د. ضرغام الدباغ - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1497
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
المعطيات الأولى للعملية التي تمت في طهران يوم 27 / تشرين الثاني، والتي اغتيل فيها الشخصية العلمية الإيرانية محسن زادة، تؤشر ابتداء، أن الموقف السياسي / الاجتماعي في إيران سهل الاختراق، بدرجة تنفيذ عمليات ضد شخصيات مهمة، ويفلت منها الجناة. ومن المؤكد أن السلطات سوف تجري تحقيقات، وأرجح أنها سوف لن تتوصل لشيئ، لأسباب كثيرة ليس من بينها قلة إمكانات الأجهزة الأمنية وضعف التحقيق. وعلى الأرجح ستقوم السلطات بأعتقال الكثيرين، وإخضاعهم لتعذيب، وسيعترف العديد منهم أنهم الفاعلون، للتخلص من التعذيب، ويعدمون كالعادة على الملأ بواسطة الرافعات، الحكومة تقنع نفسها أنها لا تخلو من حزم، والشعب يعلم أن هؤلاء أبرياء في مسلسل رعب يتواصل منذ 41 عاماً بدون انقطاع.
ولا نريد أن نتطرق إلى العملية التي تشير المعلومات الأولية أنها عملية كبيرة، من حيث عدد الأشخاص المساهمين بها(62 شخص)، أو المنفذين الرئيسيين لها (12 شخص)، بالإضافة ل( 50 شخصا) قدموا الدعم اللوجستي للعملية.والخدمات الأستخبارية المتوفرة، دقة المراقبة والمعلومات، وهذه المعلومات تؤشر حجم العملية ودقة التخطيط، والأهم القاعدة الممتازة التي وفرت قدرات هذا العمل داخل إيران. و الاستنتاج الأرجح الذي توصلت له فور سماعي الحادث (قبل سماعي لردود الأفعال الدولية)، هو أن المخابرات الأجنبية تلعب بسهولة في إيران، ليس بسبب هذا الحادث فقط، بل لتكرار الحوادث، وامتلاك القوى الأجنبية (الولايات المتحدة / إسرائيل) المعلومات التفصيلية عن مفردات الموقف في إيران وقدرتهم على الحركة، وشن الهجمات بالطائرات، وبالتخريب، بل وأحيانا لا تعلم السلطات إن كان ذلك نتيجة قصف جوي، أو عملية تخريبية ...! وتطال هذه العمليات مواقع حساسة جداً.
بوسعي أن أتصور أسباب هذه الاختراقات الأمنية / السياسية الخطيرة ، وبالطبع لست في موضع تقديم النصيحة أو المشورة، ولكن الدولة الإيرانية من رأسها حتى أساسها منشغلة ومنهمكة بقصص وحكايات، لا طائل منها، فالبلد منذ 41 عاماً، يشتغل مع لبنان والعراق والبحرين واليمن والعراق، وأفغانستان، وأذربيجان، والباكستان، والله أعلم مع جهات ودول ومجتمعات أخرى، الدولة والمخابرات تبذل جهداً خطيراً لكسب جزائري واحد للمذهب، وهذا المحظوظ يطلع في النهاية عنصر مخابرات ...!
الدولة منهمكة لقمة رأسها بالتوسع ... حسناً التوسع سوف لن يفيدكم شيئاً، بل سيتسبب بالهزائم والتراجع في أداء الدولة، وهو سبب تذمر الناس، وتكرر الانتفاضات الشعبية العارمة ..! والتراجع في الاقتصاد، وفي العلاقات الاجتماعية، وانهيارات مقبلة منها عزوف الشباب عن الزواج، والميل الشديد للهجرة، والشباب الإيراني في الخارج، لا علاقة له بالدين، فقد تحول الدين إلى حزب سياسي للسلطة، (فلان يحكم بالصيغة الفلانية ... وهذه سياسة وليس دين ..!) التوسع بماذا وكيف ...؟ هل تملك إيران من وسائل التوسع غير إقامة حفلات البكاء واللطم والندب ..؟ أي ثقافة، أي اقتصاد، كان عندهم مغنية حسناء، (كوكوش/ وهي آذرية) هي اليوم في المهجر أي علوم ...لا شيئ من كل هذا، بل شبان مهوسون يربطون رؤوسهم بخرق خضراء أو سوداء .. يهرولون في الشوارع، يدعون للانتقام والثأر والقتل ونبش القبور وكيل اللعنات والشتائم ... أهذا الذي ينتظره الناس من التوسع ...!
لهذا كله، فالنظام الإيراني، ومثله ظلاله الباهتة من الأذناب، اليوم هي تعتاش من النهب والسرقة والتهريب، الشعوب الإيرانية تجد في الإجابة على تطلعاتها بالقمع من الحرس الثوري والبسيج وأصناف من القوى القمعية، حتى يمكن القول تماماً أن هذا النظام لن يبات ليلة واحدة لولا القمع ... بل والافراط في القمع، لهذا تتظاهر الناس، وتنتفض، وتثور، وتقيم الدولة حفلات الإعدام في الشوارع والساحات بوسائل وحشية (بواسطة الرافعات)، بهد كسر عيون الناس ... ولكن هذا النظام الذي أنهى نظام الشاه لم يستفد من تجربة نظام الشاه حين أعتمد على القوى الأمنية، وعلى زعران وسرسرية الزورخات والمدلكين والمصارعين، كذلك يعتمد اليوم نظام الملالي على سقاطة الناس من السذج والعاطلين عن العمل الذي يعتاشون من رواتب هي في القواقع رشوة وثمن استزلام لا أكثر. وكأن هذه قد أصبحت من تقاليد السياسة الإيرانية، وانتقلت إلى أذنابهم في البلدان المحيطة، لا يستطيعون الاعتماد على مثقفين والكوادر وأخيار المجتمع.
الشعب يدرك تمام الإدراك أن هذا النظام لم يحقق شيئاً بعد 41 سنة عجاف، وإذا كان ثمة شيئ يلوح في الأفق، فهو مزيد من القمع، ومزيد من الإرهاب، ومزيد من المغامرات، لهذا فهناك فراق بين الشعب والنظام، ولهذا يطوف النظام فوق بحيرة من الاختراقات، التي تقرر متى وأين وكيف توجه الضربات للنظام، لأن النظام يبحث عن مستقبله في بيروت ودمشق وبغداد واليمن ...ولكن حصاد هذه السياسة هي المزيد من الجثث والنكسات، والنظام لا يريد أن يقتنع أنهم مرفوضون، ولعبة المصالح الدولية باتت معروفة حتى التفاصيل ..!
تكتب صحيفة وول ستريت جورنا (The Wall Street Journal ) وهي صحيفة واسعة الانتشار (تبيع نحو 3 مليين نسخة يوميا) تصدر في نيويورك. الصحيفة قالت إن : اغتيال فخري زاده يعكس تغلغل الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية داخل إيران على الرغم من هوس نظام طهران باتهام المدنيين الأجانب بالتجسس. وتعكس ضعف القبضة الأمنية داخل إيران وسهولة تجنيد الجواسيس لصالح أجهزة المخابرات الأجنبية، والعمليات الاستخباراتية المتزايدة في إيران تدل على سهولة تجنيد الجواسيس لصالح أجهزة المخابرات الأجنبية، وهو ما سهله الاحتقان الداخلي المتزايد خاصة بعد قمع احتجاجات العام الماضي. ومؤشر على ضعف الأمن الداخلي وخطر حدوث اضطرابات داخلية بسبب معاناة الشعب اقتصادياً واجتماعياً وهذه كلها عوامل تزيد من صعوبة استمرار نظام طهران في دعم أذرعه العسكرية في المنطقة، وتكشف أن الهيكل العملياتي الإسرائيلي في إيران متطور للغاية، ويعتمد على معلومات دقيقة.
الأبعاد السياسية، بالإضافة للقدرات تمثل الدروس المستفادة. ولكني أستبعد أن يستفيد النظام الإيراني من جوهر الحدث وأبعاده لأن الطريق الذي يمضي فيه بعيد عن أحتمال التراجع ...!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: