البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

بعد عشر سنوات.. إلى أين تتجه الديمقراطية الناشئة في تونس؟

كاتب المقال امحمد مالكي   
 المشاهدات: 1628



أكملت تونس خلال شهر كانون الثاني/ يناير المنصرم (2021) عشر سنوات على ما أطلق عليه التونسيون "ثورة الياسمين"، التي عصفت برأس النظام، وأهّلت البلاد للدخول في سيرورة إعادة بناء شرعية سياسية ومؤسساتية جديدة، تجسدت في صياغة دستور جديد (14 كانون الثاني/ يناير 2014)، وانتخاب أكثر من رئيس دولة وحكومة، وإجراء العديد من الانتخابات التشريعية، بيد أنه على الرغم من هذه الخطوات المهمة، تعيش تونس من شهور على وقع اضطرابات واحتجاجات اجتماعية متصاعدة، قد تُفضي إلى إضعاف ديمقراطيتها الناشئة، كما قد تُغير الصورة التي كونها المواطنون التونسيون عن التحول الديمقراطي في بلادهم، وتزعزع تاليا التقدير الذي أبدته دول خارجية كثيرة لحالة تونس في خريطة ما حصل في عموم البلاد العربية.

لا شك أن تونس قدمت نموذجا لافتا للانتباه، ومشرفا لقدرة المواطنين على تغيير بلدهم نحو الأفضل، أي في اتجاه إعادة بناء شرعية سياسية ومؤسساتية ديمقراطية جديدة. فتونس كانت إلى أعوام قريبة حالة استثنائية على الصعيد العربي، وكثيرا ما نُظر إليها مرجعا ومثالاً للإشارة إلى قدرة المنطقة العربية على إنجاز التحول الديمقراطي.

غير أن تونس تعاني اليوم من سلسلة من الصعوبات، تحتاج إلى وحدة وطنية خلاقة وشجاعة لابتكار حلول فعالة وناجعة، كما تحتاج إلى قوة دفع صادقة وعملية من محيطها الإقليمي والدولي، وبغير هذا قد تدخل البلاد التونسية دائرة غير واضحة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، قد تعصف بكل ما راكمت من إنجازات، وتُعيد ديمقراطيتها الناشئة التي لم تتوطد دعائمها بعد إلى ما قبل نقطة الانطلاق أو أكثر.

يمكن تحديد منابع القلق على الديمقراطية الناشئة في تونس في أكثر من مصدر وسبب. فمن جهة، هناك طبقة سياسية منقسمة على ذاتها، تضم كل التيارات وأطياف اللون السياسي، من إسلاميين وعلمانيين، وقوميين، وليبراليين، وتكنوقراط لا انتماء سياسيا لهم، لكن يلعبون أدوارا مهمة وخطيرة في الآن معا.

وقد أثبتت سياقات التحول الديمقراطي أن الثقافة السياسية الديمقراطية لمجمل مكونات هذه الطبقة ما زالت في عمومها منخفضة، وتحتاج إلى ترسيخ ونضج أكثر، لتمد تونس بنخبة مسلحة باقتناع بناء تونس الجديدة.. ولعل التجاذب الموجود اليوم، والمعطّل لاستقامة الحياة السياسية في تونس، بين ثلاث شرعيات (الرئاسة، البرلمان، الحكومة)، يُبين طبيعة الفجوة بين ما يتطلع إليه المواطنون، وينتظرون جنيه من "ثورة الياسمين"، ونوعية السياسة كما تمارس في الواقع.

والحقيقة أن وهن النخبة السياسية وضعف أفقها السياسي يدخل في خانة ما هو مشترك بين أغلب البلاد العربية، ويشكل في الواقع أحد الأعطال التي طالت المجال السياسي العربي ، وليس التونسي وحده. فالحاجة ماسة لإجراء النخبة ثورة فكرية وثقافية على نفسها، أو الانسحاب، وهو ما يبدو عصيّا، لفتح الطريق أمام نخبة جديدة قادرة على إنجاز التحول الديمقراطي.

يُشكل الاقتصاد مصدراً مُفسرا للتهديدات التي تواجه الديمقراطية في تونس. فالتغيير الحاصل عام 2011، تمّ في سياق موسوم بالانكماش الناجم عن الأزمة المالية لعام 2008، والانعكاسات السلبية التي شملت الاقتصاديات الدولية، وقد زادته تعقيدا ديمومةُ التراجعات الحاصلة في معدلات النمو في القارة الأوروبية، بما فيها الدول الأكثر نموا، ومنها فرنسا التي تربطها علاقات تقليدية تعود لعقود طويلة. وعلاوة على ذلك، تعرضت تونس لضربات إرهابية، أوقفت انسياب السياح إليها، مما يعني تجفيف أحد مهام منابع الثروة الوطنية بالنسبة للاقتصاد التونسي. وإذا أضفنا إلى هذين المصدرين ابتلاء العالم بوباء كورونا، وما ترتبت عنه من مظاهر التوقف والشلل العام، يمكن وعي حجم التهديد الذي يمثله الاقتصاد بالنسبة لديمقراطية تونس.

يُضاف إلى وَهن النخبة السياسية وضعف الاقتصاد استمرار الفساد ومقاومة أصحابه لكل محاولات الحدّ منه، والتخلص من آثاره. فالفساد وحده يدمر العُمران، ويعرقل الديمقراطية، ويحولها إلى مجرد قوقعة فارغة، وينزع عن السياسة روحها الإيجابية، أي يُجردها من وظائفها النبيلة في الارتقاء بالإنسان نحو الأفضل. لقد شكل القضاء على الفساد أحد شعارات الثورة التونسية، كما ظل مطلباً متجددا على امتداد كل السنوات التي أعقبت سقوط النظام، ومع ذلك ما زال الفساد يُجدد جلده، وما زال أصحابه يقاومون، ويتطلعون لأن يعودوا إلى مدارج السلطة ومؤسساتها، بل إن الترميم الحكومي الثالث في هذا العام ما زال يترنح، وينتظر موافقة مؤسسة الرئاسة، حتى وإن حصل وتمت المصادقة البرلمانية عليه.

هناك إذن مصادر تهديد قوية وبالغة الخطورة أمام الديمقراطية في تونس، والواقع لا يظهر بوضوح إمكانيات حقيقية لتجاوزها إيجابيا في الزمن المنظور، بل ربما احتمالات التفاقم ومشاهده ستكون أكثر رجحانا في القادم من الأيام والشهور، وأن السنوات القادمة في سيرورة التحول الديمقراطي التونسي ستكون صعبة دون شك. لذلك، تُقدم التجربة التونسية في مجال بناء الديمقراطية وتوطيدها دروسا للتساؤل والبحث والتحليل.

ونميل إلى التأكيد على أن أهم الأسئلة وأبرزها من واقع التجربة التونسية، التي شكلت مثلا وأملا للمنطقة العربية، يتعلق بمدى إمكانية بناء الديمقراطية، والنجاح في توطيدها وترسيخ ثقافتها، في بلد يُعاني من الضعف الاقتصادي والهشاشة في الإنتاج وتعظيم الناتج الخام الوطني، وفي مجتمع ينخره الفساد، ومع وجود نخبة سياسية أضعفتها الانقسامات، وأعمت أبصارها شهية السلطة واقتسام المنافع.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، ذكرى الثورة، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-02-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سامح لطف الله، نادية سعد، سفيان عبد الكافي، رافع القارصي، سلوى المغربي، المولدي الفرجاني، عبد الله الفقير، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بنيعيش، أحمد بن عبد المحسن العساف ، كريم فارق، بيلسان قيصر، صفاء العراقي، د. خالد الطراولي ، د- هاني ابوالفتوح، د - شاكر الحوكي ، محمد اسعد بيوض التميمي، خالد الجاف ، صلاح الحريري، المولدي اليوسفي، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد الرزاق قيراط ، مراد قميزة، محمد علي العقربي، صفاء العربي، سيد السباعي، مجدى داود، ضحى عبد الرحمن، حسن الطرابلسي، د. صلاح عودة الله ، محمد الطرابلسي، فهمي شراب، أنس الشابي، حسني إبراهيم عبد العظيم، إياد محمود حسين ، علي الكاش، ياسين أحمد، حاتم الصولي، يزيد بن الحسين، د- محمود علي عريقات، أحمد ملحم، أشرف إبراهيم حجاج، محمد العيادي، صباح الموسوي ، عبد الغني مزوز، أحمد الحباسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سليمان أحمد أبو ستة، د. عبد الآله المالكي، مصطفي زهران، حسن عثمان، عراق المطيري، فتحي العابد، د.محمد فتحي عبد العال، عمار غيلوفي، حميدة الطيلوش، أحمد بوادي، د - الضاوي خوالدية، تونسي، محمد الياسين، أ.د. مصطفى رجب، محمود فاروق سيد شعبان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عواطف منصور، عمر غازي، كريم السليتي، د - محمد بن موسى الشريف ، رافد العزاوي، د- محمد رحال، صلاح المختار، خبَّاب بن مروان الحمد، إيمى الأشقر، فوزي مسعود ، محمود طرشوبي، سامر أبو رمان ، د - عادل رضا، الهيثم زعفان، إسراء أبو رمان، د - صالح المازقي، رضا الدبّابي، عبد الله زيدان، منجي باكير، الهادي المثلوثي، د. طارق عبد الحليم، رمضان حينوني، العادل السمعلي، وائل بنجدو، د- جابر قميحة، د - مصطفى فهمي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمود سلطان، فتحـي قاره بيبـان، يحيي البوليني، علي عبد العال، محمد عمر غرس الله، عزيز العرباوي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. أحمد محمد سليمان، جاسم الرصيف، سعود السبعاني، د. أحمد بشير، سلام الشماع، محرر "بوابتي"، عبد العزيز كحيل، طارق خفاجي، صالح النعامي ، طلال قسومي، أبو سمية، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مصطفى منيغ، ماهر عدنان قنديل، فتحي الزغل، أحمد النعيمي، محمد شمام ، د - المنجي الكعبي، محمد أحمد عزوز، محمد يحي، رشيد السيد أحمد، الناصر الرقيق،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة