شاكر الحوكي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9893 houkic@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عندما يطلع علينا "حفنة" من المعارضين في كل بلد عربي يلحّون على ضرورة تغيير أنظمتهم، تراهم كالغرباء ينظر إليهم نظرة ريبة أو شبهة، فلا احد يساعدهم أو يتنصر لهم، و سرعان ما يحسبون من قبل أجهزة الدولة و إعلامها الرسمي و حتى غير الرسمي، على أنهم طابور خامس و عملاء و مرتزقة للغرب .
و ما تلبث أن تتحول الديمقراطية إلى كفر، و حقوق الإنسان إلى هرطقة، و يطلّ علينا مشايخ الإفتاء يذكروننا بواجب الطاعة للإمام، و ضرورة نبذ الفرقة و الاختلاف، و الوقوف صف و احد وراء "الزعيم" محذرين الجمهور أن من يخرج عن الجماعة مات ميتة الجاهلية. و يطلّ المثقف متسائلا، عن حاجتنا إلى الديمقراطية أو إلى المعارضة أو التداول السلمي للسلطة مشددا على أن تركيز الدولة و جهودها يجب أن ينصب نحو التنمية و الاستقرار و تحسين الظروف المعيشية، مكرسا بذلك واقعا جديدا من العلاقات بين الحاكم و المحكوم يقوم على الرشوة و الابتزاز- بمعنى أن يلتزم المواطن الصمت في مقابل أن يأكل عيش كما يقول المصري- و هو ما يورطه ايضا في وظيفة الفقيه القديمة الذي لا هم له سوى تبرير الواقع.
و النتيجة هو قمع كل بذرة تغيير أو تمرد في نفس المواطن العربي و الحكم عليه بالجمود و اللامبالاة، بحيث تنحصر مطالبه في الخبز و الآمان.
و بين مثقفي الدولة و شيوخها يغمرك اللامعنى من كل مكان و ترتسم أمامك سياسة كاملة متكاملة كالمؤامرة أو تكون، يشارك فيها الإعلام و الصحافة و أجهزة الدولة و العاطلين عن العمل و كل من هبّ و دبّ من اجل تكريس الاهتمام الرياضي على مدار الأسبوع إلى حد التخمة، و الاهتمام الفني على مدار السنة إلى حد التخمر، بحيث تحوّل الجميع إلى رقاصين و راقصات، و كل واحد فينا يقوم ما بوسعه للمشاركة في اللعبة .
و عندما تقوم إسرائيل بالاعتداء على غزة فجأة، ينتفض الواحد منا فجأة ، و ترى القوم يتنادون بعضهم إلى بعض في ذعر مما يحصل و حيرة مما يجري و عبثا يلجأ إلى حكومته يحاول نصرة أخيه في فلسطين و لكن لا مجيب. يتدافع مع المتدافعين أمام السفرات و المنظمات الدولية، فيصدهم البوليس و غير البوليس بقوة، و بعد محاولة أولى و ثانية يرتدّ عائدا إلى بيته متحسرا مقهورا لا يفهم ماذا يجري، متناسيا أن تلك الحكومات ما كان لها أن تستمرّ لولا صمته الرهيب و تقاعسه عن المطالبة بالتغيير.
و أثناء تراجع الجمهور يتقدم من يدعو إلى الجهاد، فتنقل المعركة من بعدها الدولي إلى البعد المحليّ لتصبح المعركة بين السلطة و"الإرهابيين" ، و سرعان ما تتغير خريطة التحالفات الداخلية ؛ فترى الليبرالي و الحقوقي و رجل الأعمال و الإعلامي و الموظف و الفنان مصطفا إلى جانب السلطة في محاولة للتصدّي "للعدو الداخلي" أو فرصة للتصالح معها عن خصومات سابقة .
أما الجمهور المسكين الذي وجد نفسه عاجزا في وقت سابقا عن التحرك، يجد نفسه مصطفا بوعي منه أو دون وعي إلى جانب "الإرهابيين" يدعو لهم بالنصرة و ينتظر منهم الخلاص.
و يفرح عندما تسقط طائرة أمريكية هنا أو هناك، و يبتهج عندما تتكبد أمريكا خسائر في الأموال و الأرواح بفعل حريق هنا أو هناك أو عاصفة أو إعصار، و يستهزئ عندما يطلع علينا على شاشة التلفزة من يدافع عن سياسة أمريكا مذكرا الجميع أنها دولة ديمقراطية، أما عندما يذكرنا بالمساعدات المالية و المادية التي تقدمها لنا لكي نعيش يوما إضافيا فيصيبنا الخرس.
و هكذا تفسد أخلاقنا و أذواقنا و بعد مدة نتحول إلى موضوعا للدراسة و البحث، و يصبح حبنا للدماء و القتل طابعا يميز شخصيتنا و الكره و الحقد مرضا فينا جدير بالبحث و الدراسة. فيتقدم المثقفون من هنا و هناك بحثا عن الأسباب و المسببات فتراهم يقفزون مباشرة إلى أثمن ما يوجد في حضارتنا ليوضع في قفص الاتهام و هو القرآن الكريم ؛ و من ثم تأتي الجمعيات الخيرية في العالم و المنظمات الدولية و مؤسسات وزارة الخارجية الأمريكية ببرامجها الإنسانية، لتعلمنا الحضارة و الخير و كيف نحب الآخر، أما الأنظمة العربية فلا تلبث أن تكشّر عن أنيابها كاشفة عن وجهها الابتزازي بوصفها البديل الوحيد عن الإرهاب و الجهل. و هكذا نجد انفسنا في حلقة مفرغة من المعنى تنتج نفس الأفكار و نفس المواقف و نفس الأشخاص.
من هذا المنطلق كلنا مشاركون في الجريمة و عندما يخرج "حفنة" من الناس يطالبون بالتغيير لا يجب أن يهزأ منهم أحدا، فالمسألة بقدر ما تهم مشاكلنا الداخلية تهم قضايانا المصيرية، بل أنها تهم مشاعرنا و عواطفنا و قيمنا الأكثر نبلا فينا .
أما المسيرات التي تخرج من كل صوب و حدب في العالم العربي، فلا يمكن أن يكون لها معنى و مضمون إذا لم تكن تعبيرا عن إرادة الفرد و تعبيرا عن انخراطه و اهتمامه بما يجري في الشأن العام و الشأن العربي تحديدا. و أن هذا الاهتمام لا معنى له إلا في سياق الاستحقاقات التي تستوجبها المشاركة السياسية الفاعلة و التصدي للامبالاة و الجهل الذي يقتلنا.
----------------
شاكر الحوكي
جامعي من تونس
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
10-02-2009 / 10:26:20 نبيل
فقط التغيير السياسي؟؟
هذا السيد يريد فقط التغيير السياسي ونسي أن التغيير يبدأ من الفكر. فلو أن ثورة فكرية قامت لجاء بعدها التغيير السياسي ولكم في ثورة فرنسا عبر وفي ثورة الخميني وإن كنت لا ادعو إلى انتهاج احدهما ولكن يا سيدي بأي مثقفين ستغير البلاد؟ لو فهمنا ما قدمت من أفكار لرعبنا من التغيير الذي تدعو إليه !
اسمح لي يا أبا سمية ولكن قراءتك لهذا المقال سطحية للغاية وإلا فالتجني على سنام الدين أكبر مما وصفت ومن يقرأ بتمعن يجد المقال سماً في دسم
9-02-2009 / 10:22:53 ابو سمية
مقال ممتاز
مقال ممتاز، رغم تجنيه على مفهوم"الجهاد"
ولعل الكاتب يعذر في ذلك، كون وسائل الدعاية المتسيدة للساحة، لم تترك لاحد ان يلتقط الانفاس للنظر بروية وتأن وحرية، للعديد من المفاهيم المرتبطة بالاسلام، واشبعتها بدل ذلك تشويها
10-02-2009 / 10:26:20 نبيل