د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4791
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
اليوم قرأت رسالة وجهها إلى الرئيس الأسد معارض سوري كان قد عمل لوقت قريب بموقع قيادي في النظام، ويعود تاريخ الرسالة إلى ما قبل احداث الثورة أو إلى ما بعدها بقليل، واللافت أن هذه الشخصية تنبه الرئيس وتلفت نظره إلى مزالق خطرة وتحذره منها، كما تتضمن رسالة الشخصية أنها قد تنبأت بأحداث الثورة قبل حدوثها بسنوات عديدة، منبهة إلى الاحتقان الهائل في المجتمع والشارع وعلى أصعدة كثيرة، سياسية واقتصادية واجتماعية، ويصف الموقف بأنها كومة قش جاهزة للاندلاع السريع بأي عود كبريت، والحكمة تكمن في تجنب الحرائق والزلازل، وهو الواجب الاول لكل من يشعر بالمسؤولية الكبيرة المتمثلة بإدارة بلاد وليس مصالح وشؤون عائلة أو عشيرة.
العبرة في كل ذلك هو أن الرئيس يدرك تمام الإدراك منذ اليوم الأول أن الخطب كبير، بل وأكبر من أن تعالجه المدرعات والشبيحة، نعم قد تحدث هذه الأدوات الحديدية والنارية بعض التأثيرات وتلقي شيئ من الرعب، وتقتل بعض من الناس، لكن سرعان ما يألف الناس مواجهة الحديد والنار، ويعتادون تقديم الضحايا يومياً، فذلك يصبح كما حدث فعلاً من الأحداث اليومية الاعتيادية، بل قد تؤدي مفعولاً عكسياً، فكلما أسرفت الأجهزة في القتل، تطرح أيضاً مبررات اقتلاعها أكثر فأكثر، وتتجذر حالة الثورة وتتسع لتشمل المزيد من الناس وتتعمق القناعة بضرورة التبديل، فهذا نظام أصبح اليوم بفحواه ومحتواه خارج الزمن والتاريخ، واليوم أصبح اقتلاعه ضرورة تاريخية أكثر من الأمس.
قرأت أيضاً، وإن كان هذا أمر معروف وكامن بالوعي لدى الإنسان، أن العقبة الأولى تكمن في ذات الإنسان نفسه، فتعتمل في اعماقه عوامل كثيرة ونوازع، في مقدمتها الثقة بنفسه والخوف والتردد وهي عناصر ثقيلة حقاً، ولكن ما أن يحسم أمره ويقرر التغير ومواجهة الخطر ولو بدرجة الموت، يصبح منذ تلك اللحظة حراً وعملاقاً أكبر من المشكلة المطروحة، وإرادته تصبح شيئاً لا يمكن تدميره.
ربما يقدر النظام أن يزج بالحديد وبالمزيد منه لواجهة الشعب، وهو يعلم علم اليقين أنه يواجه الشعب، ولكن هيهات له أن يقمع شيئ أسمه الإرادة، فهذه تكمن في طبقات ومديات لا تصلها مدافع الدبابة ولا الراجمات، فما يصنع النظام حيال هذا الكائن الخرافي الذي يواجهه، في مثل حالة النظام السوري يتمسك بنظرية أن الشعب مسكين ولكن هناك من يحرضه ويدفع له، مؤامرة خارجية، خونة وحشرات ومجرمين. لا يحق له إلا أن يقبل ما يقدم له، لا يحق له التغير مثل شعوب العالم، فيما يحق لمخابرات النظام وأجهزته القمعية أن تقتل وتسجن وتغتصب النساء وتقيم المجاز، دون رادع أو وازع، وللعلم فإن هذه جرائم قد تم توثيقها رسمياً من قبل هيئات دولية. الشعب دفع الكثير من التضحيات، وهو مستعد لدفع المزيد، ولكن النظام سيدفع بالمقابل الكثير بما يتناسب وما يقوم به من أفعال.
النظام أخطأ كثيراً، وأقل من هذا بكثير يستحق عليه الرحيل، مبادرة كوفي عنان هي لصالح النظام، فهي على الأقل تضمن له انسحاب آمن وإفلات من الحساب الذي اكتملت ملفاته الجنائية، فما فعله الرئيس المصري الذي حاكمته محاكم وطنية لا يعد شيئاً أما مآثر النظام السوري، وما فعله الرئيس الليبري تشارلز تايلور الذي حكمت عليه محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بخمسين سنة سجن، ليست سوى ألعاب صغار أمام أفعال النظام السوري.
أقول: إن من ما تبقى من الوقت للحكمة قليل وقليل جداً، وحتى أصدقاء النظام صاروا يدركون عبء الصداقة، أبصار النظام شاخصة صوب موسكو وبكين، ولا أدري من بعد، فكلمة واحدة من هناك تعني الكثير، وها قد بدأ يتسرب القليل من هذا الكثير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقالة جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى الفضائيات العربية بتاريخ 5 / حزيران / 2012.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: