بتمويل أجنبي مشبوه
سناء بن عاشور تعين وصيّة على الإعلام بتونس
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 13293
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حسب الثورة التونسية فشلا أن يكون مناهضوها في موقع القيّم عليها بعد نصف سنة من وقوعها، وحسب الثائرون بتونس إهانة أن تنتهي ثورتهم تحت الوصاية الأجنبية، وحسب المرأة التونسية سبّا وعارا القبول بأن تكون من بينهن من اللواتي ماعرف لهن من نشاط إلا تسخير الجهد لتسفيه شرع الله ومحاربته، من خلال التعامل مع الأطراف الأجنبية.
أنا أفهم أن تعجز الثورة ورجالها في تعقب مناهضيها بحيث يبقون طلقاء، ولكني لا أفهم كيف يصل الإعياء والفشل درجة يترك فيها لرافضي الثورة قيادتها، فكيف هي ثورة إذن.
جمعية النساء الديمقراطيات المساند التاريخي للاستبداد
فقد أعلنت سناء بن عاشور من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات عن انطلاق عملية رصد وسائل الإعلام في تونس، قبل وأثناء وبعد انتخابات المجلس التأسيسي، بدعم من منظمات دولية وإقليمية أبرزها منظمة "اي ام اس" الدانمركية (1)
عملية المراقبة ذاتها لا مشكلة فيها ولعلها مسألة مستحسنة، ولكن مايهمني هو تناول جوانب أخرى للعملية، وهي جمعية النساء الديمقراطيات المشرف الأهم على هذه العملية التي بدعم أجنبي وقع تنصيبها وصيا على إحدى مسارات الثورة.
لعل عامة التونسيون يعرفون حقيقة جمعية النساء الديمقراطيات، وأنها من تلك الهياكل التي تنبني على فكر علماني إقصائي متطرف، تتخذ من محاربة تنزيل الإسلام بالمجتمع هدفا، وتختص بالذات في مسالة المرأة، وقد جندت النسوة المنتميات لهذه المنظمة كل الجهود لمحاربة المرأة والأسرة التونسية بغرض اقتلاعها من هويتها وإلحاقها بالنموذج المجتمعي الغربي، ووصلت الجرأة بهؤلاء حد المطالبة برفض الصريح من القران مجسما بأحكام المواريث.
ولا تخفي هذه المنظمة المشبوهة تلقيها للتمويلات الأجنبية لتمويل هيكلها ونشاطاتها، مستغلة في ذلك خللا قانونيا تونسيا يسمح بمثل هذه الاختراقات الأجنبية لمحاربة عقيدة البلاد، وزعزعة الاستقرار الاجتماعي، فضلا على التحكم في مسارات الثورة التونسية وتوجيهها حسب مصالح الداعمين الأجانب.
وتاريخيا كانت هذه المنظمة مثل مجمل الجمعيات العلمانية الإستئصالية، الذراع اليمنى والمنظر الفكري لبن علي، فطيلة عقدين كانت هذه الهياكل، ومنها منظمة النساء الديمقراطيات المساند الضمني لنظام بن علي في حربه ضد قطاع واسع من التونسيين ممثلا فيمن سموا بالإسلاميين. ورغم أن الآلاف من الأسر التونسية وقع استهدافها طيلة تلك الحملة، فلم تتحرك هذه المنظمة المعنية بالأسرة بأي موقف، بل كانت ضمنيا تدعم عمليات القمع، ورغم أن الآلاف من النسوة التونسيات وقع استهدافهن، فمنهن من اغتصبت، ومنهن من عذبت، ومنهن من عانت الحاجة المادية والتضييق والعزلة الاجتماعية، فإن منظمة النساء الديمقراطيات لم تساند هؤلاء المعذبات، بل إنها كانت تدعم من طرف خفي حملات القمع تلك.
ورغم أن الآلاف من النسوة التونسيات وقع التعسف على حقهن في اللباس، فتم طرد البعض من العمل وأخريات منعن من التعليم للبسهن الحجاب الشرعي، فإن منظمة النساء الديمقراطيات، لم تتحرك في أمر هو من مجال اختصاصها، بل إنها كانت تساند تلك الأعمال القمعية، لأن الحجاب الشرعي هو مما تحاربه أساسا، فكان أن كفاها بن علي ذلك.
كانت تلك المنظمة المشبوهة تساند مجهودات بن علي، لأنه حليفها الموضوعي من حيث انه يعمل على ضرب الهوية ذات التربة التي تحمل بذور الالتزام بالإسلام، ولان تلك التربة تعيق مجهودات سناء بن عاشور وصويحباتها في نشر أفكارهن، فإنهن سكتن على عمليات القمع الممنهجة، بل إن هذه المنظمة ورغم سطوة القمع المسلط على التونسيين وعلى الهوية بتونس، لم يكفها ذلك، فكان أن طالبت من سلطة بن علي أن يواصل عميلة اقتلاع "الظلاميين والرجعيين" بطريقة جذرية، بحيث اقترحت أن يقع الإسراع بإعادة تشكيل البرامج التعليمية بطريقة "حداثية" لكي يتخلص من الفكر "الظلامي"، بعد أن وقع الانتهاء من ممثليه كأشخاص كما قالت إحداهن، وهي التي ذهبت بعد الثورة لسويسرا تستجدي الدعم باسم منظمتها طلبا للمدد المادي للتصدي للظلامية بتونس بزعمها.
جمعية النساء الديمقراطيات مناهضة للثورة
ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فكان أن وقعت الثورة التونسية، وكان أول المتشائمين منها المنظمات الاستئصالية وعلى رأسهم منظمة النساء الديمقراطيات، لأن هؤلاء لا مصلحة لهم أبدا في الثورة، أي مصلحة وهم كانوا المسيطرون الفعليون على كل مجالات الثقافة والفن والفكر والتعليم بتونس، هؤلاء تعودوا أن يكونوا أوصياء على التونسيين، أما الثورة فإنها تسوئهم من حيث أنها نزعت من بين أيديهم أدوات السيطرة والتوجيه وسلبتهم القيادة، ولذلك فقد حاربوا الثورة وكانوا من اشد مناهضيها، وتوسلوا لذلك كل أساليب المكر والكيد، وهل برع هؤلاء إلا في الإساءة لبلدهم ومحاربة أهلها، بل إنهم تنادوا مع أوليائهم الأجانب ممن تجمعهم وإياهم المصالح، فلم يبخل هؤلاء عليهم بالسند، فكان أن أسرفوا في دعمهم ماليا فكون هؤلاء الاستئصاليون عشرات الجمعيات الصورية التي تسبح كلها في المال الاوروربي والأمريكي، ثم ساندوهم إعلاميا، فكان أن وقع التبني لرموز الاستئصال ومحاربة الهوية، فلم يكد يمر يوم إلا ونرى فيه احد هؤلاء بوسيلة إعلام أوروبية وفرنسية خاصة.
ولسبب ما فإن الثورة التونسية لم تنجح بعد، فتعثرت وتشوش أفقها وأصبحت أهدافها ضبابية، وكان من نتيجة ذلك أن الأطراف المضادة لتلك الثورة والمتخوفة منها، تمكنت من استغلال الوضع لحماية نفسها، بل وعملت على ركوب تيار الثورة، وصورت نفسها بما تملكه من تواجد بوسائل الإعلام، على أنها مساندة لها، بل زعموا أنهم أيضا يسعون لحمايتها، ومن هناك كان مدخل الالتفاف عليها.
وفي مجهوداتهم تلك، فإنهم يعملون من خلال محورين، أولا التغطية على حقيقتهم من أنهم مجرمون من أعوان للنظام السابق طالما خدموه، ثم المحور الثاني، توجيه الثورة لما يخدم مصالحهم هم كأقلية منبتة لاتستطيع ان تعيش في تناغم مع عموم التونسيين ومع هويتهم.
وكتأكيد على نجاح هؤلاء في مخططاتهم، فإنه يكفي التذكير بان منظمة النساء الديمقراطيات التي ساندت الاستبداد ونظرت له ضمنيا ودعمت ضرب الآلاف من النسوة التونسيات وتدمير أسرهن، وحاربت هوية البلاد وتلقت الأموال الأجنبية المشبوهة، كان يفترض أن تعامل كهيكل تابع للنظام السابق، فيقع حلها مثلما وقع حل التجمع الدستوري، كما كان يفترض أن يقع سجن أعضائها مثلما وقع سجن أعضاء النظام السابق، ولكن ما نراه هو أن هذه المنظمة لم تكتفي بان لم يقع محاسبتها، بل إنها نجحت في التمكن من توجيه الثورة من خلال السيطرة على قيادتها، بدعم من أطراف داخلية تشايعها وتجمعها بها نفس الهواجس، وأطراف أجنبية مضادة للثورة، وقد وصل نجاح منظمة النساء الديمقراطيات في مسعاها حد تكليفها بالوصاية على إحدى محطات الثورة، وهي عملية رصد وسائل الإعلام في تونس، قبل وأثناء وبعد انتخابات المجلس التأسيسي، فياله من عار على تونس والتونسين.
وجوب رفض عملية رصد وسائل الإعلام بشكلها الحالي
إذن منظمة النساء الديمقراطيات لا يمكن ولا يجب أن تتبوأ منصب من يقيم عمل الإعلام بتونس، وذلك للأسباب التالية:
- هذه المنظمة أساسا تنتمي للصف المناهض الثورة، وهي إذن طرف غير محايد لتعارض المصالح، مصلحة نجاح الثورة ومصلحة إفشالها.
- تشكيل هيئة تقييم الإعلام بتونس، يجب ان يكون بشكل توافقي بين المعنيين التونسيين، وليس أمرا يدبر بليل، بين أطراف جلهم مشبوهون من حيث قبولهم التمويل الأجنبي
- وجود طرف أجنبي يمول هذه العملية ويسهر عليها، قبول بالتدخل الأجنبي وهو أمر خطير لايجب السكوت عنه، فضلا على ان يكون في نطاق مهمة تمس مستقبل الثورة التونسية
ولهذه الأسباب، فانه يجب على التونسيين وخاصة الإعلاميين، عدم القبول بهذه الهيئة بشكلها الحالي.
----------
(1) عملية الرصد هذه لوسائل الإعلام التونسية نظمها واقرها ائتلاف منظمات غير حكومية يضم الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمجلس الوطني للحريات والنقابة الوطنية للصحفيين ومرصد حرية الصحافة والنشر والإبداع.
ويشارك في هذا المشروع عدة ممثلين عن مجموعة العمل العربية من أجل مراقبة الإعلام والمعهد الايطالي لبحث وتحليل الاتصال.
وتدعمه منظمات دولية وإقليمية أبرزهامنظمة "اي ام اس" الدانماركية التي تعمل في أكثر من 40 دولة على دعم الإعلام المحلي في حالات النزاع وغياب الأمن والتحولات السياسية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: