د - ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7303
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تمر هذه الأيام الذكرى السبعون لاندلاع الحرب العالمية الثانية. ففي 1 / أيلول ـ سبتمبر / 1939، اندفعت الجيوش الألمانية مقتحمة أراضي دولة بولونيا التي كان استقلالها بضمانة بريطانيا وفرنسا اللتان تعهدتا بمساعدة بولونيا، وضمان كيانها السياسي.
ومن المفيد التذكير، بأن الألمان قاموا بخدعة / ذريعة، اتخذوا منها مبرراً لاختراقهم سيادة بولونيا، وذلك بأن قامت المخابرات الألمانية بتدبير سيناريو / حادث، إذ البسوا عدد من السجناء المحكومين بالإعدام، ملابس الجيش البولوني النظامي، ومن ثم القيام بهجوم على محطة إرسال إذاعية داخل الأراضي الألمانية، فدمروا شيء من المبنى، فأعدمهم الألمان، ثم التقطوا الصور الفوتوغرافية والسينمائية وأذاعت وسائل الدعاية الألمانية بأن الهجوم البولوني عدوان صريح على الأراضي الألمانية. وأتخذ الألمان من هذه الخدعة، ذريعة لشن الحرب في اليوم التالي مباشرة بمبرر لا ينطلي على أحد: تعقب آثار من دمر محطة الإذاعة، ولكن الجيش الألماني لم يتوقف إلا بعد احتلال كامل أراضي بولونيا وعاصمة البلاد وارسو. وقد حفلت الحرب بأحداث ودروس سياسية / استراتيجية هامة، جديرة بالدراسة والاهتمام، لم تلغيها مرور سبعون عام على بدئها أربعة وستون عام على انقضائها.
ولكن هل انتهت الحرب العالمية الثانية في أيار ـ مايو / 1945 حقاً ....؟
الحروب هي حرفة استعمارية، وهي حروب توسع واستغلال اقتصادي، وكسب مواقع نفوذ، وهي سياسة تنتهجها الدول الاستعمارية في إطار استراتيجية شاملة تتلاحم فيها الأهداف السياسية والاقتصادية بصورة يصعب فصمها.
يكتب الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، وهو من اقدر الرؤساء الأمريكان، في مؤلف نشر في نيويورك وبرلين في آن واحد عام 1980 بعنوان: هكذا فقدنا السلام(So haben wir den Frieden verloren)، الحرب العالمية الثالثة قد بدأت. ما يهدف إليه المؤلف القول، هو أن الحرب العالمية الثانية توقفت في أيار 1945، على الجبهات مع ألمانيا النازية، ولكنها لم تتوقف قط على جبهات أخرى في قارات شتى، بما في ذلك أوربا نفسها، فخطوط المواجهة بين المعسكر الاشتراكي والرأسمالي لم تكن تخلو من مخاطر الحرب.
ويعدد الرئيس الأمريكي في إحصائيات مثيرة، إنتاج الأسلحة، وهي تفوق كثيراً عن مثيلاتها خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن مع زيادة هائلة في قوتها النارية، فقد ازدادت حمولة الطائرات عشرات المرات، بحيث غدت طائرة حربية واحدة تعادل في قوتها النارية ربما عدة أسراب من الطرازات القديمة، وذلك يسري على المدرعات، والسفن الحربية أيضاً. وفي استطراد للإحصائيات، نلاحظ تصاعد أعداد قتلى الحروب، وأتساع رقعة المعارك لتشمل ساحات كثيرة في جميع القارات.
وبرغم التطور في التكنولوجيا شمل أنظمة الأسلحة أيضاً، فالطائرات البعيدة المدى تطير دون الحاجة للهبوط والتزود بالوقود، كما أن مديات حاملات الطائرات العاملة بالوقود النووي ألغت الحاجة الماسة للقواعد البحرية، وشمل التطور كذلك الغواصات النووية، سواء في اتساع دائرة عملياتها الهجومية، أو في حمولتها من الأسلحة التقليدية والنووية العابرة للقارات، ما زالت القوى العظمى والولايات المتحدة بصفة خاصة، لا تستبعد خيار إقامة القواعد بمختلف صنوفها، وقد أدرجت في القائمة أيضاً قواعد للتجسس والتصنت على من تفترضهم الولايات المتحدة خصوم لها، وبمهمات استعمارية تقليدية، ففي المرحلة من 1945 ـ 1975 كان للولايات المتحدة أكثر من 2000 قاعدة عسكرية في أكثر من 30 بلداً تضم بمجموعها 600 ألف عسكري من تلك أقطار الشرق الأوسط.
وبشير الجدول التالي إلى أتساع الحروب الاستعمارية في مختلف القارات:
الحروب والنزاعات المسلحة التي خاضتها الدول الاستعمارية في المرحلة من 1945 ـ 1975
وفي إلقاء النظرة على البدائل والخيارات، إننا سنلاحظ أن أساليب الولايات المتحدة في تنفيذ سياساتها واستراتيجيتها متعددة. وبالرغم من الاستخدام الكثيف لنفوذها السياسي، والاقتصادي، وهيمنتها على المؤسسات الدولية في هذا المجال(مجلس الأمن، والمنظمات الاقتصادية الدولية) إلا أن من المدهش حقاً أن يكون لجوئها للخيار العسكري هو المفضل، فهناك دراسة من الجمعية الجغراسياسية (Geopolitik) تشير إلى أن الوسائل الأخرى لا تبتعد عن الخيار المسلح في الدبلوماسية، أو في الاقتصاد. والعقوبات في هذا المجال ستبقى عديمة الفاعلية والتأثير إذا لم تكن مصحوبة بالقوة المسلحة، لذلك فإن القوة العسكرية تبدو ضرورية لخوض غمار الصراعات المسلحة، وستكون الأساس لدبلوماسية ناجحة.
ولكن يجدر بالملاحظة، أن وسائل تحقيق أهداف الاستراتيجية الأمريكية تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الدولية المتغيرة، والتوازن الدولي، وقد أرغمت هذه الظروف الولايات المتحدة وحليفاتها على تغير تاكتيكاتها مراراً أبان اشتداد نضال حركة التحرر العالمية وتأثير الاتحاد السوفيتي وبلدان المنظومة الاشتراكية. بيد أن معسكر الإمبريالية العالمية يجنح نحو استخدام الحرب جنوحاً قوياً، بل وقد يبالغ في استخدام القوة المدمرة بصرف النظر عن الآثار المدمرة لها.
وكمثال بسيط على تطور الأسلحة واستخداماتها، وكثافة الجهد الحربي، فقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها في حربها ضد العراق 1990 ما يلي:
650,000 جندي
2,780 طائرة ثابتة الجناح (عدا الطائرات السمتية، والطائرات المدنية المساندة للحملة).
112,00 طلعة جوية، وهو ما يعادل المجهود الجوي في فيثنام لمدة 8 سنوات.
108,921 طن متفجرات، وهو ما يعادل 6 قنابل ذرية من تلك التي ألقيت على هيروشيما.
483 صاروخ كروز.
4,938 دبابة.
3,744 مدرعة.
1,079 مدفع.
220 قطعة بحرية حربية(عدا السفن المدنية المساندة للحملة).
وبرغم أن الولايات المتحدة تمتلك هيمنة سياسية واضحة على مسرح العلاقات الدولية، فتستغل مكانتها كدولة عظمى، سياسياً واقتصادياً، إلا أننا نلاحظ أن الخيار العسكري ما يزال المفضل لديها، وهو أمر مدهش حقاً، فلا تكاد تمر سنة واحدة أو بضعة سنوات دون أن تشن الولايات المتحدة عدواناً مسلحاً هنا، وتهديداً باستخدامه هناك، ناهيك عن الاستفزازات المسلحة، والكثير من تلك الفعاليات تتسم بصفة مؤكدة، هي مخالفتها لقواعد القانون الدولي، ولشريعة الأمم المتحدة وللاتفاقيات الدولية.
وبعد انقضاء الحرب العالمية الثانية، اتجهت الولايات المتحدة إلى تشكيل الكتل السياسية والاقتصادية والعسكرية، وما حلف الناتو إلا أحد أبرز هذه الأدوات الذي يجسد تلاحم الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة وللتحالف الذي تقوده.
وقد شنت الولايات المتحدة الحروب المريرة، في مناطق عديدة من العالم، ويندر أن شعباً لم يذق الرصاص الأمريكي، ولكن جميعها قادت إلى هزيمة الولايات المتحدة مادية ومعنوية وأخلاقية وغدت وبالاً عليها وعلى تاريخها الملوث بدماء الشعوب. فخسائرها الباهظة في فيثنام: 47 ألف قتيل وجريح وأسير، 155 مليار دولار خسائر مالية، بالإضافة 1429 طائرة، 1122 معدات نقل عسكرية، أدت لعقدة لدى صانعي القرار، بيد أن نهاية الحرب الباردة أوحت للأمريكان أن الساعة قد حانت لفرض الهيمنة النهائية، قبل أن يتحول التنين الأصفر (الصين) إلى مارد عالمي، وتستعيد روسيا أنفاسها وتعود لممارسة دورها كدولة عظمى.
وبزوال الشعار الديماغوجي " الخطر الشيوعي "، كان على الولايات المتحدة إيجاد(اكتشاف / اختراع) مخاطر تمثل القاسم المشترك الأعظم بين المعسكر الذي تقوده، الآيل للتفكك بعد زوال الاتحاد السوفيتي، وأن تلعب الولايات المتحدة الآن حقاً دور الدركي العالمي، فهي من يفسر القواعد وهي من يعمل على تصحيح ما تراه خطأ، وتضع الشعارات الجامعة للقوى تحت لواءها بمسميات: الإرهاب. ولكن هذه الأحلام ستتحول بدورها إلى كابوس لا يقظة منه وعقدة لا شفاء منها، في السياسة الأمريكية في هزيمة تلوح أبعادها منذ الآن في أفغانستان والعراق.
ومكافحة (الإرهاب) شعار دونكيشوتي دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى أكبر عمليتي غزو (أفغانستان والعراق) تفوق تلك التي خاضتها في فيثنام وكوريا، فهناك 68 ألف جندي أمريكي في أفغانستان، عدا قوات الناتو المؤتلفة تحت قيادة قوة أساف، وقواتها المنتشرة في العراق بتعداد يبلغ 138 ألف جندي أمريكي عدا القوات الحليفة الأخرى وتعدادها 24,956 ألف، هذا عدا القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية واليابان والفلبين، وفي أوربا، وأعداد لا حصر لها من المدربين والخبراء والمستشارين المنتشرين في عدد كبير من دول العالم، مستنفرين معهم احتياطييهم العلني والسري من الجواسيس والخونة وسقاطة المجتمعات.
الولايات المتحدة والتحالف الغربي لا ينكرون سياسته القائمة على التوسع، ولا ينكرون أهدافها، ولا يمكن أخفاء طابعها العدواني المخالف لقواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية، وجل ما يفعلونه بعد كل مجزرة بشرية يقومون فيها بإبادة بشرية منظمة وبأساليب متقدمة، بأنه كان خطأ جزئي من أخطاء الحروب، أما لماذا الحرب أساساً...؟
لماذا عندما يخالفكم احد الرأي تشنون الحرب عليه ..؟
لماذا ترون في ثقافة الآخرين خطر عليكم .. ؟
لماذا يستفزكم الحجاب، وهو مجرد زي من أزياء البشر ..؟
شعار الديمقراطية عندهم هو: دعنا نسرقك وننهبك وإلا نظامك الاقتصادي متخلف.
دعنا نحتلك ونقتل من نشاء وإذا لم تقبل فأنت إرهابي.
دعنا نشتمك بأقذر الأساليب وأكثرها خسة، وإذا غضبت فأنت عدو لحرية الصحافة.
الحرب هي الإجابة الحقيقية على هذه التوجهات (الديمقراطية) في الفكر السياسي الغربي القائم على النهب والاضطهاد والتوسع والعدوان.
من يحاسب تجار الحروب الذين يرسلون جيوشهم المدججة بأحدث الأسلحة لقتل الشعوب ..؟
لماذا تحاكم المحاكم مجرمين قتلوا شخصاً واحداً ويزجون به في غياهب السجون، ويفلت قتلة الشعوب ..؟
لماذا أصبح لحم أبناء شعوب البلدان المظلومة مشاعاً لذئاب الحروب الاستعمارية ..؟
بأي حق يدعي هؤلاء المجرمون التحضر والديمقراطية وهم أشد أعدائها ..؟
هي أسئلة لا إجابة لها ..
القوة في تنفيذ الإرادة السياسية.
القوة بدل العقل.
السلاح مقابل صولجان الحكمة.
هي حرفة تدور، المنتصر يذبح الخاسر بوحشية تفوق بكثير وحشية الضباع .. أنسوا رجاء الحديث عن الإنسانية، والعدالة، والديمقراطية، حقوق الإنسان، فهذه مصطلحات تضليلية. فهناك بلدان وشعوب تتعرض للأبادة يومياً، ويقتل خيار الناس فيها جهاراً نهاراً، والقاتل يكافأ علناً، وتدان الضحية .. وتمارس فيها حملات التصفية العرقية والطائفية، وهذا يدور أمام أعين قوى التحضر العالمية التي تعيث بجنون القتل والتدمير في فلسطين والعراق وأفغانستان وأمام عدسات التلفزة .. ويدعون شعوبها لاحترام إرادة القاتل وهوايته بالقتل، وإبداء التفهم لأسباب الهوس الجنوني في القتل والإبادة، نحن أقمنا الهولوكوست، وأنتم تحملوا نتائج عقدة القتل، بل ويتهم من يحاول بوسائل بدائية إيقاف الضبع من نهش لحوم الأطفال والنساء والشيوخ بالإرهاب .. يا للعجب ..!
ضمير العالم من الحجر
تعساً لاحتفالات ومراسم السلام المزور .. الحرب العالمية تدور كل لحظة ......!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: