د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5809
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما هو التضليل الإعلامي وإلى ماذا يهدف ...؟
التضليل الإعلامي في المعارك السياسية يمكن تشبيهه بقنبلة دخانية يراد منها حجب الحقائق عن الجمهور بحيث لا يمكن مشاهدة إلا ما ترغب الجهات المطلقة للتضليل مشاهدته، وبعبارة أخرى: نحن نصيغ الخبر كما نراه نحن، ونحمل المتلقي على تصديقه، ليصدق ما نقوله نحن، فنحن من يشكل قناعاته.
الوجود الأمريكي حيثما كان : السياسي والاقتصادي والعسكري، إنما هي أدوات تؤدي في نهاية المطاف لخلق الهيمنة الأمريكية، ولحماية المصالح أمريكية المادية، السياسية والاقتصادية على المستوى التكتيكيي والاستراتيجي، وليس من أجل قيم معنوية. وفي الشأن العراقي تروج أجهزتها الإعلامية بكثافة وبمهنية عالية فكرة مفادها أنهم انسحبوا من العراق بعد إتمام مهمتهم بتأسيس الديمقراطية. فهل انتهت حقاً مصالحهم في العراق ؟ وهل أسسوا فعلاً نظاماً ديمقراطياً، وهل ذهبت الخسائر الأمريكية الجسيمة بالأرواح والمعدات والأموال أدراج الرياح ؟
لا ريب أن المطرقة العراقية المتمثلة بالمقاومة بأشكالها العديدة التي عبرت عن رفض الشعب العراقي للاحتلال، هي التي أرغمت الأمريكان على تبديل خططهم، أو تعديلها بالأحرى، فالخسائر الجسيمة بالأرواح والمال والعتاد التي نوهنا عنها، تجاوز الحد المقبول في المغامرات الأمريكية، فأصبح إعادة النظر بوسائل الاحتفاظ بثمار الاحتلال ونتائجه مسألة جوهرية وضرورية فكيف تم لهم ذلك ؟
1ـ بادئ ذي بدء، أبعد الاحتلال الأمريكي حكومة ونظاماً وطنياً، كان بصيانته للمصالح العراقية في المقام الأول، يتناقض مع المصالح الأمريكية في بسط الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية على العراق أو في المنطقة عموماً.
2ـ الدوائر الإستراتيجية الأمريكية تدرك إن إبعاد نظام وطالعراقي كل في العراق وربما في بلداناً أخرى، هي مسألة وقت، لذلك عملت أجهزة أمريكية عديدة على تدمير العراق وفق خطة (تصنيفية Systematic) مدروسة بعناية تامة لكي تحرم العراق من مزايا الدولة القوية لأبعد مدى ممكن، فهي تعلم أن إقامة أنظمة صديقة لها شأن لا مستقبل له، رغم كل الألغام التي بثتها في الجسم العراقي، من تكتلات على أساس طائفي، أو أثني.
3ـ أقامت سلطات الاحتلال نظاماً يقوم على أسس يفرق الشعب العراقي كل مفرق، على كافة أشكال التفرقة، لكي لا يستعيد العراق عافيته لأبعد مدى ممكن، ولتكن هذه الجراثيم مستوطنة في الجسد العراقي.
4ـ أقامت اتفاقية أمنية هي أسوء بكثير من معاهدات الانتداب الاستعمارية، تتيح وتبيح لها التدخل السياسي والعسكري، في أوقات الضرورة التي خاضعة لتقديرات الولايات المتحدة، حيثما تستدعي مصالحها ذلك.
5ـ وضعت أسس متينة لتحالف بعيد المدى مع إيران قائم على المصالح المشتركة، وأساس هذا التحالف هو ما تضمن الولايات المتحدة بتسليمها العراق بيد إيران على طريقة المقاولة(تسليم المفتاح)، شريطة أن لا يمثل العراق في المستقبل قوة عربية ضاربة في المشرق العربي، ولا يتعارض مع هذا الاتفاق خلافات قد تنشب في ملفات أخرى، وهذه فقرة معروفة في الاتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف.
6ـ استبعدت الحكومة الأمريكية أية خيارات يمكن تخل بهذه المعادلات، بما في ذلك وصول قوى حليفة لها للحكم بواسطة الانتخابات.
7ـ إبقاء وجود سياسي قوي في العراق، ولهذا الوجود(سفارة) مهام بحسب حجمها وكادرها الدبلوماسي والإداري والفني، تفوق المهام الدبلوماسية المتعارف عليها، إلى مهام التعرف المباشر والإشراف وإبداء النصح والمشورة حتى في الحالات السيادية الصرفة، كتشكيل حكومة، أو إقامة ائتلافات وتحالفات بين القوى الوالجة في العملية السياسية، بما في ذلك داخل البرلمان.
8ـ إبقاء عناصر مفصلية مهمة في القطاعات العسكرية والأمنية بصفة مدربين.
9ـ إبقاء عدد غير معروف من القواعد العسكرية ذات الأهمية الإستراتيجية القادرة على التدخل ومعالجة المواقف الطارئة، وليس للجانب العراقي معرفة ما تضمه هذه القواعد من معدات وأسلحة.
10ـ هناك أعداد غير معروفة بدقة، ولكن الأدلة العقلية تدل أنها بأعداد كبيرة لعناصر من المرتزقة من البلاك ووتر اساسأ، وربما غيرهم. وفي إطار الحديث عن العمليات السرية، أشارت مصادر أمريكية / كندية، بوجود مجموعات عمل سرية تابعة مباشرة للمخابرات الأمريكية (CIA) تقوم بتنفيذ ما يطلق عليها بالعمليات القذرة، من اغتيالات وخطف، وتدبير مؤامرات، تعمل مباشرة بالتنسيق مع مكتب رئيس الوزراء. ومجاميع العمل هذه تتواجد بصفة خاصة في الشمال، ولكن في بغداد أيضاً والجنوب.
وكانت صحيفة واشنطن بوست الأميركية (Washinhton Post) قد أكدت أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قررت الاعتماد على مجموعة من الجواسيس والعمليات الخاصة لحماية مصالح الولايات المتحدة في مناطق الحرب وتحديدا في العراق وأفغانستان. وأن أنشطة هذه المجاميع ليست سرية تماماً، بل هي تعمل في كثير من الأحيان بالتنسيق مع مكتب رئيس الوزراء مباشرة، وأن المخابرات الأمريكية هي التي قامت بإيصال المعلومات لمكتب رئيس الوزراء عن ما سمي في حينه (الانقلاب الأبيض) وتفجير البرلمان، وقضية الهاشمي. ونقلت الصحيفة عن مسئولين أمريكيين قولهم إن مكاتب وكالة الاستخبارات المركزية في كابول وبغداد ستبقى على الأرجح بؤر العمل الأستخباري الأكبر في الخارج لسنوات، حتى لو تقلص من مستويات التوظيف القياسي الذي سجلته في ذروة الجهود الأميركية في تلك الدول لدرء حركات التمرد وتثبيت الحكومات. وأن الإدارة الأميركية أوصت بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق في شهر كانون الأول الماضي على تركيز عمل وكالة الاستخبارات المركزية هناك نحو التجسس التقليدي، ورصد التطورات في الحكومة العراقية
ومعروف أن التوجهات الحديثة في الإستراتيجية الأمريكية والتي جرى بموجبها ترقيق القطعات العسكرية الأمريكية الضاربة في أرجاء العالم، إنما تم على ضوء استخدام متزايد لأسلحة متطورة تكنولوجياً، وذات قدرات تدميرية أكثر فاعلة، والغرض من هذه التعديلات، تقليص الاعتماد على الأفراد في تشغيل المعدات العسكرية، وأبرز دليل في هذا المجال هو الاستخدام المتزايد للطائرات المقاتلة والقاصفة بدون طيار.
بعد كل هذا الاستعراض للوقائع المادية المعروفة وتحليلها، عدا ما هو مجهول تحت إطار السرية، ماذا يبقى من أهمية للتسويق الإعلامي بالانسحاب، وكم هو حقيقة تضليل لا انسحاب ؟
في ظل هذه الأجواء تحديداً، اندلعت أزمة سياسية بين الأطراف المنظوية في العمل السياسي، وهي ليست مصادفة، فكلهم تحت الخيمة الأمريكية أساساً وناتج أساسي للاحتلال وتواصله بأيدي عراقية، وهو دليل ساطع على هشاشة التحالفات، وغياب الوجدان الوطني. الكل يتهم الكل بالفساد، والكل يتهم الكل بالإرهاب، والكل يتهم الكل بضعف الأداء، وبتقديري الكل صادقون.
سئلنا قبل أيام في إحدى الفضائيات عن مصير العملية السياسية، فكاد ردي، أن ولي أمر الجماعة واقصد مديري الملف العراقي سوف يعيدون هندسة ما عقدوه بأنفسهم عندما جمعوا هذه المخاليق دون تبصر في عملية لا يراد منها أن تجد الحلول .
إن إي حديث عن التنمية، وحل المعضلات والعقبات في الاقتصاد العراقي، إنما هو حديث غير جدي، فهذه الأوضاع مصممة على أن لا تكون هناك تنمية، فعملية التنمية عملية واسعة وشاملة تستدعي حشد كافة طاقات البلاد في مسيرة لها أهداف دقيقة، بينما يجري في العراق إنتاج متواصل لمعطلات التنمية، وابتكار واختراع العواقب والمعوقات الغير موجودة، فالعراق يحتل الدرجة الأولى، في: انعدام الأمن والأمان، قتل الصحفيين، تنفيذ أحكام الإعدام، تلوث البيئة، الفساد الإداري والمالي، تبييض الأموال، قذارة المدن، وأخيراً، نحسب أن العراق من الدول النادرة التي لا يتوفر فيها الطاقة الكهربائية، والهاتف، والماء الصالح للاستخدام البشري، ووسائل الصرف الصحي.
المطلوب من الأطراف في العملية السياسية هو تعقيد الساحة بما لا يستطيع أحدهم أن يقرر أمر بنفسه، الكل تعود لمرجعياتها، والأمريكان زرعوا العراق بأنواع الألغام والمفخخات، ودسوا بأنوفهم في كل حدب وصوب، والهدف من كل ذلك أن تتوقف قاطرة النمو، وأن تصاب الوحدة الوطنية بعطب، فلا يعود الأسد العراقي أسداً إذا خلعت أنيابه، وقطعت مخالبه، وكف عن الزئير، والآن يلعب بالمنطقة من كان يحسب للعراق ألف حساب، الحارس العظيم للبوابة، فهم يريدونها بلا بوابة، ليلعب بها كل من هب ودب حتى الضب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى الفضائيات العربية بتاريخ 8/ فبراير / 2012
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: