البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الديون الدولية بوصفها إحدى معوقات التنمية -2-

كاتب المقال د. ضرغام الدباغ - برلين    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 11485


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


وهكذا تحولت ظاهرة ديون البلدان النامية إلى أداة سياسية حيال حكومات تلك البلدان واقتصادياً من أجل إحكام ربط الاقتصاديات الوطنية إلى الرأسمالية الصناعية العالمية، وتبدد الاعتقاد الذي ساد لفترة قصيرة بأن حجم ديون البلدان النامية سيكون عقبة في وجه الدول الصناعية المتقدمة أو في التجارة العالمية، بل أنها تحولت إلى موارد نقدية صافية من خلال العمليات التي تجيد إدارتها وفي تحديد سعر الفائدة والاقتراض لتسديد الاقتراض والفائدة والربح المركب الناجم عن التأخير في تسديد الديون وإعادة الجدولة.

وحسب التقديرات، فإن البلدان النامية صدرت 7 مليار دولار كصافي أرباح للديون، ما لبث أن أرتفع إلى 56 مليار دولار عام 1983، وإلى 74 مليار عام 1985. وفي نفس العام (1985) كانت القروض إلى البلدان النامية لم تتجاوز 41 مليار دولار، ولكنها في نفس الوقت استلمت أقساط ديون قديمة بلغت 114 مليار دولار، وإن تحويل الأرباح والفوائد على الديون وخدمة الدين يقدر بين عامي 1982 و1987 أي أن أرباح الديون تلتهم حتى الزيادة المحتملة.

وتتجاوز ظاهرة الديون (في مرحلة الثمانينات) عمق الأزمة التي تطرحها الأرقام والإحصائيات إلى تفاصيل ومفردات أخرى في آليات النظام الرأسمالي في مقدمتها ما يدور في أسواق النقد الدولي والحركة الواسعة النطاق للرأسمال الذي غدا دولياً بصورة متسارعة في المصارف العالمية ككتلة مالية في حركة يومية تبلغ أرقاماً فلكية، وإذا علمنا أن المعدل اليومي لدورة رأس المال في السوق الأوربية للدولار في لندن يبلغ 300 دولار مليار يومياً، وفي باقي مراكز تبادل العملات 10 مليار دولار يومياً، أي ما يقارب 35 ترليون دولار في العام الواحد.

وعدا أن هذه الحركة تدر فوائد وخدمات، فإن ظاهرة تبدل أسعار العملات والذهب وأسعار الفائدة على الإيداعات، والحركة السريعة الإيقاع لسوق الأوراق المالية (الأسهم والسندات) وجميع هذه الفعاليات التي حلت بقوة في الاقتصاد الرأسمالي، أو أنها تطورت على نحو بالغ، غدت إحدى سماته الأساسية في المرحلة المعاصرة، وغدت البنوك تلعب دوراً قيادياً مهماً فقي حركة راس المال المالي، وتعاظمت أهميتها لا سيما بعد انتهاء العمل بقاعدة برتون وودر التي أقرت عام 1944 على اساس أن الدولار هو العملة الوحيدة القابلة للتبديل بالذهب (35 دور للأوقية الواحدة) وإنهاء العمل بهذه القاعدة، طرح أسس جديدة لنظام النقد الدولي، وعرض موجودات البلدان النامية القليلة من العملات والذهب، وأسعارها إلى التذبذب، بل وأيضاً أسعار منتجاتها الخامية والزراعية من خلال عدم ثبات أسعار العملات والفائدة عليها في البنوك، وعرض موقفها المالي إلى الضعف إزاء هذه الكتلة النقدية الهائلة السائلة في أسواق العملات العالمية ناهيك عن أسعار عملاتها الوطنية.

وأدى ذلك بالنتيجة إلى تضخم تعاظم دور البنوك في الحياة الاقتصادية الدولية، وقد بلغت الودائع في النظام المصرفي الدولي في نهاية السبعينات أكثر من 600 مليار دولار، وكان لا بد لهذه الكتلة النقدية الضخمة أن تبحث عن الاستثمارات لترد الفوائد إلى المودعين، فلم يكن هناك أسهل من الإقراض الذي يقف ممثلوا البلدان النامية في مقدمتهم، ومن المعروف أن المصارف تقدم القروض بفوائد عالية وبشروط استرداد وآجال غير مناسبة.

وتشير الإحصائيات إلى أن حركة الإقراض قد تصاعدت من 170 مليار دولار في عام 1973 إلى 810 مليار عام 1980، وقد لعبت فعالياتها في البلدان النامية الجزء الأعظم من فأنشطتها بصفة عامة، وغدا للبنوك ولنظام النقد الدولي دوراً حاسماً في نهب البلدان النامية، ووسيلة جديدة للتراكم المالي في النظام الرأسمالي، غير أن التراكم عن طريق الإنتاج، وفي ذلك اختصار كبير في تحقيق الأرباح الذي أصبح الهدف الأوحد، ولملاحظة الفرق في التراكم، أنظر رجاء إلى الطريقة الكلاسيكية في:

* تراكم راس المال عن طريق الإنتاج الصناعي:
قوى إنتاج

رأس المال ـــ ــــ سلع منتجة ــــ أرباح

وسائل إنتاج

* ثم في تراكم رأس المال عن طريق الأستثمار المالي:
رأس المال ـــ أستثمار في البنوك ــــ أرباح

فينما كان الرأسمال يدخل الإنتاج الصناعي من أجل الأرباح، وكان لا بد من وجود قوى، ووسائل إنتاج إنتاج من أجل تحقيق ـ سلع وبضائع ـ تعود بالربح ـ ليتراكم على رأس المال، أما الآن فإن رأس المال يتجه إلى البنوك من أجل تحقيق أرباح سريعة، والديون والقروض في مقدمتها لتحقيق عوائد عالية وبسرعة قياسية، وتمويل الاستثمارات في البلدان النامية بواسطة الإقراض أضحت هي الوسيلة الأفضل لتحقيق الأرباح المجزية، وكلما ارتفعت أسعار الفائدة على الإيداع، ترتفع بطبيعة الحال الفائدة على القروض، وغالبية المودعين هم مستثمرين أو مساهمين في سوق النقد العالمية، أو الفوائض النقدية لبعض الأقطار النفطية التي تصدر بكميات تفوق حاجتها إلى النقد الأجنبي تلبية لضغوط من البلدان الصناعية، ولكن الضحايا في جميع الأحوال هم البلدان النامية، وترتفع الفائدة على القروض الخاصة (قروض البنوك الرئيسية) إلى 25% وأكثر، وتتذ رع الجهات الدائنة بأن التضخم هو سبب ارتفاع الفوائد، ولكن معدلات التضخم تراجعت ولكن أسعار الفائدة ما زالت إما ثابتة أو أنها في تصاعد.

وعلى الرغم من الآثار الموجعة للقروض الخاصة (كونسيرتوم بنوك) إلى الواقع المرير لعمليات التنمية في البلدان النامية تلجأءها إلى المزيد من الإقتراض رغم شروط الدفع القاسية، أنظر الجدول أدناه:

القروض الحكومية والخاصة في البلدان النامية بمليارات الدولارات



Bundeszentrale für politische Bildung 2007

وهكذا تتضح معالم صراعات مريرة غير متكافئة تدور بين قوى مالية عملاقة تتسم بالذكاء والتمرس والقوة والإدارة الراقية بالقياس إلى القدرات المالية الضعيفة للبلدان النامية في معركتها ضد التخلف، ويكتنف كل ذلك تعقيدات ومشكلات لا حصر لها، تجعل من تحقيق التقدم في التنمية أمراً شاقاً، وفي مقدمة الوسائل ذات الآثار المدمرة، تقف الديون التي يفترض أن تكون أساساً مكرسة لمساعدة البلدان النامية في التغلب على معوقات التنمية وأبرزها: الحاجة إلى رأس المال لتحقيق مشروعات التنمية وبالتالي التراكم في اقتصادياتها الوطنية، وهو ما سيلجأها إلى الديون ويبقيها رهن الاستراتيجية السياسية والاقتصادية للدول الصناعية المتقدمة، وفي موقف التبعية لها.

وتطلق دوائر ومراكز المال وتشاركها جزئياً حكومات الدول الصناعية الكبرى، النداءات من أجل تقليص ديون الدول النامية، وهي ديون قد تم إيفاءها في الواقع من خلال أقسط الدين والديون المركبة عدة مرات، حتى أصيبت الدول الأفريقية بالعجز واقتصادياتها بالشلل، فتأتي هذه النداءات بمثابة منح الجسم الاقتصادي العليل جرعة تقوية ليعاود العمل ودفع بقية الديون، أو إعادة لمسلسل اللعبة من جديد.

ونجد اعترافا واضحاً في تقرير عن هذه القضية نشرته صحيفة (كريستيان سيانس مونيتور) الأمريكية: إن إلغاء ديون الدول الأشد، فقرا في العالم سوف يساعدها في توجيه هذه الأموال التي كانت تخصص لسداد فوائد تلك الديون إلى برامج الرعاية الصحية والتعليم وغير ذلك من الأنشطة التنموية، الحقيقة أن كل هذه الدعوات والنداءات من جانب النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومكافحة الفقر في العالم كانت مجرد أصوات تتردد في برية العالم الغني بلا أي صدى، ولكن الفترة الأخيرة شهدت تحولاً مهماً في اتجاه هذه القضية حيث بدأت حكومات دول كبرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة تتحدث عن ضرورة علاج قضية ديون الدول الأشد فقرا في العالم جذريا، وبالفعل تم وضع هذه القضية على جدول أعمال وزراء مالية مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى وهي الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وكندا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا التي عقدت في واشنطن مؤخرا.

وعلى الرغم من عدم صدور قرارات ملموسة من جانب هؤلاء الوزراء بشأن القضية إلا أن المناقشات أكدت أنها مطروحة بقوة على جدول أعمال الدول الكبرى، ولعل اهتمام إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بمعالجة هذه القضية ينبع من حملته لإسقاط الديون المستحقة على العراق وقدرها حوالي 120 مليار دولار(تسببت بنفسها في حدوثها) في حين أن ديون أكثر من 30 دولة فقيرة لا تتجاوز مائتي مليار دولار.



ثانياً : أزمة الديون في البلدان النامية



لا شك أن البلدان النامية بسبب من ضعف هياكلها الاقتصادية، هي أكثر الأطراف الدولية تأثراً بالأزمات والتقلبات الاقتصادية والمالية، ولكن أقلها تأثيراً على مجرى أحداثها وتفاعلاتها البعيدة والقريبة على مسرح العلاقات الدولية، ولهذا الواقع المادي أسبابه وظروفه الذاتية والموضوعية.

فمن المعلوم أن البلدان النامية حديثة العهد بالاستقلال السياسي، بل أن معظمها لم يعرف الاستقلال في تاريخه، لذلك فإنها حتى بعد نيلها الاستقلال السياسي من الدول الاستعمارية ظلت مرتبطة بأواصر سياسية واقتصادية وثقافية عديدة إلى مستعمريها السابقين، وواجهتها مشكلات عديدة جعلت من الاستقلال السياسي في العديد من هذه البلدان ليس سوى استقلالاً شكلياً بسبب الضعف الشديد في البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لقد طرح الاستقلال السياسي على المستعمرات مهمات عديدة إلا أن أهمها ما نحن بصدده وهو أنجاز الاستقلال الاقتصادي، وإذا كان هذا المصطلح واسع وعريض، فإن المهمة المطروحة واقعياً، هي تقليص حجم التبعية، والمصطلح الأكثر ملائمة لتطور العملية الاقتصادية هو " التنمية ".

وترتبط عملية التنمية في البلدان النامية اشد الارتباط بسائر عمليات التطور في الميادين الاجتماعية والسياسية والثقافية في منظمة ذات تأثيرات متبادلة وتفاعلات تفضي إلى مجرى التنمية، إلا أن المعضلات التي واجهتها ومثلت القاسم المشترك الأعظم بينها (البلدان النامية) هي:

1. الحاجة إلى رأس المال.
2. الحاجة إلى التكنولوجيا (للصناعة والزراعة على حد السواء).
3. الحاجة إلى الخبرة والمهارة(ضعف الإنتاجية Producteivity Low).

وقد أدى افتقار البلدان النامية إلى هذه العناصر الضرورية والحاسمة للتنمية إلى نشوء حالة تبعية شديدة لمستعمريها القدامي، أو للبلدان الرأسمالية الصناعية بصفة عامة، وقادت هذه بالضرورة إلى تبعية سياسية وثقافية إلى حد ما، وجعل كل ذلك من الاستقلال السياسي أمراً شكلياً، فيما واصلت الدول الاستعمارية استغلال شعوب هذه البلدان ونهبها بوسائل متعددة.

وفي المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حيث برزت القوة المالية والسياسية والعسكرية للولايات المتحدة مقابل انحسار نفوذ ومكانة وهيبة الدول الاستعمارية القديمة وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، دخل الاستعمار مرحلة جديدة تعدى فيها أسلوب النهب المباشر للثروات الطبيعية لشعوب المستعمرات، بسبب التمركز العالي لرأس المال، من جهة، وإعادة تقسيم للنفوذ. وإذ نالت هذه البلدان استقلالها السياسي، إلا أن ذلك لم يؤدي إلا إلى قيام دول شبه مستقلة بسبب تبعيتها الاقتصادية الشديدة للرأسمال العالمي الذي لم يسمح لها إلا بقيام اقتصاد أحادي الجانب قائم أساساً على الاقتصاد المنجمي والزراعي.

غير أن الاستمرار في هذه السياسة لم يعد أمراً ممكناً إلى ما لا نهاية بسبب ظروف وعوامل عديدة منها تطور أنظمة الحكم في البلدان النامية وتعمق الوعي لدى شعوبها وأتساع خبرتها بالإضافة إلى عامل آخر وهو دخول الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي إلى مجال العلاقات الدولية، الذي كان حضوره يتعاظم في البلدان النامية، ولهذه الأسباب وغيرها اضطرت البلدان الرأسمالية الصناعية بالسماح لعملية نقل محدودة للتكنولوجيا، ولكن ماذا كان الجوهر الحقيقي لتلك العملية..؟

إن الجوهر الحقيقي لعملية نقل التكنولوجيا إلى البلدان النامية، لم تكن سوى تصدير رأس المال بأساليب شتى، ذات آثار أشد تدميراً من مرحلة الاستعمار، وكانت الديون والسلف و" المساعدات " في مقدمة تلك المؤثرات. وانطلقت فعاليات الشركات المتعددة الجنسية Multi National Cooperation وفعاليات البنوك الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي IMF والبنك الدولي للتنمية والإعمار IBRD واتحادات البنوك وبيوت المال في البحث عن الاستثمارات في البلدان النامية قبل كل شيء، بهدف تصدير رؤوس الأموال لقاء فوائد غالباً باهظة، كأرباح وتصديرها إلى بلدان المتروبولات(المراكز المالية العملاقة)، بحيث يكون المؤدى والمآل النهائي والحقيقي للعملية برمتها: تعميق تبعية البلدان النامية للبلدان الصناعية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن درجة اندماج اقتصاديات الدول المتخلفة في الاقتصاد الرأسمالي في تزايد مستمر وإن ذلك لا يتم في ظروف تغير هيكلي مناسب للدول النامية " بل بالعكس بما يفيد الاحتكارات الدولية في ضوء تقسيم عمل دولي جديد.

واتجهت الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى البلدان النامية وتعاملت معها، كمزرعة خصبة لاستثماراتها، وإذا استثنينا الطبيعة النهابة لدور البنوك وبيوت المال الخاصة (الغير حكومية) فإن أفضل تلك المؤسسات أدت فعالياتها الاقتصادية وشروط عملها قاد إلى تخريب واسع النطاق في اقتصاديات البلدان النامية التي تعاني أصلاً من الضعف، وزادت من عمق الكارثة وآثارها البعيدة والقريبة.

فعلى سبيل المثال، فأن البنك الدولي للتنمية والإعمار IBRD والتي تسيطر الولايات المتحدة على إدارته بسبب ضخامة رأس المال المستثمر، يعتمد فلسفة معقدة في تقديمه القروض والمساعدات بحيث لا تؤدي إلى المزيد من ربط الدولة الطالبة للقرض في الاقتصاد الرأسمالي العالمي، وإلى تخريب الاقتصاد الوطني، فهي تطالب على سبيل المثال:

1. ترسخ الاعتماد على قوى السوق وعلى القطاع الخاص.
2. تشجيع الاستثمار الأجنبي والتأكد من التعامل(الجيد) مع هذه الاستثمارات.
3. تدعيم مبادئ حرية التجارة ورفض وضع أي قيود على الأسعار.
4. رفض أي قيود على الواردات وعلى حركة تنقل رأس المال.
5. معاداة فكرة دعم السلع من قبل الحكومات، والمطالبة باستعادة سعر التكلفة كاملاً مع الربح بالنسبة للمشاريع التي تمولها.
6. اشتراط التقشف وتخفيض سعر العملات الوطنية وتسديد الديون في مواعيدها.
وتتشابه هذه الشروط مع ما يطلبه صندوق النقد الدولي IMF .

بيد أن مأزق البلدان النامية الحقيقي يتمثل في صعوبة الإفلات من دوامة الديون والفوائد المتراكمة، وهي المتضرر الحقيقي من أزمة النظام الرأسمالي العالمي، ويقع على كاهل البلدان النامية تلقى آثار وتبعات التضخم والمنافسة بين الأقطاب الرأسمالية والشراهة المتزايدة للاحتكارات الدولية التي تقلص شيئاً فشيئاً من فرص التنمية.

وكانت الإحصائيات الرسمية تشير بقلق أن عدد الدول النامية العاجزة عن تسديد ديونها (منذ عام 1975 وحتى عام 1983) قد بلغ (28) دولة، وبلغ إجمالي الديون الخارجية للدول النامية حتى أوائل 1986، 865 مليار دولار، منها:

45% في أميركا اللاتينية.
26% في الأقطار الآسيوية.
10% في الأقطار الأفريقية.
10% في أقطار الشرق الأوسط بضمنها العربية.

وقد مثل الدين الخارجي حوالي 38% من الناتج المحلي للبلدان النامية كمعدل عام. وكدليل على النتائج الكارثية لسياسة الديون، فقد انخفضت النمو (كمعدل عام) إلى 6،2% عام 1984 بعد أن كانت قد سجلت أرقاماً قياسية بلغت 28% للفترة في 1970 ـ 1979.

وقد تراكمت هذه الديون الضخمة على قرابة 58 دولة من الدول النامية فتضاعفت من 600 مليون دولار عام 1980م إلى 2.2 تريليون دولار في عام 2005 (وفق تقرير صندوق النقد الدولي IMF)، حتى غدا تسديد هذه الدول لديونها أقرب للمستحيل، أو أن تسدد ما يسمى بخدمة هذه الديون، على الرغم من أنها (الدول المدينة) تدفع تحت هذا الاسم يومياً قرابة 700 مليون دولار أي ما يعادل 500 ألف دولار في الدقيقة.

لقد أدى تفاقم أزمة الديون إلى أن تصبح أحدى العوائق الرئيسية التي تقف بوجه تنمية البلدان النامية وعنصراً يقلص من مساحة الخيارات في القرار السياسي لتلك الدول على الصعيد الخارجي ناهيك عن تأثيراتها السياسية والاجتماعية على الصعيد الداخلي، إذ أصبحت حقاً إحدى العوائق الرئيسية التي تقف بوجه التنمية إن لم نقل أنه العائق الأول فعلاً .

كما أدى تراكم الديون وارتفاع أسعار الفائدة والأرباح المصدرة إلى بلدان المصدر، والعجز على تسديد خدمة الدين (القسط + الفائدة) إلى ظاهرة محبطة للآمال بالتقدم، بأن تلجأ الدول المستدينة إلى الاستدانة مجدداً من أجل إيفاء الأقساط، وتدارك حاجات السكان الأساسية، مما يؤدي إلى تراكم الدين وتراكم الفائدة المركبة إلى العجز، بل أن هناك دولاً عديدة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية قد سددت ديونها أضعافاً مضاعفة، وما تزال تسدد أصل مبلغ الدين المقترض.

وقد قادت حقبة السبعينات والثمانينات إلى تراكم الديون وفوائدها حتى أضحت في العقدين المقبلين من أزمات الاقتصاد الدولي، لتصبح مع مطلع الألفية الثالثة واحدة من أبرز سمات السياسة والاقتصاد الدولي ومؤشراته، فقد تزايد على سبيل المثال سعر الفائدة كمعدل عام للديون في الأقطار النامية المتوسطة الدخل من 6،3% عام 1980 إلى 10،2% عام 1983، كما انخفظت مرحلة السداد من 17 عام إلى 12 سنة لنفس المدة.

ويعني ذلك، أن ارتفاع سعر الفائدة بالإضافة إلى تقصير فترة السداد قد أدى إلى زيادة كبيرة في حجم خدمة الدين، وبالفعل فإن إجمالي خدمة الدين في البلدان النامية قد تصاعد بشكل مثير للقلق حقاً (لاحظ الجدول التالي).

السنة مقدار خدمة الدين

1981 111،9 مليار دولار
1982 123،9 مليار دولار
1985 134،5 مليار دولار

وبسبب تدهور الاقتصاديات الوطنية، اندفعت البلدان النامية نحو الاستدانة الخارجية للتعويض عن النقص الحاد في مدخراتها الوطنية غير القادرة على تأمين مستلزمات التنمية الاقتصادية. ووفقاً لإحصائيات البنك الدولي فإن البلدان المدينة قد سددت في الفترة الواقعة بين عام 1980 و2001 أكثر من4500 بليون دولار ولكن نمت مديونية هذه البلدان أربعة أضعاف ديونها فارتفعت من 600 بليون دولار عام 1980 الى2500 بليون دولار في عام 2001
.
ويقدر خبراء الاقتصاد الدولي أن ديون أي دولة تبلغ مرحلة محرجة إذا ما تجاوزت 30 ـ 30% من قيمة صادراتها الدولية. ويشير الجدول التالي إلى إجمالي الموقف في البلدان النامية قياساً إلى صادراتها السنوية.

السنة النسبة المئوية

1960 48%
1970 132%
1984 151%

وفي الحقيقة أدى تصاعد ديون البلدان النامية إلى خلق معضلة يصعب حلها، فالمزيد من الديون لا تؤدي إلا إلى الغوص في المزيد من المتاعب، ويشير الجدول التالي إلى تصاعد حجم ديون البلدان النامية.

السنة مليار دولار

1979 470،9 مليار دولار.
1980 575،5
1981 660،5
1982 747،0
1983 790،7
1984 827،7
1985 865،3

وتشير إحصائيات "المعهد الدولي للديمقراطية الاقتصادية " الأميركي إلى أن ديون الدول النامية زادت من 100 مليار دولار عام 1973 إلى 7،1 تريليون دولار عام 1999 و5،2 تريليون دولار عام 2003 .
.
ويشير المعهد على موقعه الإلكتروني انه " مع تراجع القيمة الفعلية للمواد الأولية (في الدول النامية) بحوالي 60 % في السنوات الأربعين الماضية والتي لا تزال تتراجع، فانه من الواضح إن الديون لن يكون من الممكن سدادها".

ولم تؤدي مجموعة هذه السياسات للدول الصناعية الكبرى إلا إلى المزيد من إغراق البلدان النامية في المشاكل المعقدة وتفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية فيها، وإلى المزيد من تبعيتها إلى الدول الصناعية الكبرى. وقد أكد رئيس الوزراء الماليزي عبد الله احمد بدوي أن ديون الدول النامية " أصبحت مشكلة خطيرة جدا ولا بد من إيجاد حل لهان لأنها تعرقل التنمية" في دول الجنوب الفقيرة التي لم تعد قادرة على سداد ديونها المتراكمة، وأضاف مشخصاً الأزمة بوضوح: أن الدول المديونة " أصبحت تواجه مشاكل مضاعفة لأنها لا تستطيع أن تدفع الديون وتحتاج في الوقت نفسه إلى أموال لتصرف على التنمية» وليس أمامها من حل إلا المزيد من الاقتراض لتستمر في حلقة مفرغة ويتواصل تراكم الديون.

ولكن أزمة الديون تجاوزت حدود المناقشات في القاعات المغلقة، عندما أعلنت المكسيك في صيف عام 1982عجزها عن الوفاء بديونها البالغة 92 مليار دولار ولحقت بها دول أخرى كالأرجنتين والبرازيل وطالبت مجموعه من الدول بإعادة جدولة ديونها وتخفيض مديونيتها وإعفائها من الفوائد المترتبة على الديون.

فالديون والمساعدات لم تكن إذن سوى فقرة في سياسة نهب جديدة للمستعمرات السابقة، ولدينا العديد من الأمثلة على ذلك، والاحتكارات الدولية لم تكن تهدف حتى في إطار سياسة تصدير رأس المال والتكنولوجيا إلى البلدان النامية إلى بناء هياكل حقيقية للاقتصاد الوطني بقدر ما كانت تصديراً لصناعات لم تعد ملائمة للبلدان الصناعية المتقدمة، ومن تلك:

1. الصناعات التي تتطلب قوة عمل كثيفة(الأغذية النسيج، الأحذية، الراديو والتلفزيون..الخ)
2. صناعات ملوثة للبيئة بصورة كثيفة (الجلود ـ الورق ـ البتروكيميائيات).

3. صناعات كثيفة الرأسمال ولكنها مستهلكة كثيفة للطاقة مثل صناعات الحديد والصلب والألمنيوم بواسطة شركات المتعددة الجنسية مع أبقاء الحلقات المتقدمة بيدها.
4. صناعات بسيطة تكنولوجياً (تكرير البترول، إسالة الغاز الطبيعي، الأسمدة الكيمياوية)
5. بعض صناعات قطع الغيار.
6. تجميع السيارات.
7. صناعات منخفضة الربح مثل التعدين.

في حين أبقت الدول الصناعية المتقدمة على الفقرات الاستراتيجية باهضة أثمان منتجاتها، وذات الأفق المستقبلي مثل:
1. الإلكترونيات المتقدمة (المايكرو الكتروتكنيك).
2. صناعة أجهزة الاتصالات المعقدة.
3. أجهزة السيطرة والاتصالات كاملة الأتمتة Fullautomat.
4. صناعة بدائل الطاقة.
5. الصناعات البيولوجية والهندسة الوراثية.
6. صناعة الفضاء والأقمار الصناعية.

ولا تلاقي مساعي البلدان النامية التشجيع في الخلاص من الأزمة المستحكمة، والتي تلقي بضلالها القاتمة على الحياة السياسية والاجتماعية، من أجل تنمية مواردها وقدراتها أما الجشع الذي لا حدود له أو نهاية.

ولم تجد مجهودات الأمم المتحدة ومؤتمرات الشمال والجنوب وغيرها فتيلاً في وضع حد للهوة التي تتزايد عمقاً رغم أنها قد أشارت بشكل واضح إلى نقاط الخلل في العلاقة بين البلدان النامية والدول الصناعية الكبرى، كما لم تساهم المقررات مؤتمرات عدم الانحياز والوحدة الأفريقية في وضع حل للأزمة التي اتخذت طابع التفاقم.

فعلى سبيل المثال، فإن دول أمريكا اللاتينية التي تعاني هي الأخرى كما أوضحنا في الجداول من وطأة الديون، ومن تبعية اقتصادياتها الوطنية الشديدة لاقتصاد الدول الصناعية، فإن بلدان القارة بالإضافة إلى المكسيك، تمر بظروف اقتصادية ـ سياسية قاسية خلفت آثار عميقة على الأوضاع الداخلية في تلك البلدان مثل: البرازيل والمكسيك والأرجنتين وفنزويلا، وتعيث فيها الأنظمة الديكتاتورية فساداً، وقد شهدت بلدان القارة حركات العنف السياسي وحركة المطالبة بالإصلاح والديمقراطية، فقد بلغت ديون القارة حتى آذار/ 1989 (500 مليار دولار) دفعت منها دول أميركا اللاتينية 45 مليار دولار فوائد عام 1988 إضافة إلى الاستحقاقات السنوية التي حان موعدها والتي تشكل 60 ـ 70% من إيرادات صادراتها التي واجهت هي الأخرى انخفاظاً بمعدل 35% عن السنوات الماضية بسبب تدني أسعار المواد الخام في السوق العالمية التي تسيطر عليها الشركات المتعددة الجنسية.

تحول رأس المال نفسه (النقد السائل) من وظائفه التقليدية كمخزن للقيمة ووسيط للتبادل إلى سلعة تباع وتشترى في الأسواق (تجارة النقود)، حيث يدور في أسواق العالم ما يزيد على 100 تريليون دولار (100 ألف مليار) يضمها ما يقرب من 800 صندوق استثمار، ويتم التعامل يوميًّا في ما يقرب من 1500 مليار دولار (أي أكثر من مرتين ونصف قدر الناتج القومي العربي) دون ضوابط، وهو ما أدى إلى زيادة درجة الاضطراب والفوضى في الأسواق المالية، وأعطى لرأس المال قوة لفرض شروطه على الدول للحصول على أقصى ما يمكن من امتيازات له. وقد أدى هذا كله إلى زيادة التضخم نتيجة لزيادة قيمة النقود.

وكانت ديون أربعة دول فقط قد بلغت وهي المكسيك والبرازيل وفنزويلا والأرجنتين لوحدها 320 مليار دولار، وهذه الدول الأربعة دفعت فوائد خلال عام 1988 بلغت حوالي 29 مليار دولار في حين أنها لم تستلم أكثر من 3 مليار دور كديون جديدة، بالرغم من أن الاتفاقيات السابقة التي تم التوصل إليها لتنشيط اقتصاد هذه الدول بموجب خطة بيكر(وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق) ومفاوضات نادي باريس وغيره، ويؤدي زيادة الفوائد وتراكمها بروز حقيقة أن 90% من الديون الحالية ما هي إلا فوائد، وأن الديون الحقيقية قد تم دفعها.

ولكن مشكلة الديون لها طابعها المتفاقم، بحسب طبيعتها، لذلك فقد مثلت مشكلة ديون الدول النامية إحدى النقاط الأساسية على جدول أعمال قمة الدوحة.

ويقول أحد خبراء الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد) " أن مجموعة 77 والصين التي تتكون من 132 دولة، الكثير منها بين أفقر دول العالم، تشكل 80 % من سكان الأرض،
وأن2.1 مليار من هؤلاء يكسبون اقل من دولار واحد في اليوم في حين يكسب ثلاثة مليارات بشر اقل من دولارين يوميا".
وجدير بالذكر أن مجموعة 77 تمثل 80 % من سكان العالم غير أن ناتجها الإجمالي لا يمثل إلا 40 % من الناتج الإجمالي العالمي، ويعيش ثلثا سكان الدول النامية في الريف الذي عادة ما تتجاهله سياسيات التنمية.

ويستمر التنافس بين المراكز الصناعية العظمى في البلدان النامية ويستعر بالرغم من الأحوال المزرية التي تعيشها هذه البلدان التي تصل إلى حد المجاعات في بعض البلدان، إلا أن الأزمة قد فاقت الحدود المعقولة وباتت تنذر بالخطر والعجز عن المساهمة في التجارة الدولية، والمأزق هو أن هذه الأسواق عاجزة عن شراء السلع والبضائع بسبب العجز في التسديد والشراء وهذا هو أحد الأسباب في الأزمة الرأسمالية.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن مساعدة الدول الغنية لدول الجنوب لا تزيد عن 0.2 % من ناتجها الإجمالي. فيما يعيش مليار شخص في دول الجنوب يعيشون تحت خط الفقر، وتشير مصادر مؤتمر الدوحة، أن 50 % من أفقر دول العالم هي من أعضاء مجموعة 77، وان 34 منها توجد في أفريقيا . .

ولا تستقر أرقام الديون في العالم الثالث إذ أن طابعها العام تفاقمي متصاعد، لذلك تحفل المصادر المتعلقة بالديون والأوضاع المالية للبلدان النامية بأرقام تصيب باليأس حتى أكثر المتفائلين، وما مطلوب هو توجه حقيقي لتنمية الدول الأكثر فقراً، بمنظومة تنموية اجتماعية / ثقافية إلى جانب الشؤون الاقتصادية.

وتتنافس اليوم المتروبولات الرأسمالية في التصرف حيال هذه المشكلة، وتعتقد بريطانيا وأوربا أن آسيا وأفريقيا هما مجالان تقليديان لنشاطهما بحكم كونهما مطلعتان بدقة على أوضاع هذه البلدان وهي مستعمراتها السابقة. فبريطانيا تحاول أن تنشط في الكومنولث وفرنسا في الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية (الفرانكفونية) كما أنها تحاول أن تنشط في إطار الاتحاد الأوربي أو من خلال مبادرات فردية.

أما الولايات المتحدة فما زالت تعتبر أن أمريكا الوسطى والجنوبية هي ميدان عملها ونشاطها الرئيسي، ويؤكد ذلك فعالياتها العسكرية بغزو غرينادا وبنما وفعاليات عسكرية ضد نيكاراغوا، ومن خلال الأحلاف والاتفاقيات السياسية والاقتصادية والعسكرية تراعي مصلحة الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، بحيث تجعل من تلك البلدان سوقاً لشركاتها العملاقة.

أما اليابان فتنشط في دول جنوب شرقي آسيا بدرجة رئيسية في إطار خلق وسط اقتصادي / صناعي تابع لأحتكاراتها العملاقة ولا سيما في تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها، بالإضافة إلى نشاط البنوك اليابانية في العالم بما في ذلك الدول الرأسمالية الكبرى في أوربا والولايات المتحدة.

وتؤشر ملامح المرحلة المقبلة، أن العالم سيشهد تعدد الأقطاب الرأسمالية، بل أن هناك أقطاب اقتصادية في طور التكون البطيء ولكن الواعد، وسيعقب ذلك تنافساً شديداً ستشهده العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية، ولهذا التنافس ميادينه وصفحاته المتعددة، إلا أن البلدان النامية ستكون إحدى هذه الميادين، وأن جزءاً من حل الأزمة التي تمر بها الرأسمالية(بظواهرها المختلفة) يكمن في مساعي إعادة تقسيم (وهي ما تنجم عادة بعد الحروب النزاعات) وفي محاولات التنسيق فيما بينها، ولكن مع بروز ظاهرة المحاور والتكتلات، ولكن الجزء الأكبر من ميادين التنافس ستكون في البلدان النامية، وسينجم عن ذلك المزيد من تدهور مكانتها السياسية والاقتصادية، والمزيد من الاستغلال وذلك عبر:

1. زيادة أسعار السلع والبضائع المصدرة إلى البلدان النامية ولا سيما الغذائية.
2. الاعتماد أكثر فأكثر على العمالة القادمة من البلدان النامية التي تمتاز بقلة الأجور، وسهولها طردها عند انتفاء الحاجة إليها.
3. الاستثمار المباشر وغير المباشر في بعض الصناعات مثل الحديد والصلب، الصناعات البتروكمياوية، أو الألمنيوم...الخ

وستعمد المراكز الصناعية إلى تنشيط اقتصاديات بعض الدول وتهيئة خصائص النمو فيها على نمط تكاملي معها، وقد تبتكر تلك المراكز أساليب عمل جديدة. وبعبارة أخرى، فإن البلدان النامية ستشهد تنافساً بين المراكز الصناعية، وأن تقسيماً دولياً جديداً للعالم في طريقه إلى التبلور بين المتربولات الصناعية الثلاثة: أوربا، الولايات المتحدة(وقد حسمت اليابان فيما يبدو التحاقها بالولايات المتحدة)، الصين، وقد يؤدي هذا التناقض في مراحله اللاحقة إلى تناقضات عميقة بين هذه المراكز.

وبطبيعة الحال لا ينبغي لنا أن نتجاهل قدرات القوى الصاعدة أو التعويل عليها لتعديل موقف البلدان النامية في الاقتصاد الدولي، فالاقتصاديات الناشئة ستحاول هي الأخرى إحراز مواقع لها، والخاسر أيضاً البلدان النامية التي سيتعين عليها شق طريقها بين الاقتصاديات العملاقة، ولكن التنافس قد يتيح فرصاً مغلقة.

وغني عن القول أن مسيرة البلدان النامية في التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي إنما هي عملية متلاحمة الأطراف ولا تخلو من التعقيد وتكتنفها صعوبات ومشكلات متشعبة، إلا أن هناك حقيقة مؤكدة، هي أن ثراء البلدان الرأسمالية ما هو إلا نتيجة لعملية نهب واستغلال طويلة المدى خلال العهود الاستعمارية، ثم تواصل هذا الاستغلال بعد أن نالت هذه البلدان الاستقلال السياسي، ومهما كانت درجة تخلف البلدان النامية، إلا أن مراحل التقدم ما زالت متاحة أمامها رغم الصعوبات الموضوعية والمشكلات الشائكة.

ولكن لا بد من الإقرار أيضاً أن العديد من البلدان النامية قد حققت تقدماً لا يستهان به في تشخيص الآفات الحقيقية نتيجة وعي شعوب هذه البلدان وأنظمتها الوطنية ويدل على ذلك وثائق مؤتمرات عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الأفريقية والجامعة العربية ومنظمات إقليمية عديدة.
ويتعين على الدول النامية بذل المساعي الدبلوماسية دون هوادة من أجل تحسين مكانتها في الاقتصاد الدولي وفي مقدمة ما ينبغي التركيز عليه هو شطب الديون أو تقليصها أو تحويل جزء منها إلى استثمارات في هذه الدول من دون اشتراطات سياسية ودون إثقال كاهل دول الجنوب بمزيد من الأعباء المالية، وبمشاركة أوسع لدول الجنوب في المؤسسات المالية الدولية وثانيا بإعادة النظر في بعض آليات هذه المؤسسات المالية العالمية. كما تدرس قمة مجموعة 77 والصين (كمثال للأنشطة الدبلوماسية) أيضا موضوع إصلاح منظمة الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن والمطالبة برفع العقوبات المفروضة على عدد من أعضائها لدواع سياسية.
وتستخدم حكومات الدول الصناعية المتقدمة (سياسة) إسقاط الديون كوسيلة ضغط على حكومات البلدان المدينة وتعبيراً عن (الرضا) وعلاوة على ذلك فإن إسقاط الديون عن الدول الأشد فقرا في العالم لن يحل مشاكلها، فهذه الدول تعتمد على دول العالم الغنية في توفير جزء كبير من احتياجاتها الاقتصادية. وتصل القروض والمساعدات الخارجية لبعض الدول الأشد فقرا في العالم وبخاصة في إفريقيا إلى حوالي ثلثي ميزانية هذه الدول.

ومع أنه ما زال المبكر القول أو التكهن بقدرات البلدان النامية وإمكانية أن تلعب دوراً مؤثراً في الحياة الاقتصادية الدولية، إلا أن من المؤكد أن التراكم في الوعي والخبرة وفي تنمية ثرواتها الوطنية سيؤدي إن عاجلاً أو آجلاً إلى تنامي قدراتها الاقتصادية والسياسية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تنمية، الدول العربية، الدول النامية، إقتصاد، دين،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 3-07-2009  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  أقفاص الأسر على مر التاريخ
  مأزق هنية
  ماذا يحدث في بلاد العم سام
  الوضع الثقافي في شبه الجزيرة قبل الاسلام
  سوف تكسبون ... ولكنكم لن تنتصروا Sie werden gewinnen aber nicht siegen
  صبحي عبد الحميد
  الخطوط الدفاعية
  غيرترود بيل ... آثارية أم جاسوسة ..؟
  أمن البعثات الخارجية
  الحركة الوهابية
  ماذا يدور في البيت الشيعي
  الواقعية ... سيدة المواقف
  زنبقة ستالينغراد البيضاء هكذا أخرجت فتاة صغيرة 17 طائرة نازية من السماء
  اللورد بايرون : شاعر أم ثائر، أم بوهيمي لامنتمي
  حصان طروادة أسطورة أم حقيقة تاريخية
  دروس سياسية / استراتيجية في الهجرة النبوية الشريفة
  بؤر التوتر : أجنة الحروب : بلوشستان
  وليم شكسبير
  البحرية المصرية تغرق إيلات
  كولن ولسن
  الإرهاب ظاهرة محلية أم دولية
  بيير أوغستين رينوار
  المقاومة الألمانية ضد النظام النازي Widerstand gegen den Nationalsozialismus
  فلاديمير ماياكوفسكي
  العناصر المؤثرة على القرار السياسي
  سبل تحقيق الأمن القومي
  حركة الخوارج (الجماعة المؤمنة) رومانسية ثورية، أم رؤية مبكرة
  رسائل من ملوك المسلمين إلى أعدائهم
  وليم مكرم عبيد باشا
  ساعة غيفارا الاخيرة الذكرى السادسة والستون لمصرع البطل القائد غيفارا

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الله زيدان، خبَّاب بن مروان الحمد، د. أحمد محمد سليمان، ماهر عدنان قنديل، سليمان أحمد أبو ستة، محمد أحمد عزوز، محمود فاروق سيد شعبان، د - صالح المازقي، تونسي، عمار غيلوفي، سفيان عبد الكافي، سامح لطف الله، بيلسان قيصر، عبد الله الفقير، طارق خفاجي، أحمد ملحم، رافد العزاوي، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد علي العقربي، د. خالد الطراولي ، محمد شمام ، رضا الدبّابي، د. عادل محمد عايش الأسطل، مصطفي زهران، محرر "بوابتي"، د - المنجي الكعبي، المولدي الفرجاني، عبد العزيز كحيل، صفاء العراقي، مصطفى منيغ، رشيد السيد أحمد، كريم السليتي، عبد الغني مزوز، محمود طرشوبي، د - شاكر الحوكي ، يحيي البوليني، فهمي شراب، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، طلال قسومي، أحمد النعيمي، جاسم الرصيف، نادية سعد، صلاح المختار، د - مصطفى فهمي، د. أحمد بشير، كريم فارق، ياسين أحمد، عراق المطيري، محمد الياسين، سلوى المغربي، سيد السباعي، د- جابر قميحة، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، منجي باكير، المولدي اليوسفي، سعود السبعاني، محمد العيادي، فتحـي قاره بيبـان، الناصر الرقيق، رمضان حينوني، أحمد بوادي، حسن عثمان، د- هاني ابوالفتوح، محمد عمر غرس الله، رحاب اسعد بيوض التميمي، صباح الموسوي ، خالد الجاف ، أشرف إبراهيم حجاج، أ.د. مصطفى رجب، حسني إبراهيم عبد العظيم، عمر غازي، د. صلاح عودة الله ، محمد الطرابلسي، سلام الشماع، أنس الشابي، ضحى عبد الرحمن، حميدة الطيلوش، محمد يحي، إسراء أبو رمان، مراد قميزة، إياد محمود حسين ، محمود سلطان، فوزي مسعود ، فتحي الزغل، الهيثم زعفان، صالح النعامي ، إيمى الأشقر، عزيز العرباوي، عبد الرزاق قيراط ، الهادي المثلوثي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - محمد بن موسى الشريف ، د. عبد الآله المالكي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د.محمد فتحي عبد العال، حاتم الصولي، علي عبد العال، حسن الطرابلسي، صلاح الحريري، د- محمود علي عريقات، د. طارق عبد الحليم، د - الضاوي خوالدية، علي الكاش، فتحي العابد، وائل بنجدو، أحمد الحباسي، يزيد بن الحسين، د - عادل رضا، عواطف منصور، سامر أبو رمان ، العادل السمعلي، أبو سمية، محمد اسعد بيوض التميمي، صفاء العربي، د- محمد رحال، رافع القارصي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، مجدى داود، د - محمد بنيعيش،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة