د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5509
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من حق الناس في سوريا والبلاد العربية، بل في العالم بأسره ممن يتابعون المأساة السورية أن يتساءلوا ماذا سيكون حصاد مهمة مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية إلى موسكو وبكين، بل في مهمته بأسرها.
ومن حق الناس أيضاً أن يقارنوا بين هذه المهمة وبين الدعوات التي تقدمت بها الجامعة العربية ومصيرها. لقد غدا واضحاً كل الوضوح أن النظام سوف لن يتراجع قيد أنملة واحدة، تحت نظرية: أية حرية تريدون ..؟ فالقليل المشوه من تشريع للطغيان يطلق عليه إصلاحات، مع مزيد من القتل، والكثير الكثير من الاعتقالات، والإصلاحات هي في نهاية المطاف بقدر ما يرسخ قبضة النظام وليس شيئ آخر. حتى يحق للمرء أن يطلق تساؤلاً ساذجاً: ترى أين يضعون هذه الألآف المؤلفة من البشر، أية سجون تتسع لهم، ولكن لا عجب، فوتيرة القتل ارتفعت بإعدامات عشوائية ميدانية.
المسألة الجوهرية في تقديري، أن النظام يرى الأمر هكذا: أنا أريد المكوث في الحكم، البلاد بأسرها مزرعة لنا، فلنطوع كافة المصطلحات والإصلاحات في خدمة هذا الشعار شرط أن يكون المؤدى النهائي لهذه العملية في الواقع المادي هو لا شيئ البتة. لقد أكتسب النظام مهارات عجيبة في اللعب على الحبال، بل هو أصبح جزء من لعبة خطيرة تمارس في سوريا، وفي المنطقة العربية، بل وعلى الصعيد الدولي، نظام أرتهن كل شيئ من أجل بقاؤه.
والأمر بالطبع مدهش لأقصى درجة، حتى يكاد الكثير أن لا يصدق، أيعقل أن يخطف شخص أو أسرة أو عصابة تحت أي مسمى كان بلداً كاملاً له علم ونشيد وطني وقوات مسلحة ودوائر تسجيل مدني وعقاري، يختطفه ويصبح ملكاً صرفاً له، بل وتشير تسريبات جديدة أن النظام كان يعتبر لبنان أيضاً من ممتلكاته العائلية، ومن حق الأوربيين أن لا يصدقوا ذلك لهوله، فمثل هذا النظام لم يتواجد على مر العصور لا في أوربا ولا في غيرها.
ترى ماذا سيطلب كوفي عنان من النظام في دمشق، بعد أن تحدث مع ولي أمر النظام في طهران ..؟
كوفي عنان سيطالب النظام بإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين والمغيبين، ولا أظن أن دفاتر وقوائم السيد عنان ستفيده كثيراً فالأمر على نحو ما بلغ التعقيد ويحتاج لتحقيقات ميدانية معمقة، ثم سيطالب السيد كوفي عنان بوقف العنف وسحب القوات المسلحة من المدن، النظام سيرد لكن لابد أن ينسحب الشعب أولاً..... وسيسأل عنان إلى ولكن إلى أين ينسحب الشعب .. ؟
آنذاك ستبلغ اللعبة نهايتها وسيقول له النظام بلا خجل يا سيد عنان أذهب من حيث أتيت ونحن نعرف كيف ندير الأمر. فالأمور أضحت واضحة هكذا: النظام يضع نفسه في كفة، والشعب كله في كفة أخرى، بالطبع لدى النظام ما يقوله ولكن ثبتت للجميع عربياً ودولياً أنها محض ثرثرة فالنظام لا يجد حتى من يصيغ له موقفاً سياسياً نصف محترم ونصف مهلهل يمكن قبوله ويتماسك أمام دماء الشعب، فحتى دبلوماسيوه أصبحوا مهرجين ورجال دعاية وإعلام ..!
النظام سيواصل المناورات سيظهر نفسه وديعاً كعصفور مطيعاً لأوامر الروس والصينيين بعد أن سمع منهم الإنذارات القاسية، وكوفي عنان بعد أن يحاول أن يقنع الروس، سيتوجه إلى الصين في محاولة لإقناع القادة هناك أن مصالح الشعب الروسي والصيني تكمن في إقامة علاقات طيبة مع الشعب السوري وليس مع حكامه وطغاته، ثم لينبه ولاة أمر النظام في طهران أن درجة الغليان بلغت حدوداً خطرة، والأحداث هي بحجم تاريخي يفرض مستحقاته، وهنا أجد نفس مضطراً لأن أقول ما قاله وزير الخارجية الألماني قبل أيام، أن روسيا ستدرك في وقت لاحق أنها تقف على الجانب الخاطئ من التاريخ.
من المرجح أن هناك تحول بطيئ في الموقف الروسي والصيني، ولكن في السياسة ليس هناك جمل يراد إمراره من خرم الابرة، فالسياسة هي تحليل مادي ملموس للواقع المادي الملموس، وسيدرك الروس والصينيون حجم خطأءهم ولكني لست متأكداً إن كان إصلاح هذا الخطأ ممكناً.
المسألة اليوم هي ليست الرئيس الفلاني، ولا الحزب الفلاني، وبنفس الدرجة يمكن القول ليست الشخصية القيادية والحركة الفلانية من المعارضة أو تلك، لم تعد الأسماء مهمة بعد الآن، فالأمر تجاوز كل ذلك، وبعد نهر الدماء الغزيرة هذه لابد من الاقرار أن سوريا كبلاد بحاجة إلى وقفة، والوقفة مهمة وذات طابع شمولي عام. فالبلاد بحاجة قبل كل شيئ إلى:
• دستور يليق بحكم شعب في القرن الواحد والعشرين.
• لابد من تفكيك أجهزة قمع وقتل التي مارست التصفيات على مدى أربعين عاماً .
• استبعاد ومحاسبة ومحاكمة كل من مارس مص دماء الشعب، ومارس الذئبنة والثعلبة على الشعب الاعزل.
• القتلة ينبغي محاسبتهم، فمن مارس وأعتاد على أكل لحوم معارضيه لن يصبح حملاً نباتياً في يوم وليلة لا بقرار عربي ولا بقرار دولي.
ولماذا كل هذا الهم، الشعب يريد أن يمارس حقوقه كشعب يستحق الاحترام. هل يخالف هذا الدساتير والأعراف ؟
من يريد التعامل مع سورية فليتعامل مع سوريا الشعب الوطن، فهذا النظام لا يمثله لا في الواقع ولا في الفنتازيا، والسوريون شعب ذكي يعرف كيف يصل لأهدافه. ومثلما قلب الشعب السوري الطاولة في كل مكان، وبلغ بقضيته إلى المؤسسات العربية والدولية وأوصل صوته لها، فهذا الشعب قادر أن ينال حقوقه بإرادته ولو بمزيد من الدماء.
النظام سيسقط ...... فقط الفواتير المستحقة سوف تتضاعف.