د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8734 drdurgham@yahoo.de
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أهم المحطات في فكر ميكافيلي:
هناك جمل من كتابات ميكافيلي، -في المراجع- والتي تتداول في الأعمال، لا يكاد يفهم من سياقها ماذا يريد ميكافيلي قوله ..! ولكن هناك أيضاً جمل ذاع صيتها، وبالمقابل فإن بعض الجمل القصيرة، لها مؤشراتها في يومنا هذا.
وقد نشرت مجلة فوكوس الألمانية الواسعة الانتشار، بعض من تلك النصوص والجمل، قامت المستشارة في فوكوس كرستينا باور ـ يلينكا (Christine Baur- Jelinek) بالتعاون مع فريق فوكوس بجمع بعض من هذه النصوص المهمة وسوف نقوم بعصرنة (Modernization) النصوص الميكافيلية، ونمنحها بعداً يتفق مع الموقف في العلاقات الدولية المعاصرة. (12)
1. " الواجب الأساسي لأي أمير هو: أن يحمي نفسه من الكراهية أو قلة الاحترام ".
يحث ميكافيلي الأمير (الحاكم) على خلق إطار من الاحترام له ولمنصبه، وأن يقاوم الجهات أو الأشخاص الذين يحاولون ألحاق الضرر بمؤسسة الحكم. ولكن ميكافيلي لم يقل كما عبر عن ذلك سقراط وأفلاطون بصراحة تامة، أن على الدولة والأمير احترام القوانين ومنا ستكتسب الدولة والأمير (الحاكم)احترام المواطنين.
2. " الغرض (الهدف) يبرر الواسطة ".
هذا النص لم يقله ميكافيلي أبداً، والأرجح أن المؤرخين والنقاد وضعوا هذا النص كإجمالي لأفكار ميكافيلي، لتقارب هذا النص في فحواه مع مجمل آراءه. ومن ثم فإن هذه المقولة تخدم البعض ممن يريدها كمبرر وآلة يستخدمها من يريد الحفاظ على حكمه بأي ثمن. وعلى كل حال فإن ميكافيلي كان يتقلب في كتاباته ضد الحكام، ولكن عندما يدور الأمر بصفة الحاكم كشخصية، فتحتل المصلحة العامة وبصفة دائمة في المقدمة متغلبة على الاهتمامات والمصالح الفردية للحكام، فالأمر هكذا، أي أخلاقيات تكمن وراء الأمر، إن كانت حيل، أو أساليب غير متعارف عليها، أو باستخدام أساليب غير شريفة. من أجل الاحتفاظ بالسلطة من أجل أغراض شخصية أم من أجل المصلحة العامة.
3. " على الأمير أن لا يظهر نيته أبداً، بل عليه قبل ذلك أن يحاول بكل الوسائل بلوغ هدفه ".
تصب هذه المقولة في نظرية اقتصاد القوة. وهي من تدابير الحنكة في إدارة الأزمات السياسية واحتمالات تصاعدها. يجب أن يبقى سقف القرار السياسي أمراً مجهولاً حتى للعناصر العاملة في الإدارة، وبتقديرنا، فإن الأمير الحديث ليس عليه أن يضع سقف الموقف في المراحل التمهيدية للأزمة، بل أن توارد المعطيات حتى أكثرها حداثة قد تمنح صورة الموقف بعداً جديداً يستحق أن يدخل في عداد عناصر الموقف العام كمعطى يستحق الانتباه والاعتبار، وعلى كل حال بتقديرنا أن هذه من الموضوعات الحساسة في قضايا اتخاذ القرار السياسي، ولها علاقة بالسجال الاستراتيجي، حيث ينبغي دراسة المعطيات المؤثرة على القرار السياسي دراسة وافية نزيهة بعيدة كل البعد عن أحكام الهوى، ومنح المعطيات قيماً رياضية من أجل التوصل لأدق القرارات وأكثرها صواباً.
4. " إن كنت قوياً، إذن أبدأ معركتك هناك حيث تتمتع بالقوة، حيث بوسعك أن تحتمل الهزيمة "
فيما يتعلق الأمر بالعمل السياسي المعاصر: الجزء الأول نصيحة جيدة للمفاوض أو حين مباشرة الفعاليات العملية، فمن المفضل إدارة المحادثات أو العمليات، في اتجاه قطاع أو حقل معين، حيث بوسعه تسجيل النقاط لصالحه، وعندما يجد المرء نفسه في موقف ضعيف، عليه أولاً أن يشخص ويعالج نقاط ضعفه. ففي المعركة ينبغي الاقتصاد في القوى، ومن ثم فقط عليه أن يزج في المساجلة، تلك العناصر التي إن خسرها فبوسعه تعويضها بسهولة، ولا تؤثر على مفردات الموقف العام وحيث بوسعه تقبل الأمر بسهولة تامة أو نسبية.
5. " قم بإبادة عدوك بصفة نهائية "
يوجه ميكافيلي النصيحة للأمير، بقوله: إن بعض من يسعى صنع سيرة لامعة يحاول بإصرار، إزاحة منافسيه عن طريقه بأسلوب المكائد والدسائس. وهذا على أية حال فهذا أسلوب الغوغاء ومن ينتهج أساليب غوغاء، يحط من قدره، ويضعف بذلك موقفه. ومن الأفضل بدرجة كبيرة، هو أن يجهز على خصومه، سياسياً، أو إذا كان بمقدوره أن يسحق في الميدان فعليه أن لا يتردد وينهي هذه الصفحة لكي يتسنى له التفرغ لمعالجة صفحة أخرى.
إن سحق العدو أو الخصم في العلاقات الدولية المعاصرة، هو أمر لابد أن يؤخذ في الحسبان القانون الدولي والرأي العام الدولي، وكذلك المنظمات الدولية التي تمنح العلاقات الدولية المعاصرة صفة قانونية وفي مقدمة تلك: منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن المنبثق عنها.
ولكن إبادة العدو قد تعني نزع قدرة التفوق لديه، سياسياً واقتصادياً، وإعلامياً، ونزع التفوق يعني منح قضيتك الغايات المسببة لها (Motivationn) وينبغي أن تحاول أن تجعلها أهداف شرعية في تقديرات القوى المؤثرة، وإحاطة القضية بحلفاء لهم مصلحة في نجاح هدفك، واستخدام كل السبل المفضية إلى هذه النتيجة، والمناورة بمعطيات الموقف، وقد يكون هامش المناورة محدود، لذلك على القيادات السياسية الانتباه لردود الأفعال المؤكدة والمحتملة.
6. " يجب استخدام كل وسائل القوة دفعة واحدة، إذ سيكون لها فيما بعد، تأثير أقل، بل وربما ستنسى، أما الأعمال الطيبة تستخدم تدريجياً وفقط بعد تحقيق التفوق، وبذلك ستنال التقدير ".
هذه استراتيجية عمل مهمة في السلم والحرب، وحتى في الإدارة. وهي تنصح الأمير (الحاكم ـ المفاوض) أن يستخدم قوته مرة واحدة للإجهاز على المقابل، فاستخدامها التدريجي قد يعرضها للإبادة التدريجية، وفي المفاوضات من أجل خلق موقف قوي لا يملك المقابل سوى التراجع وتقديم التنازلات، أما في الإدارة، فأستخدم صلاحياتك كلها عاقب المخالف والمقصر، وكافأ المجد في العمل والإنجاز.
7. " ليس بوسع المرء تفادي المعركة، إذا كان العدو يسعى لها بإصرار ".
لن يسعى للمعركة من لا يجد ضرورة قصوى في ذلك، أو عندما يكون ذلك هو الحل الأوحد، ولكن موقف المقابل هام ومؤثر، وإذا شعر الأمير أن المقابل قد وضع المعركة نصب عينية لا محالة ولا يلوح بصيص تراجع، آنذاك تصبح المعركة أمراً محتوماً، وعلى الأمير أن يضع كل قواه في استقبال الأخطار القادمة تحسباً ووقاية.
إعلان الحرب يمكن أن يحدث: عندما يتجاوز أحد الأطراف نقطة يعتبرها الطرف الآخر أنها ماسة بشكل خطير بمقومات أمنه، ومن شأنها أن تزعزع أسس وكيان الدولة. ردود الفعل لا ينبغي لها أن تؤسس على الغضب، في مثل هذه المواقف، بل ينبغي أن تكون ردود الأفعال هادئة ولا تدل على التشنج، الرد بهدوء ولكنه رد يضرب بقوة وبصورة منهجية (على أهداف محددة) الاستراتيجية الجيدة يمكن أن تغطي نقاط الضعف، وربما أن تحيلها إلى قوة، وتنفع في إطار التحالفات التي يمكن أن تحدث في هذه الحالات.
هناك بعض الدول تعلن بوضوح عقيدتها السياسية / العسكرية (Military Doctorine) الخطوط الحمراء التي بتجاوزها، يتعرض السلم لمخاطر جدية، وهي على الأرجح تلك الفقرات التي تشكل مخاطر جسيمة للأمن القومي.
8. " في الحرب يحتاج المرء للانضباط أكثر من الغضب "
الاندفاعات العاطفية الغريزية، تمثل في العمل بصفة عامة من المحرمات المطلقة. ومن يهتاج في كل مناسبة، أو لا يستطيع أن يروض نفسه، عليه أن يعلم أنه قد يخسر المعركة أو المفاوضة برمتها المؤسسة على رد الفعل الغاضب، بل عليه أن يظهر أحياناً أن الأمر أقل من مما يستحق الهياج، فذلك يعني، أن ما حدث لا يزال يقع ضمن مدى تصوره وقدرته للتحكم بسير الأحداث.
في الحرب أو في السياسة، لا بد إظهار أقصى درجات الكياسة، والابتعاد عن ما يدل على التزمت أو الاستخفاف، وقد يكون الغضب، هدف يسعى له الخصم لدفعك إليه من أجل أنهاك القوى العقلية، ذلك أن الغضب يحجب قدر مهم من الطاقات العقلية لمفاوض والمحارب على حد السواء.
9. "من يمتلك السلطة ولا يعاقب على الخطأ، على أن لا يخطأ مرة أخرى، سيحسب عليه أنه غير مقتدر وجبان "
هذه الجملة الرئيسية سارية المفعول في عصرنا هذا أيضاً، فعلى القائد السياسي والإداري أن يلتزم بدقة العمل وأن لا يسمح بأي تهاون يقود إلى الانفلات والتصرف خارج الخطة.
وفي كل الأحوال والواجبات لا ينبغي التنازل عن الخطأ، والتصرف بحزم ضد مرتكب الخطأ، وقد لا يكفي التعهد بعدم تكرار الخطأ، أو الاكتفاء بأبعاد المخطأ، وفي حال تكرر الأخطاء، فأن ذلك سيسجل كحالة على القائد الإداري والسياسي نفسه.
10. "الصداقة بين السادة ينبغي أن تكون بحراسة الأسلحة "
عصرنة هذه المقولة في السياسة الدولية: لا توجد صداقات حقيقية بين الحكام، لذلك على المرء أن لا يمنح ثقته مطلقاً لحاكم آخر، أو دولة بدولة أخرى، وإذا أظهر الحاكم ضعفاً في موقفه، فمن الممكن أن تستخدم هذه ضده كسلاح.
وأبرز دليل على ذلك: هو استمرار وجود حلف الناتو (NATO) رغم اختفاء حلف وارسو من المسرح الدولي، بل وتفكك المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي، والأمر لا يقتصر على وجود حلف الناتو، بل يجري العمل على توسيعه.
وقد يستغرق وقتاً ليدرك قارئ غير مختص بالعلوم السياسية، أن الموقف على مسرح العلاقات الدولية قد لا يتأثر كما يشاع بالصراعات بين الكتل على أسس أيديولوجية، بل تتدخل العناصر الجيوبولتيكية(Geopolitic) أولاً، ثم المصالح الاقتصادية، ثم الموقف الاستراتيجي العام، فاليابان اتخذت موقفها من الولايات المتحدة الذي قاد للحرب مع أن الأنظمة السياسية في الدولتين كان متشابهاً، وتحالف الاتحاد السوفيتي مع الغربيين ضد ألمانيا، مع أن ألمانيا كانت بلداً رأسمالياً، والموقف الأطلسي (الولايات المتحدة وغرب أوربا) من روسيا له جذوره التاريخية، وبدور روسيا الحالي والمستقبلي في أوربا والعالم.
والسياسة المعاصرة تستخدم مصطلحات كهذه:
* التحالفات المسلحة.
* سلام تحرسه المدافع.
* المعاهدات المضمونة تعزز الثقة بين المتحالفين.
* لا توجد صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، توجد مصالح دائمة.
* ثق بنفسك وبقدراتك أولاً.
* لا تكن طرفاً غير موثوق، كن قوياً مرهوب الجانب.
11. " ليس من يعمد لاستخدام السلاح أولاً، هو المحرض على الشؤم، بل من هو بحاجة لذلك "
تصعيد الموقف وصولاً إلى حد الصراع المسلح، ذروة قد أستغرق بلوغها مراحل قبل أن تبلور قناعة بفشل العمل السياسي، آنذاك فإن استخدام القوة المسلحة، بدرجات مختلفة، قد تمنح الموقف معطيات جديدة، تدعو الأطراف إلى إعادة الحسابات.
ربما في حالات معينة، يكون فيها الهجوم أفضل وسائل الدفاع، وفي ذلك استباق لموقف لا يريد أحد الأطراف بلوغه، أو إجهاضاً لتنامي قوة غير مرغوبة ستضيف إلى أحد الأطراف قوة مضافة. ومن يؤنبه ضميره في هذه الحالات، سيسقط صريعاً في الميدان.
" الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى " مقولة شهيرة للأستراتيجي الألماني الشهير كلاوس فون فيتز (Klaus von Witz) التي سادت عالم ما قبل الصواريخ البالستية التي جعلت من الحروب الشاملة خياراً مستبعداً بسبب امتلاك القوى العظمى لأسلحة دمار شامل (نووي، نيوتروني، بايولوجي، كيماوي) تكفي لإبادة العالم عدة مرات.
ومن ثم فإن التنافس في الحصول على مزايا اقتصادية وسياسية، هي العنصر المرجح، والدليل الأحدث على ذلك، السباق القائم على قدم وساق لنيل المكاسب والمغانم في أفريقيا، التي وبرغم النهب الاستعماري / الإمبريالي، فأنها ما تزال توصف بأنها قارة بكر تقريباً، والقرن الحالي والقادم هو قرن المواد الخام.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: