د. ضرغام الدباغ
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 11089
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في مطلع هذا القرن كتب فلاديمير لينين واحدة من أهم كتبه " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية "، ثم إننا أدركنا بالتجربة، أن الولوج في عالم دراسات وأبحاث الرأسمالية ، يحتم على دارسي الاقتصاد السياسي، وأبحاث الإمبريالية دراسة هذا العمل.
وكنا قد قرأنا هذا الكتاب غير مرة ثم تناولناه بدراسة معمقة، ومن المثير للدهشة أني شاهدت مرة مقابلة تلفازية مع العالم الفرنسي بيير جاليه، أكد فيها أن الفكر العالمي لم ينتج عملاً يماثل كتاب لينين في أهميته، ثم أن أستاذاً ألمانياً معروفاً في الأقتصاد، نصحني أن أدرس مجدداً هذا الكتاب وباللغة الألمانية، ومن المدهش مرة أخرى أن اكتشف بنفسي، أنك تكتشف في هذا الكتاب من تشخيص وإشارات وتحليل ما لا تجده في أعمال أخرى، حتى في أعمال أساتذة كبار أمثال يوجين فارغا، وتوماس سنتش، وأوسكار لانجة، وعلماء معاصرين آخرين.
ولكن أمور كثير تغيرت، أو ينبغي تطويرها، أو تعديلها الآن بعد أن دخل الرأسمال العالمي مرحلته الإمبريالية الجديدة بما في ذلك دراسة ظواهر جديدة في نظام الإمبريالية الجديدة، التي يطلق عليها تلطيفاً بالعولمة. فالولايات الأمريكية المتحدة لا تخفي ضيقها وتبرمها من تسميات وأوصاف كالإمبريالية مثلاً، فقد حدث أن تقدمت وطالبت بنفسها وبمذكرات رسمية، من دول ومؤسسات عدم استخدام هذا المصطلح، وبلهجة لا تخلو من التهديد، ورأس الحكمة عند البعض مخافة أمريكا، لذلك فأن مصطلح العولمة إنما هو تلطيف لمرحلة جديدة بلغتها الإمبريالية (الرأس المال الاحتكاري) وأشتداد التمركز في بلدان المتروبولات، قاد إلى تفرد متروبول واحد، عصر جديد لمرحلة جديدة افتتحته الولايات المتحدة الأمريكية، بمؤشرات :
* نهاية القطبية الثنائية.
* دخول الرأسمال العالمي في مرحلة دولنة كثيفة غير مسبوقة للاقتصاد.
* تنامي مؤشرات لمشكلات مستقبلية في الولايات المتحدة والعالم الرأسمالي.
* صياغة أهداف وهمية لإخطار خرافية أو مبالغ بها، أنتجها (مفكروا) الرأسمالية لخلق حالة من الاستنفار والتعبئة في صفوف العالم الرأسمالي من جديد خلف دبابات البنوك تقودها الولايات المتحدة لاحتلال العالم في صيغة تغلغل مدرع.
ومن المعروف على مدى التاريخ القديم والمعاصر، أن عملية تقسيم تعقب كل حرب، أتساعها هو بقدر المكانة الواقعية لكل طرف على أرض الواقع. قلنا كل حرب، ويستوي في ذلك الحروب الباردة أو الساخنة، عملماً بأن ما اصطلح عليه حرباً باردة لم تكن باردة بالمعنى الحقيق والدقيق للكلمة، فالبشرية التي كانت قد شهدت 14 ألف حرب ونزاع مسلح عبر تاريخها، وبالتحديد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ونشوب ما أصطلح عليه " الحرب الباردة " شهد العالم ما مجموعه 232 حرباً أو نزاعاً مسلحاً في كافة القارات وإليك جدولاً موثقاً بذلك:
المصدر:
Kieكling, G. : " Krieg und Frieden in unserer Zeit " S. 100, Berlin 1977
وتشير المعطيات العلمية أن الحروب الحديثة إنما هي حرفة استعمارية، وعلى الأرجح تجد في أعترافات مشعلوا حرائق الحروب، بعد مضي عقود عليها، تفاهة الأسباب المعلنة، أو حزمة الأكاذيب التي يطلقونها، دون أن يردعهم حق وعدالة، أو قوانين دولية، ولكن هل شهدنا يوماً محاكمة مجرم حرب حقيقي ..؟ وجل ما يحدث، أن يحاكم المنتصرون المهزومون ليس إلا ..!
العالم شهد تقسيماً بشعاً لشعوب ودول، ووضعت الخرائط وفقاً لمقتضيات المصالح الاستعمارية، فقسمت ألمانيا عبر العصور، لأنها تمتلك تصوراً خاصاً لأوربا والعالم، وربما لم يكن هذا التصور بعيد عن المستعمرين التقليدين(بريطانيا ـ فرنسا) إلا أن المتنافسين يسلبون ممتلكات بعضهم أحياناً عندما يتصاعد سعار جني الأرباح والمغانم إلى حدوده القصوى، فيشعلون حروباً وقودها مواطنيهم من الكادحين والفقراء، وفقدت أفريقيا وحدتها ودمرتها حروب التنافس الاستعمارية، بل وأستخدموا أبنائها في حروب الضم والإلحاق.
وكان الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، قد وضع مؤلفاً بعد مغادرته للقصر الأبيض بفضيحة وترغيت، وضع كتاباً بعنوان: هكذا فقدنا السلام، يؤكد فيه أن الحرب العالمية لم تضع أوزارها قط، بل أستمرت نيرانها تندلع في مناطق متفرقة من العالم، تعبر بهذه الصورة أو تلك عن صراع العملاقين: المعسكر الاشتراكي من جهة، والمعسكر الرأسمالي من جهة أخرى، وأن لهذه الحروب والصراعات ضحاياها بالبشر والمال والعتاد ما يفوق خسائر المتحاربين في الحرب العالمية الأولى والثانية، ويضع إحصائية دقيقة تدعم أطروحته: حروب الوكالة (لاحظ الجدول أعلاه رجاء).
والحرب الباردة التي أنتهت بعد أن مرت بمراحل متعددة: (حرب ساخنة، حرب باردة، تعاون، وفاق) أنتهت بأندحار المعسكر الاشتراكي لأسباب عديدة لا مجال هنا لشرحها، ولكن خسارة سباق التسلح كان من أهم المعطيات الموضوعية، على أن المعطيات الداخلية كان لها أهميتها.
ومن أبرز ظواهر وملامح الإمبريالية الجديدة، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تقود معسكراً جراراً لا نظير له في تاريخ العالم وهي في قمة قوتها سياسياً، إذ حولت الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى مقهى للكسالى والمتكاسلين، وتحصل على ما تشاء بتراب الفلوس، واقتصادياً تتمتع بقوة مالية تبيح لها خوض المغامرات دون أن تخشى شيئاً، أما على الصعيد العسكري فتنفرد بحق امتلاك ما تشاء من أسلحة، و لكنها وهذا الانكى، أنها تستخدمها جهاراً نهاراً ليس في حقول تجارب، ولكن في أجساد وأوطان عباد الله، ومنها وطني العراق. كما استخدمت في أجسادنا رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفال اليورانيوم المنضب، وأصناف من أسلحة ربما البعض منها لا يزال سرياً.
وتبارى (مفكروا)، وشركات العلاقات العامة ومنتجوا الأفلام وكتاب وصحفيين ممن اعتادوا تأجير أقلامهم من العاملين بالقطعة، وربما رؤوسهم حتى ! كل يدلو بدلوه بصرف النظر عن أسئلة أخرى يطرحها مشاغبون ومثيري الفتن !! فالمسألة أولاً وأخيراً بزنس ! وبعضهم قد يصارحك القول، بأنهم كسبة على باب الله لا أكثر ولا أقل، والقناعة كنز لا يفنى !
الولايات المتحدة تدعي، قلت تدعي ولم أقل تكذب، أنها تحب الشعب العراقي وتريد له الخير، ومن الحب ما قتل، ومن بعض هذا الحب كان الحصار على العراق الذي قتل أكثر من 600,000 طفل، هذا عدا عدوانها المتكرر على بغداد والمدن العراقية بصواريخ كروز وهي صواريخ استراتيجية، حتى ناهز عدد ما أطلق منه على بغداد الألف قبل العدوان الكبير ربيع 2003، مع ذلك فنحن نحضى (محسودين) بحب أمريكا.
الولايات المتحدة تريد أن تفعل الخير معنا، وعلينا أن نقبل إذا كانت تفعل ذلك بوسائل الشر، ما هذه الأريحية الإمبريالية، ترى أن أميركا قد تحولت إلى جمعية خيرية، أو ربما أن أمريكا تريد زرع قلوب جديدة لنا، وتغير خلايا أدمغتنا، وزرع قرنيات جديدة لعيوننا، ربما زرقاء لنكون أجمل ولكي نتقبل حضارة فوكوياما وهنتكتن ببصر وببصيرة متحضرة بما يكفي، ونتعلم الديمقراطية المعلبة على الطريقة الأمريكية. وهي تريد أن تفعل معنا طيباً ولكن هذا الطيب لابد أن تصاحبه حفلات تعذيب يمارسه شاذون ومهوسات ومجانين جنس في سجون العراق.
وبصدد تكنولوجيا وحضارة الكذب ...
كتبت مجلة شتيرن (Stern) الألمانية وهي مجلة رصينة واسعة الانتشار أن الولايات المتحدة ارتكبت الأكاذيب العشرة وبامتياز :
• أمريكا ادعت بامتلاك العراق لأسلحة نووية.
• أمريكا أدعت بامتلاك العراق للأسلحة الكيماوية.
• أدعت أمريكا امتلاك العراق لأسلحة بايولوجية.
• أمريكا ادعت بعلاقة العراق بتنظيم القاعدة. أدعت أمريكا أن للعراق ضلع بأحداث 11/سبتمبر.
• أدعت أمريكا أن العراق يحتفظ بأسرى كويتيون.
• أدعت أمريكا أن ثوار عراقيون أسقطوا تمثال صدام حسين، وثبت أنه صبيان جيء بهم من أحدى العواصم الخليجية ولا يتجاوز عددهم الثلاثين.
• أدعت أمريكا أنها ستحافظ على العراق وتبنيه، ولكنها في الواقع دمرت الدولة وكافة مرافقه السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
• أدعت أمريكا أنها ستحافظ على وحدة العراق ولكنها كانت تعد وتعمل على تقسيمه، وأخيراً أفصحت عن الدر المكنون بقرار من الكونغرس يدعو للتقسيم ..!
• أدعت أمريكا أنه ستغادر العراق وها هي تفعل كل شيئ للبقاءبعد أن أستصدرت القرارات الدولية لشرعنة أحتلال جاء نتيجة حرب غير شرعية.
كنت أراقب قبيل العدوان الشامل على العراق، توني بلير وهو يدلي ببياناته أمام مجلس العموم البريطاني، ودهشة تصيبني بالخرس، أمام صلف الكذب، صلف لابد أن يكون قد مارسه منذ نعومة أضفاره، وقاحة لابد أن عينا صاحبه من الزجاج، وجرأة تبيح له الكذب حتى على البرلمان هذه المؤسسة المقدسة في النظام الديمقراطي، ومجلس العموم بخاصة الذي قيل عنه أن بوسعه تقرير أي شيء. ثم راقبت الوزير باول وهو يعرض خرائطه أمام مجلس الأمن، يعرف أنها كاذبة، وهو الجندي المحترف ! إذ يقول أن مصانع أسلحة الدمار الشامل محملة على سيارات ..! ثم يعرض الصورة الشهيرة لأمبولة تحتوي على ماء الورد على أنها أسلحة دمار شامل .. أي أستخفاف بعقول حكماء العالم ..
وتقر جميع شرائع الدبلوماسية والسياسة، أن الكذب يفسد أي عملية سياسية مهما حاول الكذابون من منحها صفات النزاهة، فكذبة واحدة كفيلة أن تحيل كل شيئ إلى سلة المهملات .. ليس الكذبة وسائر الأكاذيب، بل وبمطلق الأكاذيب أيضاً .. ولكن ..!
الدبلوماسيون والسياسيون لا يكذبون، ولكن هناك مساحة معقولة بين الكذب وعدم قول الحقيقة إذا كانت مهلكة .. كيف ..؟
السياسي والدبلوماسي ليس من واجباته الخضوع للأستجواب من جهات غير حكومته، والقبول بأن تطرح عليه الأسئلة للإجابة الحتمية، وبذلك يتخلص من مأزق الأسئلة المحرجة والإجابة على اسئلة قد تلحق الضرر بالموقف السياسي لبلاده، وهناك مصطلح مفضل لدى الدبلوماسيين: نصف الحقيقة، ونصف الحقيقة هي الحقيقة ولكن ليس بتمامها وكمالها، بل التصريح بذلك الجزء الذي لا يعد كذباً، ولا يلحق الضرر بالموقف السياسي أو التفاوضي.
ولكن ومنذ أن قبلت الدبلوماسية والسياسيون الغربيون مبدأ البراغماتية في السياسة، التي ترجع جذورها الفلسفية إلى مؤسسها الحقيقي: أنطونيو ميكافيلي، والتعديلات التي أدخلها الفلاسفة الأمريكان لم تكن جوهرية، ولنلاحظ كم تنطبق في هذه المقولة لميكافيلي، ما شاهدناه من حفلة أكاذيب في مجلس العموم البريطاني، والقصر الأبيض، يقول ميكافيلي:
" منذ زمن بعيد لا أقول ما أفكر به، ولا أفكر مطلقاً فيما أقول، وإذا حدث مرة أن اقول الحق، فأني أغلفه بحزمة من الأكاذيب، بحيث يصعب بلوغ كنهه " .
ترى هل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بحاجة لكل هذا الكذب ؟ أم أصبح الكذب من مستلزمات الإمبريالية في أعلى مراحلها ؟
أما بوش، فهو بوش حقاً. وكنت مرة أتحدث مع أساتذة ألمان في محفل جامعي، وفي زلة لسان أطلقت كلمة غبي على بوش، لكني سارعت واعتذرت على الفور، ليس بسبب الوصف غير الدقيق، ولكن احتراما للمكان والحضور، ففاجئني أحد الأساتذة الألمان بقوله، مصححاً أن وصف بوش بالغباء إنما مديح له.
هل تحتاج بريطانيا وأمريكا للكذب وبهذه الكثافة غير الطبيعية ؟ هل الكذب ضرورة ؟ ألا يعلمون أن حبل الكذب قصير ؟ وماذا يحصل أن فقدوا المصداقية ؟
لن يحصل شيء ....
فهم فاقدين لكل هذه الأشياء ومنذ زمن بعيد. ولكنهم الآن وبعكس ما يتصور جوقة المداحين ومحرقي البخور للعولمة الملكيون أكثر من الملك، إنهم في مرحلة التخبط، وفقدان التركيز، وضياع أسس القياس، والأعتبارات.
المؤامرة فضحت.. لقد فضح التهافت المتآمرين .. وها قد بان عري كل المزيفين
6-05-2009 / 21:46:00 جميلة العالم