د. ضرغام الدباغ - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1729
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في السبعينات كنت قد تعرفت على أعمال الموسيقار الإيطالي انطونيو فيفالدي، ودون ريب فهو ينتمي إلى فئة الموسيقيين الكبار الذي طرزوا ليل أوربا البهيم بأعمال خالدة. وتعود أقدم مجموعة لفيفالدي عندي، إلى العام 1980 حين تلقيت إشارة بلزوم مراجعة البريد لأستلام طرد، وفوجئت أن المرسل كان الصديق العزيز المرحوم الموسيقار العراقي منير بشير، والأسطوانات كانت مجموعة مختارة من أعمال فيفالدي، كان منير معجباً بفيفالدي بشكل خاص، ولا أستطيع أن أقرر هل كانت موسيقى منير بشير تحمل من نكهة فيفالدي ...
تحية لذكرى منير بشير ...
ولد أنطونيو فيفالدي (Antonio Lucio Vivaldi) في الرابع من شهر مارس من سنة 1678 م في مدينة البندقية / إيطاليا. تلقى من والده، الذي كان عازفا على الكمان في كاتدرائية القديس مرقس الشهيرة (سانت ماركو) أصول الموسيقى. قام وهو في سن الخامسة عشر (15) بحلق شعر رأسه وانخرط في سلك الرهبنة، بعدها بفترة تم تعيينه راهبا بصفة رسمية (1703). بدأ بعدها يتنصل من واجباته الدينية، فتوقف عن تلاوة الصلوات، متعللا ببعض الصعوبات في التنفس، كان في الواقع تنتابه نوبات صرع من حين لآخر. تولى فيفالدي في نفس السنة وظيفة معلم كمان في مستشفى الرحمة (l’Ospedale della Pietà)، وهو عبارة عن مركز ينظم حلقات موسيقية للأطفال اليتامى، وكلف في سنة 1705 بتلقين البنات أصول تأليف وأداء الكونشرتو.
انتقل إلى مسرح "سانت أنجيلو" (في البندقية) وتولى وظيفتين في آن واحد: مؤلف ومكلف بشؤون الفنانين. تم تعيينه عام 1716 واستاذا (مشرفا) على الجوقة الموسيقية في ديللا بييتا (مستشفى الرحمة). بعد أن قام بأداء مؤلفاته الموسيقية في كل من إيطاليا وألمانيا والنمسا وهولندا، ذاع صيته وأًصبح فيفالدي عام 1718 استاذا على الجوقة الموسيقية للأمير فيليب من هيسي- دارمستات في مدينة مانتوفا الإيطالية، ثم استاذا على جوقة فرانسوا ستيفان، دوق اللورين عام 1735، عاد مجددا إلى جوقة ديللا بييتا سنة 1735 ليزاول وظيفته الأصلية. بعدها بثلاث سنوات قام بالإشراف على الاستعراضات الموسيقية في الاحتفالات المئوية لمسرح شووبورغ (Schouwburg) في أمستردام. استقر لبعض الوقت في البندقية قبل أن يقرر السفر إلى فيينا في عام 1741، إلا أنه توفي بعد وصوله بحوالي شهر واحدا في يوم 28 يوليو من عام 1741 وهو في حالة يرثى لها.
لفيفالدي أعمال كثيرة مشهورة، لا تزال مطلوبة وتسمع، وما تزال دور الأوبرا وقاعات الموسيقى تعزف أعماله، بإقبال شديد من الجمهور الذي يقدر الأعمال الراقية، ومن أهم أعمال : الفصول الأربعة : الشتاء والربيع والصيف والخريف.
خلف فيفالدي وراءه عددا كبيرا من المؤلفات الموسيقية الآلاتية، وقد بلغت 456 كونشيرتو، من بينها 223 كونشرتو لكمان منفرد وأوركسترا، 22 لكمانين، 27 لكمان جيهر منفرد، 39 للباصون ، 13 للأزبوا والعديد من الكونشرتوهات لآلات مختلفة كالفيولا والعود (الغربي (لاوته) الماندولين ، ناي بيكولو بالإضافة إلى 73 سوناتا.
على غرار أعماله الآلاتية، ألف فيفالدي العديد من الأعمال الكورالية: موتيتا 16 لمنشد منفرد، كورس وأوركسترا، 28 موتيتا لصوت واحد أو اثنين، 3 من تآليف الأوراتوريو من بين أشهر تآليفه الدينية : غلوريا / Gloria 1708 (ستابات ماتر (1721/ Stabat mater ) وأوراتوريو جوديثا المبتهجة / 1716) كما قام أيضا بتأليف العديد من الأعمال الدينية: 30 كانتاتا دينية، بعض ألحان السيرينادا ، 48 أوبرا، من بينها 21 لا زالت محفوظة، على غرار" أورلاندو الغاضب 1727" والأولمبيانية / 1734) و" فوراسبي / 1739" (.
الكونشيرتو الحديث
يعتبر فيفالدي وحسبما جاء في مؤلفه "إسترو أرمونيكو" (1711 م) -Estro Armonico-، أول من وضع قواعد البنية الثلاثية للكونشرتو (خفيف، بطيء، خفيف). قام بإدخال مبدأ التعارض بين العازف المنفرد والأوركسترا في عمله لاسترافاغانزا (1715 م) -Stravaganza-، غير الإيقاعات البطيئة، وخفض عدد المقطوعات المصاحبة إلى ثلاثة. تميزت أعمال فيفالدي (كونشرتو لناي واحد) ببساطة وجمال في اللحن، فقط أعمال موزارت ارتقت إلى هذه الدرجة من الإتقان.
يمكن العثور على نماذج لأصول الكونشوتو الحديث، والمبني على تباين مهارة المؤدي مع التأليف المتقن، في الأعمال الأخيرة لفيفالدي. نظرا لتفوقه الصارخ في تقنية الكمان على معاصريه، تم اتهام من كان يلقب بـ"الكاهن الأصهب" (أو الأشقر) بأنه أمضى عقدا مع الشيطان. أثرت الكونشرتوهات التي وضعها في طريقة أداء عازفي الكمان. كانت أعمال فيفالدي قد تم نسيانها إلى أن قام يوهان سباستيان باخ بإعادة صياغتها في أوائل مسيرته الفنية.
الفصول الأربعة :
عندما نتحدث عن فيفالدي، لا يمكننا أن نتجاوز عمله الرائع الفصول الأربعة " the four seasons " ويفضل دائماً قراءة النص الشعري مع سماع الموسيقى. وهي مجموعة من أربعة كونشرتو فيولين (كمان)، من تأليف فيفالدي، وفي كل مقطع، يشير إلى فصل من فصول السنة : الشتاء، الربيع، الصيف، الخريف، وقد أنجزها الموسيقار الكبير عام 1723، قام فيفالدي في هذا العمل الموسيقي بمحاكاة عوامل الطبيعة المختلفة مثل نسمات الهواء والرياح الشديدة والعواصف.
الضوء، البرق، والبهجة. إنها من أكثر المقطوعات الموسيقية المألوفة في أوائل القرن الثامن عشر. لقد قُدِّمت في أفلام وإعلانات تلفزيونية لا تحصى ولكن ما هي ولماذا تبدو بهذه الطريقة ؟
هذه افتتاحية "الربيع" من "الفصول الأربعة" للموسيقار الإيطالي أنطونيو فيفالدي. "الفصول الأربعة" مشهورة لأنها محببة للأذن. ومع ذلك، حتى الأكثر جدارة بالذكر حقيقة أن لديها قصص لتروى. في وقت صدورها في أمستردام في 1725، كانت مصحوبةً بقصائد تصف بالضبط ما يميّز ذلك الفصل حيث عمد فيفالدي اغتنامها من الناحية الموسيقية، وفي توفير حبكة محددة للموسيقي المعتمدة علي الآلات، سبق فيفالدي عصره بأجيال.
إذا أمكن للشخص أن يقرأ القصائد في نفس وقت استماعه إلى الموسيقى، يمكن للمرء أن يجد المشاهد الشعرية متزامنة بشكل جيد مع الصور الموسيقية. قيل لنا أن الطيور تُرحِّب بالربيع بأغنية سعيدة، وهنا يفعلون ذلك بالضبط. ولكن سرعان ما اندلعت عاصفة رعدية. ليس هناك الرعد والبرق الموسيقيان فقط، ولكن الكثير من الطيور أيضاً، مُبللين، خائفين، وغير سعداء.
في الصيف، يغني طائر القُمْري اسمه "توتاريلّا" بالإيطالية، قبل أن تمتد عاصفة البَرَد إلى الحقول. "الخريف" يجمع الصيّادين الحريصين على السعي وراء فرائسهم.
تبدأ حفلة "الشتاء" الموسيقية مع اصطكاك الأسنان في البرد قبل أن يلجأ شخص إلى طقطة النار. ثم تأخذنا إلى العاصفة حيث سيكون هنالك تزلج ووقوع على الجليد. في هذi الأسابيع الأولى من فصل الشتاء، يقترب العام من نهايته، وهكذا يتم اكتشاف فيفالدي الموسيقي للفصول.
وتلك الموسيقي المعبرة، والمعتمدة على الآلات، كما كان متعارفًا، لم تصبح ذات شعبية حتى القرن التاسع عشر وفي ذاك الوقت كانت القاعدة هي الفرق الموسيقية الكبرى والمتنوعة مع آلات النفخ النحاسيّة، وآلات الطرق للمساعدة في قصّ الحكاية. ولكن فيفالدي ألغى كل هذا مع الإبقاء على كمان واحد فقط والوتريات، وبيانو. وخلافاً لمعاصرهِ باخ، لم يكن فيفالدي مهتمًا كثيراً بموسيقى فوغ المعقدة. وفضّل أن يقدم موسيقى سهلة إيصال المتعة إلى مستمعيه مع الألحان التي تظهر لاحقًا في مقطوعة لتذكرنا أين كنّا. لذا فأول خطوة في حفلة "الربيع" تبدأ مع موضوع لفصل الربيع وتنتهي به أيضاً، ولكن بتفاوت قليلاً عما تم سماعها من قبل.
وكانت هذه طريقة ملهمة لجذب المستمعين، وفيفالدي، يُعتبر واحد من أكثر عازفي الكمان إثارةً في مطلع القرن الـ 18، والذي فهم قيمة جذب الجماهير. مثل هذه الحفلات تُبرزه كنجم عازفي الكمان. قدم آخرين الموسيقيين الشباب من بييتّا، مدرسة البندقية للبنات حيث كان فيفالدي يعمل كمديراً للموسيقى. معظم الطلاب كانوا أيتام. فالتدريب الموسيقي لم يكن فقط مهارة اجتماعية مناسبة للشابات بل أيضاً مهنةً محتملةً بالنسبة للفتيات اللاتي قد يفشلن في تحقيق زيجاتٍ جيدة.
حتى في زمن المُلحِّن نفسه، قُدمت موسيقى فيفالدي كتسلية للجميع، ليس فقط للأرستقراطيين الأثرياء. وبعد 300 عام، ما زالت هذه طريقةً ناجحة، ولا تزال موسيقى فيفالدي تبدو كهرولةِ الخيول على الطريق.
اتمنى للجميع إنصات متع
https://www.youtube.com/watch?v=g1hEszuZ4lo
https://www.youtube.com/watch?v=YnDLlajMxyo
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: