ياسين أحمد
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8124
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كان صديقاً لنا قد تولى الوزارة في العراق لفترات معينة، قد توجه إلى الولايات المتحدة بعد تركه الوزارة لغرض إكمال دراسته العليا. فاستعاد هناك علاقاته مع أحدى الشخصيات السياسية الأمريكية الذي كان قد عمل فترة استيزار صديقنا، سفيراً للولايات المتحدة في بغداد، وكان بدوره قد ترك الخدمة، مع بقاؤه قريباً من مصادر القرار السياسي، ومخلصاً لصديقه العراقي.
وأستمر الصديقان على صلاتهما اللطيفة، وتدور في معظمها في محيط الثقافة، والصلات الممكن تحقيقها بين العرب كأمة وثقافة وسياسة، مع الولايات المتحدة الأمريكية. فأخبر الأمريكي صديقنا، بأن هناك أربعة عقد مستحكمة في الأوساط الحاكمة حيال البلاد العربية:
العقدة الأولى: أن الأمريكان يحاولون صنع سيارة تحل بديلاً أو تضاهي الفولكس فاكن، ولكن دون نجاح.
العقدة الثانية: نرسل البعثات ونعمل كل شيء لتنصير أفريقيا، والناس هناك يصبحون مسلمين.
العقدة الثالثة: نريد أن نجد قيادة عربية بديلة لجمال عبد الناصر(كان يقود مصر آنذاك)، ولكننا لا نجدها.
العقد الرابعة: نريد عربي لا يحلم بإزالة إسرائيل ولكننا لا نجده.
وكنت قد قرأت مرة محضر جلسة اجتماع عقد في واشنطن عام 1957 بين أطراف عراقية وأمريكية رسمية، مثل الجانب العراق: الملك فيصل الثاني، ولي العهد الأمير عبد الإله، الفريق الركن محمد رفيق عارف وآخرون، بينما مثل الجانب الأمريكي وفد كان في عداده وزير الخارجي جون فوستر دلاس، وكان العراق يومها عضواً في حلف بغداد، وحليف حصين للغرب والولايات المتحدة في المنطقة.
وتقدم الجانب العراقي بطلبات لشراء أسلحة أمريكية، وكانت القائمة متواضعة على أية حال، ولكن الوزير دلاس أنفجر بالوفد العراقي دون مراعاة لحرمة وجود الملك، وكونهم ضيوف في الولايات المتحدة، أنفجر صائحاً بالوفد: كل العرب يأتون ويطلبون أسلحة، ماذا تفعلون بالأسلحة، طبعاً تريدون قتال إسرائيل، ومضى في هياجه لا يوقفه شيئ وقد أصيب الحاضرون بأحراج شديد، فكان أن تحدث أحد أعضاء الوفد العراقي، بهدوء قائلاً، أن العراق دولة مستقلة، وعضو مؤسس في الأمم المتحدة، ولديه ثروات كبيرة، وهو موجود في المنطقة بكل ما تنطوي من أحتمالات ومخاطر، ويتسلح شأنه شأن الدول الأخرى في المنطقة وغير المنطقة. ولكن الجلسة كانت قد أنهارت، وأحتاج الجميع إلى تأجيل اللقاء إلى اليوم التالي.
الأمريكان وغيرهم من البلدان الغربية خاصة يعلمون أن هناك عقدة وعقبة كبيرة تتحكم أمام إقامة علاقات مع البلاد العربي والإسلامية عامة، وتلك هي الكيان الصهيوني، وقد اتجهت كل جهودهم لإذابة تلك العقدة.
أنظروا يا أعزائنا، وقولوا لي أي من هذه الأحداث مصادفات:
ـ قرأت رسالة موجهة من الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون إلى الرئيس مبارك لا تليق حتى بطلبة المدارس الابتدائية، نشرتها متعمدة صحيفة بريطانية، يلومه فيها عدم إقامته علاقات تجارية وثقافية مع الصهاينة.
ـ قضي الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية اغتيالاً بسبب وعد قطعه بالصلاة في مسجد الأقصى
ـ صدام حسين أسره الأمريكان وسلموه للإيرانيين ليعدموه في حفلة سيئة الإعداد والإخراج والتوقيت كانت وبالاً عليهم.
ـ الملك حسين بن طلال استحق غضب وخصومة الأمريكان والصهاينة لتأييده العراق، فلم ينج منهم إلا باستخدام الملك ذكاؤه المشهود له.
يتسلل طائر الفجر إلى مكمن ياسر عرفات ويدس له السم ... (وبالمناسبة كان ياسر عرفات مكروهاً من الفرس الصفويين).
ـ يلقي الأمريكان القبض على المناضل أبو العباس الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ويقتلوه في الأسر..
ـ تطلق طائرة مروحية صاروخاً وتغتال الأمين العام للجبهة الشعبية
ـ تختطف أحمد سعدات ...
ـ تلاحق وحدة موساد فتغتال فحي الشقاقي في مالطة
ـ يغتال الشيخ ياسين فجراً ..
ـ يغتال الرنتيسي بعده ..
ـ تغتال القيادات القومية والإسلامية في العراق وبلغ عددهم المئات ..
ـ اغتيل ما يقرب من 650 عالم وأستاذ في العراق
ـ اغتيل عدد كبير من القادة العسكريين ومئات الطيارين في العراق ..
من قتل هؤلاء القادة والعلماء ونخبة رجال الأمة ... ؟
أنها عملية منظمة، منسقة، وهناك قوائم، والقتل ليس عشوائياً ..
من له مصلحة بقتل هؤلاء ..
الولايات المتحدة ... نعم هي بعض الجرائم هي مسؤولة عنها..
إسرائيل .. نعم جرائم أخرى هي مسؤولة عنها ..
ولكن إيران .. هي المسؤولة عن القسم الأكبر من هذه الجرائم ولا سيما في العراق ولبنان ..
وهناك وثائق تثبت ذلك لدى المقاومة العراقية
المقاومة العراقية، التي لا يتبرع أحد لها بدرهم
المقاومة التي تقاتل وسط شعبها
مقاومة تقاتل بسلاح جيشها، وبقيادة رجالها .. لا فتاوى ولا أوامر من الخارج ..
لا أموال شريفة ولا غير شريفة
هناك اليوم دماء شريفة تسيل في العراق، ويا للفخر عربية.. ويا لفخر المقاومة ويا لفخر العراق ويا لفخر أمة العرب، جاءوا فتيتك من موريتانيا والمغرب والجزائر والسودان واليمن، من كل بطاح العروبة، إلى معركة العروبة ..
ما لعمل ...؟
مرة أخرى هتف الأمريكان، وكان الجواب هذه المرة: وداويها بالتي كانت هي الداء ..
من لم يقدر على تدبيره جيش الدفاع الصهيوني، ستقوم إيران به، ومن لم تقدر إيران عليه، سنتدبره بأنفسنا..
استمعت مرة لخطاب يلقيه سلفان شالوم وزير خارجية الصهاينة، فدهشت إنكاره لوجود شعب أو شعوب عربية، بل قال إن ما هو موجود هو مجرد تجمعات هلامية تتحدث العربية، تجاهلت أجهزة الإعلام العربية هذا الخطاب وحسناً فعلت.
استمعت مرة لخطاب يلقيه جورج بوش الصغير، عن الأمة العربية فدهشت حقاً لحجم الحقد الذي تقيأه هذا المريض بكره العرب والإسلام
أستمعت مؤخراً لخطاب بعث به خاتمي وكان رئيساً لإيران، للطالباني بمناسبة تعينه يهنئه على نهاية حكم القومية المستبدة، الشوفينية، صغائر أخرى لا تليق برجل بلغ سن الرشد ..!
ولكن الفرس الصفويين يفقدون رشدهم عندما يتعلق الأمر بكره العرب والإسلام ..
هناك كتب للخميني، يرفض فيها ويشطب كل ما حدث منذ مؤتمر سقيفة بني ساعدة ..!
والقارئ للكتب الإيرانية الدينية التبشيرية ينتابه الذهول من حجم الحقد والكره، ومحاولات النسف، ولا يستغرب بعدها ما يرى وما يسمع، وأنا أعترف بأني لم اصدق أن هناك مقاماً لقاتل عمر بن الخطاب(رض) في إيران المجوسي أبو لؤلؤة الفيروزي حتى شاهدت فلماً وصوراً كثيرة عنه.. فدهشت.. أيبلغ الحقد لهذه الدرجة ..!
عبأ الأمريكيون قواهم وحلفاءهم، وخطوا مخططاتهم، وشحذوا نصال الكره والغيرة والحسد، والخوف، وهواجس أمن، ووعدوا أن يكونوا الظهير لكل متآمر خئون، وراحوا ينفذون مؤامرتهم بصبر ودقة، ويشرف على كل ذلك أفضل خبرائهم وعلمائهم ودبلوماسييهم وقادتهم العسكريين، فكانت مؤامرة حرب الخليج الأولى.
وفي تلك الحرب تدخلت الأطماع وتداخلت الأدوار، وراح كل ذي ناب وظفر يحاول أن ينهش له من العراق شيئاً، والعراق عصي .. عصي ... عصي
ذهب سفير دولة إلى أمير الكويت، يطلب منه مقاولات إعمار منشئات ما تزال قائمة، فلما دهش الأمير، قال له السفير سنقصفها الليلة..!
وآخرون خشوا أن يبلغ سيل الدم الزبى .. فيعطب ما لا يمكن إصلاحه..
فلعبوا دور ممثلي الكومبارس، إذ أرادوا لفت أنظار المخرج، بأنهم فطاحل في التآمر والتخريب، فلعبوا خارج النص طمعاً في تصفيق بعض النظارة، وما هو متفق عليه.. فنالوا تحذيراً..
كل من يعرف ألف باء تكتيك المعارك والحروب، يعرف قاعدة ذهبية يعرفها حتى صغار الضباط من خريجي كليات الأركان، وحتى المثقفون المطلعون على مبادئ الاستراتيجية وتلك القاعدة هي: لا تزج بقواتك في معركة تحت القصف.
وكانت الحقيقة أن الجيش العراقي المنسحب من الكويت انسحاباً قتالياً تحت التفوق الجوي الأمريكي المطلق، وتفوق في قوة النيران من مدفعية الميدان، ومدفعية البوارج الأمريكية الحربية العملاقة، زج الجار اللدود المعادي للشيطان الأكبر، الذي قبل وديعة عراقية والذي عاهد على الأمان، زج بما لا يقل عن ثلاثين لواء مشاة في جنوب العراق مستغلاً ظروف القتال الصعبة للغاية التي يمر بها الجيش العراقي.
فماذا حصل ..
حصل أن الأمريكان كانوا قد خططوا أن النظام في العراق سينهار بعد معركة الكويت، سيعزز ذلك حصار خانق لم تشهد له البشرية مثيلاً قط، وضربات صاروخية إلى حيث توجد قوى يحسب حسابها، وسيقوم المفتشون الدوليون بتدمير كل ما يسبب خطراً، والأمريكان تركوا رعاع الجار وغوغائه تستبيح المدن، وتفعل أسافل الأشياء، تركوهم ليرغموا العراق على توقيع اتفاقية صفوان، المخرج يعرف ماذا يفعل، وليس بالضرورة أن يطلع صغار الممثلون الذين كتب عليهم أن يبقوا صغاراً، ومن أولى صفات الصغار التحلي بالصغائر والحقد في مقدمتها..!
ولكن المخرج الكبير كان قد وضع سيناريو آخر لخططه، إذ أعتقد أن كل ما فرضه وأضاف عليه وضع منطقتي حظر للطيران، ومنع تحليق الطائرات العراقية، كل هذه سيكفي أن يسقط النظام العراقي كتفاحة في حجره، دون حاجة إلى التضحية بجنوده ومعداته..
ولكن علوج الفرس الصفوية لم تصمد، وهربت في جنح الظلام إلى ما وراء جبال زاغروس، وتلك عادتهم منذ 3000 عام ق.م وحتى الآن. وكان لدى العراق مئات من عناصر فيلق بدر وفيلق قدس وهي وحدات إيرانية رسمية، ولكن أيضاً 38 ضابطاً إيرانياً من الجيش النظامي، أسرتهم القوات العراقية وأبقت عليهم شاهداً ومشهود.
وتمسك الإيرانيون بودائع العراق، وهي ودائع لمن يفهم الأمانة والوديعة، وخيانة الأمانة جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي بأقسى من جريمة تحرير صك دون رصيد ..! وكل هذا ونحن في جمهورية يدعون أنها إسلامية..!
ولم تكف مؤامرات الفرس الصفويين يوماً، بل أنهم كانوا حجر الأساس في كل مخطط يستهدف العراق، ولكنهم هذه المرة يواصلون دورهم المسند إليهم في التحالف الثلاثي:
الأمريكي / الإسرائيلي / الإيراني
وطوال حصار استمر اثنا عشر عاماً، ومؤامرات لم تتوقف، كان العراق، مخيفاً، رغم جراحه، كبيراً رغم حجم أعدائه، جيشاً أبياً أذاق كل أعدائه طعم الردى، حاول علوج العجم أن يفعلوا المستحيل ليعرضوا ويستعرضوا أما حلفاءهم بأسهم، ولكن هيهات، أخبروا الأمريكان أن دورهم يتمثل بتهيئة الميدان لفعل يقومون به ويتطلب مساندة أمريكية، ولكنه فشلوا حتى في ظروف حظر تحرك القوات العراقية والطيران، والقصف المستمر بالصواريخ الاستراتيجية البعيدة المدى (كروز) فشلوا أن يثبتوا لأسيادهم الصهاينة والأمريكان أنهم أكثر من ثانويين، فوعدوا أن يثيروا الغبار في أماكن أخرى، غبار الوهم والإخفاء وصرف الأنظار، فأشتغلوا مع البائس حسن نصرالله ليكون لهم مركزاً على سواحل البحر الحلم: البحر الأبيض المتوسط.
ثم حاولوا مرة بزج طيرانهم وسولت لهم نفوسهم المساهمة بالجهد الجوي الأمريكي / البريطاني المعادي، فباؤا بفشل ذريع، وشاهدنا عقيداً إيرانياً من شاشات التلفاز يبكي حظه العاثر..ولم يطيروا بعدها فوق سماء بلاد الرافدين
أخبرهم أطراف الحلف الأمريكان والصهاينة الأكثر رزانة، أن التزموا الهدوء وانتظروا...
وفي 11/ سبتمبر، نصبوا مجالس العزاء وتباكوا وأظهروا غيرتهم وحزنهم من الاعتداء على السيد الأكبر، ووعدوا بتقديم المساعدة الفعالة لحرب أفغانستان، وكانوا قد حشدوا جيوشهم من قبل لقتال ملالي أفغانستان، فرد عليهم هؤلاء، بأن لم يردوا عليهم، فالأفغان يلعبون مع قوى كبرى، وليس مع مقاولين ثانويين ..
أظهروا مثل هذا الأدب الرفيع عندما سألوا الروس فيما إذا كانوا بحاجة إلى مساعدة في الشيشان، وهكذا ومن أجل أثبات حسن الأدب، والعزم على مكافحة الإرهاب الإسلامي، وإعلان الطاعة، والاستعداد.. أرسلوا قواتهم إلى أرض الشيشان.. وسينالون الجواب على ذلك ذات يوم ..
بالطبع كان الأمريكيون يفهمون أن ملالي طهران، قد كرسوا أنفسهم بالعداء لكل ما هو عربي وإسلامي، أضعافاً مضاعفة عن أصوليي واشنطن والصهاينة.
فنالوا النجاح ولو بدرجات واطئة، ذلك أن الغرب يفهم بدقة مأربهم، وبواعثهم، وما يرمون إليه في القريب والبعيد، لذلك فالتحالف معهم هو تحالف له ظروفه وقواعده الدقيقة
نعم ... نحن متفقون على إضعاف العرب ...
نعم ... نحن متفقون على إضعاف المسلمين ...
ولكي تكون عضويتك في النادي أصيلة... عليك أن تقبل بالدور المرسوم لك فلا تتجاوزه قيد أنملة... هذا هو قانون اللعبة ...
نحن نريدك أن تكون قوة في المنطقة ... ولكن لكي تؤدي ما يخدم أهدافنا، وليس تحقيقاً لعظمة يريدها أي طرف ..
وميزة الملالي أنهم دوغماتيون ... جهلة...
ولم يستوعبوا درس حرب 1956 (العدوان الثلاثي) عندما حدثت بدون أوامر من السيد الأكبر، فأمرهم بالانسحاب...
ولم يتسوعبوا درس غزو تركيا لقبرص، فحرمهم السيد الأكبر من المساعدات بضعة سنين، ومن التسليح أيضاً، فكان أن شكل الأتراك فيلق إيجة لتنفيذ مهام قبرص وجل أسلحتها من الصناعة التركية الوطنية، وقد تأكد الأمريكان من ذلك بدقة، حتى عادوا واستأنفوا العلاقات العسكرية والسياسية مع تركيا..
الملالي أكثر جهلة من غيرهم، لأنهم لم يستوعبوا ولم يسألوا أنفسهم،ترى لماذا غضب السيد الأكبر على الشاه ..؟
ولكن ملالي الصفوية، عيبهم أن لا رشد يبقى لديهم أو وقت لاستيعاب دروس عندما يتعلق الأمر بأعداء العرب والإسلام