوزي مسعود ، رافد العزاوي، سامر أبو رمان ، كريم السليتي، خالد الجاف ، حاتم الصولي، رشيد السيد أحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، مجدى داود، فتحي الزغل، جاسم الرصيف، د. عبد الآله المالكي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - الضاوي خوالدية، د. كاظم عبد الحسين عباس ، المولدي الفرجاني، د. أحمد بشير، الهادي المثلوثي، فتحـي قاره بيبـان، د. صلاح عودة الله ، محمد يحي، صالح النعامي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد الحباسي، د - محمد بن موسى الشريف ، إيمى الأشقر، أشرف إبراهيم حجاج، يزيد بن الحسين، محمود طرشوبي، د. أحمد محمد سليمان، صلاح المختار، تونسي، سلوى المغربي، حسن عثمان، عبد الرزاق قيراط ، الناصر الرقيق، أ.د. مصطفى رجب، د- جابر قميحة، محمد عمر غرس الله، كريم فارق، مصطفي زهران، أبو سمية، د- محمد رحال، صفاء العربي، سامح لطف الله، علي عبد العال، د- هاني ابوالفتوح، محمد العيادي، أنس الشابي، يحيي البوليني، إسراء أبو رمان، سليمان أحمد أبو ستة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، نادية سعد، حسن الطرابلسي، أحمد ملحم، صباح الموسوي ، د - صالح المازقي، علي الكاش، د. طارق عبد الحليم، طلال قسومي، محمد الياسين، رمضان حينوني، عزيز العرباوي، حميدة الطيلوش، رافع القارصي، العادل السمعلي، عبد الله زيدان، د - المنجي الكعبي، سعود السبعاني، الهيثم زعفان، محمود سلطان، سفيان عبد الكافي، عمر غازي، رضا الدبّابي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د.محمد فتحي عبد العال، إياد محمود حسين ، صلاح الحريري، محمد أحمد عزوز، عبد الغني مزوز، د - محمد بنيعيش، مصطفى منيغ، صفاء العراقي، محمود فاروق سيد شعبان، منجي باكير، د- محمود علي عريقات، وائل بنجدو، عمار غيلوفي، مراد قميزة، محمد شمام ، أحمد بوادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. خالد الطراولي ، فهمي شراب، محمد الطرابلسي، ماهر عدنان قنديل، ضحى عبد الرحمن، فتحي العابد، محرر "بوابتي"، عواطف منصور،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة