د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8655
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مقدمة:
هل نواجه شعوبية جديدة .. ؟ بل هل تواجه الثقافة العربية حملة جديدة ..
نلاحظ ويشاركنا الرأي مثقفون عرب حملة شرسة ربما تفوق في تفاصيلها ما واجهته الأمة في العصور السالفة، والتفوق يكمن في تطور وتنوع وسائل الثقافة فلم تعد كناك كتابات وأشعار، بل تعدتها اليوم إلى استخدام الفنون الإذاعية والتلفازية، وإقحام ردئ للفنون التشكيلية في الحملات السياسية، كاريكاتور وغيره، وحتى السينما، ووسائل الصحافة من صحف ومجلات.
منذ أن أنطلق مارد العولمة وقد خلا الجو على مسرح السياسة الدولية، وأعلنت حرب شعواء على الأمة العربية والإسلام، يشارك فيها أفضل منجزات التكنولوجيا في توجيه شتائم وسباب ونقد (بناء) وغير بناء وحرب الصور الكاريكاتورية، وصناعة أفلام سينمائية وتلفازية، ونشط خبراء العلاقات العامة في الإساءة لكل ما هو عربي ومسلم، ونشطوا في وحرقوا حتى المصاحف في بعض الحالات.
وفي إطار تعدد الأسلحة، تطل الشعوبية مرة أخرى برأسها وهي تغتنم كل سانحة للهجوم على الأمة العربية وحضارتها ومنجزاتها، بل وتجازف بعض الأسماء المرموقة حتى بسمعتها وتسيئ لنزاهة مفترضة لقلم العالم والمثقف، فيطلقون شتائم وأقاويل بائسة وتساهم البعض من تلك الأسماء في صياغة قلائد من الأباطيل والأكاذيب فيسيئون لأنقسم أكثر مما يسيئون للحضارة العربية.
والمميز في شعوبية اليوم، أنها تعزف بحركة إيقاعية بقيادة مايسترو واحد يقود الرهط المعادي للعرب والإسلام في تحالف ظاهر وباد للعيان حتى لمن لمن له عين واحدة، والهدف دائماً ذات الهدف: اللغة العربية، الثقافة العربية، التشكيك في الإسلام، الإساءة للتاريخ المجيد، وللشخصيات التاريخية كعلامات بارزة في مسيرتها، إنكار المنجزات الحضارية، وإن لم يكن ذلك ممكناً، فعلى الأقل الادعاء أن الدور الحضاري للأمة قد أنتهي، كما يصرح شاعر له باع طويل في شتم العرب والإسلام، فمثله لا تقبل منه شهادة.
وكانت الشعوبية في موجتها الأولى قد اندلعت وأطلقت دخائنها السوداء منذ مطلع العهد العباسي الأول، أي منذ خلافة أبي العباس السفاح، وأبي جعفر المنصور والرشيد، ولكن الخلافة العباسية في عصورها المتألقة تلك لم تكن لتسمح أن ينمو ويترعرع هذا التيار تحت سمعهم وبصرهم في أرض الخلافة، لذلك كان نشاط الشعوبية في أطراف، ولكنه كان يتسلل إلى الحياة الثقافية العربية عبر من يجيد فن التسلل والإيهام بالولاء، مع دس السم خفية، قليل من السم في الكثير من العسل.
فطن مثقفو العرب لتلك المحاولات الخبيثة التي لا تظهر رأسها، وهنا مكمن الخطورة فيها، فكانت لهم مساجلات وردود، كان من جرائها أن أينعت الثقافة العربية الإسلامية وأشتد عودها في مواجهة الشعوبية، وكان المثقف العربي يلجأ إلى التسلح بالمعرفة ليكون بوسعه الرد على دسائس الشعوبية.
نشطت الشعوبية في العصر العباسي الوسيط، ثم في متأخرة، ومن غرائب الحياة أن الثقافة العربية تقدمت على خلاف الهياكل السياسية والاقتصادية التي تراجعت في عصر انحطاط الخلافة العباسية، وتلك ملاحظة نادرة لا بد أن تسجل للثقافة العربية الإسلامية، لا بد من تذكرها لنفك أحجيات العصور الأخرى، منها عصرنا هذا الذي وجدت فيه الشعوبية أعوانا وحلفاء من المنطقة وخارجها.
سعت الشعوبية(وسنجد تفصيلها في متن البحث) إلى تهميش أسس الثقافة والحضارة العربية، والتهميش كان يركز على فقر حياة البوادي، وبالتالي فقر الحياة العربية من أي معلم من معالم الحضارة والثقافة، وفي هذا المجال صغرت من الإنجازات التي تحققت عبر العصور(وهي لم تكن قليلة)، وكبرت وهولت من حجم الثغرات والهنات، ركزت على العرضي، وتجاهلت الأساسي والراسخ، وعلى نقاط الضعف، متناسية نقاط القوة، بل حاولوا في كفاح مستميت من التقليل من شأن اللغة العربية عمود الأمة الثقافي.
والذين تصدوا لهذا المهمات كانوا من بعض الموالي الذين ساء دخول أممهم وشعوبهم إلى الإسلام مختارين طائعين، معتقدين أنهم خسروا بقبولهم الإسلام ركناً من هويتهم وتفردهم، ولما تيقنوا أن شعوبهم اختارت الإسلام، وأحسنت إسلامها، راحوا يحاولون تحريف الدين في أصوله وجذعه وفروعه، وما برحوا يمارسون هذا منذ نيف وثلاثمائة وألف عام، بأساليب تختلف باختلاف العصور وأدوات النقل والانتشار، ولكن بذات الأسلحة، وباستخدام المال والاغتيال وتأسيس فرق الموت وسواها.
وليس نادراً ما اتفقت غايات وأهداف الشعوبيين وآخرين ممن لهم مصلحة في الإساءة إلى الثقافة والحضارة العربية / الإسلامية من قوى محلية وعالمية، وأغلب الظن فإنهم يعملون بتنسيق، وهو ما يدل عليه توقيتات فتح المعارك والجبهات، واستهداف مشترك لقلاع وحصون عربية / إسلامية، وينتابهم السهو والغفلة فتتشابه المصطلحات وتسلسل الفقرات، وكأنهم يقرءون في لائحة واحدة أو بيان مشترك، فالتآمر يتصف بحماسة غبية.
نعم هناك إذن شعوبية جديدة، بل هي ما انتهت قط، ولكنها تنشط وتخبو ثم تتصاعد مرة أخرى، والجديد القديم أن تحالفاً عميق الغور مع أطراف محلية ودولية قد تأسس، وقد عبئوا قواهم بدقة ووزعوا الأدوار فيما بينهم، خاب فألهم.
لكل كائن حي أدواته وأسلوبه في الدفاع الغريزي، وكذلك الحال مع الأمم، فالبعض منها يستثار في أوقات المحن جوهرها الماسي الصلابة، فيشتد عودها كلما قسى عليها وتحالف أعداؤها، فينظم جسد الأمة دفاعاً غريزياً، وعندما يشتد الهجوم، تلجأ الأمم إلى قلاعها الحصينة، وتتمسك بثوابتها الكبيرة التي لا اختلاف عليها، فيتمسكون بالعروة الوثقى...
الأمة ستواجه الهجوم الشعوبي الجديد، والقديم / الجديد ومن معهم ومن خلفهم، وستنتصر، لأنها إرادة الله، ولأنها إرادة الخير.
لنضع النقاط على الحروف:
لا يمكننا تصور قيام وترعرع حضارة لشعب أو أمة دون أن تكون قد اتصلت بمنجزات شعوب أخرى، واقتبست منها، بل لا شك أن عزلة شعب من الشعوب هو أحد أسباب لانحطاط درجة أو مستوى تقدمه، فمن الثابت علمياَ أن أحد أسباب تطور البشرية هو قابلية الإنسان على التعلم. التعلم ممن..؟ ، التعلم أولا من تجاربه الذاتية، ولكن أيضاَ من تجارب الآخرين، وهي تعبر عن ذكاء الإنسان، ولعل انزواء بعض الحضارات وابتعادها عن الاحتكاك والتماس مع الآخرين هو السبب في بقائها حضارات أو تجارب منغلقة، لم تفض إلى نتائج كبيرة، أي لم تؤد بها لأن تكون حضارات عالمية المستوى.
فعلى سبيل المثال:
هناك 2800 لغة في العالم، ولكن كثير من اللغات لم يسمع بها أحد، ناهيك عن تأثيرها، وكثير من اللغات لم تعد موجودة، وأكثر منها من اللهجات، وكثير من اللغات في العالم هي للحديث وليست للقراءة والكتابة، واللغة هي وسيلة رئيسية لانتقال وتعميم الثقافة، فاللغة العربية اكتسبت هيئتها هذه منذ نزول القرى، حوالي 610 م. وهناك حوالي 550 كلمة عربية في اللغة الألمانية و1000 كلمة في معجم أكسفورد للغة الإنكليزية و 3000 في اللغة الأسبانية. وتستخدم اللغة العربية حروفاَ خاصة بها وكذلك الأرقام وأسماء الأشهر وأيام الأسبوع، وكل هذا قبل نزول القرآن فيما لم تبرز اللغات الأوربية الرئيسية إلا بعد 1500 ميلادية. والثقافة الأوربية كانت تستخدم اللغة اللاتينية التي اندثرت اليوم تقريباَ إلا عند الاختصاصين.
ومع إن العرب لم يمارسوا ضغوطاَ سياسية أو فكرية من أجل تشجيع انتشار لغتهم (وحتى عصرنا الحالي)، بل كانوا يترجمون من اللغات الأخرى بلا عقد أو حساسيات، ويشجعون الحركة الفلسفية والفكرية، ولكن الحركة العامة نحو العربية كانت متصاعدة رغم كل شيء، وقد ساهم في الثقافة العربية الكثير من العلماء المسيحيين العرب، وأن تلاشي أو ضعف اللغات الأخرى (في الشرق بصفة خاصة) مثل السريانية الآرامية والقبطية والبهلوية (الفارسية القديمة)، لم يكن اعتباطا، وليس بسبب الإسلام وانتشاره في الأقطار العربية المجاورة، بل بسبب قوة هذه اللغة وثرائها وملاءمتها للمنطق والمزاج، بالإضافة إلى الاستخدام اليومي، والعلوم على حد السواء.
وإذا كان عمل الموسوعات والمعاجم والقواميس أحد دلائل تقدم ثقافة أي شعب أو أمة، فأن العرب كانوا سباقين في وضع المعاجم العديدة وأشهرها: (كتاب العين) لخليل بن أحمد الفراهيدي 786 م، وقد وضع بعد ذلك معاجم أشهرها معجم الأصمعي المتوفى عام 828 م وكتاب التهذيب وضعه أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري المتوفى عام 980 م. والصحاح ووضعه أبو نصر إسماعيل الجوهري المتوفى عام 1005 م، ومن مشاهير المعاجم أيضاَ لسان العرب لابن منظور المتوفى عام 1311 م وغيرهم.
أردنا بذلك القول، أن الثقافة العربية قبل الإسلام وبعد الإسلام تفاعلت وتعاملت مع ثقافات أخرى، ربما بعضها كان أقل إشراقا من الثقافة العربية، ولكن في تفاعل الأمم لا ينبغي التركيز على هذه المسألة، بل المهم هو أن تحتفظ الثقافة أو تلك الحضارة بسماتها وعلاماتها المميزة وإلا فإنها تندثر وتتلاشى بمرور الوقت إذا تعاملت بانبهار وباستسلام، والثقافة العربية تعرضت إلى مثل هذه التجربة أكثر من مرة، في ظروف وأحداث كانت فيها إرادة الأمة السياسية مفككة وضعيفة في ردود أفعالها مستلبة الإرادة لقوى أجنبية جاءت لتفرض بكل شراسة إلى جانب هيمنتها الاقتصادية والسياسية، ثقافتها ولغتها، وقد حاول ذلك في تلك العصور كل من: الفرس والرومان والبيزنطيين والإغريق والأحباش، وبعضهم فعل ذلك بطرق منظمة ومدروسة مثل: الإسرائيليات التي حاولت التسلل إلى مصادر الثقافة العربية، وأمعنت في التزوير والتخريب، والهيلينية التي حاولت أن تطغى بأنماط الثقافة والتفكير، ثم المدرسة الشعوبية التي حاولت أن تطغى بأنماط الثقافة والتفكير، ثم حاولت مسخ هوية كل ما هو أصيل في الثقافة العربية.
الهيلينية Heleenism:
جاء الإسكندر الكبير إلى بلادنا قادماً من مقدونيا في اليونان إلينا، وقد اكتسح في طريقه أمماً وإمبراطوريات استطاع أن يجعل بعضها خيوطاً في نسيجه الثقافي، جاء إلينا مسلحاً بالهيلينية ليحملنا على تغير ألواننا المفضلة، فجعل حفلة عرس في بابل، تزوج فيها جيشه من رافدينيات، أراد أن يعلمنا الكتابة، فقال له علماؤه: يا سيدي نحن أخذنا الكتابة من راس الشمرة (اللاذقية) فدهش ..!
أراد أن يتفلسف علينا، قال له خبراؤه: يا سيدي هيروديت تعلم في بابل والإسكندرية .. فتعجب ..!
أراد أن يعلمنا الأعمدة وتيجانها، فقال له معماروه: يا سيدي نحن أخذنا هذا النظام من معابد الشرق ..فكف الإسكندر عن المحاولة .
فقال، بتزاوج الحضارتين الهيلينية والشرقية سنصنع شيئاً عظيماً، لنتفاعل، دون أن يطغي طرف على آخر، وهكذا تدون كتب التاريخ عن أصل حضارة كان اسمها الهيلينية، أن لها سمات شرقية مقتبسة من حضارات وادي الرافدين والنيل.
كان للإغريق أثر أعمق من الفرس في الحضارة والثقافة العربية قبل الإسلام وبعده، فقبل الإسلام عندما جاء الإسكندر المقدوني بجيوشه، وهو أساساً تلميذ الفيلسوف أرسطو، جاء حاملاً معه أحلام دمج الحضارة الإغريقية بالحضارة الشرقية الرافدينية والمصرية على وجه الخصوص، وهو يدرك أن جذور حضارة الإغريق تمتد إلى تربة الشرق، فجاء بتواضع يعرض منجزاتهم الفكرية والثقافية، ويطلب التفاعل الإيجابي مع الحضارات الشرقية ليفسر ذلك بما أطلق عليه بالهيلينية التي تعرفها الموسوعات بأنها الحضارة والثقافة الإغريقية الشرقية، وسنحت فرصة كبيرة لتبادل واسع النطاق للآراء والأفكار والخبرات لكلا الفريقين.
والهيلينية وإن لم تحل في الشرق كما تمنى وأراد الإسكندر وخلفاؤه، وغالباً ما يجري الأمر هكذا ! إذ يسيء الفاتح القوي قدرات، بل بالأحرى الخصائص المميزة للأمم ولا سيما العريقة منها، وينجم عن ذلك خطأ فادح، فالشعور بالقوة قد يفقد الحكمة، وهو ما يجري على الأرجح، وعلى الرغم من أن الإغريق كانوا قد تقدموا بمشروع تزاوج حضاري، ولكن ذلك أيضاً من أحلام الفاتحين الأقوياء أو العباقرة سيان، فالشعوب ترفض غريزياً ما لا ينبت على أرضها من تربتها، وإذا كان المشروع الثقافي من فاتح أو مستعمر فالأمر يغدو بالغ الصعوبة، ولا سيما مع شعوب تمتلك عمقاً حضارياً لا يسهل اجتثاث مكوناتها " فالعصر الهيليني هو عصر الحضارة اليونانية في بلاد اليونان نفسها قبل الغزو المقدوني، وانتشرت واكتسبت خصائص جديدة بعد فتوحات الإسكندر للشرق ".
وثمة حقيقة تستحق الإشارة إليها، وهي أن الفكر الشرقي، الرافديني / المصري / العربي كان قد تعرف على المنجزات الفكرية والفلسفية الإغريقية، والهيلينية وإن لم تنجح فيها الثقافة العربية أو أن تطبعها بطابعها إلا أنها تركت دون شك آثارها التي في تفاعلها، اكتسبت ملامح ونكهة شرقية / عربية، " ولكن هناك أشياء لم يشأ العرب تعلمها، بل نفروا منها مثل عقائد الوثنية وأساطير الآلهة في بلاد اليونان" ولكن انقضاء العهد الإغريقي بعد وفاة الإسكندر وزوال دول الديادوشان (خلفاء الإسكندر الأربعة) Diadochenبحلول الإمبراطورية الرومانية، وضع حداً لهذه الاحتمالات / الأحلام، مع بقاء إمكانية التفاعل الثقافي السلمي بين الشعوب، تفاعل يعطي ويأخذ، لا يستصغر شأن أحد، ولا يمنح العظمة لأحد..
نعم ... تعلم الشرقيون من الهيلينية، وتواصلت الحضارة الشرقية / إسلامية / عربية، ولكن لم يبق من الهيلينية سوى الأخبار والنوادر..
الغنوصية Ganostiasm :
أرادوا بالغنوصية أن يقتحموا الإسلام، وقالوا: إن الفلسفة الإسلامية فقيرة، والمسيحية ثرية بالفلسفة. وكانت المسيحية عندما انتقلت إلى أوربا قد وجدت أمامها فلسفة إغريقية ورومانية مزدهرة، وانضم فلاسفة إلى الدين المسيحي فأخذوا منه وأضافوا عليه، ولم تكف محاولات التوفيق داخل الكنيسة حتى عهود قريبة.
وعرف عن فلاسفة عرب ومسلمين تقربهم من الفلسفة الأوربية، بل إن بعضهم أبدع فيها وفاق أهلها، ومنهم ابن رشد، ولكن الفلاسفة العرب المسلمين درسوا الفلسفة الأوربية لكن دون أن يفقدهم ذلك لونهم ورؤيتهم إلى الأشياء.
كانت الثقافة المسيحية سابقة للثقافة الإسلامية بما لا يقل عن ستة قرون، والمسيحية، نفسها اكتنفتها تيارات فكرية ومذهبية عديدة، اختلفت الفئات في العديد من القضايا أبرزها:
* هل ينزل المسيح يوم القيامة أم لا ينزل ؟
* هل يكون الحشر للأرواح والأبدان، أم للأرواح فقط ؟
* هل صفات الله زائدة عن ذات الله ؟
وفي خضم هذه المناقشات الحامية حول هذه وغيرها من القضايا، تدخلت الفلسفة اليونانية(التي انضم العديد من علمائها إلى المسيحية) في المناقشات حول القضايا الدينية المسيحية وبذلك اصطبغت المناقشات الدينية بالفلسفة اليونانية.
ثم مضت الفلسفة اليونانية في تأثيراتها عميقاً في المسيحية، وفي ذلك برز الكثير من الأفكار والاتجاهات، ومنها الغنوصية Ganostiasm، أو مذهب العرفان ، إذ اعتقد بعض مفكري المسيحية أن المادة شر، وأن على الإنسان أن يتسامى، وبأن الخلاص يأتي عن طريق المعرفة الروحية.
والغنوصية فلسفة تعود في جذورها إلى أراء كثيرة, وهي تهدف إلى فرز الروح عن المادة والتسامي بها، والغنصوية كلمة مستقاة من المعرفة الرفيعة ذات الأسرار.
وفي العصور المشرقة للثقافة العربية، وعندما اطلع مفكرو وفلاسفة الثقافة العربية الإسلامية على التراث الفلسفي اليوناني ودرسوه بعمق وابدوا إعجابهم ببعض المنجزات، ولكنهم لم يأخذوا كل ما ورد فيه، فهم لم يتقبلوا الغنوصية التي كانت ثمرة من ثمار الهيلينية والتراث الفلسفي اليوناني /المسيحي، في تربة التصوف والعرفان الشرقي التي اتجهت إلى تحصيله المعرفة بالذوق والحدس وليس بالعقل والحواس.فكان ذاك سهماً آخر خاب أثره
الإسرائيليات :
كانت الإسرائيليات سهماً آخر سدده كارهون للعرب والمسلمين، وكان سهماً خبيثاً كخبث مطلقيه، وهي محاولات تحريف لأمهات الكتب والمصادر، بل وحتى المصحف، ومن المدهش ما زالت مثل تلك الأفاعيل تجري لحد الآن، وبين فترة وأخرى يكتشف المعنيون، مصاحف مزورة...! وقد جرت مثل هذه المحاولات حتى قبل سنوات .
وقد عرف هذا التيار "بالإسرائيليات" وقد هدف هذا التيار منذ نشوء الحركة الإسلامية، وفي مطلع عهد الدولة الإسلامية في الدس والتزوير في المعلومات والمعطيات، وفي إبراز الجوانب العرضية وإغفال الجوهرية، وتشجيع كل حركة تمرد أو تحريف أو انشقاق، والتعظيم من شأنها، وبث المعلومات التي تهدف إلى إثارة الفتن والخلافات بين المسلمين وفي الثقافة الإسلامية، وكان هذا التيار يعمل في اتجاهين:
الأول: بث رجال وشخصيات لها قابلية التأثير على الأحداث، تعمل على إثارة الفتن والخلافات، وتظهر بمظهر الحريص والمدافع عن الإسلام، ومن هؤلاء عبد الله بن سبأ.
الثاني: وضع كتب ومؤلفات تتضمن معلومات وتحليلات خبيثة تدعو إلى الفرقة والخلاف، أو تحريف مؤلفات إسلامية، وقد جرت محاولات عديدة لتحريف القرآن بإدخال تعديلات على نصوصه.
وما زال دعاة الإسرائيليات يحاولون أن ينطحوا الجدار العالي، ونسمع بين وقت وآخر محاولة بائسة، ونطح بالأطراف، أشبه بالوخز، لا يسمن ولا يغني من جوع ......
**********
والشعوبية :
هي محاولة أخرى، محاولة ترمي إلى إفساد تاريخ العرب ولغتهم، وثقافتهم، وكانت المحاولة كبيرة انضم لها شعراء وأدباء، والشعوبية ليست تنظيماً حزبياً تجري مفاتحة أعضائه ويقيم المؤتمرات الحزبية ويتخذ المقررات، بل هي حركة قائمة أساساً على طعن أسس وجذور الحضارة العربية، ومنهم من يفعل ذلك بصورة واضحة وغبية تفضح مرامي صاحبها، مهما غلفها بأستار وبزخارف الكلام، وكتبوا شعراً في الانتقاص من قيمة العرب ومنجزاتهم، ولغتهم، وأخيراً هبت القنبلة الفاسدة في الانتقاص من دينهم ورموزهم، ومن علمائهم وأكابرهم.
قارع المثقفون العرب الشعوبية بالحجة، وبالثقافة المضادة للشعوبية، فلم تصبح الثقافة العربية شوفينية، وقد انضم إلى الثقافة العربية الكثيرون وصاروا كأبنائها دون تمييز ودون عقد.. ولم يصبح المسلمون شوفينيين أو طائفيين .
ألم يطلق الإمام الشافعي مقولته الرائعة:
" قولنا صحيح يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصح، ومن جاء بأفضل مما قلناه قبلناه"
وهذا كلام لا يقوله إلا واثق بنفسه.
منذ القرن الرابع الهجري بدأت عناصر عديدة تبرز إلى السطح بوصفها ناتج تفاعل استمر قرونا في الأقطار التي دخلت الإسلام، الكائنة على الجناح الشرقي للدولة العربية الإسلامية، أي في مناطق فارس وما وراء النهر وأواسط آسيا .
وكانت فارس قد دخلت الإسلام إثر اصطدام سياسي / عسكري بين الإمبراطورية الفارسية الساسانية وبين الدولة العربية الإسلامية الوليدة، كانت الدولة العربية تهدف إلى تحرير الأقطار العربية من الاحتلال الأجنبي له، ومنها العراق من قبضة الفرس، وتحقق ذلك فعلاً إلا أن الجيش الفارسي استمر بمناكفة الدولة العربية الإسلامية ومناوشتها في معارك صغيرة وكبيرة، ورغم أن الجيوش العربية الإسلامية لم تكن راغبة في دخول بلاد فارس إلا أنها اضطرت لذلك من أجل إرغامهم على الكف لمناوشاتهم الدولة الإسلامية...
ثم تطور الموقف السياسي/ العسكري إلى حرب شاملة، انتهت بانهيار الدولة الفارسية ونشوب نزاعات داخلية واغتيال الملك، وتقويض الحكم الملكي ، ونجم عن ذلك وضع سياسي فريد من نوعه، فبالنظر للسلوك الحميد للجيش الإسلامي والدعاة، انتشر الإسلام في تلك الديار وغدت جزءاً من الدولة التي كانت ترفع الشعارات الإسلامية كعقيدة للدولة.
وفي مجرى التطور التاريخي للأحداث، رفع العباسيون شعار إنصاف الموالي في دعاياتهم السياسية، الأمر الذي حقق التفافا واسع النطاق حول حركتهم المسلحة من الموالي في بلاد فارس بصفة خاصة، بل وصل أحد نشطاء الموالي (أبو مسلم الخراساني) إلى مرتبة قيادية في الدعوة العباسية وجيشها الذي قوض الخلافة الأموية، وأسـس الخلافـة العباسـية عام 750 م.
وكانت المساعي والجهود التي بذلت طيلة المراحل السابقة قد بدأت تعطي ثمارها، فبعد عقود من تأسيس الخلافة العباسية بدأت تلك الشجرة العملاقة تمنح الثمار والظلال الوافرة في حركة نشيطة من البحث والتأليف والترجمة، ساهم في ذلك عناصر عديدة، أبرزها:
1 . رسوخ نظام الدولة العربية الإسلامية في عصرها العباسي الجديد.
2 . نضج الفكر العربي/الإسلامي وبلوغه مرحلة العطاء.
3 . مواجهة المجتمع والثقافة العربية/ الإسلامية للعديد من المعضلات والقضايا الفكرية الساخنة والمواجهات مع الأفكار المضادة الأمر الذي قاد إلى تنشيط إضافي لقدرات الفكر والثقافة العربية.
4 . اختراع الورق وانتشار إنتاجه في البلاد العربية.
وإذ بلغت حركة الثقافة العربية الإسلامية مرحلة السمو والإبداع والعطاء كانت عملية أخرى تدور تحت مظاهر وواجهات شتى في الأقطار الإسلامية غير العربية، لاسيما في بلاد فارس بوصفها أكبر تلك الأقطار من جهة، وأكثرها قدرة واستعداد على التفاعل الثقافي والحضاري، فقد هبت حركات تدعو إلى بعث أمجاد الثقافة والحضارة الفارسية، وقد سلكت هذه الحركة أكثر من مجرى لتصب في النهاية في طاحونة تثبيت استقلال الهوية القومية/ الثقافية الفارسية.
والفرس كشعب عريق له نمط وأسلوب حياته وتفكيره، وذهنية أفراده، ولسنا هنا بصدد تقييم ذلك المستوى والحكم عليه، ولكن وقد بدا أن الإسلام كدين وعقيدة لم يكن ليلغي أنماط من السلوك والتفكير فطر عليه شعب وأقام ثقافة وحضارة لعدة قرون خلت، والإسلام لم يكن يهدف إلى ذلك أساساً، وليس هناك مصدر واحد يشير إلى أن الدولة فرضت ديانتها أو لغتها أو ثقافتها أو تقاليدها على أي من الشعوب، وأساساً فإن الوعي أو العامل القومي لم يكن بعد قد اكتسب الثقل السياسي والمعنوي أو العامل القومي لم يكن بعد قد اكتسب الثقل السياسي والمعنوي الذي غدا يتمتع به كما في القرون اللاحقة، والفرس وإن دخلوا الإسلام إلا أنهم كانوا يفهمون الإسلام بعقل المجوسية والزرادشتية والمزدكية، وهم ميالون إلى الباطنية وإحاطة الحقائق بالأسرار والغموض، وتلك صفات تشترك فيها شعوب شرقية أخرى عدا الفرس، إلا أن العرب ميالون للوضوح والبساطة.
وهكذا غدت تلك الأرجاء (بلاد فارس، بصفة خاصة)مرتعاً خصباً لكافة التيارات التي تحاول إدخال بدع وتيارات غريبة إلى الإسلام، وقد هبت فيه فعلاً العديد من الفرق الدينية والمذهبية والتكتلات السياسية وحركات التمرد المسلحة.
وفي هذه الظروف، برزت حركة فكرية ثقافية جديدة في بلاد فارس تدعو إلى لغة فارسية جديدة، بدلاً من اللغة الفارسية البهلوية التي كانت سارية في العهود الساسانية، ومضت قرون قبل أن تتطور هذه من لغة محكية إلى لغة كتابة وذلك في أواخر القرن الرابع الهجري، وخلال هذه القرون تعرضت نتيجة اتصالها بالإسلام والحكم العربي إلى تأثير واسع من اللغة العربية، وأدخل عليها الكثير من مفرداتها وأساليبها الأدبية.
وهدفت الثقافة الفارسية إلى بث أدب باللغة العربية، هدف لا يخلو من مقاصد سياسية، إلى التقليل من شأن الثقافة العربية والحط من قيمة المفكرين والفلاسفة العرب، والمبالغة والمغالاة، وطرح معطيات غير دقيقة، وإثارة نعرات وتواريخ خاطئة بقصد إثارة زوابع من الشكوك والالتباسات.
فالشعوبية والأدب الشعوبي كانت حركة ثقافية بالدرجة الأولى ذات أهداف سياسية تسعى إلى تشويه التاريخ العربي والدس عليه، والتأكيد على نقاط الضعف، وتجاوز الفواصل والإنجازات المهمة إبرازا للنقائص وتجاهل الجوانب الثرية، ولكن من المؤكد أن الكتاب والمفكرين الفرس لم يكونوا جميعاً ضمن هذه العملية التي لم تلاق نجاحاً يستحق الذكر، بل إن المفكرين العرب في ردهم على الشعوبية، وفي الردود المقابلة حققوا المزيد من الإبداع، وأغنت هذه المداخلات الثقافة العربية، وأضافت إليها التجربة والقوة.
ملامح وسمات الفكر الإسلامي:
الفكر الإسلامي لم يكن نرجسياَ، بل تعامل وتفاعل وتأثر وأثر بحضارات ومنجزات شعوب أخرى، ولم يكن فوضوياَ، ولو كان كذلك لسقط في فخ التطرف، فقد آلت إلى الفشل والإخفاق والتلاشي تيارات سياسية إسلامية وغير إسلامية لمجرد أنها جنحت نحو التطرف، ولعل أبرز السمات الإيجابية هي أن الشريعة الإسلامية لا تنطوي على نصوص تفصيلية، فعلى سبيل المثال، تنص الشريعة على وجوب اتخاذ الإمارة (وجود الدولة والحكم)، لكن دون الدخول في تفاصيل، ولو فعل ذلك لاستحال تنفيذها في كل مكان وزمان، وكذلك حول مسألة الشورى، وهي فقرة مهمة في الفكر السياسي الإسلامي، ولكن ليس هناك نصوص محددة حول إقامتها، ولكن مع إشارات كافية لضرورة قيامها.
وفرق مهم آخر كبير ومهم بين المسيحية والإسلام. فالإسلام مثل للعرب الخروج من نفق مظلم، من الجهل إلى المعرفة، من التخلف إلى آفاق واسعة للتحضر والتطور، ومن التبعية للقوى الكبرى ليصبحوا هم بأنفسهم القوة الأعظم في العالم، ومن التجزئة إلى الوحدة وهو الشرط الأساسي والضروري لمواصلة بناء الحضارة العربية وتطور الفكر السياسي العربي بصفة خاصة.
ساهمت المؤثرات الثقافية بكل فروعها الفلسفية ـ العلمية ـ الآداب ـ الفنون، على مسيرة تطور الفكر السياسي في كلتا التجربتين، ولكن بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال، فالثقافة عامل مهم في رفع مستوى الوعي الإنساني، ولتفهم الظروف المحيطة به ولطبيعة الأنظمة والعلاقات.
ويهتم البحث بالإجابة على التساؤل التالي:
هل تأثرت التجربتان بمؤثرات ثقافية على تطور الفكر السياسي ؟ وبأي مقدار ؟ وهل هناك اختلاف بين التجربتين ؟ .
ولابد لنا بادئ ذي بدئ أن نقول: إن الفلسفة في كلتا التجربتين تختلفان وتتناقضان مع الدين في مسألتين هامتين:
الأولى: أن الفلسفة تدعي أن لا شيء خلق من لا شيء، والدين يؤكد (الإسلام والمسيحية) أن الله خلق الكون من لا شيء.
الثانية: أن الفلسفة تقول أن ليس هناك شيء مطلق خارج المناقشة والبحث، والدين يؤكد أن الخالق هو خارج المناقشة.
ولكن هذه الملاحظات عوملت بمرونة وبشدة في أحيان أخرى.
والفرق يكمن في: أن اللاهوت المسيحي وجد بناءَ فلسفياَ سامقاَ لا يمكن تجاهله، فقررت المؤسسة المسيحية التعامل معه، وانضم الفلاسفة الأوربيون، ومنهم وثنيون، إلى الديانة الجديدة، وهكذا أصبح للكنيسة فلاسفتها الذين حاولوا تضيق الفجوة بين الفلسفة الأفلاطونية الأرسطوطاليسية، وسائر المنجزات الفكرية والفلسفية الإغريقية والرومانية، فنجحوا في ذلك حيناَ، وفشلوا حيناَ، وليس نادراَ ما اتهم فلاسفة أوربيون بالهرطقة والإلحاد أو نشر أفكار وثنية، وكان التصدي لهم يجري بأعنف الأساليب، ولكن بصفة عامة لم يعلن اللاهوت أو الكنيسة موقفاَ معادياَ رسمياَ من الفلسفة، بل أبدى ـ وإن ظاهرياَ ـ التقبل له والتعامل معه ولكن بحذر شديد.
وعن ذلك يقول الأستاذ مصطفى عبد الرازق: " أن أصول الفقه موضوع حقيقي للفلسفة، وأن العرب كغيرهم كونوا مناهجهم وآراءهم الفلسفية قبل اتصالهم بالفلسفة اليونانية، فالإسلام عندما توسع في البلدان المجاورة وجد كنيسة منظمة تدافع عن المسيحية بمناهج منطقية مدروسة ومحللة بواسطة الديالكتيك اليوناني، وكذلك أديان وثقافات، فكان على رجال الإسلام في معاركهم الأيديولوجية أن يدحضوا الخطاب بالخطاب، وأن يستعملوا الديالكتيك والحوار، وأن يدافعوا عن العقيدة الإسلامية، وأن يبحثوا في مشاكل فلسفية كالعدل والحرية والكون، وقد تجلى ذلك في فكر المعتزلة، ولكن ذلك لم يحدث كما قلنا قبل عام 800-750 م فما فوق.
وفي الواقع أن الفلاسفة العرب المسلمين تعاملوا مع الفلسفة بمواقف متفاوتة، فمثلاَ أن الفارابي لم يكن يخفي إعجابه بالفلسفة الإغريقية، ولكن دون أن يخرجه هذا عن إطار الشريعة، ولكن الغزالي تعامل مع الفلسفة بتحفظ، ولم ينكر أهميتها ودراستها والتعامل معها بقوله: "أعلم أن العقل (الفلسفة) لا يهتدي إلا بالشرع، والشرع لم يتبين إلا بالعقل.
فالعقل كالأساس والشرع كالبناء، ولن يغني أساس ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن له أساس، والعقل كالبصر والشرع كالشعاع، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من الخارج، ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصر، قال الله تعالى: " قد جاءكم من الله نور وكتاب بين يهدي به الله من أتبع رضوانه سبل السلام ليخرجهم من الظلمات إلى النور " ( 16-15 /المائدة فالشرع عقل من الخارج، والعقل شرع من الداخل، وهما متعاضدان بل متحدان "".
في الإسلام، كان الأمر مختلفاَ بعض الشيء، فالشريعة الإسلامية لم تجد أمامها فلسفة عربية أو حتى فارسية أو هندية، ومنجزات الفلسفة الإغريقية لم تترجم إلى العربية، وتطرح بين أيدي المفكرين والفلاسفة العرب إلا بعد مرور ما لا يقل عن 200-150 من الهجرة أي من العصر العباسي الوسيط فصاعداَ، ولكن قبل ذلك ـ ولا بد من تأكيد ذلك ـ واجه المفكرون العرب المسلمون أنشطة وفعاليات ثقافية كانت تقوم بها الكنائس والأديرة المنتشرة بحدود معينة في العراق وسورية ومصر، وكان بعض الرهبان ورجال الدين المسيحيين يخوضون المناقشات مع المسلمين للدفاع عن معتقداتهم، وأن أصول علم الفقه الذي نما ونشط بعد انتشار الإسلام، في الأمصار العربية وغير العربية نشأ ردا على ذلك.
يقول الأستاذ مصطفى عبد الرازق: " أن أصول الفقه موضوع حقيقي للفلسفة، وأن العرب كغيرهم كونوا مناهجهم وآراءهم الفلسفية قبل اتصالهم بالفلسفة اليونانية، فالإسلام عندما توسع في البلدان المجاورة وجد كنيسة منظمة تدافع عن المسيحية بمناهج منطقية مدروسة ومحللة بواسطة الديالكتيك اليوناني، وكذلك أديان وثقافات، فكان على رجال الإسلام في معاركهم الأيديولوجية أن يدحضوا الخطاب بالخطاب، وأن يستعملوا الديالكتيك والحوار، وأن يدافعوا عن العقيدة الإسلامية، وأن يبحثوا في مشاكل فلسفية كالعدل والحرية والكون، وقد تجلى ذلك في فكر المعتزلة، ولكن ذلك لم يحدث كما قلنا قبل عام 800-750 م فما فوق.
ومن المفارقات الغريبة أن نجد نصاَ من النصوص المسيحية في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر تشير إلى ذلك، إذ يحاول القديس توماس بكلمات متشابهة إلى حد مدهش ما ذهب إليه الغزالي، إذ يحاول أن يثبت صحة اعتقاد العقل و الإيمان (الدين والفلسفة) بقوله: " إن اللاهوت مكمل للنظام الذي يكون العلم والعقل بدائه، ولا يقضي على اتصاله مطلقاَ، والإيمان متمم للعقل، وهما معاَ مصدرا العلم و المعرفة، ولا يمكن أن يصطدما أو يعملا باتجاهين متضادين "".
اللاهوت المسيحي وجد صعوبة في التنصل من منجزات الإغريق والرومان قبل حلول المسيحية، ففي التعرض الصريح لها إلغاء لتراث مهم من حضارة الشعوب الأوربية، على عكس الشريعة الإسلامية التي كانت تتحرك بحرية نسبية، فالحركات والأحزاب السياسية العربية الإسلامية، كانت في تكونها ومواقفها من الدولة الأموية ثم العباسية، تشهد حركة فكرية نشيطة، وكانت هناك مواجهات أيديولوجية عنيفة، تستخدم الفلسفة لتبحث في أصول السلطة السياسية وقوامها الدين، وفهم الدين بما لا يتعارض مع المآرب السياسية...
فقد أكدنا مراراَ أن الشريعة والشعارات الدينية كانت البوابة التي عبرت من خلالها الشعارات السياسية، واستخدمتها الأطراف كافة، اليسار واليمين على حد السواء.
فالمسلمون تعاملوا مع الفلسفة ولكن بحذر، حذر الوقوع في شرك الأسئلة، فالفلسفة جذابة في قوة منطقها، والثقة التي تطرح نفسها فيه، والفارابي (950-870)، على سبيل المثال الذي لقب ( المعلم الثاني وكان أرسطو قد لقب بالمعلم الأول )، أخذ من غيره ولكنه وضع فلسفة في الإطار الذي يتلاءم وظروف البيئة التي عاش فيها، فقد أخذ عن أرسطو وأفلاطون، ولكنه فعل ذلك بصيغة إسلامية واضحة، وكان الفارابي يهدف إلى التأكيد، أن المعتقدات الإسلامية لا تتناقض مع الفلسفة، والفلسفة الإسلامية خاصة.
ويلاحظ هنا كم تتشابه هذه المساعي مع السكولاستيين، ولكن مع فارق مهم، أن السكولاستية (Scholasticism) تيار قام بمباركة الكنيسة (قادها رجل الدين الإيطالي توما الأكويني Tommas d'Aquino : 1225 - 1274)أنها أدركت أنها عاجزة عن مواجهة الفلسفة، لأنها لا تمتلك شيئاَ تواجهه به. والسكولاستيون كانوا في الغالب رجال دين، فيما وصفت مثل هذه التيارات عند المسلمين بالدهرية، وهي صفة سلبية عند المسلمين، وكان من يتهم بالدهرية يسعى جاهداَ نفي هذه الصفة عن نفسه وفكره، وفلاسفة مسلمون مثل الغزالي لا يهاجمون الفلسفة علناَ..! ، وقد نفى الدهرية عن نفسه فلاسفة من العصر الوسيط كالفارابي أو محدثون مثل جمال الدين الأفغاني (1897-1839 )، الذي كان ينفي الدهرية عن نفسه، فيما كان يسعى إلى ترويج أفكار تحاول أن توفق بين الدين وعقلنه الحياة، ولكن بحذر وتردد.
ونزعة التوفيق وهي نزعة عرف عنها ليس الفارابي فقط، بل وعدد كبير من الفلاسفة والمفكرين العرب، فقد بدا من العسير حقاَ تجاوز أو تجاهل ما جاء به الإسلام من نهضة علمية وفكرية، فالإسلام لم يكن قط معادياَ للعلم والتقدم، ولكنه حذر من الدخول في ممرات ودروب تفضي إلى السؤال الأكبر: ماذا بعد الموت..؟ من خلق الكون ؟ ومحاولة فلاسفة عرب ومسلمون التعامل مع معطيات الحضارة الغربية كانت فاشلة لأنها و كما يقول الأستاذ التريكي (الفلسفة الشريدة)، وبها يصف تجربة الأفغاني ومحمد عبدة بالذات " توفيقية وتلفيقية، لأنها لم تستطع أن تتفاعل تفاعلا مجدياَ مع الحضارة الغربية لإنتاج البديل الثقافي الخلاق "..
ويرى الأستاذ التريكي أن الابتكار الفلسفي في الإسلام يكمن في علم الكلام الذي أنتج مذاهب كبرى في تفسير الكون واكتشاف القوانين الوجودية وتوصلهم إلى فهم الوجود للحركة والعلة، ولا بد أن نشير إلى الإبداع في الفلسفة العربية ليظهر بكل جلاء في الخطاب الخارجي للفلسفة، ذلك الخطاب الذي أرتبط بميادين أخرى، لهذا نراه في الفقه والكلام وفي الرياضيات وفي العلوم الأخرى، وفي الجماليات وفي الفلسفة الاجتماعية السياسية، وما جاء به الطبري والبيروني وأبو حيان التوحيدي وابن مسكويه وابن خلدون وغيرهم.
وبالمقابل، فقد أحدثت الفلسفة تيارات، وربما أعاصير في المسيحية وإن اختلفت شكلها ومضمونها عن تلك التي حدثت في الإسلام، ولكن بجوهر واحد. قلنا: إن اللاهوت المسيحي منذ البداية قبل بالفلسفة لعجزه عن مقاومتها، وقام بمجهودات رسمية على يد قساوسة لتجسير الهوة بين الفلسفة الغريقة / الرومانية وبين اللاهوت، ولكن ذلك لم يكن يعني نهاية الصراع.
نعم، كان ينظر إلى الفلسفة باحترام، ولكن بعضهم نظر إليه بوصفه من أتباع الشيطان، وجوهر الصراع والخلاف هو واحد في التجربتين، فعدا البحث في الإلهيات والذات الإلهية، كان الصراع في أوروبا المسيحية يتمحور حول مسألة السلطة وحدود السلطتين الزمنية (الدولة) والروحية (الكنيسة).
حقاَ كانت هناك هوة، والهوة كانت هاوية عميقة، أوضحه البابا انوسنت الرابع Annozenz المتوفى1276 )، إذ قرر أن من حق البابا التدخل في السلطة وحتى خلع الملك المستهتر، وأن البابا هو خليفة المسيح بقوله " أن السيد المسيح نفسه جعل بطرس وخلفاء بطرس خلفاء له حينما أعطاهم مفاتيح ملكوت السماوات، وقال لهم:" أطعموا أغنامي ".
وهكذا فأن البابا منح نفسه سلطة تسبغ عليه مركزاَ قيادياَ وتعطيه سلطة مراقبة ومراجعة فعاليات الدول والحكومات المسيحية والإشراف عليها، ثم جاءت نظرية سانت أوغستين لتدعم هذه النظرية التي أصرت على التمسك بأن النظام المسيحي يحتم أن تكون الدولة مسيحية، ويقول أيجيديوس كولونا(Egidius Colonna) ": إن السلطة الروحية التي يتولاها البابا هي سلطة فريدة تعلو على ما عداها، وللسلطة الروحية الحق في أن تقيم السلطة الزمنية وتشرف عليها ".
والصراع بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية أسفر عن نشوء نظرية السيفان، جلاسنوس Gelasian، كما أن الصراعات داخل الكنيسة المسيحية أنتجت تيارات ومذاهب لم تتمثل بالانشقاق الرئيسي بين الكنيسة الشرقية والغربية، أو الكاثوليك والأرثودوكس فحسب، بل وأنتج حركات الإصلاح الديني، أشتهر منها اللوثرية ـ كالفن، وكوسوي، وتلاشت حركات أخرى في مهدها بفضل القمع البابوي وبمساندة السلطات، وتحولت أخرى إلى مذاهب دينية /سياسية /فلسفية لاهوتية، مثل اليعاقبة والجزوبت والدومنيكان والفرنسيسكان وغيرهم، كانت انعكاساَ للقضايا التي أثارتها الفلسفة بين القرن الحادي عشر والقرن الثامن عشر، حيث هبت الثورة البورجوازية الفرنسية التي أعلنت رسمياَ تصفية أملاك الكنيسة الدنيوية وحسمت المعركة لصالح الفلسفة بصورة تامة أو شبه تامة، فيما بقيت هذه المسألة في البلاد العربية والإسلامية (الفكر السياسي والدولة) مسألة مثيرة للنقاش والجدال بهذه الدرجة أو تلك من السخونة.
وإذا كنا قد ركزنا على الفلسفة بهذا القدر من الأهمية، فذلك لأن دورها كان كبيراَ حقا في تطور الصياغات الثقافية، وأثرت ليس على تطور الفكر السياسي فحسب، بل وحتى على نشوء مدارس ومذاهب داخل الأديان نفسها، كما أنها أثرت بصورة مباشرة على نضج ووعي الناس والاتجاهات الاقتصادية والعلمية والفنية والأدبية.
وعندما نقرر أن الإسلام مثل ثورة على كافة الأصعدة، فنحن لا نمنحه قيمة اعتباطية، فالحياة الثقافية العربية شهدت قفزة كبيرة إلى الأمام، وابتداء ذلك باللغة نفسها التي هي عماد الثقافة على اختلاف فروعها، فمن الثابت أن اللغة العربية كانت على لهجات متقاربة ومتباعدة عن بعضها ألفاظا وكتابة، ونزول القرآن في نهاية القرن السابع الميلادي، حيث لم تكن اللغات الأوربية قد تبلورت بعد، بل وستمضي قرون كثيرة، حتى تتبلور اللغات الأوربية بشكلها الحالي الذي نعرفه اليوم، فيما مثل نزول القرآن بلغته الحالية (لهجة قريش) جعلها اللهجة السائدة وإلى اللغة العربية الرسمية، لغة سياسة وإدارة وأدب، بالطبع مع اعتبار أن لهجة قريش لم تكن بعيدة عن اللهجات العربية، بل لأنها كانت أساساَ وسطاَ بين تلك اللهجات.(18)
وإذا كان الحياة الجديدة نهضة اجتماعية / اقتصادية في مختلف الأمصار العربية، نهضة نوهنا عنها قي مباحث الكتاب، كان من شأنها الارتقاء بمستوى الحياة مما يؤدي تلقائياَ إلى خلق موضوعات ثقافية جديدة أنطلق صوبها الأدب والثقافة العربية. وإذا كان الشعر هو الميدان الرئيسي في الأدب العربي، وكذلك أدب الحكايات والأساطير وسير الأبطال والحروب، إلا أن الثقافة العربية شهدت بصفة خاصة تطوراَ مهماَ في ميادين جديدة مثل أصناف الملابس والأطعمة وعمارة الأبنية، حيث اختلطت الأذواق والأمزجة العربية والشرقية والإسلامية، بأنماط رومانية وفارسية وهندية، وإن لم تكن هذه جديدة تماماَ فقد كان العرب قد تعرفوا عليها في مراكزهم المتقدمة، العراق والشام ومصر إلا أن التجربة الجديدة كان لها مداها الواسع ونتاجها الثري، فقد تعامل الفكر العربي والثقافة العربية من موقع القوة وبفعل الاتصال الوثيق والمصالح اليومية على كافة الأصعدة.
فقد كان على سبيل المثال، التوجه لبناء المساجد وبروز أنماط جديدة من العمارة العربية، وإذا كان الإسلام قد تعامل مع الرسم بحساسية، إلا أن ذلك أستعيض عنه بفن الزخرفة والموزائيك والفسيفساء، وتجلى خاصة في فن الخط العربي وأنواعه، وقد جاء ذلك واضحاَ بصفة خاصة في المسجد الأموي في دمشق وجامع قبة الصخرة في القدس والجامعة المستنصرية ببغداد وقصور الأندلس وجوامع القاهرة والقيروان.
والقرآن بحد ذاته، قاد بحق لغته العالية أولاَ، والموضوعات التي تناولها: المعاملات مثلاَ، إلى ازدهار الفقه القانوني، وتقدم علوم النحو والصرف وقصص الأنبياء الواردة فيه، إلى بروز نمط جديد في كتابة التاريخ، فظهرت أعمال ذات مستوى راق، مثل كتاب الطبري والمسعودى وابن كثير في التاريخ، ثم موسوعات في اللغة مثل أعمال: ابن منظور والفراهيدي وغيرها، وهي أعمال لم ينجز لها نظير في أوروبا إلا بعد ستة قرون تقريباَ. وكل ذلك يشير في النهاية إلى رقي في الحياة السياسية والاجتماعية، ولولا ذلك الرقي لما استطاع الإنسان أن يقدم هذه المنجزات، وهي بديهية، فالمكبل لا يستطيع العمل والإنتاج ولا يزدهر فكره. يقول د. طه حسين " الأدب فن راق، إذا ارتقت السياسة ازدهر، وهو منحط جدب إذا انحطت الحياة السياسية وعقمت ".
وفي أوروبا كان الأمر يدور على نحو آخر، فالمسيحية عندما حلت في أوروبا، وجدت ليس ذلك البناْء الفلسفي الشامخ، بل وفنوناَ مزدهرة كالمسح والعمارة بحكم توفر الرخام ذو الألوان الرائعة في اليونان وإيطاليا توفر التراب، وبواسطة الرخام أنجز بناء معابد وأبنية رائعة، وكان الإغريق قد تلقوا أثناء امتزاج الحضارتين الهيلينية والشرقية بفرعيها، الرافديني والمصري فقرات عديدة منها على سبيل المثال: الأعمدة والتيجان التي تعلوها، فهي موجودة في الشرق قبل بناء المعابد اليونانية، كما كان هنا الموسيقى والرياضة.
ولكن أوروبا كانت على الرغم من ذلك تفتقر إلى مسألة رئيسية بتقديرنا، وهو الشعور بالانتماء إلى أمه، ولم تكن هناك حدود في أوربا التي كانت عبارة عن قبائل البعض منها تحوم ظلال من الشك حول جذورها، كما كانت أوربا تفتقر إلى اللغة القومية. وبإقرار أوثق المصادر الأوربية فإن أهم أفضال حركة الإصلاح الديني اللوثرية هي عندما أقدم مارتن لوثر ( وربما كان ذلك كان عملاَ جريئاَ ) على ترجمة الإنجيل من اللاتينية إلى الألمانية، وأصبح مرجعاَ مهماَ وبلغة ألمانية موحدة ذات نظام وقواعد واحدة، ولكن ذلك لم يتم قبل القرن السادس عشر، ولعل في ذلك السبب في أن فكرة القومية تأخرت في أوروبا حتى ذلك الوقت.
فألمانيا وفرنسا كانتا موحدتين حتى عام 1100 م. وكذلك إيطاليا مع ألمانيا، وكان ذلك مترافقاَ مع عناصر وعوامل أخرى مهمة، على رأسها التبلور الاجتماعي / الطبقي الذي أبرز البورجوازية الصناعية، وهذه جميعها من آثار ونتائج ثلاث تيارات رئيسية في أوروبا:
أولاَ: حركة الإصلاح الديني الذي أبعد نفوذ الكنيسة وحرر العقل.
ثانياَ: حركة النهضة التي أطلقت إبداع الإنسان الفكري والعلمي والفني.
ثالثاَ: الثورة البورجوازية الفرنسية التي حررت يد الإنسان وأطلقت قواه للعمل بلا حدود.
وعلى درجة تطور هذه القوى الفكرية والثقافية، وتنامي المسألة القومية، كان مؤشر الازدهار السياسي والاقتصادي يتصاعد، فقد كانت بريطانيا أولاَ (في القرن السابع عشر ) ثم فرنسا (في القرن الثامن عشر سباقتين إلى الثورة القومية، لذلك كانت درجة تقدم بريطانيا والفكر الاقتصادي بدرجة خاصة والفلسفة عامة، هو ما أهلها لافتتاح عصر النهضة الصناعية أولاَ، وبعدها فرنسا، وكان لتأخر هذه الثورة القومية في ألمانيا وإيطاليا (تأخرت وحدتهما القومية) السبب في تأخرهما دخول حلبة الدول الصناعية، المتطورة في بنائها السياسي والدستوري.
وعلى صعيد الفلسفة التي كان لها دورها الأساس في إنهاء احتكار الكنيسة، وفي تصديها للمحاولات العبثية لتجميل اللاهوت التي كانت تهدف إلى تبرير وجود وهيمنة الأنظمة الإقطاعية المطلقة والمفاهيم الإقطاعية والدينية، وتلك كانت مهمة مفكري عصر التنوير، وإبرازا لأهمية فكرة الوحدة والدولة القومية.
وفي الفكر العربي الإسلامي كان مفهوم الأمة من المفاهيم التي طرحها الإسلام في القرآن والحديث، وهنا في هذا النص " وجعلناكم شعوباَ وقبائل لتعارفوا "( 48 – هود ) فهذا القرار للاختلاف بين مجتمع وآخر على مستوى التكوين الديني والاجتماعي والذهني والمزاجي ومكونات اللغة والثقافة، وفي أكثر من آية يشير القرآن إلى إمكانية تعايش المسلمين مع غيرهم من الديانات الأخرى، وقد مارسوا ذلك فعلياَ، وكذلك ذهب مفكرو الإسلام مثل: الجاحظ الذي يرى في رؤية مبكرة أن، الثقافة واللغة والأخلاق المشتركة والبيئة الجغرافية هي التي تعطي الأمة صفة الوجود، وكذلك ذهب المؤرخ المسعودي الذي يشير إلى الموقف الحضاري المشترك، ووحدة الثقافة واللغة والقيم المشتركة.
وكان المفكر والفيلسوف ابن خلدون قد تحدث عن العصبية بتفصيل وإسهاب كافيين على أنها الفكرة الجامعة لشعب أو أمة، وأن السلطة السياسية تشتد وتقوى عندما يجمع شعبها رباط وعصبة قوية، ورغم أنه لا يذهب إلى درجة كافية من الوضوح ليتحدث عن الدولة القومية بمفهومها القانوني الدستوري الحديث، ولكننا نرى أن إشاراته هي رؤية سياسية / فكرية مبكرة وذات مغزى مهم.....
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: