البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

لقاء الحضارات

كاتب المقال د. ضرغام الدباغ    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 9873


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


الشرق لله
الغرب لله
ارض الجنوب وارض الشمال
تسلمان في يد الرحمن

في هذه الكلمات البليغة للشاعر الألماني الكبير يوهان فولفجانج جوته، بيان واضح أن البشر أينما كانوا، هم عباد لرب واحد وأينما كان الإنسان قد وجد، إنما هو من خلق الله الواحد الأحد رب البشر جميعا، سواء كانوا في الشرق أو في الغرب، في الشمال أو في الجنوب. وأمام الباحثين في بطون التاريخ ومصادره، نجد أن القضية الإنسانية ذات جذر واحد على كافه الأصعدة، تتمثل بسعي الإنسان في كل زمان ومكان إلي الخير، والخير هو عالم رحب واسع يقبل ويتحمل خيارات كثيرة بعكس الشر والحقد الذي يؤدي فقط وحتما إلى الدمار والظلم والظلام.

وعبر العصور والأزمان، كان طريق التعاون والتعارف بين بني البشر واستطرادا، الصداقة يطول ويتسع لفعاليات كثيرة: تجاريه وثقافية وسياسية. والسياسة هي أصلا مشروع لخدمه الخير والتعاون، هكذا كانت قوافل التجار من بلاد الرافدين (بابل وآشور) ترتاد مناطق وسط أوروبا منذ العصور ما قبل الميلادية، فقد وجدت آثار تدل على هذه العلاقات في شرق أوروبا (المناطق السلافية) وتقترب تلك الآثار حتى تصل إلى سواحل بحر البلطيق وبحر الشمال، تدل على علاقات تجاريه حتى مع البلدان الاسكندنافية .

ومن المؤكد أن هذا التعامل اتخذ أبعاد أوسع مع حلول العصور الميلادية وفجر الحضارة الإسلامية، حيث تعددت الصعد التي نشطت فيها تلك العلاقات، ودون شك, فأن العلاقات التجارية كانت في مقدمه تلك الأنشطة، إذ كانت القوافل تقصد أواسط أوروبا وشمالها من محاور متعددة. فمن المعلوم أن طريق الحرير كان ينطلق من الصين إلى أواسط آسيا ثم يتخذ طريقه متفرعاً ومتشعباً عبر المناطق الروسية إلى السلافية, ومن آسيا الوسطى عبر بلاد فارس إلى وادي الرافدين, إلى بلاد الشام حيث سواحل البحر المتوسط، متواصلا إلى بلاد الأناضول (تركيا حاليا) إلى البلقان واليونان وأوروبا الوسطى.

نعم، كانت التجارة العلامة الأكثر بروزا، ولكن دون إغفال التبادل الثقافي. ونحن نعلم أن هيرودوت الإغريقي جاء إلى مصر ووادي الرافدين ومكث في بابل وكذلك فعل فلاسفة آخرون، وسوف تتواصل العلاقات الثقافية في العصور اللاحقة، إذ كان هناك تبادل ثقافي ومعلوماتي مهم وواسع يتواصل منذ العصور قبل الميلادية وبصفة خاصة عن حركه النجوم وأسس علم الفلك.

ولعل الاتصال الأكثر شهره، تمثل في السفارات والرسل وتبادل الهدايا بين الخليفة العباسي هارون الرشيد وشارلمان في القرن الميلادي الثامن. والمهم في هذه السفارات كانت تتمثل في المساعي الدبلوماسية لإقامة محور سياسي له أبعاده المختلفة بين بغداد / عاصمه الخلافة العربية الإسلامية، وآخن حيث كانت عاصمه كارل الكبير (شارلمان)، وكان ذلك في عام 797 ميلادية، وتلك المساعي كانت تهدف مصلحة مشتركة.. إيقاف الخطر البيزنطي.

وبرغم أن الحروب الصليبية ‍‍11ـ 13 من القرون الميلادية، شكلت نقطه سلبية في العلاقات العربية /الإسلامية ـ الأوربية ـ المسيحية، إلا أنها مثلت في الوقت نفسه مناسبة لتبادل الخبرات في حقول كثيرة، ثقافية بالدرجة الأولى، وفي تطوير وسائل الإنتاج أيضا. فقد كانت هناك بالتأكيد حروب ومعارك، ولكن كانت هناك صفحات إنسانية أيضا. فقد تأثر قيصر ألماني بالثقافة العربية حتى أتتقن لغتها واحب العرب (القيصر فريدريك الثاني ـ توفي عام 125) وكان كارها للحرب ضد العرب المسلمين ومحبا للسلام، والتواصل الإنساني يقتحم القلوب والعقول، بعكس الحروب ، لذلك نجد اتليوم الغالبية من المثقفين الأوربيين ينظرون إلى الحروب الصليبة نظرة العدوان والتوسع.

مثل الشرق الأوسط (بما في ذلك شمال أفريقيا) بؤره إشعاع وجذب، هكذا كان الأمر عبر التاريخ في الصلات السياسية والثقافية والاقتصادية، الشرق الذي اجتذب منذ عصور التنوير موجات جديده من القادمين من الغرب، ومثلت ذروه تصاعد الفعاليات الثقافية التي أثارتها وحركتها مؤشرات عصر النهضة ومن ثم عصر التنوير، فجاء الباحثون والاثاريون و الجغرافيون والمؤرخون. ثم تأسست فيما أطلق عليها بحركة الاستشراق والمستشرقين الذين جاءوا إلى البلاد العربية، مصر والعراق بدرجه رئيسيه باعتبار أن هذين البلدين يمثلان حجر الأساس في حضارة الشرق بل والحضارة العالمية بآسرها, أي الحضارة التي نشأت في وادي الرافدين ووادي النيل.

واكتشافات الاركيولوجيون الألمان والفرنسيون والإنكليز لم تكن بسيطة. فقد كان لاكتشاف حجر رشيد وفك ألغازه على يد العالم الفرنسي شامبليون، ومنها أمكن قراءه الخط السومري والبابلي ولغات ولهجات أخرى، وبذلك أضيفت مساحات أخرى مهمة للثقافة العالمية، قانونيه وعلميه وفنية ما تزال خاضعة حتى الآن للدراسة والمراجعة وما زالت الاكتشافات متواصلة وما زال فك المزيد من الأسرار يضيف باستمرار للثقافة والأدب العالمي معطيات كثيرة. ولكن التطور في وسائل المواصلات سهل تنقلات الجيوش، وللأسف كان هناك من يستغل التطور العلمي من اجل تصنيع السلاح وتسويق بضائع أخرى، واقصد هنا بالضبط: موجه الحملات الاستعمارية التي غزت بلدان الشرق وأسست نظما استعمارية تسيء إلى العلاقات الإنسانية بين الشعوب والحضارات .

وبرغم ما تحمله هذه المرحلة من مرارة، إلا أن التواصل الثقافي استمر وكان رسامون كثر أبرزهم الفرنسي يوجين ديلاكروا والروائي غوستاف فلوبير وآخرون توجهوا إلى الشرق و عكسوا في أعمالهم الكثيرمن خصائص الحياة هناك، وموسيقيون أبرزهم فيردي وكتاب أبرزهم البريطانيه اجاثا كريستي. ومنهم من تفاعل وجدانيآ مع الشرق منهم الموسيقار الروسي كورساكوف، الذي كتب شهرزاد مستوحيآ أجواء وسحر بغداد في القرن الثامن ميلادي، والإيطالي روسيني الذي كتب واحدة من روائعة: حلاق اشبيليه، مستوحيَاَ أجواء الأندلس في ازدهارها، كما شاعت في الغرب قصص وروايات ألف ليله وليله، والبساط الطائر، علاء الدين والمصباح السحري، علي بابا وغيرها . وفي العصور الحديثه يتداول المثقفون الأوروبيون وعلى نطاق واسع للملاحم البابلية والسومريه واشهرها ملحمة كلكامش وغيرها لما تنطوي عليها من صور عميقة، إنسانية واجتماعية وسياسية وليس نادرا أن نستمع إلى الموسيقى العربيه في كل مكان في أوروبا.

والإيطاليون الذين كانوا روادا في دراسة الفلسفة وعلى مقربه من الأندلس، لذلك كان التفاعل قوياَ، حيث قام الفيلسوف العربي ابن رشد بإعادة كتابه أفلاطون وأرسطو، فتأثرت طائفة كبيرة من الفلاسفة الإيطاليين بابن رشد حيث تأسست جامعة بادوفا التي تخصصت بمنهجه العلمي ودراساته وأبحاثه الفلسفية، التي كان لها دورها البارز في تبلورات ثقافية لاحقه وفي تطور الفلسفة في أوروبا .

إن هذا العمل يهدف إلى إبراز الخير والجمال في التعاون واللقاء ... حقَاَ إن العالم قد أصبح صغيرا، وان تبادل الثقافات أصبح امراً محتماً ... وإن الحياة المشتركة على ظهر كوكب واحد، يعني إمكانية ارتشاف المزيد مما أنجزته وتنجزه حضارات وثقافات عديدة في إطار من ألصداقه والود وليس التناقض والكراهية والعدوان. وعلى كل المثقفين والمتحررين داخلياَ وخارجياَ من الضغوط أن ترفع شعار: لقاء الحضارات، لذلك فإن عنوان لقاء الحضارات سيحضى برضى واستحسان الكثيرين، ولكن ربما استياء بعض آخر نأمل أن لا يكون كبيراَ.

نريد بذلك هنا التأكيد على أن لقاء الحضارات في تفاعله ينتج الروائع والأعمال الخالدة، بل أن الحضارة الإنسانية بأسرها ما هي إلا نتاج تفاعل حضارات وإسهامات لأمم شعوب كثيرة وأن هذا الصرح الشامخ الذي نراه اليوم، ما هو إلا نتاج الإنسانية عبر تأريخها الطويل شاركت فيه كل الأمم، وربما حتى شعب الاسكيمو.

وطالما ليست بأيدينا أدوات قياس دقيقه وحاسمة، فأنه قد يتعذر قياس مشاركه أي طرف. لذلك نحن مضطرون للقول: أن أي مساهمة من أي طرف في هذا الصرح الشامخ تؤشر وتسجل أصحابها في قائمة الشرف.

نعم، إن التعاون يخلق المحبه ويوطد العلاقات ويعمقها بل ويجذرها، فيما لا يخلف التعصب والتطرف سوى الخراب والدمار ولا ينتج سوى الكراهية. ونريد في هذه المساهمة المتواضعة الإشارة إلي عمل فني وأدبي خلاق، إبداعي ساهم فيه :

أولا: ملك عراقي شجاع، عالي النفس، أبى أن يقع الجمال ضحية الأغتصاب والخيانة .. فشاء أن يقدم على رسم نهاية سيخلدها التاريخ، بطولة وشاعرية وحب للجمال حتى الموت، وأحتقاراً لقوة الأغتصاب والتآمر ..

وثانياً: ورسام فرنسي منح في لوحته القوة حيث يجب أن تكون، والكبرياء والفخر حيثما كان ذلك ضرورياَ. والنعومة والجمال الذي تقدمه لنا الحياة بسخاء لا يفسده سوى الوحشية والعنف والاغتصاب.

وثالثاً: شاعر بريطاني، جعل بطل هذه الدراما (الملك الآشوري ـ البابلي, العراقي) يتحدث ويوجه لنا وللتاريخ خطابه الأخير، يمجد الحكمة، ويمقت قوة السيف المغتصب .

أتني أتسائل هنا، كيف كان لنا أن نحتفظ بالأبعاد الإنسانية والتاريخ بمعناه الفني الرفيع، للملك الآشوري دون ريشة الرسام الفرنسي ديلاكروا، ودون قصيدة الشاعر البريطاني اللورد بايرن. أليس في ذلك دليل ساطع على جمال وروعة لقاء الحضارات وليس صراعها وفي تراكمها تقدم للبشرية ؟؟؟

آن المتشائمين ومطلقي الشعارات السوداء يريدون منا أن نشعل نيران الكراهية والحقد. ومن اجل ذلك ترى كم لوحة رائعة علينا أن نحرق، منها رائعة ديلاكروا وأيضا اللوحة الجميلة المعبرة ليوليوس كوي كرت، هارون الرشيد يستقبل في بلاطه ببغداد رسل كآل الكبير (شارمان). يريدون أن يقلع العالم عن سماع حلاق أشبيليه رائعة روسيني، وأن نلعن كورساكوف الذي أبدع شهرزاد، وان نوجه الشتائم لغوته لأنه كتب الديوان الشرقي. وعلى أطفالنا آن ينسوا مغامرات سندباد وعلي بابا والبساط الطائر، وكم هائل لا يعد ولا يحصى من المنجزات العلمية في: الطب والصيدلة والكيمياء والفيزياء والفلك، ومقابل ماذا ؟.... ترى هل لبئر الحقد والكراهية من قرار ونهاية .؟

أنني أريد آن أقول لمواطني الشرق أولاَ ثم لمواطني الغرب، ما قاله الشاعر الألماني العظيم: الشرق لله والغرب لله . أننا جميعاَ أخوة في الإنسانية، نعيش على ظهر كوكب واحد، وما أصغر هذا الكوكب .

دعوا نهر المحبه والتعاون يجري، علينا أن لا نقيم العوائق في طريقه، بل لنساهم جميعا أن نكون قطره خير ومحبه في هذا النهر. إن المهمة تبدو صعبه ولكنها ليست مستحيلة وبإسهام الجميع ستصبح سهله و يسيره واني آمل أن تكون هذه المساهمة قطره في هذا التيار الرائع، تيار الحضارة الإنسانية العالمية، دون تعصب أو تطرف، بل بالحب والعمل المشترك .


* * * *
لم تستعد بلاد الرافدين الاستقرار والهدوء بعد سقوط ألدوله البابلية، إلا بعد 500عامآ من النزاعات والحروب ألمحليه و أنظمه الحكم الصغيرة، وذلك عندما تمكن الآشوريون الذين كانوا قد أقاموا دولتهم في شمال العراق واتخذوا من نينوى عاصمه لهم ثم تمكنوا من بسط سيطرتهم وسلطانهم على بلاد ما بين النهرين بأسره، بما في ذلك ألعاصمه القديمة بابل.بل هم نجحوا بإقامة إمبراطوري عملاقة.

والآشوريون لم يكونوا غرباء عن بلاد الرافدين. فقد كانوا متواجدين في أعالي نهر دجله منذ آلاف السنين، ثم تمكنوا من تأسيس إمبراطورية قويه وواسعة، تواصل على استلام عرشها 116ملكأ، وبذلك فأنها كانت الأكثر استقراراَ من سابقاتها من الإمبراطوريات والدول، بما في ذلك دوله بابل العظيمة التي لم يتوارث الملك فيها إلا 36 ملكاَ.

في الدولة الآشورية (17ـ 605 ق.م) ازدهر الأدب والفن، وتطورت المنجزات وتجاوزت عما كانت عليه قي العهود السابقة، وكان ذلك مترافقاَ مع الاستقرار السياسي واتساع نفوذهم الذي بلغ سواحل الخليج العربي جنوباَ، ودوله عيلام شرقا, وحتى جبال ارمينيا شمالاَ، والى البحر المتوسط غربا (بحر آمور العظيم) بما في ذلك قبرص ومصر وشبه الجزيرة العربية. إمبراطورية وقوة عظمى .

وقد اكتسب الملوك الآشوريون المجد، ومنهم على سبيل المثال الملكه شامورامات وهو ما يعني (الاسم الجميل) وتعرف أيضاَ باسم سميراميس, وقد نالت المجد بفضل سياستها الحكيمة ودولتها ذات الاجهزه الإدارية المحكمة، وبميلها إلي الفن المعماري. ومنهم أيضاَ الملك أترجون الذي كان يحمل لقب (الجندي الشجاع) بسبب قيادته الناجحة للجيوش، وكذلك الملك سنحاريب الذي اشتهر بميله إلى الأعمار وقد أسس قناة للري باسمه .

ولكن الحكام الآشوريون كانوا مأخوذين بسحر وروعه الفنون والثقافة في بابل, وفخورين بأن تضم دولتهم هذه المدينة التاريخية العظيمة السابقة لهم في الحكم والمجد. ولكن البابليين لم يكن بوسعهم التصور والتحمل أن لا تكون بابل مدينه الثقافة العظيمة عاصمه للإمبراطورية، على الرغم من أن الآشوريون فعلوا كل شي لأن تتحد عاصمتهم الجديدة مع العاصمة القديمة في لغة و آله، مشتركة. كما حرص ملوك الآشوريون على الزواج من سيدات بابليات من اجل المزيد من توثيق العرى .
وكان الملوك الآشوريين قد شيدوا عاصمه جديدة حملت اسم دورشاروكين، ويطلق عليها أيضا اسم (خرصباد) لا تقل روعة وعظمة عن بابل. إلا أن وفاة الملك اسرحدون كانت قد جلبت بداية النهاية لوحدة الدولة وكيانها، إذ اندلعت الصراعات بين الإخوة حول مناطق الإمبراطورية، ومن جهة أخرى كان اتساع رقعة الإمبراطورية عاملا مساعدا لهذا التمزق، فعادت الدول الصغيرة إلى البروز في بلاد ما بين النهرين، وكذلك الحروب المحلية وكان ذلك يدور حوالي 660 ق. م .


* * * *
كان ساردانبال آخر ملك آشوري في بابل وقد تآمر ضده قائد جيشه الميدي، سعياَ إلى انتزاع العرش. وحدث ذلك في وقت من السنة كانت فيه مياه نهر الفرات قد فاضت حتى بلغت إرجاء قصره فساهمت مع المتآمرين في تعجيل سقوطه .

وعندما أدرك الملك ساردانبال عدم جدوى القتال والمقاومة وإراقة الدماء، قرر الانتحار مع زوجاته وحاشيته. وقبل ذلك قتل خيوله الاصيله وكلاب الصيد النادرة، ثم سكب العطور والمشروبات الكحولية على عرشه وأضرم النار في نفائسه وأعز ما يملك، وجلس بكل كبرياء في شرفة قصره المطل على نهر الفرات وحدائقه الغناء، منتظراَ أن يتصاعد اللهب ليجلب الموت الذي ارتضاه .

ترى هل كان ساردانبال رجلاً تحجرت فيه عواطفه ..؟..أم ترى انه اختار نهايته على هذه ألصوره كإنسان أختار نهاية شاعرية رومانسيه، وليس كملك يفكر حتى أخر لحظه بالسلطة و السلطان؟

هذه الرؤى حركت خيال الرسام الفرنسي يوجين ديلاكروا (1798–1863) فحولها إلي لوحه شهيره تحمل اسم (موت ملك) التي يصفها بعض النقاد بأنها من أجمل أعمال ديلاكروا مع رائعة أخرى له هي (الحرية تقود الشعب) .

واللوحة الرائعه والتي هي بحجم 395X495، رسمت عام 1827 بالزيت على قماش الكتان، هي اليوم من روائع متحف اللوفر بباريس. وهي تصور الملك الآشوري / البابلي ساردانبال وهو يجلس على عرشه بكل كبرياء يتطلع بشجاعة ممزوجة بالعطف إلي قتل نسائه وخيوله. انه لمنظر يصور الجمال والنعومة والوحشية في آن واحد .

ساردانبال الإنسان كان قد قرر أن لا يسقط هذا الجمال ضحية للعدوان والوحشية، وكذا نفائسه غنيمة بيد المعتدي، ساردانبال وهو الفارس الشجاع، المحب للسلام والمبغض للحروب، ليس بسبب التخاذل آو الخوف، ولكنها الشجاعة النبيلة أملت الموت حرقاَ محتضناَ اللهب. على هذا النحو أراد ديلاكروا آن يعرض اللحظات الأخيرة من حياة الملك ساردانبال......
الموت محترقأ مع النفائس والجمال .

فقد سأل صحفي مرة الكاتب المسرحي الشهير جان كوكتو: ماذا تفعل إذا شاهدت دارتك الجميلة بكل ما تضم من كتب رائعة ولوحات أصيله أهداها لك أصدقاؤك الفنانون، وكذلك تحفك الثمينة، وقد شبت النيران في كل ذلك ؟

فأجاب كوكتو على الفور : إذن احتضن ذلك اللهب الرائع بين ذراعي .

أما الشاعر البريطاني بايرن (اللورد جورج بايرن 1788-1927) وهو مناضل قضى من اجل الحرية في اليونان وهو في شبابه, فأنه اطلع على هذه الدراما ثم شاهد اللوحة الرائعة لديلاكروا، وكتب واحدة من قصائده الرائعة .

اللورد بايرن يتخيل خطاب ساردنبال كلماته الأخيرة ....

كم أحببت وكم عشقت ....
كم مارست الخيال في حياتي .
لم أدع لحظة واحدة من الحب تفلت من يدي
ولكنه الموت....
أنه ليس غريب عني
أنه أسهل مما نتخيل ونتصور ...
حقا ...أنني لم أدع قطرة دم واحدة تهدر عبثا
ما يملأ منه البحار ...
كسيد، لم افعل ذلك
أن يطبع اسمي مقرون بالموت في كل مكان
كان بوسعي آن افعل كل ضروب الرعب
التي تخلد كذكريات للنصر
ولكني لم افعل ذلك ...
ولست نادم على ذلك ...
فحياتي هي الحب
أكثر نقاء وصفاء
من مياه الأنهار
ولكن عندما يكون اهراق الدماء ضرورياَ
لذلك ....
فأنا فخور بأني لم أضحي بقطرة دم من أجلي ...
من شرايين ابناء آشور
وإذا شاءوا بعد ذلك أن يكرهوني ...
فذلك
لأنني لا احمل في قلبي الكراهية
وإذا ثار بوجهي عصاة، فلأنني لست بطاغيه
كم أنتم رجال سيئون..
لا ترتضون يدا تحمل الصولجان
بل يدا تضرب بالسيف ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
د0 عكاشة, ثروت : الفن العراقي القديم بيروت 1974
كونومتل شتات : يوجين ديلاكروا برلين 1974
مجموعة مؤلفين : تأريخ العالم ج .1 لايبزج 1981


 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 24-08-2008  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  أقفاص الأسر على مر التاريخ
  مأزق هنية
  ماذا يحدث في بلاد العم سام
  الوضع الثقافي في شبه الجزيرة قبل الاسلام
  سوف تكسبون ... ولكنكم لن تنتصروا Sie werden gewinnen aber nicht siegen
  صبحي عبد الحميد
  الخطوط الدفاعية
  غيرترود بيل ... آثارية أم جاسوسة ..؟
  أمن البعثات الخارجية
  الحركة الوهابية
  ماذا يدور في البيت الشيعي
  الواقعية ... سيدة المواقف
  زنبقة ستالينغراد البيضاء هكذا أخرجت فتاة صغيرة 17 طائرة نازية من السماء
  اللورد بايرون : شاعر أم ثائر، أم بوهيمي لامنتمي
  حصان طروادة أسطورة أم حقيقة تاريخية
  دروس سياسية / استراتيجية في الهجرة النبوية الشريفة
  بؤر التوتر : أجنة الحروب : بلوشستان
  وليم شكسبير
  البحرية المصرية تغرق إيلات
  كولن ولسن
  الإرهاب ظاهرة محلية أم دولية
  بيير أوغستين رينوار
  المقاومة الألمانية ضد النظام النازي Widerstand gegen den Nationalsozialismus
  فلاديمير ماياكوفسكي
  العناصر المؤثرة على القرار السياسي
  سبل تحقيق الأمن القومي
  حركة الخوارج (الجماعة المؤمنة) رومانسية ثورية، أم رؤية مبكرة
  رسائل من ملوك المسلمين إلى أعدائهم
  وليم مكرم عبيد باشا
  ساعة غيفارا الاخيرة الذكرى السادسة والستون لمصرع البطل القائد غيفارا

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسن عثمان، د- هاني ابوالفتوح، د - المنجي الكعبي، محمد الطرابلسي، عبد العزيز كحيل، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد الغني مزوز، المولدي الفرجاني، د - محمد بنيعيش، إسراء أبو رمان، د. أحمد بشير، د. صلاح عودة الله ، عبد الله زيدان، الناصر الرقيق، رشيد السيد أحمد، إياد محمود حسين ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمود فاروق سيد شعبان، د- جابر قميحة، عزيز العرباوي، فتحي العابد، أحمد بوادي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. طارق عبد الحليم، د - الضاوي خوالدية، مجدى داود، سعود السبعاني، رضا الدبّابي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- محمود علي عريقات، أبو سمية، الهيثم زعفان، فوزي مسعود ، د - شاكر الحوكي ، رافع القارصي، د - عادل رضا، العادل السمعلي، محمد الياسين، أحمد ملحم، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد اسعد بيوض التميمي، د. أحمد محمد سليمان، حسن الطرابلسي، خالد الجاف ، عمار غيلوفي، ماهر عدنان قنديل، أشرف إبراهيم حجاج، محمود طرشوبي، طارق خفاجي، وائل بنجدو، خبَّاب بن مروان الحمد، ياسين أحمد، نادية سعد، صلاح الحريري، أحمد الحباسي، سامر أبو رمان ، فتحـي قاره بيبـان، د - محمد بن موسى الشريف ، سلام الشماع، جاسم الرصيف، د. عبد الآله المالكي، صالح النعامي ، محمد علي العقربي، يحيي البوليني، محمد أحمد عزوز، تونسي، رمضان حينوني، حميدة الطيلوش، صفاء العراقي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - صالح المازقي، كريم فارق، محمد العيادي، صباح الموسوي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد شمام ، د.محمد فتحي عبد العال، بيلسان قيصر، سفيان عبد الكافي، د. خالد الطراولي ، صلاح المختار، د - مصطفى فهمي، مصطفي زهران، سليمان أحمد أبو ستة، أنس الشابي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الرزاق قيراط ، محمد يحي، أ.د. مصطفى رجب، سيد السباعي، محمد عمر غرس الله، علي الكاش، عمر غازي، عواطف منصور، سلوى المغربي، منجي باكير، فهمي شراب، د- محمد رحال، مصطفى منيغ، عبد الله الفقير، سامح لطف الله، كريم السليتي، محرر "بوابتي"، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، الهادي المثلوثي، مراد قميزة، طلال قسومي، إيمى الأشقر، حاتم الصولي، يزيد بن الحسين، عراق المطيري، ضحى عبد الرحمن، محمود سلطان، فتحي الزغل، صفاء العربي، رافد العزاوي، علي عبد العال، المولدي اليوسفي، أحمد النعيمي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة