د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4762
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
آخر ما يخطر على البال، هو أن يقترح العراق دستوراً أو أفكار دستورية. وقبل أن نكون في معرض توجيه النقد للتجربة الدستورية العراقية، نقول أن في العراق نخبة من أساتذة القانون الدستوري اللامعين، ولكن الدستور العراقي الحالي والجاري العمل فيه، وضع من قبل خبراء أجانب، هم من دولة الاحتلال، ومن نافلة الكلام القول أنها لم تراعي مصالح العراق الجوهرية، بل هو دستور يدع الأبواب والنوافذ مشرعة على مصراعيها للخلاف والاختلاف، بل الصراع والاقتتال ربما.
دول الربيع العربي انتفضت على دول طغيان وديكتاتورية، وهي ماضية في طريقها لتأسيس دول ديمقراطية على هدى من مبادئ وطنية وقومية وإسلامية، وفي مشروع الدستور المصري الذي يدور النقاش حوله الآن، خير دليل على مبادئه الأساسية الضامنة لوحدته الوطنية وفي التأكيد على هويته العربية والإسلامية، وعلى التوجهات الديمقراطية الضامنة لحقوق كل البشر والمواطنين ممن يعيشون على أرضها.
الدساتير العربية، في السابق كانت تحمل بصمات الموقف السياسي، وحجم الضغوط الخارجية، فهي على الأغلب كانت دساتير حلت في عصر ما بعد الاستعمار المباشر أو غير المباشر. وفي حالة الدستور العراقي الحالي، وتلك معلومة معروفة للقاصي والداني، أن خبراء أمريكان وضعوه بكامله، وتعمدوا أن يدسوا عدد من الألغام القابلة للانفجار لدى أول إشكالية، بل وضمنوه مواد يمكن أن تقبل بانشطار العراق المتحد طوال تاريخه القديم والوسيط والحديث، إلى عدة أجزاء، ومن ذلك أن كل محافظة لها الحق في أن تحكم نفسها بنفسها، ثم دقوا في الدستور مسامير صدئة يمكن أن تسمم جسم الدولة، فلا يعرف لها رأس أو أساس. وأبرز دليل على ما نقول، الإشكالية الحالية القائمة بين الإقليم الكردي والمركز، والخلاف حول الصلاحيات الدستورية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، والأدهى من ذلك كله، الوضع القلق لعدد من المحافظات العراقية.
إن إشكالية الدساتير في العالم وفي العالم العربي بصفة خاصة، نابعة من تأثيرات الهيمنة الاجنبية، وما يحاك ضد الأقطار العربية من مؤامرات سرية وعلنية، وغير ذلك من ميل شرقي تاريخي للسطوة والهيمنة، وما يؤدي ذلك من نتيجة حتمية وهي قيام أنظمة طغيانية، لا تقيم وزناً كبيراً للدساتير التي ينبغي أن تمثل في واقع الحال عقداً بين الشعب ومن يتولى حكمه، وهناك مقاييس دقيقة لمراقبة أي إخلال بالدستور، لا بل حتى بروح الدستور وكل تفسير له.
الدستور العراقي الحالي يوفر فرص الخلاف والنزاع، وهو لا يضمن وحدة البلاد، وبالتالي فإن كل عملية سياسية والخطط الاقتصادية هي مصابه بشلل حقيقي، ما لم نقل أن الدستور يعطلها، والدستور يقسم المجتمع العراقي عرقياً وطائفياً ودينياً وينال التقسيمك والتشطير كامل خريطة الوطن من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه.
الدستور العراقي الحالي وضع أساساً ليحول دون قيام دولة عراقية تسيطر على أرجائها، وتضمن الوحدة الوطنية، فهو يدعو للتقسيم إلى كيانات على أساس العرق والطائفة، وهي أهداف المحتلين وحلفاءهم.
الدستور العراقي الحالي هو عقبة كأداء في سبيل قيام عراق متحرر ونظام ديمقراطي يتم فيه تداول السلطة بشكل سلمي، والأغرب من ذلك أن يقترح العراق على الآخرين أن يهدموا أوطانهم بأيديهم ليتأسوا بالدستور العراقي بعد أن ذاع شأنه وأمره في التجربة والبرهان
يالها من نصيحة ودعوة تستحق أن نردد معها المثل: في الاعتبار غنى عن الاختبار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة تلفازية بتاريخ 5 / كانون الأول / 2012
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: