البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تأملات في واقع المجتمع التونسي اليوم

كاتب المقال شاكر الحوكي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6831 houkic@yahoo.fr


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


هناك خلل ما في مجتمعنا يجب أن نعترف به و إلا كيف نفسـّر هذا الحنين الجارف إلى تمثل ما يمكن و صفه بالنمط النبوي للحياة اليومية ؟ هل هو فعلا محاولة للوفاء لنموذج المرحلة النبوية، أم هي الحرية المكبوتة التي تفتقت بعد سنين من القمع و الاستبداد، أم هو تأثير صعود التيارات الإسلامية على الساحة العامة ؟.

كيف نفسّر حرص البعض على إطلاق اللحية أو ارتداء النقاب رغم كل شيء و إلقاء الوعظ و الإرشاد في كل مناسبة و غير مناسبة ، و هذا التعصب المتخفي الذي ما فتئ يكشف عن قبحه، و نحن نعرف أن القرآن الكريم أعظم من كل هذا.
فلماذا إذن كل هذه المظاهر المستفزة في شوارعنا و سلوكياتنا.؟

هناك مشكل يجب أن نعترف به لعلّه يعود أساسا إلى النظام الإعلامي و التربوي لنظام بورقيبة و بن علي الذي لم يعلـّم الناس و يدرسهم الإسلام بشكل علمي و صحيح بعيدا عن التناول التربوي، و عمل لعقود على ترويج خطاب ديني متخلـّف و لم يقدم شيء يذكر على مستوى التربية الروحية. و ما انتشار الحقد و الكره و التعصب و التذمر لدى مختلف الشرائح الاجتماعية و على جميع المستويات إلا دليلا على أن الجوانب الروحية فينا مهتزة و مهزوزة. نحن لم نعد نبالي حتى بالموت !.

يجب أن نعترف أيضا إن صراعا خفيا يدور رحاه اليوم بين فئات عديدة من المجتمع يبدو في ظاهره و كأنه صراع بين قيم الحداثة و قيم الظلامية و في باطنه حرب يخوضها البعض ضد ما يعتبرونه استخفاف و استهتار و استغفال و استفزاز و ابتزاز و تعالي و حتى وصاية. ليس سهلا على امرأة أن تتنكـّر لجسدها و تخفي وجهها خلف السواد، لولا ما يحفزها من دوافع قوية و الرغبة في توجيه رسالة ما إلى مجتمع اخرس لعلّ مضمونها التالي: إفعل ما يَستفزّني، أفعلُ ما يَستفزُّك. هنا نبدأ بالعثور على ما يمكن وصفه بجواب جدي على سؤال يفترض فيه الجدية و حسن النية.

لا يطرح الإشكال بين أفراد المجتمع في ما بينهم و حسب، و لكن بين المجتمع و الدولة أيضا، إذ من الواضح أن الجمهور يعيش حالة اغتراب في علاقته بالدولة وهو يعمل ضدها كأنه يحاول الثأر منها. لا يجب أن نستخف بالأمر عندما نرى بعض الشباب يمزقون اللافتات العمومية، و بعض الناس يستولون على الرصيف و آن مستعملي الطريق لا يحترمون إشارات المرور و كلّ يتعامل مع الدولة على أنها غنيمة يحلّ له الاستيلاء على كل ما يعود اليها.

في هذا المستوى ليس هناك فرق بين من يحاول أن يستولي على قطعة ارض أو رصيف و بين من يحاول أن يمارس الوصاية على غيره.

إن تصرفات ما بات يطلق عليهم بالإسلاميين لا يمكن فهمها ألا في هذا المستوى الأعم الذي يتميز بالانفلات، غير أن كل واحد يمارس نشوزه و بداوته على طريقته الخاصة. و عوضا أن نذهب بعيدا في نسج تخوفاتنا و تغذية تكهناتنا، يستحسن بنا أن نواجه الأمور بوضوح، و نعالجها بشجاعة و نتحدث مع هؤلاء الناس حتى نعرف ما يدور في رؤوسهم.

نعم نحن في حاجة إلى الخطاب الإسلامي لنراجع مفاهيمنا حول السعادة و ندرك أن فوز فريق في كرة القدم ليس غاية السعادة، و إن تضييع الوقت في المقاهي هو إسراف و تبذير في حق أنفسنا و حق المجتمع ، و إن العمل عبادة و التعلّم واجب و احترام الآخرين ضروري و أن النظافة نظافة القلب و اللسان، و حتى نعلـّم أنفسنا قيم الإيثار و الإخلاص و الإيمان ، و ندفع عن أنفسنا قيم الأنانية و الركاكة و البلادة و الثرثرة و الغش و الكذب و الزور و التكلـّف و التصنّع و الابتذال و الفساد....و نتمثـّل معاناة الناس في كل مكان من فلسطين إلى الصومال. لا شيء يبرر سرورنا بالحياة و فيها من يعاني مرارة الحياة.

نحن في حاجة فعلا إلى الإسلاميين في تونس لإحياء تلك القيم من جديد و إعطاءها المصداقية التي تستحق، و نحن ننظر بسرور إلى عودة الإيمان إلى قلوب الناس في هذا الشهر المبارك و حرصهم على تقوى الله.

و سوف نسـّر أكثر عندما يسود في مجتمعنا قيم الإخاء و النبل و التعاون و الحب و التفهم و التضحية. هل يجب أن نبلغ مشارف الموت حتى نشعر بالحاجة أن نقول ما قاله جابرييل جارثيا ماركيز في رسالته الأخيرة إلى أحبته و أصدقائه مودعا الحياة؟ أو نشاهد أكثر من مرة فيلم "قارورة في البحر" آو "رسالة في قارورة" حسب النسخة الأمريكية الأصلية للمخرج "لوي موندوكي" و بطولة "كيفين كوسنير" لندرك ما معنى الحياة.

أما أن يتحول التمظهر الإسلامي إلى مجرد تصرفات شكلية فهذا لن يكون إلا تقزيما للنموذج التربوي الإسلامي و اختزال مؤذي و غير مفيد.

إن أزمة الفقه الإسلامي و التي على أساسها خاض المتصوفون الأوائل معركتهم الرئيسية و الحاسمة، كانت ضد الفقهاء بسبب تركيزهم المفرط على الشكليات و المظاهر، و الحال إن الإسلام قيم روحية نبيلة أولا و قبل كل شيء، الإسلام هو التسليم و ليس الاستسلام، هو السلام و ليس الاعتداء، هو الجمال و ليس القبح، هو الاحترام و ليس الاستهتار، هو السمّو و ليس الدنوّ، هو الأخلاق الفاضلة و ليس الرذيلة ، و حسن الظن بالناس و ليس سوء الظن بهم.

أن نتمثل الأخلاق النبوية هو أن نكفّ عن إيذاء الناس، و نكفّ عن الابتزاز و البهتان و الاحتقار و التعالي و الزور، وان نلتزم الصمت و نتأمل في ملكوت الكون على أنغام أمواج البحر و رياح الخريف و تساقط الأمطار و روائح الأشجار و الأزهار و رائحة الأرض، و أن نحدّق في الشروق و الغروب و القمر و الشمس و النجوم. لم يكن الربّ ليقسم عبثا بالقمر و الشمس و النجوم و الشفق و الغسق.

أيها المسلمون أيها الإسلاميون أيها المتاسلمون و كل من يدعي الإسلام ، أن تكون مسلما هو أن تتأمّل فتتأمّل و تأمل، و أن تتذكـّر دائما إن في الصدور قلب ينبض يمكن أن يتوقف في أي لحظة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، المجتمع التونسي، الأسلمة، سلوك التونسي، الملتزمون، الشباب الإسلامي، سلوك الشباب الإسلامي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 8-08-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  ألغاز "القصر" وفضائح "القصبة" لماذا لم يتم نشر قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في الرائد الرسمي؟
  رسالة مفتوحة للرئيس السابق زين العابدين بن علي (*)
  و هذا نداء تونس
  الرد المفحم عن السؤال المبهم : هل تنتهي شرعية المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر ؟
  مسودة الدستور: بين مكامن النقصان و تحقيق شروط الإتقان
  تونس و سوريا: الشعب و النخب و الطاغية الأسد
  في ذكرى وفاته: درويش، ذاك... الأنا
  تأملات في واقع المجتمع التونسي اليوم
  الدولة، النخب و التحديات: قراءة في الماضي و الحاضر و المستقبل
  "العهد الجمهوري" في تونس : ماهو فعلي و ما هو مفتعل
  نظرية التحول الديمقراطي و مصير النخب السياسية
  النظام السياسي في تونس على مفترق الطرق، و سوء الفهم سيد الموقف
  تونس و الثورة: من في خدمة من ؟
  العلمانيون في تونس : بين التخبط و الانتهازية
  عندما تصبح "الجزيرة" في مرمى "حنبعل": تطمس الحقائق و تحل الأكاذيب
  الشعوب العربية مدانة أيضا
  غزة و العرب و الدروس المستخلصة: من قمة الدوحة إلى قمة الكويت
  القول الفصل في ما بين اختيار إسرائيل للحرب أو الفرض
  السعودية و الغرب و حوار الأديان: من لا يملك إلى من لا يحتاج
  الخمار و الدخان في تونس: بين استحقاقات التدين و ضرورات الحداثة
  الدراما في تونس من الواقعية إلى الوقيعة
  لا حلّ في "شوفلّي حلّ"
  "إسرائيل" و "الفريب" في تونس

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فهمي شراب، محمد أحمد عزوز، محمد يحي، حسن الطرابلسي، صالح النعامي ، أحمد بوادي، د- جابر قميحة، علي الكاش، د. أحمد بشير، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد اسعد بيوض التميمي، د - مصطفى فهمي، أنس الشابي، يحيي البوليني، محمود فاروق سيد شعبان، د. عادل محمد عايش الأسطل، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، علي عبد العال، مجدى داود، عراق المطيري، منجي باكير، د. صلاح عودة الله ، فتحي العابد، رشيد السيد أحمد، د. أحمد محمد سليمان، المولدي الفرجاني، أ.د. مصطفى رجب، د. عبد الآله المالكي، وائل بنجدو، إيمى الأشقر، د- هاني ابوالفتوح، محمد الطرابلسي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د.محمد فتحي عبد العال، مراد قميزة، سامح لطف الله، د - الضاوي خوالدية، صلاح المختار، عمر غازي، أحمد الحباسي، أشرف إبراهيم حجاج، العادل السمعلي، عبد الرزاق قيراط ، رضا الدبّابي، د - المنجي الكعبي، محمد شمام ، الهيثم زعفان، رمضان حينوني، محمود طرشوبي، إسراء أبو رمان، أحمد ملحم، صباح الموسوي ، تونسي، سلوى المغربي، د. خالد الطراولي ، محمد الياسين، سعود السبعاني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سفيان عبد الكافي، عبد الله زيدان، ماهر عدنان قنديل، فتحـي قاره بيبـان، أحمد النعيمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، يزيد بن الحسين، محمد عمر غرس الله، عزيز العرباوي، خالد الجاف ، حميدة الطيلوش، حاتم الصولي، نادية سعد، إياد محمود حسين ، د. مصطفى يوسف اللداوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - عادل رضا، كريم السليتي، كريم فارق، الناصر الرقيق، د. طارق عبد الحليم، رافد العزاوي، سليمان أحمد أبو ستة، صفاء العربي، رافع القارصي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمود سلطان، فوزي مسعود ، طلال قسومي، سيد السباعي، مصطفى منيغ، الهادي المثلوثي، د- محمود علي عريقات، أبو سمية، محرر "بوابتي"، ضحى عبد الرحمن، صلاح الحريري، عمار غيلوفي، صفاء العراقي، عبد الغني مزوز، سامر أبو رمان ، حسن عثمان، عبد الله الفقير، مصطفي زهران، ياسين أحمد، خبَّاب بن مروان الحمد، جاسم الرصيف، د - صالح المازقي، محمد العيادي، سلام الشماع، د - محمد بن موسى الشريف ، عواطف منصور، فتحي الزغل، د - شاكر الحوكي ، د- محمد رحال، د - محمد بنيعيش،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة