السعودية و الغرب و حوار الأديان: من لا يملك إلى من لا يحتاج
شاكر الحوكي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10450
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بصراحة من يبحث عن حوار الأديان و يسعى إلى تقارب الشعوب و الملل، و نزع فتيل التوترات، و إرساء السلم و يرغب في الانفتاح على الآخر، و معايشة العصر و الانخراط في منظومة حقوق الإنسان، عليه أن يبدأ بنفسه و يراجع مسلماته و أحكامه، ويؤمن بحرية العبادة و التفكير، و يكف عن تكفير الآخرين و ملاحقتهم بشتى التهم و النعوت، و محاسبتهم بناء على معتقداتهم، بل عليه أن ينفتح على المذاهب و الفرق الإسلامية المتنوعة، بدلا من الاستمرار في الحرب الشعواء ضدهم، و أن يفسح المجال أمام الفكر الحر للتعبير عن نفسه، و مواجهة الأسئلة الحارقة بشجاعة بدلا من طمسها.
و الأهم من كل هذا، هو العمل على مراجعة السياسات العمياء التي لم تفضي إلا إلى مجاراة الموقف الإسرائيلي و مداراته من باب التصدي لإيران، و نشر القنوات الفنية من باب التصدي للمفكرين الأحرار، حتى بات الموقف السعودي و كأنه يقوم على المفاضلة بين مساندة إسرائيل على حساب إيران و نشر المواقع الإباحية على حساب الفكر الحر.
من هذا المنطلق فان المملكة العربية السعودية، آخر من يحق لها تناول مثل هذا الموضوع ، فضلا عن تنظيم المؤتمرات في شأنه؛ و إذ ورطت نفسها في هذا المطب بحيث جلبت إلى نفسها النقد بدلا من الترحيب، فان ذلك كشف عن عدة حقائق:
الحقيقة الأولى تتعلق بأزمة الحكام العرب إزاء أنفسهم، فضلا عن أزمتهم في الانخراط في منطق العصر و مواجهة الذات بالحقيقة الناصعة. و هي أزمة تتعلق بين ما هو كائن و ما يجب أن يكون أو بين المنشود و الموجود. ; و ما عليهم الا أن يكفوا عن الادعاء عن أدوارهم الريادية في العالم و تزعمهم للقضايا الراهنة، فما ينجحون في الترويج له في الداخل يصبح مدعاة للسخرية في الخارج ، و عليهم أن يتخلوا نهائيا عن الترويج لخطاب القائد الأوحد، و الزعيم الأعظم، و صاحب الرسالة التاريخية الخالدة، و رافع التحديات، و المفكر الملهم ...و الحال أنهم يعيشون خارج التاريخ و عليهم أن يدركوا أن أموال النفط القادرة على شراء الذمم و تصوير القبيح جميلا أو العكس لا ينفع في كل مكان.
فهذه المزاعم لم تعد تنطلي إلا على السذج ، و قد تجاوزها الغرب والفكر السياسي المعاصر منذ عقود ، و عندما ادعى جورج بوش انه مخلص البشرية، و صف بالمجنون، و بات محل سخرية و استهزاء الجميع . و السعودية المتهمة بالتضييق على الحريات الدينية و الفكرية من جل المنضمات الحقوقية، و الترويج للإرهاب و التكفير، لا يمكن أن تصبح بين عشية و ضحاها رائدة الحوار بين الأديان.
وإذا كان الحكام العرب فعلا مسكونين بالمجد؛ فباب المجد مفتوح على مصرعيه ، و الأمر لا يحتاج إلى كل هذا الضجيج، و هذا الافتعال المنمق بالنفاق الغربي ؛ إذ يكفي أن يحاسبوا أنفسهم على أموال النفط المهدورة في البورصات الغربية و البنوك الأمريكية و السويسرية، و السهرات الخمرية الماجنة في أبراج دبي، و فنادق الغرب الفاخرة ، بينما يعيش أكثر من نصف الشعوب العربية تحت خط الفقر و خط الجهل .
و إذا كان العالم في حاجة إلى مبادرات لتحسين أوضاعه أو تجاوزه مشاكله، فالقضايا العربية و الإسلامية أحوج إليها ؛ و هاهي القضية الفلسطينية تراوح مكانها يحاصرها السكون و الجنون، و غزة تحاصر من كل الجهات و العرب يتفرجون دون حياء ، بينما التوتر بين السنة و الشيعة يكاد ينفجر في كل دول الخليج و لا احد يبالي . نسال لله اللطف في ذلك. لن نتحدث عما يجري في الصومال الذي يكاد يعود إلى العصر الحجري من شدة الفقر و انتشار الأمراض و الجهل.
أما الحقيقة الثانية فتكشف أسرارها التجربة السعودية نفسها، التي عودتنا أن لا تعلن عن مبادراتها الخارقة، إلا متى تعلّق الأمر بشأن ديني، و أن لا تلقي بثقلها على الساحة الدولية أو الإقليمية إلا بغرض التعطيل و التشويش. و النتيجة إفراغ الموضوع من محتواه.
هذا ما يمكن رصده مثلا من خلال تتبع عملية الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الذي كان يهدف إلى ضرب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو حتى من خلال البحث في أسباب إنشاء المؤتمر الإسلامي الذي لم يكن في حقيقة الأمر إلا محاولة للتصدي لخطوات عبد الناصر نحو إحياء الوحدة العربية.
و الحقيقة أيضا هو أن ما تبحث عنه السعودية من خلال تمويل و تنظيم هذا المؤتمر، إنما هو اعتراف العالم بدينها الوهابي، و أفكارها المتشددة تحت غطاء حوار الأديان ، و محاولة إقناع العالم بعدم أهلية المرأة لقيادة السيارات و عدم أهلية الشيعة في تقلد المناصب الإدارية و السياسية العليا في البلاد، و الاستمرار في وضع اليد على الأماكن المقدسة و احتكار الخطاب الديني الرسمي . و لكن هذه مشكلة السعودية وحدها و ليس مشكلة الغرب الذي لا يجد مانعا في الاعتراف بالآخر و التحاور معه ، بل انه تجاوز هذه المرحلة منذ عصور .
الحقيقة أيضا أن السعودية، إنما تهدف من خلال هذا المحفل الاممي الاستعراضي إلى قطع الطريق أمام محاولات بعض الفعاليات الإسلامية المستقلة في تناول موضوع الحوار بين الأديان ، و بالتالي محاولة استعادة مكانتها بوصفها زعيمة العالم الإسلامي، و الاعتراض على كل المحاولات الرامية إلى سحب البساط من تحت قدميها .
الحقيقة الأهم في كل هذا، هو تجاوب الموقف السعودي مع الموقف الإسرائيلي بعد أن أدركت هذه الأخيرة مؤخرا أن روح العالم العربي في الرياض و ليس في القاهرة كما اعتقدت طويلا، و انه متى نجحت في احتواء الموقف السعودي أمكن لها احتواء جل المواقف العربية.
و من هذا المنطلق نفهم هذا الاهتمام الإسرائيلي بهذا المؤتمر وتبادل التلميحات و الإشارات على طريقة المحييين في بداية اللقاء. و هذا ما بات يدركه الطرفين الإسرائيلي و السعودي و يحكم تصرفهما؛ فالإسرائيلي لا يدخر جهدا في التودّد للطرف السعودي، و السعودية لا تتردد في لعب دور المراهقة الممانعة. إنها حالة عشق في بدايتها.
-------------
شاكر الحوكي
جامعي من تونس ، باحث و مختص في العلوم السياسية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
15-05-2009 / 20:20:56 هدى
الشكر
الله يعطيك الصحة والخير على كلامك الزين يا شاكر
2-12-2008 / 11:22:53 ابو سمية
هذه المقالة تمثل نموذجا جيدا للتأثر بالدعاية السعودية
هذه المقالة تمثل نموذجا جيدا للتأثر بالدعاية السعودية
يجب الاعتراف بان وسائل الدعاية العربية الرسمية وخاصة منها السعودية فعالة ولا شك، بحيث انها استطاعت ان تصيغ الاذهان وتوجهها نحو الوجهة التي تريد، ليس فقط لعامة الناس بل حتى للذين يملكون قدرا من التفكير والتحليل، ويمثل المقال أعلاه ابرز عينة عما أقول، وسأفسر ذلك:
- عملت السعودية على تصوير نفسها كحامية للإسلام، ورسخت ذلك من خلال تصوير نفسها من خلال إمبراطوريتها الإعلامية انها ناشرة للإسلام بل انها وريثة فكر الداعية محمد بن عبد الوهاب المجدد المسلم المعروف، والحقيقة انها لا تقوم الا بتوظيف ذلك لغرض دعائي ولا علاقة لها لا بنشر الإسلام ولا بحمايته ولا علاقة لمحمد بن عبد الوهاب بما يقع بالسعودية من انحطاط على كل الأصعدة.
- حاولت الآلة الدعائية السعودية، تبني كل ما من شانه ان يصورها كمنافحة عن الإسلام، من خلال ظواهر الأشياء دون لبها او شموليتها، فهي تزعم تطبيقها للشريعة ولكنها تطبقها بانتقاء فتعاقب العامة وتتجاوز عن آلاف الأمراء الذين احلوا السعودية نفسها وبلاد المسلمين ماخورا فضائيا، وهي تزعم نشر الإسلام، ولكنها تنشر إسلاما مجزئا يغرق في الشعائر من دون باقي جوانب الإسلام الأخرى، وهي تزعم ريادتها للمبادرات الاسلامية، ولكنها انما تفعل ذلك كمطية لاغراض سياسية.
- ولشدة فعالية الدعاية السعودية، فانه أصبح يقع الخالط بين الاسلام ذاته وبين ما تقوم به السعودية، بحيث أصبح من يريد مهاجمة السعودية وخياناتها لا يجد بدا من مهاجمة أفكار هي من الاسلام.
- من ذلك انه يقع مهاجمة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب، اعتقادا انه هو الذي يقف وراء الانحطاط الحالي بالسعودية وانه سبب الخيانات التي تمرر باسمه، ولم يتفطن مهاجمو السعودية لوجوب الفصل بين السعودية وبين هذا الشيخ.
- ومن ذلك انه يقع مهاجمة فكرة تكفير الكافر على إطلاقها، لان السعودية أسرفت ولعلها أساءت استعمال التكفير، ولم يتفطن مهاجمو السعودية الى وجوب التفريق بين ما تقوم به السعودية وبين التكفير كممارسة شرعية لا يجب مهاجمتها ونفيها، فالتكفير جائز في حق الكافر ومن يستوجب التكفير، وانه لا يجب مهاجمة التكفير اطلاقا ولا يقوم بذلك الا كافر فعلا او منافق، وانما يجب مهاجة استعمال السعودية للتكفير بطريقة انتقائية والدليل انها نفسها توالي الكفار وتمكن لهم.
- يقع مهاجمة الفكرة القائلة بوجوب وجود منظومة لحقوق الانسان ذات خلفية إسلامية لان حقوق الانسان بشكلها الحالي تناقض الإسلام، وهو مافعله كاتب المقال معتقدا ان الفكرة ورائها السعودية، وإنما الحقيقة ان الفكرة في اصلها صحيحة وذات مصداقية حيث ان منظومة حقوق الانسان الحالية كفرية عموما وتناقض الاسلام في كثير من جوانبها، ولم تفعل السعودية الا ان اختطفت الفكرة التي نادى بها مفكرون إسلاميون كثيرون من امثال الدكتور محمد مورو والدكتور يحيى محمد والدكتورة نهى قاطرجي وغيرهم، حيث كلهم تحدثوا ببعض المعاني عن وجوب ايجاد منظومة جديدة لحقوق الانسان لا تناقض الاسلام.
- اذن الخلاصة كما قلت في عديد المداخلات، يجب عدم الوقوع في مصيدة الدعاية السعودية، لا يجب مهاجمة المبادئ الاسلامية حين نقاش الواقع المنحط بالسعودية، بل يجب التفريق بين تلك المبادئ الصحيحة وبين من يقوم بتوظيفها
15-05-2009 / 20:20:56 هدى