د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5337
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قسطنطين كفافيس أو "كونستانتينوس بترو كفافيس" (29 / نيسان أبريل 1863 - 29 / نيسان أبريل 1933) هو واحد من أعظم شعراء اليونان المعاصرين، وهو مصري يوناني. غير نمطي، انتقد المسيحية والوطنية الشوفينية.
يعبر كفافي في شعره عن التلاقي المشترك لعالمين: اليونان الكلاسيكية، والشرق الأوسط القديم، وتأسيس العالم الهلني/ الشرقي، وكان الأدب الاسكندري مهداً خصبًا لكل من الأرثوذكسية والإسلام، والسبل التي تدفع بشعوب المنطقة على اختلاف أساليبها نحو الكمال الإنساني.
بدأ الشاعر الكبير كتابة الشعر في التاسعة عشرة من عمره ونشر أول مجموعة مطبوعة من أشعاره في الواحدة والأربعون من عمره في عام 1904، وكانت تتكون من أربعة عشرة قصيدة، وفي عام 1910 نشر ثاني مجموعاته وكانت عبارة عن الأربعة عشرة قصيدة الأولى بالإضافة إلى إثنا عشرة قصيدة جديدة، ونشرت له مجلة " الحياة الجديدة " قصائد من عام 1908 حتى عام 1918 ومع مرور الوقت تجاوزت شهرته الأسكندرية ووصلت للأفاق العالمية.
كفافي كان حفيد تاجر ألماس يونانى، ووالده كان رجل أعمال وأمه من الطبقة الارستقراطية. وكان الابن التاسع بعد أخت تسمى " هيلينى " ماتت وهي صغيرة، ولأنها كانت وحيدة بناتها حاولت أمه أن تعوض خسارتها بمعاملة كفافي كبنت وتلبسه ملابس البنات وتمشط له شعره ملازمة له وقليلاً ما كانت تفارقه. ويفسر البعض بهذا كونه خجولاً ومنطوياً وقليل الاعتماد على نفسه. وكان أبواه من أسرة يونانية ثرية تعمل بالتجارة في مدينة القسطنطينية، وعمد في الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، مات أبوه عندما كان كفافي في السابعة من عمره وبعدها بسنتين أخذتْ الأم أولادها وذهبتْ إلى إنجلترا لتلحق بعائلة كفافي حيث كانوا يديرون أعمالا هناك بقيت الأم وأولادها في إنجلترا حتى بلغ كونستانتين السادسة عشرة. وقد اكتسب معرفة كبيرة بالأدب الإنجليزي (وخاصة شكسبير وبراونج وأوسكار وايلد)، وكذلك اكتسب معرفة قوية باللغة الإنجليزية والسلوك الإنجليزي حتى قيل إنه كان يتحدث اليونانية بلهجة بريطانية، كما ظل يرتدي ملابسه على الطراز الإنجليزي طول حياته. ولكنه لم يكن يجيد اللغة العربية.
نال كافافي شهادة دبلوم التجارة وعمل كسمسار وموظف. وبعد ما توفيت أمه التي كان يحبها عام 1899 توفى أكبر إخوته جورج عام 1900 وأخواته أريستيديس عام 1902 وألكسندر الذي كان أحب إخوانه إليه عام 1903 وجون عام 1923 وبول عام 1920. وفي عام 1923 أصيب كفافي بمرض سرطان الحنجرة وفقد القدرة على الكلام وقضى آخر أيامه في المستشفى اليونانى بالأسكندرية.
التحق كونستانتين كفافي لدي عودته إلى الإسكندرية عام 1879 بمدرسة تجارة. وكان مدير المدرسة كلاسيكيا متحمسا وألهم تلميذه الشاب حجبٌا عميقا للأدب الكلاسيكي والحضارة اليونانية، وفي عام 1882، وتجنبا للاضطرابات السياسية في الإسكندرية (دخول الإنجليز وضرب الإسكندرية) رحلتْ الأم مرة ثانية مع أولادها قاصدة أستامبول موطن أبيها. وبقيت الأسرة هناك ثلاث سنوات حيث واصل كونستانتين دراساته في التاريخ والحضارة البيزنطية، وتعلم أن يقرأ دانتي بالإيطالية، كما أهتم اهتماما خاصا باليونانية. وكتب أولي قصائده بالإنجليزية والفرنسية واليونانية. ثم عاد إلى الإسكندرية مع أمه عام 1885 وعاش معها حتى وفاتها عام 1899 .
عمل صحفيا لبعض الوقت كما عمل مع أخيه في بورصة الإسكندرية للأوراق المالية. وكان أخوه بيتر يساعده ماديا خلال هذه السنوات إذ أراد له أن يكرس كل وقته للكتابة. وعندما مات بيتر عام 1891 قرر كونستانتين أن يحصل على عمل دائم، وفي السنة التالية التحق موظفا كتابيا في مصلحة الريٌ التابعة لوزارة الأشغال العامة حيث ظل في هذه الوظيفة ثلاثين عاما بمرتب ضئيل. وكانت أمه تساعده ماديا حتى وفاتها.
كان لكفافي صديق أصغر منه سنا. وكان هذا الصديق مثقفا وناقدا لشعره، وكان كفافي يثق فيه ومعجبا به إلى درجة كبيرة، وقد أعطي هذا الصديق لكفافي النقود الكافية لكي يقوم برحلته الأولي إلى أثينا. وهناك قابل كفافي كتابا مرموقين ومحررين وأطلعهم على قصائده ومرة أخرى، وفي عام 1903 اصطحب كفافي أّخاه المفّضل الكسندر إلى أثينا بحثا عن علاج ألمٌ به، لكن أخاه توفي هناك، في زيارته هذه لليونان، قام الروائي اليوناني المعروف جورج اكسنوبولوس باختيار اثنتي عشرة قصيدة من شعر كفافي ونشرها، مع مقال عن أعمال كفافي، في مجلة PANATHENEUM وخلال تلك الفترة ماتت أمه وثلاثة من أشقائه.
ورغم أن كفافي لم يقدم طوال حياته مجموعة من أشعاره لكي تنشر وتباع لجمهور القراء، إلا أنه من الثابت أنه كان يكتب حوالي سبعون قصيدة في السنة ولكنه كان يمزقها كلها ماعدا أربع أو خمس قصائد كل عام.
كان كفافي يطبع أشعارهّ في طبعات خاصة يوزعها على أصدقائه. وفي 1904 نشر أول كتاب يحتوي على أربع عشرة قصيدة. وكان آنئذ في الحادية والأربعين من عمره. ولم يرسل أيٌ نسخ من قصائده للنقاد ولكن ذاع صيته في دوائر المثقفين. وفي 1910 نشر كتابه الثاني الذي ضمنه القصائد الأربع عشرة التي نشرها في الكتاب الأول إضافة إلى اثنتي عشرة قصيدة أخرى ولم ينشر أيٌ مجموعات بعد ذلك.
في نفس الوقت، وفي عام 1908، استأجر كفافي منزلا في 10 شارع لبسيوس، الذي يعرف الآن باسم شارع شرم الشيخ في حي العطارين، وعاش وحيدا في هذا المنزل حتى وفاته. على أي حال فقد كان محظوظا إذ ارتبط خلال هذه السنين بعلاقة واحدة دائمة مع الكسندر سينوبولوس الذي كان بمثابة وريث له ومسئول عن أعماله الأدبية لمدة عشر سنوات قبل وفاته.
وأثناء الحرب العالمية الأولي قابل كفافي إي. إم. فورستر، الذي كان في ذلك الوقت متطوعا في الصليب الأحمر ومقيما بالإسكندرية، وكان فورستر في تلك الفترة يكتب روايته الشهيرة "الطريق إلى الهند" في نفس الفترة التي كان يكتب فيها كتابه عن "الإسكندرية: تاريخ ودليل للمدينة" صار كفافي وفورستر صديقين مدي الحياة. وعندما عاد فورستر إلى إنجلترا، فيما بعد، أطلع كلا من أرنولد توينبي (المؤرخ البريطاني الشهير) ود. هـ لورنس الروائي المعروف والشاعر ت. س اليوت، ضمن آخرين، أطلعهم، على قصائد كفافي، وقام اليوت بنشر قصيدة "إيثاكا' وفي هذه الأثناء كان مترجمين ممتازين يقومون بترجمة قصائده إلى الإيطالية والفرنسية والإنجليزية.
بعد تقاعده عن العمل في وزارة الأشغال العمومية سنة 1922 كان كفافي يقضي وقته في القراءة والكتابة في منزله، وفي المساء كان يذهب ليجلس مع أصدقائه من المثقفين في مقهاهم المفضل " التريانون " و" أدونيس " أحد هؤلاء الأصدقاء كتب أن كفافي كان يقول: أنا شاعر، مؤرخ.. أحس بداخلي أصواتا تقول لي أن بامكاني كتابة التاريخ ولكن ليس لدي الوقت الكافي، وكتب بعض أصدقائه أنه بينما كان ينظر من نافذة بيته قال: أي مكان أجمل من هذا يمكن أن أستقر فيه، وسط مراكز الوجود هذه: مبغي، وكنيسة للغفران، ومستشفي يموت المرء فيه
وفي يونيو 1932 مرض كفافي، وشخص الأطباء مرضه على أنه سرطان في الحنجرة. وأقنعه صديقه المقرب سينوبولوس وأخته ريكا بالذهاب إلى أثينا في يوليو من نفس العام، وهناك أجريت له جراحة ناجحة، ولكنه فقد صوته. وفي أوائل 1933 انتكست حالته ونقل إلى المستشفي اليوناني بالإسكندرية حيث أمضي الشهور الأخيرة من حياته. وقد كتب بعض المقربين منه انه قبل أيام قليلة من وفاته، وكان قد رفض غاضباً، " تناول" (الخبز المقدس والشراب) حسب العقيدة الأرثوذكسية لكنه كان يشعر في نفس الوقت بوخز الضمير، وقيل أيضا أنه، وهو في لحظات الموت، في 29 ابريل 1933، رسم دائرة على قطعة ورق بيضاء ووضع نقطة في وسطها. وتوفي وهو في السبعين من عمره.
دفن ك. ب. كفافي في مقبرة الأسرة في مدافن اليونانيين بالإسكندرية. وبفضل الجهد المتواصل الذي قام به الشاعر اليوناني كوستيس موسكون، ضمن نشاط المؤسسة الهيلينية، مع آخرين من محبي شعر كفافي ومؤسسات ثقافية يونانية أخرى، تم تجديد البيت الذي عاش فيه كفافي 10 شارع شرم الشيخ، لسبوس سابقا وصار المنزل متحفا ومكتبة تخليدا لذكري كفافي. وتحول المسكن الذي سكنه كفافي آخر سنوات عمره في الأسكندرية إلى متحف، ويهتم الناقدون ومؤرخوا الأدب بأعمال كفافي على أنه أحد الأدباء الكبار في كل العصور، وتتميز أعماله بالعمق الفلسفي والثقافي، ويشتهر بين أوساط المثقفين.
أخترنا من بين قصائد كفافي الجميلة الكثيرة، إثنان من أروع ما كتب(بتقديرنا) الأولى : الرحلة إلى إيثاكا، والثانية هي عودة البرابرة
قراءة ممتعة
ضرغام الدباغ
----------------
في العودة إلى إيثاكا (*)
قسطنطين كفافي
1.
حين تسمع فجأة .. في منتصف الليل ..
فرقةً غير مرئية ..
بموسيقى مدهشة .. وأصوات ..
حظّك يتعثر الآن .. أعمالك التي أخفقت .. وخطط العمر كلها غدت أوهاماً
لا تبتأس بلا جدوى ..
بل كن مثل من استعد لها منذ زمن ... وقل لها بكل شجاعة
وداعاً .. لإيثاكا التي تغادر ..
والأهم ألا تخدع ..
لا تقل أبداً أن لأمر كله كان حلماً .,. وأنّ حججك قد أخطأُت..
لا تنحني أمام أوهام فارغة كهذه..
بل ... كن مثل من استعد لها منذ زمن ..
بشجاعة من غدا جديراً، مثلك، بمدينة كهذه ..
كإيثاكا
إقترب بثبات من النافذة ..
وأنصت منفعلاً، لكن بغير شكوى الجبناء وتوسلاتهم
أنصت إلى متعتك الأخيرة ..
إلى الأصوات ..
إلى الآلآت المدهشة للفرقة الغامضة ..
وقل وداعاً ..
وداعاً لإيثاكا التي تفقدها .......
*************************
2.
عندما تبدأ رحلتك إلى إيثاكا
تمنّ أن يكون الطريق طويلا ..
مليئا بالمغامرات والأحداث المثيرة...
لتكن الرحلة فرصة لإشباع شغفك بالمعرفة...
لا تخف من الغيلان والمردة آكلي لحوم البشر
الذين يظهرون في العتمة، أو تلك المخلوقات ذات العين الواحدة ...المفتوحة في انتظار الفرصة.
واجه بلا خوف غضب بوسيدون (**) وبحاره المتقلبة...
أنك لن تقابل هذه الأشياء التافهة في رحلتك إذا ما أبقيت رؤيتك ثابتة نحو الأفق الذي تريد..
إذا ما بقيت روحك على شهامتها ...
سوف لن تقابل هذه الغيلان آكلة لحوم البشر، ذات العين الواحدة
ولن تعاني من تقلبات بوسيدون إذا تخليت عن كل هذه المخاوف معك، الكامنة في أعماق نفسك ...
لن تقابل هذه الأشياء ما لم تستحضرها روحك أمام عينيك...
*****************
3.
تمنّ أن تكون رحلتك طويلة
وأن تكون صباحات الصيف تمتد لسنين طويلة
فتبحر إلى مرافيء لم تحلم بها، ولم ترها من قبل
ستبحر إليها في فرح وسلام ويقين هاديء
تجوّل في كل أسواق فينيقيا التي تقابلها واشتر من الأشياء كل ما قد تحتاج إليه : من الصدف والمرجان واللآليء الجميلة والعطور التي تمتع حواسنا...
للمعرفة والتعلم
إلى الأسواق الليبية، حيث السلع الجميلة
تعلم قدر ما تستطيع ....... توقف في كل مدينة وتحدث مع كل من له معرفة .........
ليتسع خيالك وينمو شغفك بالعلم...
لتكن إيثاكا ماثلة دائما في ذهنك..
والوصول إليها هو هدفك النهائي
ولكن لا تتعجل في رحلتك بأي حال...
الأفضل أن يدوم السفر سنين طويلة
ألق بمراسيك عند الجزر الصغيرة
عندما تكون شيخاً ..... سعيداً بالثروة التي جمعتها أثناء رحلتك
لا تتوقع أن تعطيك إيثاكا أي شيء
إيثاكا أعطتك الرحلة
وبدونها ما كنت بدأت
وليس لديها شيء آخر لتعطيك...
واذا وجدت إيثاكا فقيرة ومعوزة
فهي لم تخدعك...
فمن الحكمة التي اكتسبتها ....
والمعرفة التي حصلتها ....
والخبرة التي صارت جزءا منك .....
* إيثاكا : مدينة الحكمة
** بوسيدون : إله البحر والعواصف في الأدب الإغريقي
بأنتظار البرابرة
قسطنطين كفافي
بتصرف : د. ضرغام الدباغ
لماذا نحن هنا في الساحة الكبرى محتشدون،
ولأيِّ شيء منتظرون ؟
لأن البرابرة اليوم قادمون ....
لماذا لم يعملوا أي شيئ في مجلس الشيوخ ؟
لماذا يجلس الشيوخ هناك ... ولكنهم ولا يَسنّونَ القوانين؟
وينتظرون
البرابرة هنا هذا اليوم قادمون.
أيَّ قانون سيشرِّع اليوم الشيوخ ؟
فالقوانين ستشرع عندما يأتي البرابرة
لماذا استيقظ إمبراطورنا مبكراً هذا اليوم
عند البوابة الرئيسة للمدينة
يجلس على عرشه وتاجه على رأسه؟
لأن البرابرة اليوم قادمون
والقيصر بنفسه ينتظـر ليرحِّب بزعيمهم
ليمنحه شهادات كثيرة وألقاب شتّى.
لماذا خرج كبرائنا وقادتنا اليوم
بثيابهم الحمر الفضفاضة المزركشة الموشاة ؟
لماذا لبسوا أساورَ مرصعةً بأحجار كريمة
وخواتم تشع ببريق الزمرّد ؟
لماذا يحملون بفرح عِصِيّـهم الثمينةَ المرصّعةَ
بأشكالٍ من ذهب وفضة؟
لأنّ البرابرة سيأتون اليوم
ومثلُ هذه الأشياء ستخلب ألبابَهم
لماذا لا يأتي أفضل خطباؤنا كعادتهم
ليلقوا خطبهم المألوغة ؟
ولـيَـقولـوا ما يجب أن يقـال ؟
لأنّ البرابرة سيصلون اليوم
وهم يسأمون الخطب المملة
ولكن ....
لماذا بدا الاضطراب والضجر الآن على الجميع
ولمَ هم مضطربون ؟
والجدية تعلو وجوههم، متجهمين ؟
ولماذا بهذه السرعة خلت مهم الشوارع والساحات
والكل ذهب إلى بيته مهموماً
لأنّ الليل أتى ، ولم يأت البرابرة
ولأنّ
بعضَ الجنود جاء من الحدود
وأعلنوا أن لا برابرة بعد اليوم سيأتون
والآن، ما الذي سيحدث لنا من دون البرابرة ؟
فهؤلاء البرابرة كانوا حلاً من الحلول
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: