د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8523
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
1- إذا أُحِيل مفهوم "اليسار" على كافَّة اللُّغات، لمَا كان الأمْرُ سارًّا؛ فهو في "اللاَّتينيَّة" يَعني "التَّشاؤم وسوء الحظ"، وفي "الإنجليزية" يُعطي نفْسَ المعنى تقريبًا، وفي "الفرنسيَّة" يعني التَّشْويه والانحراف، وفي "العربية": "اليسار" نقيض "اليمين"، ويعني كل ما يؤدِّي إلى التَّشاؤم أيضًا، ويُكنى به عن المنْزلة الخَسِيسَة. وعلى مستوى "القيم" لا يَعني "اليسارُ" إلا القِيَمَ الشاذَّة المنحرِفة.
2- "اليسار" مفهوم غامض في نشْأته - كما يقول "بيكلز" في قاموس العلوم الاجتماعية - بدأ استخدامه على المستوى السياسي في الخامس، ثم الثالث والعشرين من شهر يونيو عام 1789 في فرنسا.
3- يرجع اصل هذا المفهوم إلى الثورة الفرنسية عندما جلس النواب الليبراليون الممثلون لطبقة العامة او الشعب على يسار الملك لويس السادس عشر في اجتماع لممثلي الطبقات الثلاث للشعب الفرنسي عام 1789 وكان النواب الممثلون لطبقة النبلاء ورجال الدين على يمين الملك في ذلك الاجتماع المهم الذي ادى إلى سلسلة من الإضرابات والمطالبات من قبل عامة الشعب وانتهى إلى قيام الثورة الفرنسية. ولازال هذا الترتيب متبعا حتى اليوم في الجلوس في البرلمان الفرنسي.
4- استخدم الحزب الشُّيُوعي في روسيا مفهوم اليسار في عام 1918، على يد جماعةٍ رأَسَها "نيكولاي بوخارين"، تدعو إلى شنِّ الحرب الثَّوْرية على سياسة "لينين"، وإلى قيادة البروليتاريا للاقتصاد، ورقابتها على المشروعات الصناعية.
5- عرَّف "كولا كويسكي" اليسار بأنه حركة نفْيٍ للعالَم القائم، أما "كارل أوجنسي" فرآه الرغبةَ في التقدُّم، والإيمانَ بأن الإنسان سينتصر في النهاية. وتُعتبر فكرة " الثورة وتغيير الأوضاع" أوَّلَ فكرة يرتبط بها مفهوم اليسار.
6- جاء فى موقع المعهد العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية الآتى :
أ-اليسار مصطلح يمثل تيارا فكريا و سياسيا يتراوح من الليبرالية و الإشتراكية إلى الشيوعية مرورا بالديمقراطية الاجتماعية و الليبرالية الإشتراكية.
ب- بمرور الوقت تغيرت و تعقدت وتشعبت إستعمالات مفهوم اليساربحيث اصبح من الصعوبة بل من المستحيل إستعماله كمفهوم موحد لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسار، فاليسارفي الغرب يشير إلى الإشتراكية او الديمقراطية الاجتماعية (في أوروبا) و الليبرالية (في الولايات المتحدة)، من جهة اخرى فإن اليسار في الأنظمة الشيوعية يطلق على الحركات التي لاتتبع المسار المركزي للحزب الشيوعي وتطالب بالديمقراطية في جميع مجالات الحياة. هناك مصطلح آخر ضمن السياق العام لليسار ويسمى اللاسلطوية (الأناركية أو الفوضوية) والذى يمكن إعتباره أقصى اليسار أو اليسارية الراديكالية.
ج- هناك جدل بين اليساريين انفسهم حول معنى اليساري، فالبعض يرفض رفضا قاطعا اي صلة لليسار بالماركسية و الشيوعية و اللاسلطوية، بينما يرى البعض الآخر ان اليساري الحقيقي يجب ان يكون شيوعيا او اشتراكيا. وبينما يعتبر الكثيرون النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق و الصين اثناء حكم ماو تسي تونج تيارات يسارية، فإن البعض الآخر يرفض ذلك على اعتبار أن الشمولية التي كانت موجودة في أنظمة الحكم هذه كانت تتبع سياسة قمعية. ويمكن القول بصفة عامة أن اليسار السياسي يختلف عن اليمين بتبنيه للحريات الشخصية و العلمانية و العدالة الاجتماعية.
7- حدَّد "بيكلز" خصائصَ مصطلح اليسار في الآتي:
أ- الرَّغْبة في التغيُّر السريع إلى أقصى حدٍّ ممكن.
ب -الاعتقاد في حتْمية العنف كمنهج للتغيير.
ج- التأكيد على مفهوم الإنسانية.
د- رفْض الدِّين، والتأكيد على عدم تدخُّله في الفعل السياسي، والقرارات السياسية، ومجال الرقابة على التعليم. كان اليسار منذ بداياته معارضا لتدخل الدين في الشؤون السياسية وعندما برزت نظريات تشارلز داروين على السطح قام اليسار بدعمها بقوة.
هـ - حماية المجتمعات المتقدِّمة - وخاصةً الاشتراكية منها - من الفساد الذي يترتَّب على احتكاكها بالمجتمعات الأقل تقدُّمًا أو الأقل اشتراكيةً.
8- - في شتاء 1996 كتب "مايكل والزر " في دورِيَّة "المعارضة الماركسية " معدِّدًا الانتصارات التي كَسَبها اليسَار منذ الستِّينيات من القرن الماضي في الآتي:
1- التأثير الظاهر للحركة النسوِيَّة على المجتمع.
2- الظهور العلَنِيُّ لسياسات حقوق الشَّواذِّ، واهتمام وسائل الإعلام بذلك.
3- التحوُّلات التى أدت إلى تدمير الحياة الأُسَرية، وكذلك التحولات في الأعراف الجنْسيَّة المتغيِّرة، وارتفاع معدَّلات الطلاق، وتغيُّر توزيع الأدوار داخلَ المنْزل، وإبراز وسائل الإعلام لذلك.
4- ذُبول الدِّين وتقَدُّم العلمانية بصفة عامة، والنَّصرانية بصفة خاصة، وظهور آثارِ ذلك على المستوى العام، وفي حُجُرات الدِّراسة، والأحكام القضائية، والأعياد... إلخ.
5- التأكيد على شرعية الإجهاض.
9- في معظم دول الشرق الأوسط يأتى اليسار مرادفا للعلمانية،واليسار العربى الآن فى وضع أشبه بالانهيار. ويصف الباحثون وضع اليسار العربى اليوم بقولهم : " لقد فقد اليسار العربى هويته وأصبح عاجزا عن إعانة مستخدِميه، بعد أنْ بات هيكلاً أجوفَ، لا يُبقيه على قيد الحياة في شكْلِه المتوارَثِ على الأقلِّ - سوى "قلَّةِ الموت"؛ بل "قلَّة النقد" .....إنَّ مَن يدقِّق النظرَ يجد أنَّ مفهوم "اليسار" - بمعناه القديم على الأقلِّ - قد أصبح عديمَ الفائدة، ولم يعُدْ أداةً للفهم، هذا إذا كان يومًا كذلك.......لقد اكتفى اليسارون العرب بحَرْق أحجار "الجوزة"، وتلويث الهواء بدخان "الشيشة"، والانزواء في المقاهي لـ"الثَّرثرة" وحَقْن الأوردة بـ"أفيون" التضخيم الفارغ، والاستسلام الكامل للغيبوبة، فالواقع بالنسبة إليهم قد بات أكثرَ مما يُحتمل.....ان اليسار العربى ليس إلا جيشًا يَعتنق مذهبًا مكابِرًا، لا يَرى في الهزيمة سِوى انتكاسةٍ، أو ربَّما تمهيدًا لنصْرٍ يساريٍّ اشتراكي قادمٍ لا ريْب فيه، رغم كلِّ شيء، ولا يفكِّر أبدًا في إعادة النظر في المفاهيم التي ورِثها جاهزةً عن الأوَّلين لتُدِرَّ عليه ما يتصوَّر أنه المعرفةُ الأكيدةُ المطمئنَّة....... لقد بلغتْ قُوى اليَسار العربيِّ السَّابق مرحلةً متقدِّمةً مِن التحلُّل بعد أن فَقدتْ تماسكَها الداخليَّ، وراحت تخْسر كُتْلتَها لصالح قُوَى جذبٍ أخرى، هي القوى التي تمثِّل أحدَ المشروعين المتصارعين في المنطقة: المشروع الأمريكي، والمشروع المناهض له، والذي يَغْلب عليه الطابعُ الإسلامي. "