ياسين أحمد
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8167
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أقرأ كثيراً لمثقفين عرب البعض لا شك في وطنيته وغيرته القوميـة، ولكن هناك أيضاً الكثير ممن يدس الكثير من السم الزعاف يداف في عسل الكلام، ولا أحد يعمل في صناعة السم وتسويقه هواية، فالأمر احتراف، ولا يصح أن نكون طيبي القلب في حفلة ذبح الأمة من الوريد إلى الوريد ...
ونحن في العراق نقول، لعل أشقائنا العرب لا يدركون أحياناً الزخارف الفارسية، وطبيعة المكر الصفوي، أو ربمـا بعضهم يعتقد وياللأسف، أننا نضرم نيران الطائفية، متناسين أن رفاقنا وشهدائنا هم من كل الطوائف بل وحتى الأديان، ولا يكلفون أنفسهم عناء ألقاء نظرة، مجرد نظرة على دساتيرهم، ليتأكدوا من هم مضرموا نيران الطائفية في هذا العصر ..!
هل هم الأحزاب الوطنية ؟ أم الأحزاب القومية ؟ أم الأحزاب العمالية ؟
أم ترى من يحمل أسماء دينية وطائفية ؟
أم الصهيونية التي تتمنى تمزيق أوصال الأمة العربية والإسلامية، أم الاستعمار والإمبريالية العالمية التي تشيع في كل آن وأوان الفرقة تحت قانون شهير: فرق تسد.
اسألوا أنفسكم أيها المثقفون العرب، تنبهوا واستفيقوا فقد طمى الخطب إلى ما فوق الركب بكثير .. وإذا ما غاص المرء إلى ما فوق الركب، فإنه يعجز عن الحركة، فلا يقوى على التقدم ولا التراجع ..
ما دفعني لكتابة هذا البيان، مقال نشره أحد الأخوة القوميين أحبه وأحترمه، يحذر فيه أن نساوي بين إيران والولايات المتحدة ؟
أنها مأساة أن نشاهد ما يحدث بأم أعيننا في العراق، وأفغانستان، ومجازر الفلسطينيين في العراق، ثم ليتساءل أحدنا، هل يجوز أن نساوي إيران بأمريكا..؟
هما يتنافسان في كره العرب والمسلمين ومعهم الصهاينة في حلف مكتوب وممهور وموثق، فليسأل فيكم كل ذو بصر وبصيرة، من هي أكثر قوى في العالم تكره العرب ؟ ومن هي أكثر قوى في العالم تكره المسلمين ؟
سيجد هذه القوى بالتسلسل ..
الفرس الصفويون، الصهاينة، اليمين الأمريكي
وها هي الحرب تشن على أبعد مدى في كل الساحات العربية والإسلامية وحيثما كان ذلك ممكناً، وكل بأوانه، وكل بذريعته، وبأسبابه، العرب والمسلمون يقتلون يومياً على يد هذه القوى الثلاث، والأمر يدور منذ سبعة سنوات، وهناك للأسف من لا يرى ... لماذا ؟
أيعاني ضعفاً في البصر ؟
أيعاني ضعفاً في الاستيعاب ؟
أبعد ما حصل ويحصل يومياً في بلاد العرب والمسلمين، من يعاني من ... من ماذا ؟
هذا البيان أهديه لمن لا يرى .. لا يفهم .. لا يتصور، أو ربما لا يريد
فليرى وليفهم وليتصور رجاء، وإلا سيأتي يوم لا ينفع فيه اعتذار، فالمطحنة تدور منذ سبع سنوات، هذه القوى الثلاث تشترك مجتمعة ومنفردة في قتل شعبنا، لقد تدارسوا أمرهم بالتفصيل الدقيق، ويعلمون أين نقاط ضعفنا وقوتنا، ووضعوا السيناريو، ويلعبون الأدوار وتقاسموا الأدوار بالتفاهم والتنسيق الدقيق ..
* * * *
حدثني دبلوماسي صديق عمل سفيراً للجمهورية العراقية في طهران في النصف الثاني من الستينات، أنه لاحظ خلال تقديمه أوراق الاعتماد في المراسم التقليدية، أن أجواء المراسم (البروتوكول)مرتبكة، وبعد دخول الشاه إلى الصالة واتخاذ الجميع أماكنهم وقوفاً في صفين متقابلين، شرع السفير العراقي بقراءة أوراق الاعتماد وهي عادة رسالة بين رؤساء الدول وملوكها، وكانت من رئيس الجمهورية العراقية أحمد حسن البكر إلى شاه إيران محمد رضا بهلوي شاهنشاه ايريا مهر.
ويقول السفير أن الشاه كان يرتعد غضباً، نافذ الصبر، عصبي المزاج، وما أن أنهى السفير خطابه التقليدي، وعادة ما يرد الملك أو الرئيس المضيف بكلمة ترحيبيه يعد فيها بتسهيل مهمة السفير من أجل خدمة العلاقات الثنائية بين البلدين، وتلك عبارات ومصطلحات تقليدية تقال في مثل هذه المناسبات، يقدم بعدها السفير كبار أعضاء البعثة ثم يجلس الحضور لحوالي عشرين دقيقة، يتبادلون الأحاديث الودية.
إلا أن الشاه ما أن أنهى السفير العراقي خطابه، إلا وأن أبتدره الشاه بعصبية، بقوله: تقيمون مشاريع عملاقة وتعتقدون أن غيركم غير قادر علي عمل مثلها، أخبر حكومتك، أن مثل هذه الأعمال سوف لن تهزنا، وسوف ترون.
قال الشاه هذه الكلمات وأنصرف غاضباً، وبقي السفير في حيرته، ترى هل صنعت حكومته شيئاً لا علم للسفير به، أما ماذا ؟
وكان مدير المراسم ووزير الخارجية يحاولان أن يهدءا من روع السفير الذي اسقط في يده، وفي الأيام التالية لتقديم أوراق الاعتماد يقوم السفراء بزيارات تقليدية لوزراء الحكومة الذين كانوا يحاولون إزالة آثار تلك الصدمة بعبارات المجاملة والتهذيب، ولم يصارحه إلا وزير الصحة الإيراني الذي سأل السفير، ما هو المجمع الطبي الضخم الذي شيدتموه في بغداد ؟
فاستغرب السفير قائلاً: أي مجمع، لا أعرف، فقال له الوزير نعم مجمع طبي أطلقتم عليه مدينة الطب ؟ لقد اسمعنا جلالة الشاهنشاه قارص الكلام بسبب هذا المجمع وغضب أن يكون العراق قد تفوق علينا في المجال الطبي.
وكان العراق قد شرع منذ أواسط الستينات بتشييد مدينة الطب في باب المعظم ببغداد، وأعتبر في حينه أفضل مجمع طبي في آسيا، فتصوروا أن إيران يضايقها أن يشيد العراق مجمع طبي فكيف إذا يدحرها عسكرياً ويفوق عليها صناعياً، والعراق كان قد بلغ مستوى علمي متقدم في مجال الذرة في أعوام الثمانينات، وهو المستوى الذي تتبجح به إيران الآن..!
* * * *
إذا كانت درجة الحقد في إيران هي بهذا المستوى، وحقد الصهاينة نعرفه جيداً، والأمريكان يحقدون حتى على قلم الرصاص في جيوب أطفالنا، ألا يشكل هذا نسيج هذا الحقد ألون العدوان الثلاثي ليس على العراق فحسب بل على الأمة العربية والإسلامية ؟
قاتلوا مع الأمريكان في أفغانستان، ثم قاتلوا مع الروس في الشيشان، ثم قاتلوا وما يزالون في العراق، وفي لبنان لديهم بدعة حسن نصر الله يعد اللبنانيين بمجتمع العمال والفلاحين، بحجة دعوني أحارب الصهاينة ..! لكن قل لي ماذا يفعلون في اليمن ؟ ترى يناضل الحوثي هو الآخر لتحرير فلسطين !
يا مسكينة يا فلسطين.. الكل يدعي الوصل بليلى، ولكن لا أحد مع ليلى سوى أهلها، والفرس ليسوا من بين أهل ليلى، بل أن الصفويون هم جزء من الحرب الثلاثية التي تشتعل كنار المجوس، نار الحقد والكراهية، حقد القادسيتين الفارسي، حقد هرمجدون، الصليبي، حقد السبي البابلي الصهيوني.
الصهاينة، يخشون بابل وأرض بابل، وكل ريح تأتي من أرض بابل، فما بالك إن كانت صواريخ ..! والأمريكان هالهم أن تنحني لهم كل قوى الأرض، إلا أرض السواد في بلاد النهرين، هرع رؤساء العالم بعد 11/ سبتمبر ليأخذوا بخاطر بوش إلا العراق، الذي قال لا ننافق، ولا نرائي، لا نشمت بأحد، ولكننا لا ننافق.
أما الفرس، فداءهم ومرضهم أكبر مما يوصف، وحقدهم كحقد العقارب تقتل أصحابها، ومن خصال الفرس، أن الفيلسوف فيهم عندما يتعلق الأمر بكره العرب والمسلمين، يفقد رشده ويصير العالم فيهم جاهلاً والكبير وضيعاً، ومن الحقد ما قتل.
منذ أن حطت طائرة الخميني بحماية الطائرات الأمريكية في مطار طهران قادماً من باريس بطائرة أير فرنس حوالي الثلاثين عاماً، كتب آخر سفير أمريكي في طهران المستر سليفان مذكراته عام 1984 وفي يكشف تفاصيل استبدال نظام الشاه بنظام الملالي، ويومها كانت أميركا تصرخ وجدتها، فالكنيسة الكاثوليكية البولونية هي التي قادت حركة الانشقاق على النظام الاشتراكي، والإسلاميون هم من يكافح السوفيت في أفغانستان، والقس ديزموند توتو منح جائزة نوبل ليحل بدل مانديلا في قيادة الثورة في جنوب أفريقيا، فالمخابرات الأمريكية وجدا في جدار الدين خير مناهض للشيوعية.
هذا لا يمثل رأينا فقط، بل لنقرأ ما كتبه الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، وهو أثقف الرؤساء الأمريكان بعد مونرو، في كتابه: هكذا فقدنا السلام، عن قناعته بأن التيارات الدينية هي خير من يتصدى للاشتراكية. وكانت أنباء طهران تنبئ أن إضرابات عمالية قد نشبت وهي تتسع في مصافي النفط الإيرانية، ثم قيل له أنها بقيادة اتحاد العمال الإيراني وحزب تودة(الشيوعي الإيراني)، ومجاهدي خلق، وهي منظمة ماركسية / إسلامية، وأن نظام الشاه قد أهترأ حتى آخر بوصة في جسمه، مالعمل ؟
حقاً ما العمل، ولكن ليس على طريقة لينين، بل بالهروب إلى الوراء، كان هناك بصيص أمل أن يستلم الحكم ليبراليون، تكنوقراط، من الدارسين في الجامعات الأوربية، ومنهم اشتراكيون، قادرون على إحالة نظام الشاه إلى ملكية دستورية تملك ولا تحكم، كان من الممكن أن تتحول إيران حقاً إلى واحة للديمقراطية والتقدم في المنطقة، ولكن خبراء أل CIA كان لهم رأي آخر، أن الشارع يتسيده اليسار، الاشتراكيون، الليبراليون، والشيوعيون، ونقابات العمال، والملالي لهم الرعاع والغوغاء في طهران والمدن.
نعم رعاع ... وماذا في ذلك ؟
قال أحد مخضرمي المخابرات الأمريكية، ألم يكن الغوغاء بقيادة مدلك في أحدى حمامات طهران ومصارعي الزورخانات هم من قاد تظاهراتنا وأشعل فتيل الانقلاب العسكري بقيادة الكولونيل زاهدي، الذي أعاد الشاه الهارب من روما، ليعبأ الرعاع صفوفهم، لقد ذقنا الأمرين من مثقفي اليسار والليبرالية، ضربة بقبضة يد وتدخل المنطقة في نفق مظلم لن تغادرة إلا بعد عقود طويلة، تحيل بلدان المنطقة إلى رماد تذروه الرياح، سيضطرون لبيع نفطهم ليشتروا السلاح وليقاتلوا بعضهم بعضاً، سوف لن يكون هناك كلام عن تنمية وتخطيط، بل هلوسة وتشخيط، وحرق للبتر ودولار، وهكذا كان.