د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6307
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
النظام السوري في مأزق .. هذا هو العنوان والمدخل الرئيسي والحقيقي لكل بحث في الموقف السوري ومفرداته.
الجامعة العربية تريد إنقاذ النظام والبلاد من مزيد من التدهور إلى منحدرات مجهولة الأبعاد، ذلك لأن الأمر إذا ما خرج عن السيطرة داخل البلاد، بعد أن صم النظام أذنيه عن كل محاولة للحوار، للخروج بحلول غير دموية، وها هو يماطل حتى الجامعة العربية التي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتهمس في أذنه أو تصرخ، أن بغير ذلك ستتدخل قوى أخرى، لا يمكن معرفة أجندتها، العالم اليوم غير عالم 1982، أشياء كثيرة حدثت، بعضها جذري في السياسة العالمية وفي الاقتصاد، لكن النظام ما يزال يراهن يائساً على قشة أو ريشة ستهبط له من السماء لتنقذه من بحر العواصف .
النظام السوري في مأزق، لأنه فقد مصداقيته مع شعبه، فقدها يوم أفشل بطريقة سخيفة حتى الحوارات التي لا جدوى حقيقي منها، عندها أيقن المجتمعون في صالة فندق قطع عنها الكهرباء، أن النظام لا يستطيع ولا يعرف لغة الحوار، وأعتمد لغة الدم ومضى بعيداً بما لا تراجع عنه فهو يقاتل الشعب وكأنه جيش احتلال ... هكذا بصراحة فجة.
وفقدها عربياً عندما لم يتقدم أنملة واحدة في مشاريع الإنقاذ، وأي مساهمة من جانبه إنما كانت تمثل محاولة للعرقلة والمماطلة، وفقدها دولياً عندما شاهد الإعلام العالمي فضائع ما تفعله قواته والشبيحة بالشعب الأعزل، بل وفقد المصداقية لدى حتى من يعتبرهم أصدقاء له، وغدت صداقته مهمة ثقيلة التبعات، السياسية والأخلاقية، لأنه رفض الإنصات حتى لأصدقائه الأبعدين والأقربين.
هو في مأزق لأنه يسبح عكس التيار، فهو يحاول أن يكسب وهو في أشد حالاته ضعفاً، ما فقده وهو في كامل قوته، يقرأ التقويم بالمقلوب بحيلة المغلوب الذي لا أمل له، سوى مواصل السباحة في بحر المستحيل، وقد تلوث للأبد بما لا تغسله بحار الكون كلها.
وهو في مأزق مرة أخرى لأنه يريد أن يتولى شعباً يرفضه، ويعلن رفضه هذا علانية منذ شهور تسعة، بل ورسم هذا الشعب الشجاع صورة مصبوغة بالدماء لرفضه، وبات يرحب بأي حل يبعد الطغمة الفاسدة المستحكمة برقابه، وتلك مسألة أخرى تستحق التمعن، وهو(النظام) يعلم ذلك علم اليقين، ويخدع نفسه بعبارات وأصباغ باهتة.
فما هو جوهر هذا المأزق الذي يدفع النظام إلي الهاوية دفعاً ......؟
جوهر المأزق، هو ببساطة أن النظام لم يعد نظاماً، بل بالاحرى هو لم يكن نظاماً بالأساس، فالنظام يعني وجود دستور ومؤسسات دستورية، وقوانين تسنها حكومة محترمة، لمجتمع محترم، وهذا للأسف ما تفتقر له سورية اليوم وبشدة، فسورية العريقة تحكم وتدار على يد النظام (لنسميه هكذا مجازاً) بطريقة متخلفة، والشعب المعروف بثقافته ودرجة تحضره الرفيعة، يعامل بطريقة مهينة، فالشعب يضرب ويجلد ويشتم، بأقذع الشتائم ويعامل بطريقة لا تليق بالبشر، دولة تجيد العمل بأساليب العصابات، ومن يطلقون على أنفسهم حماة النظام هم أسوء بكثير من جنود الاحتلال.
جوهر المأزق، أن النظام وبعد أن سفك دماء خمسة آلاف قتيل، يدرك أنه فقد شيئاً ثميناً، صحيح هو لم يكن شرعياً أيضاً قبل الثورة الشعبية، إلا أن دماء الآلاف تعني الكثير، شعب يموت من أجل حريته، وهم (النظام) مانعوه عن الشعب، فقد غدا مطلوباً بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وأكثر من ذلك، فقد النظام حتى شرعيته المهلهلة تلك، وفقدان الشرعية عبر عنها من يستطيع ذلك من الدول العظمى وغير العظمى، والقوى والحركات السياسية والمنظمات الإنسانية، والأفراد، ممن هم بعيدين عن طائلة النظام الذي يحترف الاغتيالات.
جوهر المأزق، أن كل هذا يجري لأن النظام يرفض الرحيل، نظام انتهت صلاحيته لمرات عديدة، يمارس لعبة ابتزاز لا يمكن وصفها نظيفة: إما أنا أو الموت الزؤام، نظام يتباهى بأنه أضحى فقرة في التوازنات المحلية، إنه لا يريد استعادة الأرض الوطنية كي لا يفقد تلك الورقة التي يلعب عليها، يواصل ابتزاز الجميع، يقول للاحتلال ومن يقف خلفه، أنا أفضل من يعقد معكم الاتفاقيات وأنا ضمانتكم الوحيدة، ويقول لمن يريد أن يصدق، أنا نظام ممانعة، ولكي يبقى البلاد في توتر وطوارئ ليتجنب دفع مستحقات للحياة الاجتماعية والسياسية، ولكي يبقى سيف الأوضاع الاستثنائية مسلطاً على الشعب، ولكي يتواصل السلب والنهب.
هذا هو جوهر المأزق، مأزق له حل واحد وحيد، وهو أن يتنحى الحكم العائلي، ونهاية جمهورية التوريث، من أجل عهد جديد تعيشه سورية، تؤكد فيه على ثوابتها الوطنية، وتتجه للتنمية والاعمار، الشعب لا يحتاج كل هذه الأجهزة الأمنية، بل إلغاء للخوف الذي يفقد الناس خصائصها الإنسانية.
جوهر المأزق للنظام السوري، أنه فقد الأرضية المحترمة للتعامل مع شعبه أولاً، إذ فشل أن يكون نظاماً لكل الشعب، وفقدها مع المجتمع السياسي العربي عندما برهن بجلاء أنه يعمل لمخططات وأجندات غير عربية، يصعب معها اعتباره دولة عربية، وانهارت الثقة فيه دولياً ولم يعد نظاماً محترماً وفق المقاييس الدولية، ووجهت شتى الإهانات لهذا النظام بما لم يبق له برقع حياء يختفي خلفه.
هو مأزق دون شك، والنظام لا يعرف التعامل مع المأزق فيغلق أبواب ونوافذ للنجاة، أو حلولاً كريمة، في السياسة تبادر دول ولجان حكماء ووسطاء في إيجاد مخرج لأزمة لا مخرج لها، وقد تفلح تلك المساعي إذا كان هناك صدى واحتمال إعادة النبض لما يعتقد أنها سكرة الموت، ولكن هنا يشترط في المقام الأول استجابة المتلقي لجرعة العلاج.
النظام السوري يواجه طموحات الشعب وقبضته التي أشهرها عالياً، دون رؤية ودون فكر ودون بدائل أو خيارات ... وتضيق هامش مناورته، مع تعرض نقاطه لتقلص متواصل في السجال الاستراتيجي، وهو يواجه مصيره الحتمي، ولكنه يكابر بعناد طفولي ..... وهذا هو المأزق الحقيقي .... لجمهوريات التوريث، فهو لا يفعل شيئاً عدا مواصلة الكذب والتمويه، ولكن جماجم الشهداء ستصنع فجراً جديداً لسورية وهذا آت لا ريب فيه ..!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة مع إحدى الفضائيات العربية بتاريخ 5/ كانون الأول / ديسمبر / 2011 حول دور الجامعة العربية في الوضع السوري.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: