البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

فرنسا المريضة

كاتب المقال طارق أوشن   
 المشاهدات: 805



تتقدم امرأة من سيارة إيريك زمور، بعد أن أقنعت حرسه أنها من مؤيديه، فيفتح الرجل النافذة لعله يظفر بما ينقذ زيارته لمدينة مارسيليا من الفشل الذريع، ليفاجأ بالمرأة وهي ترفع سبابتها الوسطى في وجهه في حركة بذيئة لم يتأخر في الرد عليها بالمثل، وهو ما التقطته عدسة مصور وكالة الأنباء الفرنسية لتكون تتويجا لأسبوع جرّب فيه زمور، لأول مرة على ما يبدو، معنى أن تكون مرشحا وتنزل إلى الميدان، بعد أن ظل لفترة طويلة "ظاهرة تلفزيونية" تتقيأ على المتابعين أفكارا سعى دوما لأن تكون مثار جدل، يرفع من شعبيته لدى الناقمين على سياسيي اليمين واليسار على حد سواء.

ففي زيارة له، قبل أيام، إلى مدينة مارسيليا، ووجه إيريك زمور، الذي أعلن ترشحه بعدها رسميا للانتخابات الرئاسية الفرنسية، بمطاردة منظمة من طرف جماعات تُعرّف نفسها أنها "معادية للفاشية" بشكل اضطره لتقليص مدة الزيارة وإلغاء بعض من فعالياتها المبرمجة.

تأتي هذه الزيارة "الانتخابية" في ظل تراجع "الظاهرة الإعلامية" في استطلاعات الرأي لمحدودية ما يقدمه من حلول للأزمات المستعصية بفرنسا داخليا وخارجيا، وأيضا لظهور عدد من الفضائح التي بدأت تكشف عن وجه خفي للمرشح الذي كان محتملا فصار رسميا.

النبش في تصريحات وكتابات الرجل كان كافيا لمواجهته بحجم التناقضات والأخطاء التي يسقط فيها قصدا أو جهلا، وهو ما فعله مذيع النشرة الرئيسية لقناة "تي أف 1"، الأكثر مشاهدة بفرنسا، وهو يستقبله مرشحا رسميا كما جرت العادة مع كل أقرانه، فكانت النتيجة أن خرج زمور من اللقاء التلفزيوني يشكو حوارا على شكل "استنطاق بوليسي"، كلف الصحفي المحاور سبا وقذفا نقله شهود بعد انتهاء اللقاء.

لكن "الفضيحة" الأكبر كانت نشر إحدى المجلات تقريرا كشف أن مستشارته الأقرب سارة كنافو حامل منه، وهو العدد الذي حاول إيريك زمور منع صدوره بقرار قضائي؛ بدعوى كونه تدخلا في الحياة الشخصية للأفراد، لكنه فشل في مسعاه. لم يكن الإشكال في وجود علاقة جنسية بين المعنيين، بل في تناقض ذلك مع ما يحاول زمور تصديره للفرنسيين من كونه مدافعا عن الهوية الفرنسية الكاثوليكية اليهودية الملتزمة بالشرف وبالعائلة كيانا أساسيا للبناء. الشعارات الانتخابية ليست إلا واجهة للاستهلاك ولو في بلاد الأنوار، والصحافة وسيلة للسخرية من الأديان والأنبياء، أما رموز اليمين المتطرف، فمقدسون في حياتهم الشخصية وفي ما يدسونه من سموم في المجتمع يحظر الاقتراب منها أو التصوير.

لم يكن إيريك زمور وحيدا في مسعاه لمنع الحقائق من الظهور، فقد سبقه نيكولا هيلو، الذي ظل لسنوات الشخصية المفضلة للفرنسيين قبل أن يصبح وزيرا للبيئة في الحكومة الأولى لإيمانويل ماكرون، حين أسرع إلى استوديو أخبار قناة بي أف أم الإخبارية، ليدحض اتهامات له بالتحرش والاعتداء الجنسي، ويندد بما أسماه "المحاكمات الإعلامية"، محاولة منه للضغط على قناة "فرانس 2"، وهي قناة تتبع القطاع العام، والهدف "منع" بث برنامج استقصائي يروي شهادات عدد من النساء يدعين تعرضهن للاعتداء على يد نصير البيئة وصاحب برنامج "أوشوايا" ذائع الصيت.

لم تكن تلك المرة الأولى فقد سارع إلى انتهاج الخطة الاستباقية نفسها قبل أربع سنوات، حين ظهرت أولى التسريبات بالخصوص، وهمت حفيدة الرئيس فرانسوا ميتران، فكان الرد دعوى قضائية بالتشهير ضد المجلة الناشرة، التي انتهى المطاف بها إلى الإغلاق. يومها، تلقى وزير البيئة دعما غير مسبوق من الرئيس ماكرون، وسارعت وزيرة المساواة بين الجنسين، مارلين شيابا، للتشكيك في رواية المجلة وتمجيد زميلها الوزير، وهي المعروفة بدفاعها "المرضي" عن النساء؛ بغية التمكين لهن في الشمال والجنوب وفي الشرق والغرب.

فرنسا التي لا يتورع ساستها في الضرب على وتر المرأة وحقوقها كلما تعلق الأمر بأبناء الجاليات المسلمة بالبلاد أو بوضع المرأة في البدان العربية على الخصوص، صارت اليوم مسرحا لفضائح تتكشف يوما عن يوم، وتظهر تواطؤ الطبقة السياسية في التغطية على ممارسات تحط من قدر النساء، وتجعلهن مجرد سلعة جنسية للتأثيث وللترفيه عن الذكر "المسيطر" ليس إلا. هي نفسها فرنسا التي تبين عجز ترسانتها القانونية في حماية الفرنسيات، في وقت لا تفوت فيها مناسبة دون حشر أنفها في شؤون الدول بدعوى حماية النساء.

وها هو وزير خارجيتها جان إيف لودريان، الذي بيعت الأسلحة بالملايير وعقدت الاتفاقيات الأمنية والاستخبارية في عهده للدول التي يعتبرها الخطاب الإعلامي "استبدادية"، حين كان وزيرا للدفاع وتوطدت بعدها وهو وزير للخارجية، يسأل عن مصير لاعبة التنس الصينية بنغ شواي، ويبكي مصائر اليزيديات وغيرهن، دون أن يرف له جفن أو يصدر عنه تلميح لمصير بنات مصر وليبيا المعتقلات، والمقتولات والمعتدى عليهن وعلى حقوقهن بسلاح وجهد استخباراتي فرنسي.

الاعتداءات الجنسية في فرنسا صارت المادة الأدسم للإعلام بعد أن تحررت الضحايا وصرن أكثر إقبالا على الكلام. مواقع الجرائم توزعت بين قصر الإليزيه حيث يعتدى على المجندات، وفي مجلس الدولة حيث المتهمون قضاة، وفي المؤسسات الصحفية مغامرات لكبار الصحفيين، وفي الكنائس قساوسة يقدمون النصح الديني ويغتصبون الأطفال القصر على مدار عقود، ارتفعت خلالها أعداد الضحايا لما يفوق ربع مليون طفل، وهو عدد مهول يعلن صراحة أن الممارسات تلك شائعة وتحظى بـ"الحماية" أو التجاهل؛ فـ"العقوبات" نقل للقساوسة لمواصلة المشوار بدل العزل والعقاب، كما هو الشأن ببقية فضاءات "المرض الفرنسي" المستعصي على العلاج.

لقد كان الجميع يعلم ولا يزال، لكن المشرعون والساسة ومرشحو الانتخابات يعلمون أيضا أن وتر اللجوء والهجرة والعدو الخارجي ممثلا في "الإرهاب المحتمل"، أقصر الطرق المعبدة للوصول إلى مراكز القرار ولو كان ذلك على حساب أجساد النساء والأطفال.

الجمهوريون الديغوليون لم يجدوا من رد على "اكتساح" أفكار زمور اليمينية المتشددة للفضاءين الإعلامي والعام بفرنسا غير محاولة الدفع بـ "إيريك سيوتي" مرشحا محتملا للرئاسيات، بعد أن بوؤوه الصدارة في المرحلة الأولى من الانتخابات الحزبية الداخلية. سيوتي كائن كاريكاتوري في الفضاء السياسي الفرنسي كما زميله إيريك زمور.

فهنيئا لفرنسا "إيريكيها" الاثنين، وهنيئا لإيمانويل ماكرون الطريق المعبدة لولاية ثانية على رأس قصر الإليزيه، فليس اليوم من أحد أفضل منه لدعم الديكتاتوريات وإشعال حرائق الذاكرة والتعصب الديني بطريقة "أنيقة"، لا يتقنها غيره من رواد الفكر اليميني العنصري. أما فرنسا فمريضة، رغم مكابرة قادتها، ومرضها مستفحل لا ريب سينتشر في الجسد كله بالداخل وفي المناطق الفرنسية خارج البحار، وفي مناطق النفوذ التقليدية التي صارت تنفرط كالسبحة إيذانا بالموت والفناء.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فرنسا، التبعية، إنتخابات فرنسا، ايريك زمور،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-12-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمود سلطان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسن عثمان، مراد قميزة، سعود السبعاني، د. أحمد محمد سليمان، حسن الطرابلسي، رافع القارصي، محمد اسعد بيوض التميمي، إيمى الأشقر، د- محمود علي عريقات، رافد العزاوي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سامر أبو رمان ، أبو سمية، رضا الدبّابي، سلام الشماع، محمد الياسين، د - عادل رضا، د - المنجي الكعبي، فتحـي قاره بيبـان، كريم فارق، سامح لطف الله، د - محمد بنيعيش، محمود طرشوبي، محمد العيادي، عبد الله زيدان، الهادي المثلوثي، محمود فاروق سيد شعبان، وائل بنجدو، د. خالد الطراولي ، أشرف إبراهيم حجاج، محمد عمر غرس الله، د. طارق عبد الحليم، ضحى عبد الرحمن، علي الكاش، حميدة الطيلوش، عراق المطيري، د - محمد بن موسى الشريف ، الناصر الرقيق، عبد الغني مزوز، د. أحمد بشير، د. مصطفى يوسف اللداوي، صلاح المختار، فهمي شراب، إسراء أبو رمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، سيد السباعي، عواطف منصور، منجي باكير، عبد الله الفقير، عمر غازي، صفاء العربي، ياسين أحمد، جاسم الرصيف، د - صالح المازقي، صفاء العراقي، مجدى داود، خبَّاب بن مروان الحمد، صالح النعامي ، مصطفى منيغ، د. عبد الآله المالكي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد النعيمي، مصطفي زهران، صلاح الحريري، كريم السليتي، أ.د. مصطفى رجب، العادل السمعلي، حاتم الصولي، د- جابر قميحة، عزيز العرباوي، د- محمد رحال، د- هاني ابوالفتوح، يزيد بن الحسين، د.محمد فتحي عبد العال، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محرر "بوابتي"، تونسي، رمضان حينوني، المولدي الفرجاني، إياد محمود حسين ، علي عبد العال، أحمد الحباسي، فتحي العابد، رشيد السيد أحمد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الرزاق قيراط ، فتحي الزغل، أنس الشابي، محمد يحي، د - الضاوي خوالدية، صباح الموسوي ، فوزي مسعود ، د - شاكر الحوكي ، طلال قسومي، أحمد ملحم، أحمد بوادي، يحيي البوليني، الهيثم زعفان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سفيان عبد الكافي، محمد أحمد عزوز، محمد شمام ، نادية سعد، عمار غيلوفي، د - مصطفى فهمي، خالد الجاف ، محمد الطرابلسي، سلوى المغربي، سليمان أحمد أبو ستة، ماهر عدنان قنديل، د. صلاح عودة الله ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة