ياسين أحمد
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10936
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بسم الله الرحمن الرحيم
" ومن يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون " 186 ت الأعراف . صدق الله العظيم
ليس من قول ينطبق على ملوك الصفوية كما ينطبق عليهم قول العزيز الحكيم. ويمثل الملك إسماعيل الأول، مؤسس الأسرة الصفوية الحاكمة التي حكمت بلاد إيران بين 1501 و 1736، خير من ينطبق عليه قول العزيز الحكيم، فقد بلغ من طغيان هذا الحاكم أنه أرغم الشعب على تغير مذهبهم إلى الشيعة، ومنح نفسه لقب الشاه، لكي لا يضع نفسه تحت قيادة وسلطان العثمانيين الذين كانوا قد أعلنوا أنهم ممثلين للخلافة الإسلامية. كما قادت الميول التوسعية لهذا الحاكم في جس نبض الجبهات كلها، فعندما واجه العثمانيين، لقى الهزيمة القاسية على يد السلطان سليم الأول في معركة جالدران 1514 أنكفأ بعدها داخل حدود فارس، وكان قد نقل عاصمة البلاد إلى تبريز في شمال البلاد. ثم عاد ونقلها مرة أخرى إلى قزوين بعد سقوط تبريز بيد العثمانيين.
وناكف الفرس الأفغان زمناً طويلاً. وحاول الفرس عبثاً مد خيوطهم في تلك الديار، والأفغان شعب باسل، عنيد، لا يسلمون بالأمر الواقع بسهولة، تساعدهم طبيعة بلادهم ذات الطبيعة الجبلية القاسية، والطقس القاري الصعب. وأتعبوا كل من حاول دخول بلادهم عنوة، والصفيون حاولوا اقتحام تلك القلعة ووصلوا حتى مدينة هراة. ولكن هذه السياسة التوسعية قادت إلى سلسلة حروب ومتاعب، بينهم وبين الأفغان. ومن تلك احتلال الأفغان لأجزاء واسعة من إيران حتى أنهم احتلوا أصفهان 1722 التي كانت عاصمة لإيران عندما نقل عباس الأول العاصمة من تبريز إليها عام 1593.
أما إسماعيل الثاني 1576 ـ 1578، ثالث ملوك الصفويين (كان الملك طهماسب الأول ثاني الملوك الصفويين)، فقد كان والده قد وضعه في السجن لمدة عشرين عاماً لما لمسه فيه من فضاضة وخشونة وقسوة تبلغ حد الوحشية. ثم أرتبط أسم هذا الحاكم بارتكاب المجازر الدموية، فقد فتك هذا الطاغية بأخوته وعائلته وكل من كان يشك به من رجال دولته. كما كان مدمناً على الخمر، فاسقاً وتروى عنه في ذلك قصص خيالية.
بيد أن هذا الطاغية لقى مصرعه اغتيالاً، عقاباً إلهياً على جرائمه، ولم يكن من أشقائه يصلح للحكم سوى أخ ضرير كان قد سلم من القتل، فنصب محمد خدابندة ملكاُ رغم أنه فاقد الأهلية الشرعية(كونه ضريراً). ولا تنتهي قصص ملوك الصفويين والفرس دون أهوال. إذ برز إلى السطح قائد إيراني، تصدى على صدر الأحداث. فكيف يبرز قائد فارسي جديد ؟
ينال القائد نجاحاً يمكن الاعتداد به، ومن ثم يبادر هذا القائد لاستثمار نجاحه المحدود أو الكبير، ليزيح من يقف بوجهه، فيبرز إلى السطح. وهكذا فعل تماماً القائد نادر الذي قاد الجيش الفارسي واستعاد أصفهان من يد الأفغان، ما لبث أن استقل بالحكم وأعلن نفسه ملكاً باسم نادر شاه وقضى على الصفويين. طارد نادر شاه الأفغان حتى أفغانستان وأحتل أجزاء منها، وتقدم نحو الهند، واستولى على كنوز المغول فيها، كما أنه أنهى الوجود العثماني داخل الأراضي الإيرانية.
ولنادر شاه تاريخ اسود في العراق، فهذا القائد الملك، والذي كان أشتهر بقسوته وطغيانه ونجاحاته العسكرية التي صاحبها مجازر دموية، كانت له في العراق فصول غريبة.
طمع نادر شاه، بسبب الظروف التي كانت تمر بها الدولة العثمانية في أواسط القرن الثامن عشر، قاده ليتقدم صوب العراق، يصاحب الموت والدمار مسيرته. وإلى جانب الدمار والخراب كان نادر شاه يزرع الفتن الطائفية ويمارس سياسة الإرغام والقهر الديني والطائفي. بلغ جيش نادر شاه حوالي 400 ألف فرد من المشاة والفرسان والمدفعية وعناصر هندسة على اختلاف فعالياته في جيش أحسن تجهيزه وأعداده.
وأحدث نادر شاه مجزرة مذهلة بتفاصيلها في مدينة كركوك عندما جمع رجال المدينة وخيرّهم بين الموت وبين تغير مذهبهم. وعندما رفض أهل المدينة عرضه، أقدم على قتل عشرات الآلاف دفعة واحدة في مجزرة لا تماثلها في وحشيتها سوى قتل الصليبيين للمسلمين في مدينة عكا على يد الملك الصليبي ريتشارد عام 1490، والشيء بالشيء يذكر !
واصل نادر شاه تقدمه فأحتل مدينة أربيل وأحدث فيها ما أحدث في كركوك، ثم واصل تقدمه صوب مدينة الموصل فوصلها وأكمل حصاره لها في أيلول/ سبتمبر / 1743، وبادر نادر شاه إلى إرسال تحذير وإنذار بالاستسلام إلى أهالي مدينة الموصل متمثلة بوالي المدينة وكان حسين الجليلي، والياً عليها، ويحي الفخري مفتياً للبلدة ، برسالة هي مثال للغطرسة:
اعلموا إنا جند الله، خلقنا من رحمته وغضبه. فالبشرى ثم البشرى لمن أتبعنا، والنذرى ثم النذرى لكل من خالفنا وعصانا. أو ليس في آثار الماضيين معتبر ؟(يريد التذكير بأحداث مدينتي كركوك وأربيل)
أفلا تذكرون أخبار الهند والسند والترك في ما وصل إليكم من وقائعهم وملاحمهم، وحقائق جيرانكم من أهل كركوك ومن والاها وكيف تعنتوا، فأطاعوا ونجوا، فهم ذوو الحظ من جلباب أمن أمان وشفقة فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، لا تقدرون الدفاع فلا تعرضوا أعماركم للضياع.
فليبلغ الشاهد منكم المستمع لكتابنا الغائب. والسلام على من أتبع الهدى "
وأطلع أهالي مدينة الموصل على هذه الرسالة، وكانت قد بلغت مسامعهم أحداث كركوك وأربيل وحيثما كان هذا الطاغية قد حل. فتنادوا إلى اجتماع في ظاهر البلدة ونصبوا خيمة وحضر الاجتماع من يمثل البلدة. وفي مقدمتهم الوالي حسين الجليلي ويحي الفخري، وتداولوا أمرهم فقرروا أن يجيبوا على التهديد بالصمود برسالة :
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله وما اعتصامنا إلا بالله ومن لاذ بكهف كفايته، كفاه وحماه.
وصل كتابكم المرسل للعامة والمشتمل زعمكم على الطاعة " فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " تفتخرون بأنكم جند الله مخلوقين من الغضب " تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب"، فما وعيدكم عندنا إلا كصرير باب أو كما يطن في لوح الهجير الذباب، أفرأيتم أن القصاب تهوله كثرة الغنم أو السد الغشمشم يدهشه تراكم النعم ؟
تذكرونا بأفعالكم بالسند والهند مع أولئك العلوج، وما سطوتكم على الترك، وتدهشونا بما فتحتم من قلعتي كركوك وأربيل وترعبونا بأفعال هاتيك الأباطيل، " كلا ستعلمون ثم كلا ستعلمون " الرقاع بالرقاع، ونحن الأسود الضارية والسباع الكواسر العادية. أسيافنا صقيلة وسطوتنا ثقيلة، وحلومنا رزينة، وقلوبنا كالحديد متينة وبلدتنا بحمد الله حصينة.
وختموا ردهم ببيت من الشعر :
لنا جبل يحتله من بخيره منيع يرد الطرف وهو كليل
وجرب نادر شاه دون جدوى الحصار على مدينة الموصل، وبعث بسلسلة تهديدات، في آخرها رد عليهم أهالي الموصل ما نصه : ـ
" ليس بيننا وبينك إلا السيف والرماح، فلا تعاودنا بالرسل والتهديدات وإن آتانا منكم رسول سنعيده إليكم جثة بلا راس. فتقدم ولا تبطئ ولا يفلح الساحر حيث أتى ".
ولكن نادر شاه لا يفقه إصرار مدينة صممت على الصمود، فواصل حصاره وقصفه بالمدفعية وقيامه بالإغارات، وفتح ثغرات في حصون المدينة بمدفعيته وألغامه، ولكن إصرار الصمود لدى أهل المدينة كان كبيراً.
أيقن نادر شاه استحالة اقتحام المدينة، فابتدأت قواته بالانسحاب منذ 22 / تشرين الثاني ـ أكتوبر / 1743، وكان صمود الموصل فاتحة لصمود العراق بأسره. أما نادر شاه فقد أنقض عليه جنده فقتلوه شر قتلة عام 1750.
وتلك أخبار نتداولها بين الناس لعلهم يعقلون. ترى هل من يعقلون ؟
تدلنا التجارب التاريخية أن آخر من يعقل هم الفرس، وقد ذكرنا في مجال آخر من هذا البحث أن الفرس يخوضون معاركهم السياسية والعسكرية بطريق متشابهة تماماً، ولربما قائل أنهم يخوضون هذه المعركة الحالية ضد العرب والإسلام بطريقة مختلفة، لهؤلاء الناس للأسف نقول، إن هذه الرؤية هي فقط لمن لا يعرف تاريخ الفرس وطرق عقد تحالفاتهم، ودرجة حقدهم على العرب والإسلام بدرجة تدفعهم أن يتحالفوا مع معسكر شياطين. إن الفارسي ينسى نفسه عندما يتعلق الأمر بالحقد على العرب والإسلام، بل يتجاهل حتى أللياقات ورتوش تستلزمها الصورة.
فهم حاولوا، أقول حاولوا، أن يخفوا علاقاتهم مع الصهاينة بعد استلام الملالي الحكم في طهران عام 1979 وخلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، ولكن هذا الدور كان مكشوفاً للمتتبع ... وخفياً لمن لا يريد أن يرى !
وهذا اليوم الذي نحن فيه زائل، زائل، زائل ... كما زالت مذبحة عكا، وكما زالت مذبحة كركوك وأربيل. والأرض لأصحابها ! سيرحلون كما رحل الصليبيون، وكما رحل نادر شاه مقهوراً مدحوراً وكما رحل الإنكليز والفرنسيين دولاً صغرى ! ...
وعندما سينحسر المد سيأخذ معه كل مهملات الشاطئ.
بسم الله الرحمن الرحيم
" اللهم لا تزغ قلوبنا بعد أن هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " 8 ـ آل عمران) صدق الله العظيم
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
20-08-2016 / 17:24:28 د/ طه علي
تصحيح
كلامك عن الشاه إسماعيل الثاني بن طهماسب مأخوذ عن مؤرخي الشيعة والذي أرجحه أنه مكذوب عليه وإنما قتل لتسننه وميله إلى السنة
20-08-2016 / 17:21:46 د/ طه علي
تصحيح
كلامك عن الشاه إسماعيل مأخوذ عن مؤرخي الشيعة والذي أرجحه أنه مكذوب عليه وإنما قتل لتسننه وميله إلى السنة
8-09-2009 / 07:53:15 مسلم غيور
تصحيح خطأ في آية
السلام عليكم
تصحيح للآية الكريمة
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)
وليس " اللهم لا تزغ قلوبنا بعد أن هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " 8 ـ آل عمران)
الرجاء الانتباه
29-08-2008 / 12:36:35 عاشق الوطن
نادر شاه فريد من نوعه
نعلم والجميع يعلم ان نادر شاه هو قائد نغض النظر على انه مجرم او طاغية ولكن اقول انه الوحيد الذي قرب بين المذاهب وبين المسلمين فلماذا يقول عنه الكاتب انه مجرم وطاغية لانه اراد توحيد صفوف المسلمين !
20-08-2016 / 17:24:28 د/ طه علي