د. شاكر الحوكي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7112
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
رأيان لا ثالث لهما يلخصان موقف بعض التونسيين المساند "للأسد" : رأي أول يقوده مرتزقة الخطب العصماء الفارغة (بأي معنى يجمع البعض ولائهم للتجمع في حلته السبسية اليوم و النوفمبرية بالأمس و بين صدام و بشار الأسد– جريدتي الشروق و الصريح نموذجا) و رعايا الأدبيات القومية المتهالكة و بقايا حزب البعث و الناصريين و نفر من اليسار الانتهازي و ربما طائفة من أصحاب الصدق و الإخلاص.( ورحم الله ساطع الحصري و ميشال عفلق و غيرهما من منظري الفكر القومي، نريدهم أعلاما للحرية و الديمقراطية و هم يريدونهم مرجعا في تأسيس الإجرام و الاستبداد) . و النتيجة سؤال بلا جواب متى يتخلص الفكر القومي من دمويته؟
و رأي ثان يقوده بقايا التجمع و أشباح البورقيبية المزيفة (ماذا سيكون موقف بورقيبة لو كان حيا) و رواد الملاهي و السذج من القوم و كل من اختصر السياسة و الوجدان في مناهضة النهضة . (باي معنى تتحول النهضة الى معيار نضبط على أساسه مواقفنا و ثوابتنا الإنسانية)؟
مرتكزات أصحاب الرأي الأول تقوم على قراءات إستراتجية و حسابات سياسية . وهو رأي لا يخلو من وجاهة خصوصا عندما يرسم إيقاعه محمد حسنين هيكل . فسقوط نظام الأسد هو ضرب لجبهة الممانعة في المنطقة و استهداف لحزب الله في حروب الخطابة و الوكالة التي يقودها نيابة عن الأمة، و النتيجة تمهيد الطريق للعدوان على إيران. (أهلا وسهلا . منذ متى أنبرى التيار القومي مدافعا على الفرس و المجوس؟).
أما مرتكزات الموقف الثاني فهو اقل مفارقة و أكثر انسجاما. انه يقوم على أساس الخوف من إن انهيار نظام الأسد سيمهد الطريق لا محال إلى صعود التيار الإسلامي و هو ما يعني سقوط الجبهة الشرقية برمتها في قبضة الإخوان المسلمين. ضربة قاسمة لكل الآمال القائمة على استرجاع الحكم في تونس من قبضة النهضة على اعتبار أن وصولها إلى السلطة لم يكن إلا غمامة صيف عابرة و زلة سياسية مؤقتة.
بين هذا الموقف و ذاك يقف الشعب التونسي (سوف أتجرأ هنا للحديث باسم الشعب التونسي) مندهشا للوهلة الأولى، و لكن سرعان ما يعثر على طريقه نحو الصواب.
دهشة مرّ بها "الشعب التونسي" أثناء تصاعد الدعوات إلى إسقاط حكم مبارك . ففي البدء كان مترددا في حسم موقفه. فسقوط النظام المصري قد يقحم المنطقة العربية كلها في المجهول و ربّما كان نظام مبارك ذلك الشر الذي لابد منه و السبيل الأسلم لحفظ البلاد و العباد. و المنطقة تقوم على أرضية هشة قد لا تتحمل هذا النوع من المغامرات. فمصر ليست تونس. و لكن عندما انتشرت صور البوليس المصري و هو يستهدف الشباب بصدور عارية، كان كل الشعب التونسي تقريبا في صف الشعب المصري غير عابئا بكل إنذارات التحذير التي كانت تعوق صباحا مساءا منبهة من مخاطر زوال النظام المصري على الأمن و السلم الدوليين.
و عندما بدأ تمرد الشعب الليبي على العقيد معمر القذافي – (حينذاك كان هناك قسم من النخب المشبوهة في بلادنا في مقدمة المناصرين للثورة هناك بوصفه نظاما قومجيا و رجعيا – سفيان بن حميدة –قناة نسمة نموذجا- هي اليوم تصف الشعب الليبي "بجرذان الناتو" و هي تقف من النظام السوري موقف المدافع الشرس ، فسبحان مقلب القلوب و الأحوال)- عادت ملامح الدهشة على وجوه التونسيين ، فعلاقة ألقذافي بالشعب التونسي علاقة معقدة فيها ما فيها من مساحات الحب و المودة، و لكن عندما عزم العقيد على إخماد تمرد شعبه بالقوة مستعينا في ذلك بكل آلته الحربية ، وانتشرت رائحة الموت في كل مكان، انحاز الشعب التونسي إلى صف الشعب الليبي و لم يحتفظ في ذاكرته من صور العقيد إلا بصورة المهرج المشرد في سيرك السياسة الدولية.
عندئذ لم يكن في وارد الشعب التونسي أن ينتفض الشعب السوري على قيادته، فسوريا العروبة و الممانعة محصّنة من العبث. و هذه الانتفاضات إنما مقدمة (بوجه من الوجوه) لتحرير فلسطين، و نظام الأسد هو مقدمة المقدمات فلماذا التكرد و الانتفاضة الانتفاضة و التمرد عليه؟( و هذا ما تصوره النظام السوري في البداية و حاول أن يروج له، لولا أن أحداث التاريخ كانت تحتفظ بمنطقها الخاص على رأي هيقل،المعلـّم الأول في الفلسفة التاريخية إذا ما استثنينا ابن خلدون).
و لكن الشعب السوري كان له رأي آخر. و عندما بدأت ارض الشام تصطبغ بالألوان الحمراء و بات صراخ الثكالى يدوي في كل مكان، أدرك مجددا الشعب التونسي موقعه و مكانه الصحيح. فلا مجال بعد اليوم لارتهان حرية الشعوب لحسابات دولية وهمية . و ليس ذلك صدفة . فالشعب الذي انتفض على الرئيس السابق بن علي، لم ينتقض عليه إلا حميّة على مقتل شاب بريء يطلب لقمة العيش(صورة البوعزيزي كما راجت في البداية). و لعمري فان هذا هو الدرس الأهم الذي قدمه الشعب التونسي لنفسه و للعالم و يعجز الكثيرون عن تلقف الدرس : تنتهي شرعية الأنظمة متى التجأت إلى القتل. فسبحان واهب العقول و معميها .
د. شاكر الحوكي
استاذ بكلية الحقوق بسوسة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: