كريستوف غونكل (Christoph Gunkel) / ترجمة: ضرغام الدباغ
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1210
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مقدمة
لا أريد أن أنكر أن عنوان المقالة وفحواها، كان مفاجأة لي شخصياً، وبرغم علمي أن خيارات عدة طرحت للتخلص من اليهود، وخاصة يهود أوربا، وفي مقدمتها : الأرجنتين وأوغندا، وحتى يتردد أحيانا أسم هنغاريا، ولكن الأوربيين لا يريدونهم في أوربا، وخيار فلسطين لم يكن من بين الاحتمالات القريبة، ذلك أن الأوربيين يريدون الابتعاد عنهم بأقصى ما يمكن، وقد كتبت مرة أن الغرب كان همه أن يبحث عن مكب نفايات ...! واعتقدوا خطأ (وتلك غلطة فضيعة ..! أن فلسطين هي المكان المناسب) الأوربيين منطقيين، وحيت يقودهم المنطق إلى حل معين يذهبون إليه ويفعلوه بصرف النظر عن قضايا المشاعر والحلال والحرام ... فالأوربيين لا يعرفون هذه المصطلحات، وخاصة في السياسة. وحين يكون ناتج ضرب(5x5) 25، يجرون العمل بموجبه بصرف النظر إن كانت عملية دموية (Bloody Operation)، أو نزهة رومانسية في قارب على ضوء القمر ..سيان ..! ولا مانع من عزف سمفونية بتهوفن (Moon light) ضوء القمر لتكون المسألة حضارية .... ! فالأوربيون يهتمون بالتفاصيل ...
حقيقة فوجئت حين قرأت وفي مجلة رصينة جداً (دير شبيغل/ Der Spiegel) أن جزيرة مدغشقر كانت إحدى الخيارات المطروحة لتأسيس الكيان اليهودي على أرضها. وواصلت بحثي عن جذور المسألة، وهذا لم يكن صعباً، فمن يمتلك الحاسوب والانترنيت، يصبح العالم بأسره كبرتقالة في جيبه. وبعد قراءة بضعة سطور صار الموضوع بأسره مفهوماً.
والمدهش أكثر وأكثر .... أن مثل هذه الأفكار قد نوقشت خلال الحرب العالمية الثانية وبمشاركة النظام النازي الهتلري ...! ولكن الموضوع لم يمض إلى نهايته، ترى ما هي الأسباب الجوهرية.
الحرب العالمية كانت ما تزال مشتعلة، والنتائج النهائية التامة ما تزال مجهولة، فالنتائج ستقررها سلاسل الدبابات وخوذات الجنود الفولاذية وحراب البنادق ... ومدغشقر كانت تحت الاستعمار الفرنسي، الذي يتميز عن شقيقه الاستعمار البريطاني، بأنه لا يسلم بالحقائق التاريخية. فالإنكليز بمجرد أن يأكلوا صفعة واحدة، يدركون أن صفعات أخرى كثيرة مذلة ومهينة قادمة، فالأحسن تدبير صورة حال لحفظ ماء الوجه والهيبة، وربما قليل من المصالح خير من فقدانها كلها. فينسحبون بأدب. مرغمين عليه. ولكن غالبا يتركون ورائهم مشكلات صعبة وحلولها أصعب ..!
أما المستعمرون الفرنسيون، فلا ييأسون حتى لو تتوال عليهم الصفعات، ولن يغادروا البلاد إلا وقد أثخنوا جراحاً وتصبح الهزيمة ثلثين المراجل ..! ما عليك بأناقتهم وعطورهم ففي قضايا الاستعمار لا توجد لياقات وأناقات ... هو مشروع همجي وحشي، فحين يكون الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، تجدهم في المقدمة وهم من يقيم الناس، ولكن حين تشحذ الحراب وتوجه فوهات المدافع فليس غيرهم من يحسن فعل ذلك، بحيث وضعوا أختامهم ووشم العذاب والموت والجوع والفقر على جلود شعوب العالم كلها ... أليسوا هم القائلون " ممتلكاتنا لا تغيب عنها الشمس "، بل وبلغ خبثهم أن جعلوا شعوب المستعمرات تقاتل بعضها تحت راياتهم الاستعمارية ... ويحفرون في أراضيهم بأيديهم ويستخرجون الثروات، ويحملوها على ظهورهم إلى السفن لتبحر إلى المراكز الاستعمارية ولتعود سلع مصنعة يدفعون ثمناً للحصول عليها ... يأتون بالخونة وأسافل الناس ويصنعون منهم أكالإنسان. وزعماء ... ثم بعد كل هذا يحدثوك عن الديمقراطية وحقوق الإنسان .. نعم هكذا كانوا وما زالوا يفعلون ...!
نكتب اليوم عن مشروع مدغشقر الذي لم يتم ... فشلت الخطة ليس لأنهم شرفاء ... بل لأن مدغشقر كانت لقمة موضع جدال وتناهب، بريطانيا بخبثها المعلوم، هي أدركت تماماً أنها ستغادر فلسطين والعراق ومصر والهند والمسألة هي حفنة سنوات ليس أكثر وستخسر هذه المناطق كما خسرت أميركا ... اللقمة الأدسم على مائدة المستعمرين البريطانيين والفرنسيين والأسبان لذلك قرروا أن يخلفوا ورائهم في الشرق الأوسط مشكلة دموية (فلسطين)، كما خلفوا في الهند مشكلة مماثلة (كشمير) ومشاكل في زمبابوي (روديسيا) ومشاكل في جنوب أفريقيا، وغيرها .
الحل في مدغشقر لم ينجح، كما فشل الحل في فلسطين الذي هو الآن على طريق إعلان الفشل ... عصر الاستعمار انتهى، وعصر النازية والفاشية، وعصر الإمبريالية / العولمة (Globalisation) يلفظ أنفاسه الأخيرة... العالم مقبل على مرحلة جديدة ... الثروات التي سرقوها سوف يأكلها الكساد والصدأ في موانئ وعلى ظهر السفن التي سوف لن تجد من يستقبلها ... العقرب حيوان مؤذ يقتل وقد لا يأكل من يقتله ... وأحيانا يموت بعد اللدغة ... والعقارب تقتل بعضها ....لمجرد القتل ولا تأكلها .... وقد يتكلف العلاج من سم العقرب الكثير من الجهد والوقت ... ولكن في النهاية يشفى المصاب باللدغة ... وكل ديمقراطية وحقوق إنسان وأنتم بخير ......!
ضرغام الدباغ
*****************************
كتابة : كريستوف غونكل (Christoph Gunkel)
في مجلة دير شبيغل (Der Spiegel) / 20.01.2017
ترجمة : ضرغام الدباغ
في كانون الثاني / 1942، وخلال مؤتمر فانزي (Wannsee Konferenz)، وجه أدولف هتلر موظفين من مساعديه، لإبادة ملايين من اليهود، وبذلك انتهت الخطة التي كانت قد وضعت لترحيل جميع اليهود المعتقلين والمحتجزين إلى جزيرة مدغشقر (في المحيط الهندي)، ليكون لهم بمثابة غيتو / معتزل (Ghetto) كبير.
كانت الحرب بالنسبة لفرانز راداماخر كانت قد كسبت منذ أيار / 1940، لذا كانت هذه إشارة للحقوقي الشاب البالغ من العمر 34 عاماً، من مدينة نيوستربليتز/ شمال برلين، أن يمعن التفكير وأن يجد إجابة على تساؤل أساسي : أين سنذهب بكل هؤلاء اليهود .
لم تكد تمضي شهور أربعة على ترأس راداماخر إدارة الملف الجديد (D III) المسئولة عن " اليهود والسياسة العرقية "في وزارة الخارجية الألمانية، حيث قدم في 3 / تموز / 1940 إلى رئيسه، خطة جذرية، وفي جمل جازمة طرد الملايين في عملية غير مسبوقة.
وكتب راداماخر في تقريره " ينبغي إبعاد يهود غرب أوربا، إلى مدغشقر على سبيل المثال ". أما يهود شرق أوربا ، فيحتجزون بصورة مؤقتة (كاحتياط) في المدينة البولونية المحتلة لوبين، كعهدة في أيدي ألمانية ". من أجل إيقاف الولايات المتحدة من دخول الحرب. وإلى هنا كان راداماخر يعتبر أن فرنسا وبريطانيا قد هزمتا في الحرب، فقد كان منهمكاً بالتفكير " كم الأموال والسفن نحتاج لهذه العملية " التي يتعين على هذه الدول (المنهزمة في الحرب) تأمينها لغرض احتجاز هذه الأعداد ودفعها لتأمين إبعاد هؤلاء.
بغتة، صار الجميع يتحدث عن مدغشقر
أخذ مارتن لوثر (رئيس راداماخر في العمل) الخطة المجنونة على أنها الفكرة اللقطة، وتدريجيا ابتدأ كافة قادة الحزب النازي يقتنعون بالفكرة بما في ذلك : أيخمان، وهيرمان غورنغ، وروزنبيرغ، وهايدريش معجبين بفكرة الجزيرة الأفريقية البعيدة. وسرعان ما سرى هذا الإعجاب بالفكرة إلى هتلر الذي أصدر أوامره أن تكون مدغشقر مكاناً لإقامة اليهود تحت المسؤولية الفرنسية، ووجه بإيصال الفكرة إلى الزعيم الإيطالي موسولويني.
بعد عام ونصف تقريباً، في 20 / كانون الثاني / 1942، أجتمع نفس الرجال (القادة في الحزب والدولة) في فيللا فاخرة مطلة على بحيرة فانزي ببرلين(Villa am Wannsee,)، وناقشوا تصفية الملايين من اليهود. وكان الأمر يدور بإقامة تنسيق بين عدة دوائر لهذه العملية، وعملية القتل (الإبادة الجماعية) بدأت بتصفية نحو 500,000 الف يهودي.
وفي العودة إلى الماضي، 75 عاماً مضت، على مؤتمر فيللا فانزي سيئ السمعة، لا يزال المؤرخون على خلاف حول تقييم أهمية المؤتمر. ترى هل قرر هؤلاء الموظفون الكبار وبدم بارد إطلاق حملات الإبادة ..؟ أم أن المؤتمر كان له الأهمية المركزية، لأنه أكد إقامة الإبادة الجماعية لليهود على مستوى القارة الأوربية، وأقاموا برنامج للقتل كما يؤكد المؤرخ بيتر لونغرايش في أحدث دراسة له ..؟
مؤتمر فانزي، التصفية بقرار بارد.
" قرار مبارك ". خمسة عشر رجلاً اجتمعوا في هذه الفيللا الفخمة المطلة على بحيرة فانزي، من أجل تنظيم عملية إبادة اليهود. هايدريش، فريسلر، وإيخمان، موظفون فاقدون للإنسانية، ولكن من كان الرجال الآخرون في مجموعة الإثنا عشر ..؟ الذين ناقشوا الإبادة الجماعية وهم يشربون الكونياك ...!
ــ الدكتور جورج ليبراندت: بأعتبار أنه كان يعتبر خبيرا في الشؤون الروسية، أستلم بعد انضمامه للحزب النازي عام 1933، رئاسة الإدارة الشرقية في مكتب السياسة الخارجية للحزب، وكان ليبراندت يعتبر بجانب المفكر الحزب الرسمي الفريد روزنبرغ، من أهم مفكري الحزب النازي في مجال السياسة الخارجية. وفي السنوات اللاحقة شغل العديد من المناصب القيادية في مكتب السياسة الخارجية للحزب، وفي عام 1941، تأسست وزارة الرايخ لإدارة الأراضي المحتلة الشرقية(شرقي أوربا). وكانت كلتا الإدارتان بقيادة الفريد روزنبرغ. وشارك ليبراندت في العديد من المحادثات حول قضية إبادة اليهود، وقد حضر أيضا مؤتمر فانزي كممثل لوزارة إدارة المناطق المحتلة.
ورغم أنه كان من المشاركين بدرجة كبيرة في تنظيم المحرقة (الهولوكوست)، وأعتقل عام 1945(بعد الهزيمة في الحرب)، إلا أنه أطلق سراحه عام 1945، وفي كانون الثاني 1950، بدأت محكمة نورمبرغ المحلية إجراءات محاكمة جنائية بحقه بتهمة : المساعدة على القتل، ولكن التحقيق أغلق بعد بضعة شهور. وتوفي ليبراندت عام 1982 عن عمر يناهز 83 عاماً، في مدينة بون.
ـــ الدكتور فيلهام ستوكارت
كان هذا الرجل محاميا وعضواً منذ انظمامه للحزب النازي في كانون الأول / 1922. ثم التحق ستوكارت إلى قوات ال (SS) عام 1936. في السنوات الأولى من عمر الدولة النازية (1933) عمل كوزيراً في مختلف الوزارات، وساهم في إعداد القوانين المعادية للسامية. وبالتعاون مع هانز كلوبكة ألف عام 1936 كتاب " تعليقات على التشريعات العنصرية الألمانية " . خلال الحرب العالمية الثانية عمل على الخطط النازية المعدة لأوربا بعد تحقيق النصر النهائي.
وكان الدكتور ستوكارت قد تقدم بمقترحات في مؤتمر فانزي يتضمن: إجراء تقيم قسري " للأقوام المختلطة " وفي خلال محاكمته بعد الحرب، دافع عن مقترحه قائلاً، إنه كان ضرب من إجراء إداري بيروقراطي كان يهدف من إنقاذ " المختلطين" من الموت والترحيل. (1)
في شهر أيار / 1945، قبل سقوك الدولة ونهاية الحرب بأيام قليلة، عين كوزيراً للداخلية في حكومة أميرال البحر دونتز (خليفة هتلر)، وأعتقله الحلفاء بهذه الصفة. وفي نيسان / 1949 حكم عليه بالسجن لمدة 3 أعوام وعشرة شهور، وأعتبر قد أمضى مدة السجن خلال التوقيف، وحكم عليه بغرامة بسيطة. وفي عام 1953 توفي في حادث سيارة.
كان مؤتمر فانزي فصلاً مهماً في تاريخ العالم. وخطة مدغشقر اليوم دخلت في عالم النسيان تقريباً. وقد تبدو الفكرة ربما غير واقعية، فقد وجد السياسيون الألمان (في مجال العنصرية) هذا الخطة في وقتها بأنها "العلاج الشافي" بحسب قول المؤرخ البريطاني كريسوفر براونينغ (Christopher Browning).
ولم تكن صحيفة شتورمر الوحيدة التي احتفلت وهللت للحل "مكان لملايين اليهود" في مدغشقر، محاطة بسفن الشرطة السريعة واليقظة. والجزيرة ستكون متمتعة بالإدارة الذاتية، بوصفها غيتو/ منعزل كبير (ghetto)، بل وكذلك كبار الموظفين والكوادر القيادية في الحزب النازي. الذين وجدوا الفرصة في تنظيم حفلات إبادة جماعية. كما وجد المؤرخ البريطاني براونينغ، في خطة مدغشقر، " خطوة نفسية هامة على طريق المحرقة (Holocaust)، وحين فشلت الخطة، أنخفض معدلات القتل الجماعي.
الفكرة عبر التاريخ
لم تكن الفكرة (خطة مدغشقر) فكرة نازية خالصة. فقد تعامل مع الفكرة منذ نهاية القرن مؤرخون معادون للسامية: بولونيون، وفرنسيون، وإنكليز، وألمان
وكان المستشرق الألماني باول دي لاغارد (Paul de Lagarde) كان أول من كتب عام 1885 في مقاله له " عن الواجبات المقبلة للسياسة الألمانية "، وعن الذين يتحدثون عن " إلغاء فكرة الإبعاد إلى مدغشقر " لليهود. وقال أن مدغشقر الخيار الأذكى والأكثر حكمة من فلسطين. هذا ما أكده لاغارد وهو من ممثلي تيار معاداة السامية العنصري. وقد أعتمد الحزب النازي هذه الفكرة، وكانت مدغشقر بدرجة كبيرة بدرجة كافية لاستيعاب الملايين من اليهود. وكانت الجزيرة معزولة لاستبعاد أي احتمال لاختلاط عرقي.
المحرقة (Holocaust) : الخطة النازية الساخرة " جنة مدغشقر ".
هكذا بالضبط كان النازيون يبررون صيف عام 1940 لخيار مدغشقر: " من أجل تجنب التماس المتواصل لليهود مع الشعوب الأخرى، فإن حل الإبعاد والعزل هو أفضل الحلول ". " فيما يبدو الخطر في حال التهجير إلى فلسطين خطورة أن تنشأ روما ثانية ". وبإعجاب أبدى المسؤول الآيديولوجي للحزب النازي الفريد روزنبيرغ فقد أعتبرها نظرة جديدة للعالم".
كما بهرت "خطة مدغشقر" المؤرخ البريطاني "هنري هاميلتون بيميش" (Henry Hamilton Beamish)مؤسس حركة هجرة المعادين (البريطانيون). وكان قد تعرف عام 1923 على هتلر في ميونيخ ، فأمتدح خطة مدغشقر ووصفها " المستقر المناسب لليهود ".
"الجنة مدغشقر"
بعد ذلك بأربعة سنوات سمح للبريطاني بيميتش أن يكتب في صحيفة الحزب النازي الرسمية مراقب الشعب (Völkischen Beobachter) " أن جزيرة مدغشقر يمكنها أن تستوعب بأرتياح 50 مليوناً من البشر "، وبدلاً من قتل اليهود فمن الأفضل ترحيله وإنقاذه "من وصمة عار الصراع مع الدم الآري".. وأضاف بيميتش ساخراً " أين هي الجنة التي يستطيع جميع اليهود العيش فيها بسلام وسعادة ... انها مدغشقر ". (2)
الجنة، كانت بالنسبة للمعادين للسامية في مرحلة الانتقال من القرن 19 إلى القرن 20، كانت الخيارات، إلى جانب مدغشقر كخيار وطن لليهود، غويانا الجديدة (Neu-Guinea) (شمال استراليا)، والقوقاز، والآسكا، أو أركيتس (Arktis) القطب الشمالي. وإذا كانت هذه الخيارات صعبة، فإن مدغشقر كانت بسبب مناخها الاستوائي تبدو صعبة للمعيشة بالنسبة للأوربيين.
وقد أثرت الخطط الاستيطانية حتى على العقلاء من السياسيين، كوزير المستعمرات البريطاني جوزيف تشامبرلين. وبعد المذابح ضد اليهود ، أقترح عام 1903 على الصهيوني ثيودور هيرتزل وعرض عليه مساحة من الأرض تبلغ 13,000 ألف كيلومتر مربع في أوغندا، التي كانت آنذاك جزءا من المستعمرات البريطانية في شرق أفريقيا، وطرحت أوغندا كحل انتقالي، حتى تتمكن الصهيونية من تحقيق حلمها بإقامة دولة يهودية في فلسطين. ومبعد مناقشات حامية، أرسلت الحركة الصهيونية ثلاثة أشخاص في يعثة استكشافية إلى أوغندا، التي رفضت العرض .
وبعد 37 عاماً واجه اليهود الأوربيون تهديداً بترحيل وتوطين في أفريقيا. ولكن هذا لم يكن بالامكان تحقيقه، لأن مدغشقر كانت مستعمرة فرنسية، وفرنسا كانت منذ حزيران / 1940 محتلة من الجيش الألماني.
البيروقراطية النازية كانت جادة
ووفقاً الخلاصة النهائية التي كان راديماشر قد أعدها، الآن بدأ جهاز الإدارة النازي بالتعامل مع نتائجها الأولى. فقد أمر هانز فرانك بوصفه حاكم العام لبولونيا (المحتلة)، بعد التوقف عن ترحيل اليهود، إذ تساءل ما لفائدة من ذلك وهم سيرحلون إلى أفريقيا ... كما أنر بعد بناء المزيد من المعتزلات (غيتو /Ghetto ) لهم.
ترى كم كانت رؤية النازيين في خطة مدغشقر جدية ..؟ يطهر ذلك من خلال نموذج تقليدي: فالمراكز الإدارية المتنافسة على القيادة، فقد كتب القائد النازي في وزارة الداخلية (رئيس المكتب العام لأمن الدولة) خطاباً إلى وزارة الخارجية، أن هيرمان غورنغ (نائب هتلر) قد أوعز إليه البدء فعلاً بتهجير اليهود. وهنا أبتدأ القائد النازي أدولف آيخمان الموظف البارز في المكتب العام لأمن الدولة، بالعمل بجد ونشاط في مشروع، خطة مدغشقر.
وأوضح آيشمان بعد الحرب : " إنه يبدو غير المناسب بحيث أن الأمر لم يتحقق ". وأضاف في تعزيز وجهة نظره : من أي أرجاء سيتم جمع اليهود، حوالي 4 ملايين خلال أربعة سنوات، على أن تبحر يومياً سفينتان، كل واحدة تضم 1500 يهودي في رحلة ستستغرق مدتها 30 يومأ، إذن فالحاجة هي لنحو 150 سفينة ..!
في أولى رحلات الترحيل، ينبغي أن يكونوا الأطباء، والحرفيين، والعاملين في الأرض (الزراعة)، من أجل البناء الأولى الأساسي. وبتفاؤل برر موظفوا النازي، بأن من خلال تجفيف المستنقعات الكثيرة على أرض الجزيرة، بمكن التصدي للأمراض المنتشرة. وهناك حيث لا توجد طرق مواصلات كافية والسواحل ملوثة، ولكن هناك أعداد كبيرة من رؤوس الماشية، 7 ملايين من الأبقار يمكنها أن تؤمن الغذاء للملايين من اليهود. ويمكن القراءة بين السطور " حتى إذا لم يكن الأمر كذلك سيان ...! ".
سفرة عمل مع القتل ..!
كل هذا اللعب بالخطط ، كانت تنطوي على سوء تقدير أساسي ويتمثل : أن بريطانيا لا يمكن إرغامها على مخططات هتلر كما كان يأمل، ومن جهة أخرى كان احتمال أن تهزم بريطانيا عسكرياً مستبعداً، بسبب تفوق البحرية البريطانية ... وهذا ما أفشل الخطة.
وفي النهاية كان على راديماشر، الذي لم يكن هناك من دفع خطة مدغشقر صوب التحقيق أكثر منه، أن يقوم بدفن خطته بنفسه.: ففي 10 / شباط / 1942 وحين كان هو قد أصبح رئيسا للدائرة السياسية في وزارة الخارجية الألمانية، بقرار هتلر القاضي : " أن العمل على ترحيل اليهود يجب أن ينتهي ولا ينبغي أن يكون إلى مدغشقر ، بل أن يبعدوا إلى الشرق ...! ومدغشقر أنته كخطة وكحل نهائي .
وفي حالة شعور راديماشر بالخيبة، لكنه في مهمته الثانية سقط، في سوء تقدير جديد في مهمته المقبلة، ففي المؤتمر اللاحق لمتابع مؤتمر فانزي، الذي كان لآيخمان فيه مداخلة، حيث تقدم بمقترح تعقيم 70,000 من المختلطين الأعراق، وهو مقترح كان يبدو ليس سيئاً جداً بالمقارنة مع مسؤوليته بالقتل الجماعي.(3)
وكتب راديماشر في طلب نفقات مخصصات سفرة واجب رسمي قام بها إلى يوغسلافيا " تصفية يهود في بلغراد ". وكان عدد الذين تمت تصفيتهم : 1300 شخص.
1. يقصد بالمختلطين، الذين ليسوا من عروق صافية أو دخيلة على ألمانيا، أو الواقعة ضمن التصفيات العرقية الغير مرغوبين كاليهود، والغجر.
2. يبدو من سياق البحث، أن نزعة معاداة اليهود (معاداة السامية) كانت منتشرة في الثلاثينات في أوربا، وساهم فيها مفكرون ومؤرخون وكتاب، وخاصة في بريطانيا وفرنسا.
3. أدولف آيشمان. ضابط برتبة مقدم في (SS)، كان في طليعة الضباط النازيين الذين قاموا بتصفيات وجرائم حرب.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: