د - ضرغام الدباغ - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1977
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
جرى في الآونة الأخيرة حديث كثير عن طريقة ألمانيا في مواجهة فيروس كوفيد 19 (كورونا) بحيث اضطرت دول أوربية متقدمة للاعتراف بالأسلوب المبهر للألمان، كيف حدث هذا وكيف يمكن أن تستفيد بلدان وشعوب أخرى من التجربة,,؟
ابتداء لابد من القول، أن الأسلوب الألماني لا ينحصر في مواجهة كورونا، بل أننا نوهنا في مناسبات عديدة، أن التجربة الألمانية في رفع الإنتاجية هي خلاقة، وكذلك في وضع الأسس لنظام اجتماعي متين وراسخ، وهي تجربة حملت دول عديدة ومنذ سنوات إلى الاتجاه لدراستها علمياً، فأوفدت علماء وخبراء ومختصين وشكلت فرق عمل أقامت في ألمانيا أشهراً بإشراف سفاراتها تعمل في البحث عن سر التفوق الألماني.، وكان التفوق الاقتصادي من محركات هذا البحث. لماذا ألمانيا التي سحقت مرتين في حربين عالميتين، تتفوق اقتصادياً وحتى يصير بمقدورها نجدة الاقتصاديات الأوربية المتعبة في دول صناعية مهمة، بل وصفت ألمانيا بأنها قاطرة الاقتصاد الأوربي، وأن اليورو يستمد قوته كعملة من البنك المركزي الألماني ... لماذا ..؟ لماذا الصناعة الألمانية متقدمة، لماذا كل شيئ في ألمانيا يسير كدقات ساعة مضبوطة ... وما السبب ؟
وبديهي سوف لن نسعى في هذه العجالة الإجابة على هذا السؤال الكبير المعقد، ولكن بوسعنا القول أن هذه النتيجة المبهرة هي حصيلة عوامل عديدة، موضوعية وذاتية، الموقع وحجم البلاد، والسكان، والموارد الطبيعية (سواء وفيرة أم شحيحة) ولكن على رأس العوامل الذاتية المهمة هي : الانضباط، ونظام التعليم. وعندما نقول الانضباط نعني : الدقة في التوقيتات، وفي الآجال، والكفاءة التامة في أداء الواجبات، تحديد مهمات كل فرد بدقة تامة لا لبس فيها، المحاسبة عند ارتكاب الخطأ ليس بالضرورة أن يعني ذلك إيقاع العقاب، بل دراسة الخطأ وتقويمه، الأنفاق أقل من الوردات، نهج وثقافة الاقتصاد والتوفير. والتحوط في الأيام الطيبة للأيام السيئة.
والنظام التعليمي الذي يدخل الفرد منذ بداية حياته: الحضانة، الروضة، الابتدائية والمتوسطة والثانوية، والجامعة، والدراسات العليا، أما المعاهد الفنية ابتداء من ثانويات الصناعة، إلى المعهد الفني فهذه قصة طويلة وجديرة بالدراسة لأنها السبيل الوحيد لخلق أجيال تمتلك العلم والخبرة. المجتمع الألماني يضع قيم الثقافة والقدرة والإنجازية في المقام الأول لاعتبار أي شخص، وليس قيم هوائية .
بهذا خلقوا مجتمعاً حديدياً عاملا منجزاً متقدماً، هو الأقوى والأفضل في أوربا، ومواجهة كورونا هو مؤشر على قدرة دولة ومجتمع على مواجهة الكوارث، وهذه المقدمة المختصرة هي مؤشرات ستقود إلى كفاءة الدولة وأجهزتها على مواجهة المشكلات، رغم أن كورونا وبهذا الشكل لم يكن في حسبان جهة، ولكن حسن الأداء، وسرعة الأداء، والإنجاز الممتاز قاد إلى خلق جسم طبي ممتاز واجه الأزمة بالقدرات الطبيعية وتمكن منها، وإذا كان منع دخول كورونا إلى البلاد شبه مستحيل (حدود برية مع 8 دول) وحدود بحرية مع السويد والنرويج وفنلندة على بحرين (البلطيق والشمال)، ولكن أمكن تقليص الوفيات وزيادة أعداد من يتم علاجهم ويتماثلون للشفاء.
الانضباط، تمثل بإطاعة التعليمات طوعياً بدرجة ممتازة، دون حاجة لتدخل السلطات (تقريباً)، آن الأوان لنفكر بشكل عملي وعلمي، لا تستورد مكائن وآلات وسيارت، بل نظم تفكير وعمل أولاً لكي يدير الآلة ويقود الماكنة شخص مؤهل، يقود جهازاً موديل 2020، ولكن عقل من يقوده في السادس الميلادي ....!
ألا تكفي هذه التجربة لنحكم العقول، وعقلائنا وخبرائنا ... في بلدنا المتعلمون يفسدون ويصابون بالعطب ... لقد سمعت في الأيام الأخيرة كلام يبعث على الدهشة لا أريد أن أصفها بشيئ آخر، مثقف يتحدث خرافات، طبيب يزعم أنه سياسي أصابته العدوى من الجهلة ..هذه مؤشرات كارثية ......! بهذا سوف لن تحل أي مشكلة مهما كانت تافهة. .....
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: