(74) الثورة فى ليبيا ويقظة الشهية الاستعمارية لألمانيا
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8499
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
فى الثالث من شهر مارس من العام الحالى 2011 كتب "بيتر شوارتز" و"أليكس لانتير" مقالة بعنوان :" الإمبريالية الألمانية والأزمة فى ليبيا" .
Peter Schwarz and Alex Lantier German Imperialism and the Crisis in Libya , Global Research , March 3, 2011
جاء فى هذه المقالة ما يلى :
" منذ عدة أيام مضت ، وفى وقت لم تكن فيه الولايات المتحدة قد بدأت فى الاستجابة للتطورات الأخيرة فى ليبيا ، أرسلت البحرية الألمانية ثلاث سفن حربية مع ستمائة جندى رست على حدود الشاطئ الليبى . كما اقلعت طائرتان مقاتلتان ألمانيتان من كريت إلى ليبيا . وهناك وحدات متعددة من ناقلات الجنود قامت بالتدريب على إجراء عمليات سرية خلف خطوط العدو التحقت بالوحدات الموجودة فى كريت .............
كان التبرير الظاهر لهاتين العمليتين هو الاشتراك فى عملية إخلاء المواطنين الأوربيين من موقع حقل "النافورة" النفطى ، بعد أن واجه العقيد القذافى معارضة جماهيرية داخلية متزايدة ، وانقلب بعض مؤيديه ضده . الحقيقة هى أن ألمانيا قد انتهزت هذه الفرصة لتظهر كشريك كامل مع القوى العظمى فى عملية التدخل الاستعمارى فى ليبيا ، ولاقتسام الغنائم مع هذه القوى.
لكن الواقع هو أن القوى العظمى لم تعلن صراحة أنها أرسلت قوات لها إلى ليبيا . إنها تخشى أن تقع فى شَرَك لا تستطيع أن تخرج منه بسبب المقاومة الشعبية الليبية المحتملة كالذى وقعت فيه فى أفغانستان ، خاصة وأن جماهير الشرق الأوسط بدأت تنهض الآن ضد النظم الديكتاتورية التى تحميها القوى الاستعمارية الغربية .
اندفع الإعلام الألمانى للحديث عن الحظر الجوى المزمع فرضه على السماء الليبية . كما أكدت وسائل الإعلام كذلك على تجميد الأموال الليبية فى الخارج . تُبَرَّر كل هذه الإجراءات على أسس إنسانية قوامها حرية التعبير وحماية المتظاهرين من نظام القذافى الاستبدادى . وهذا لا ينطلى على أحد ، بل إنه موضع للسخرية ، وليس هناك أية مصداقية لهذا القول .
الإجراء الذى قامت به الحكومة الألمانية لم يكن له شبيه فى الحالات المماثلة ، كالحال فى تونس ، ومصر ، واليمن ، والبحرين . فالنظام فى هذه البلدان أطلق النار على المتظاهرين ، ولم تتخذ الحكومة الألمانية من الإجراءات ما اتخذته عند حدوث الاضطرابات فى ليبيا . وهذا يطرح سؤالا مؤداه : لماذا تحرك الرسميون فى الدولة وفى اجهزة الإعلام للدفاع عن هذه الإجراءات ؟ إن ليبيا تحتفظ باحتياطى نفطى كبير ، وتصدر كميات كبيرة منه إلى أوربا ، ولهذا فهى فرصة متاحة لأوربا التى مازالت تترنح بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية فى نهب الثروات الليبية .
أقامت الشركات الألمانية مصالح مكثقة فى ليبيا بعد أن زار المستشار الألمانى "جيرهارد شرودر" ليبيا فى عام 2004، ووصلت استثمارات شركة "باسف انترناشيونال " إلى 2 بليون دولار . ودخلت الشركات الألمانية الصناعية مثل " سيمنز" إلى السوق الليبى ، وحققت أرباحا هائلة .
ليست ألمانيا أقل خوفا على مصالحها من الولايات المتحدة إذا سقط القذافى . لكن المشكلة هنا هى أن القوى المعارضة للقذافى تعارض التدخل الأجنبى للقوى الكبرى . ولقد عانت ليبيا كثيرا من الاستعمار الإيطالى ، ولها خبرة طويلة فى مقاومة المستعمر ، وساعد القذافى على تغذية هذه المشاعر قبل أن يتصالح مع الإمبريالية الغربية.
ان الدفاع عن استثمارات الشركات الألمانية التى أقامتها فى عهد القذافى ، يتطلب من برلين أن تكون قادرة على التهديد باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن هذه الاستثمارات ، وهذا فى حد ذاته سبب قوى لإرسال الجيش والبحرية الألمانية قواتهما إلى حدود الشواطئ الليبية .
نقول بصراحة ..إن هذا الأمر يعنى تأكيد عودة الشهية الاستعمارية لبرلين ، وانبعاث روح التنافس مع القوى الاستعمارية الكبرى الأخرى لاقتسام الغنائم . جاء فى موقع " شبيجل أون لاين " : " ان ألمانيا تلعب دورا نشطا فى البحر المتوسط ، ولا تقدم تنازلات لفرنسا وإيطاليا بحكم رسوخ أقدامهما وصلاتهما السابقة فى المنطقة ...إن تَسَرُّع النخبة الحاكمة الألمانية فى استعراض عضلاتها العسكرية فى ليبيا يعطى فرصة ثمينة لألمانيا للتخلص من مخلفات ما تبقى من قيود مفروضة على الجيش الألمانى بعد الحرب العالمية الثانية . إن التدخل الألمانى فى ليبيا خطوة متقدمة نحو العودة الكاملة لدائرة القوى العظمى . وهذه الخطوة امتداد فى الواقع لخطوتى مشاركة ألمانيا فى كل من حرب كوسوفو ، واحتلال حلف الناتو لأفغانستان .
كل ذلك يتوافق مع الحملة المنسقة التى يشنها السياسيون الألمان للقضاء على مشاعر الشعب الألمانى المضادة للعسكرة ، وهو الأمر الناتج عن خبراتهم القاسية والمدمرة التى نسجتها النازية الألمانية فى الحربين العالميتين الأولى والثانية .
بعد أن استقال الرئيس الألمانى " هورست كوهلر" فى مايو الماضى احتجاجا على انتقاد مقولته :" بإن انتشار القوات الألمانية فى أفغانستان يهدف إلى حماية المصالح الاقتصادية الألمانية ، دافع وزير الدفاع " كارل تيودور ذو جيتنبرج " عن استخدام القوات الألمانية للدفاع عن المصالح الاقتصادية للبلاد .
لقد كانت الحكومة الألمانية المحافظة قادرة على الحفاظ على هذا الاتجاه دون أن تواجه أية عراقيل بسبب عدم وجود معارضة من الأحزاب السياسية المؤيدة لاتجاه البلاد نحو العسكرة والتوسع الاستعمارى ، وقمع مشاعر الشعب الألمانى المضادة لهذا الاتجاه . الذى يؤيد ذلك هو أن رئيس الحزب الديموقراطى الاجتماعى فى البرلمان الألمانى ووزير الخارجية السابق فرانك- والتر شتاينماير عبرا عن ترحيبهما بالعقوبات التى فرضها مجلس الأمن على ليبيا ، وأيدت الحكومة الألمانية ذلك . كما أيد " جيرنوت إيرلر" نائب الرئيس ، الحظر الجوى على السماء الليبية وفقا للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة . علما بأن هذا البند نفسه استخدم من قِبَل الحكومة الأمريكية لتبرير الحرب على العراق .
نضيف إلى ذلك أن زعيمة حزب الخضر " كلوديا روث" هاجمت الحكومة الألمانية بسبب موقفها المتساهل من ليبيا ، وقالت إن العقوبات الأوربية على ليبيا جاءت متأخرة بل إنها أكثر من متأخرة ، كما انتقدت تقاعس الاتحاد الأوربى إزاء ليبيا ، ودعت الحكومة للمساعدة فى صياغة سياسة أوربية حازمة ضد القذافى مرتبطة بخطة واضحة فاعلة وسريعة وموحدة .
أما حزب اليسار ، فقد وافق الأحزاب الأخرى وأحجم عن توجيه الانتقاد للحكومة الألمانية بسبب نشرها قوات بحرية على الشواطئ الليبية ، ولم تقدم " كريستين بوشهولز " العضو التنفيذى للحزب أية معارضة ذات مبدأ للتدخل الألمانى فى ليبيا مصرة أن على أن التخلص من القذافى يقع على عاتق الشعب الليبى وليس القوى الاستعمارية " .
هذا ويمكن حصر ما انتهى إليه الكاتبان فيما يلى :
أولا : أنهما أكدا أن الاضطرابات الليبية قد جعلت الفرصة سانحة لغزو ليبيا ونهب ثرواتها ، خاصة وأن الخطوات التى اتخذتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى جانب التحركات العسكرية تشابه خطوات مرحلة ما قبل غزو العراق . كما أن الحظر الجوى على السماء الليبية بحجة حماية المتظاهرين قد يكون لمنع الطائرات الليبية من التعرض للقوات الغربية المهاجمة. ومن هنا فإن كافة تبريرات التدخل المغلفة بالاعتبارات الإنسانية ليست ذات مصداقية . أما التردد فى اتخاذ هذه الخطوة فيرجع إلى الخوف من أن تكون ليبيا أفغانستان أخرى بفعل المقاومة الليبية ذات التاريخ الجهادى ضد الإيطاليين .
ثانيا : أن هذه الاضطرابات الليبية قدمت الفرصة الثالثة لألمانيا للخروج من القيود التى قيدتها بها دول أوربا ، وخاصة من الناحية العسكرية بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية ، كما أن الخلاص من الحظر الأوربى على عسكرة ألمانيا ، سيتيح لها الدخول فى دائرة الدول العظمى واقتسام الغنائم معها. وهذا ما تؤيده الحكومة ومختلف الأحزاب الألمانية بما فيها أحزاب اليسار.
لكنه من المهم أن نعرف أن هذين الكاتبين يساريان الفكر فى الأصل كما يظهر ذلك فيما قالاه فى نهاية المقالة سالفة الذكر . يقول الكاتبان :" إن القضايا السياسية والاجتماعية التى دفعت بالملايين إلى الخروج إلى الشوارع فى دول الشرق الأوسط والمغرب وما ارتبط بها من الاحتجاج على الفقر، وعدم المساواة ، والافتقاد إلى الديموقراطية ، لا يمكن أن تحل فى إطار النظام الرأسمالى . إن الصراع من أجل الديموقراطية يرتبط بقوة بالصراع من أجل سلطة العمال ، والتحول نحو المجتمع الاشتراكى فى منطقة الشرق الأوسط وعبر العالم . إن على العمال الألمان أن يتضامنوا مع العمال الليبيين والعرب لمعارضة أى تدخل عسكرى والدعوة إلى التعبئة ضد مستغليهم فى الداخل ، ولكن على أساس سياسة اشتراكية دوليه".
( انظر فى تعريف اليسار وخطر الفكر اليسارى : أحمد إبراهيم خضر ، اليسار: عدو خطر يدعو إلى تدمير الزواج والأسرة والدين والثقافة ، قراءة فى وثيقة أمريكية )
www.alukah.net/Culture/0/23076/
ما نستخلصه من هذه المقالة للكاتبين الألمانيين اليسارين هو أن الغرب يسعى إلى احتلال أراضينا أو إقامة قواعد عسكرية فيها على الأقل ، ونهب ثرواتنا تحت شعار الديموقراطية التى يروج ويخطط لها . ورغم سقوط الشيوعية ، ورغم أن المسلمين ذاقوا الويلات فى ظل الحكم الشيوعى ، فإن أصحاب الفكر اليسارى سواء فى الداخل أو الخارج لا يزالون يدعوننا إلى نفس طريقه . والمتظاهرون سواء فى مصر ، أو فى تونس ، أو فى ليبيا ، أو فى العديد من البلدان العربية يرددون دون أن يدروا شعارات هذين النوعين من الفكر . ويعتقدون أنهم يدعون إلى الحق ، والعدل ، والمساوة ، ورفع الفقر والظلم ....الخ . وغاب عنهم الطريق الحقيقى الذى يجب أن يسيرون فيه ويرفعون لواءه لتحقيق ما يهتفون به ويدعون إليه . يقول الأستاذ "أحمد بوادى" فى مقالته عن الثورة المصرية والثورة التونسية : " من قال أن الحق ينصره الباطل - كالديموقراطية - وهو الذى يجادل لدحضه ؟ ، ومن قال أن راية الحق ترفعها عصابات الباطل – كأهل اليسار - وهي التى تخاصمه ؟ إنه وإن كان ولا بد من المناداة لهذه الثورات فلا بد وأن تكون راياتها من أجل دين الله ليتحقق أمنهم وإيمانهم ، وشرع الله كفيل بضمان معيشتهم الطيبة وحياتهم الآمنة ".
www.myportail.com/actualites-news-web-2-0.php?id=3081 (بتصرف)
المصدر:
نقلا عن مجلة المجتمع الكويتية (www.magmj.com )
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: